حكايات واقعية عاشتها، أو عايشتها، قارئات «المساء» ممن اخترن إخراجها من الذاكرة إلى الحاضر، ومن الكتمان إلى العلن علها تفيد أخريات. حلقات ننشرها هذا الصيف، لنساء يرغبن في اقتسام فرحهن كما حزنهن، نجاحهن كما فشلهن مع القراء. عوز، فقر، حاجة، عيش على مضَضْ.... أربع سمات أساسية لحياة أسرة تتكوّن من سبعة أفراد «الزُّوهرة» أكبرهم. عمر أمضته في العذاب والأسى، هكذا بدأت حكايتها قائلة: كنت أعيش مع أسرتي، أم، أب، وإخوة، والدي لم يكن يحب المسؤولية، ولم يكلف نفسه مشقة السعي وراء رزق أبنائه، بعد أن بلغت عمر الثالثة عشرة وجدت نفسي على حداثة سني أقدم قربانا للقمة العيش، مسؤولة عن أسرة، لا ذنب لي إلا أنني كبيرتهم، بدأ والدي يعرضُني للعمل في المنازل، كان يُسافر بي من باديتنا الكائنة بضواحي «تاونات» إلى الدارالبيضاء والرباط وكل المدن الكبرى، يطرق باب سماسرة خادمات البيوت ويعرضني للخدمة. يحصل على راتبي ويمنحني الفتات، كنت أعمل بكد دون أن أحصل على شيء، ذقت الهوان ووجدت نفسي أعبر عباب الحياة وحيدة تتقاذفني أمواجها من بيت إلى بيت، ضاعت مني أجمل سنين عمري، سنوات الطفولة والبراءة، هذه السنوات التي يصفونها بأنها الرائعة لكني لم أحس بروعتها يوما. كنت أتشبث دائما بجلباب أبي في كل زيارة وأستجديه ليُعيدني معه إلى قريتنا لأعيش وسط إخوتي ووالدتي لكنه كان شديد القسوة، تسقط دموعي على خدي وأنا أستجديه ولا يُعيرها أي اهتمام. اشتغلت في بيوت كثيرة، أخدم أطفالا ينعمُون برغد العيش ويعيشون طفولة سعيدة، يأخذهم آباؤهم إلى المدارس بينما والدي يسوقني للعمل في البيوت. كانت تجمعني بهؤلاء الأطفال نفس السنين لكن الحظوظ كانت تفرقنا، هم أسعدتهم الأيام وأنا أشقتني. استمرت الحياة بي هكذا، ومرّت بكثير مرها وقليل حلوها..... افتقدت الحنان والعطف الضروريين للنمو الطبيعي للإنسان، إذ لم أحظ بأي رعاية، انتقلت من بيت إلى البيت، كل بيت ومناخُه، اشتغلت عند كل أنواع البشر، مرضى نفسيين، قساة، حاقدين... البعض كان يضربني، والبض يجوعني، والبعض يرغمني على النوم على الأرض في المطبخ، عانيتُ من التعذيب والتنكيل والاستغلال، تعرضت لأسوأ معاملة بدون رحمة وشفقة، أشكال وألوان من القهر لا تستحملها براءة طفلة في عمر الزهور. كان والدي يحضر نهاية كل شهر لأخذ أجرة عملي، كنت في كل مرة أذرف دموع البؤس والشقاء ليرق قلبه لحالي، أكشف له عن جسدي ليرى آثار التعذيب عليه حتى يشفق علي ويأخذني معه، لكن لا حياة لمن تنادي، ورقات المائة درهم التي كان يقبضها بين يديه لقاء عملي تخرس لسانه وتقتل مشاعر الأبوة داخله وتخضعها للتنويم المغناطيسي. كانت ردود فعله الباردة تعمق جراح البؤس داخلي وتعطي للمآسي التي كنت أعيشها لكي تزيد من حزني وشقائي. مع الوقت انكسر كل شيء جميل في نفسي وزاد من عذابي فقدان والداتي، الصدر الحنون الذي كنت ألجأ إليه كلما أحسست بقسوة الحياة، أنظر إليها فتنجلي الأحزان وتتبعثر المآسي، مع فقدانها أحسست بالضياع، تلاشى كل شيء أمامي، لكن ومع ذلك تستمر الحياة، فالاستمرارية حتمية والله قد أنعم علينا بالنسيان. بعد مرور أيام على موت والدتي، كانت المحطة أسرة غنية قليلة العدد، أب وأم وطفلان. استقر بي المقام أخيرا عندها فكانت نعم الأسرة، حنان واهتمام. تمر السنوات ويحلو المقام معهم، صرت المكلفة بكل شيء في مطبخهم، أصبحت طبّاخة بامتياز وكانت كل ما تنتجه يدي مبعث فخر لي بل كان كثيرا ما يتسبب لي في طمع الآخرين، مع الوقت لم أعد مجرد خادمة في بيت ذلك الثري، بل أصبحت وكأنني سيدة البيت ربما أكثر منها أهمية عند زوجها الذي أصبح عشيقي، لتبدأ العلاقة، لا أدري كيف بدأت أطوارها، وكيف استسلمت وخنت ثقة سيدة منحتني ما سلبه مني الآخرون. المهم دخلنا في هذه التجربة القذرة، انغمسنا معا في بحر الخطيئة، جنس وجنس ثم جنس، كنت أتقاضى بموجب عملي مبلغ 1000 درهم، صرت أحصل على أكثر من 3000 درهم كمبلغ إضافي يهديه لي صاحب المنزل مقابل إشباع نزواته. أصبح معتادا على أن يلجأ إلى فراشي بعد منتصف كل ليلة حين تخلد زوجته للنوم وتغط في نوم عميق لأنها تتناول أدوية مسكنة، فيختلي بي ثم يعود إلى فراشه وكأن شيئا لم يكن.فقدت عذريتي بعد اتفاق مسبق، لعبنا فيه لعبة المقايضة، عذرية مقابل شقة، شيء من هذا لم يتحقق، كم كنت أحلم بأن تكون عذريتي من نصيب الرجل الذي تُفتح له أبواب قلبي ويكون رفيق دربي، لكن هيهات فهناك مسافة شاسعة بين ما نتمناه وما نلقاه... مازلت إلى كتابة هذه السطور العشيقة الخائنة، أقود مركب الفاحشة، لكن ليس كهاوية بل ولجْت عالم الاحتراف بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني، عُهر، خمر وانحراف، ما زلت أقيم عند تلك الأسرة ولأنهم منحوني حقوقا لا تمتلكها أية خادمة، أصبحت أقوم بكل ما يحلو لي، أخرج مع من أريد، أقضي يوم عطلتي مع الرجال في الخارج، نمرح ونسكر ونزني، صار كل شيء عندي سواء، فقد فقدت الأشياء معانيها الحقيقية، الحياة صارت ممزوجة بعلامات الاستفهام، لا أدري ما يخبئه لي الغد، كثيرا ما تنتابني حالات الندم على كل شيء، الندم على ما كان وعلى ما يقع وأردد دائما: لو أنّي أعرف خاتمتي ما كنت بدأت.