تقديم: ما كنت لأعود لهذا الموضوع الذي سبق نشره تحت عنوان: "شيشنق فاخر للبيع"، لولا أن إخواننا الغلاة، صانعي العاهات التاريخية، وصولا إلى ادعاء تقويض ملك الفراعنة-منذ سنة 2968-دون أن يشهد لهم هؤلاء الذين دونوا كل شيء، وبالتفاصيل المملة، بأي شيء من هذا. أقول: لولا أن اخواننا هؤلاء يأبون علينا فرحة السنة الفلاحية، والاحتفال بالخصب الذي شاع لدى العديد من الشعوب، وليس الأمازيغ فقط. سنة فلاحية حق لنا أن نحتفل بإطلالتها كل عام، نحن المغاربة الذين نعتز بكون هويتنا الثانية التي تطعمنا خبزا هي الهوية الفلاحية. نحتفل بها وأبغض ما نبغض على موائدنا وجبة العرقية المُرَّة والمقيتة، ومن هنا لا يوجد في أطباق "يَناير" غير خليط الحلاوة، ولأي فاكهة انتسبت. إن كان لا بد من تبضع التاريخ من أسواق الوهم، فلا تقربوا صخور الفراعنة لأنها أكثر تفصيلا من جرائدنا اليوم. ولا تقربوها لأن المُدَون فيها لم تقو حتى آلاف السنين من شمس مصر، ورياحها، على محوه. لا تُنغصوا علينا فرحتنا بسنتنا، لأنها مناسبة لتذكر حتى جداتنا اللواتي عشن فلاحات مغربيات، وكفى. في الشارع 2968: حيث يرتفع هرم من شمع، قاعدته على شكل أدق الحروف دلالة - شكليا- على قِصر النظر، في "تفناغ"، وهو "الزاي" أو "أزا"، الذي يتوسط العلم الأمازيغي، كما يريده غلاة الهوية –خارج دساتير الدول المعنية- ناسخا لكل أعلام شمال إفريقيا، وليس دالا فقط على ثقافة أصيلة تؤسس، مع ثقافات أخرى وافدة، هوية مشتركة. عينان حمراوان متقابلتان، تعتلي إحداهما الأخرى، وتحد من مداها، وبينهما خط عمودي جامع، يرمز إلى الرؤية، حسب التفسير الأمازيغي في "ويكيبيديا". وإن صح هذا فهي رؤية محدودة، لضيق مجال النظر، في مقام دلالي يقتضي الشساعة والانتشار العابر لثلاثية الألوان المعبرة عن بلاد "تامزغا": الأزرق، الأخضر، والأصفر. بعد هذا لا أدري السند الذي اعتمده بعض التفسير الأمازيغي في القول بأن "أَزَّا" هذه تقمصت هندسة قادمة من السماء، منذ آلاف السنين. فهي تشاكِه صحنا طائرا (OVNI)، لعله هدية أمازيغ الفضاء الكوني إلى أهل تامزغا، كتوقيع على أن الكون كله أمازيغي. وما المانع، ونحن نبني تاريخا على هوانا؟ أليس الفضاء أولى –احتكارا-من هذه الجبال، وهذا التراب الذي يدعيه "الهوس الهوياتي" لنفسه فقط، في الوقت الذي يدلي فيه العلماء بهجرات كبرى عرفتها البشرية، سارت في اتجاهات شتى. هجرات ثابتة اليوم بأدلة علمية قطعية؛ إذ العِرق دسَّاس= ADN، والأركيولوجيا نمامة؟ *الانتشار من إفريقيا، منذ 200000 سنة. الوصول إلى الشرق الأدنى منذ 125000 سنة. الانتشار من الشرق الأدنى إلى جنوب آسيا منذ 50000 سنة. الوصول إلى استراليا منذ 40000 سنة. وصول الانسان العاقل إلى أوروبا منذ 43000 سنة. الوصول إلى شرق آسيا منذ 30000 سنة. الهجرة إلى أمريكا الشمالية، منذ 14000سنة أو 30000 سنة (خلاف). الوصول إلى جزر بولينيزيا منذ 1300 ق. م... هجرات أولى، أعقبتها هجرات قديمة أخرى، وصولا إلى أزمنتنا الحديثة، بل إلى أيامنا هذه حيث يتهافت أحفاد الأشوريين والسريان وأبناء اليمن السعيد على التراب الأوروبي. كل هذا يجعل الدفع بنقاء عرق ما، في جغرافية ما، من قبيل الخرافة، في علم الوراثة الأثري. في هرمنا الشمعي – كما يغرينا به غلاتنا -شقة فاخرة التاريخ للبيع، بزنة الأهرام كذبا، وليس ذهبا. لا تستغربوا أن يتم الجمع بين الشمع والتاريخ في التأسيس للسنة الأمازيغية، لأن التاريخ هنا "لايت" بدون أي مفعول زمني يفكك المادة أو يذيبها، فرغم كون عوادي الزمن أتت حتى على أنف أبي الهول الصخري، وحرمته من البرهنة – زهوا كأنف الناقة -على انتمائه لأنوف مصر، فان كل بهاء الجسد الشمعي ل "شيشنق" ظل على حاله، نكاية في كل فراعنة الكنانة الصخريين، ونسخا لكل رسومهم ودواوينهم الهيروغليفية التي لم تترك شيئا إلا أحصته، بشهادة العالم الفرنسي "شامبيليون". وبالمناسبة، فهذا العالم الذي أنطق الصخر، في الجيزة وواد الملوك، وغيرهما، لم يعثر به على أي حرف من حروف تفناغ. هل هذا دهاء من شيشنق، حتى يتماهى تاريخه كلية مع الفراعنة؟ كيف لم يفكر بترك ولو حرف واحد يفاخر به أمازيغ الأزمنة اللاحقة؟ إن لم يكن على حيطانه فضمن حنوطه. نكاية شيشنق هذا بوطء وثقل نكاية موسى؛ إذ أذل بعصاه ثعابين الفرعون، وهو قائم ينظر إلى هذا الراعي الذي ما هش، بها، قط إلا على غنمه، حتى نودي: يا موسى اذهب إلى فرعون إنه طغى. كيف سكت القرآن الكريم على كل هذه المعجزة، ونحن نجده يقص أخبارا دونها؟ فرعون من شمع، في هرم من شمع، وكلاهما في صحراء تكابد شمسا تشوي العصافير. هلك فرعون القرآن، والفراعنة، ما تعاقبوا ودونوا ورسموا. نسي أهل الدار كل المنابت البيولوجية لهؤلاء الملوك، حتى نُسِبوا إلى كواكب أخرى. وحده شيشنق الشمعي ظل شاهدا على أن لنا أسهما في عرش مصر. أسهم تذكرنا بها فتوة الشارع الأمازيغي، كل عام، وكأنها تقول لمن تعتبره هي عربيا خالصا، من أهل الشاء والبعير: نحن أيضا غزاة، وقد سبقناكم إلى هذا –كما سبقنا الرومان والفينيقيين والوندال –حينما أطاح جدنا بالفرعون، على غرار النبي موسى. الفرعون الفضي: هو شيشنق الحقيقي (انظر الصورة) الذي ليس بيننا وبينه غير الخير والإحسان، كما سعى موسى أن يعلمهما للفرعون، لعله يزكى. تقول عنه لوحة "حور باسن" – أحد أحفاده من الملوك – المحفوظة اليوم بمتحف اللوفر: "هو شيشنق بن نمرود بن شيشنق بن باتوت بن نبنشي بن ماواساتا بن بويوواوا". كان الجد الأعلى "بويوواوا" مقيما بالصحراء الليبية، ومن هنا نعت المؤرخون الأسرة كلها بالليبية. ارتقى الابن "ماواساتا" إلى رتبة كاهن بمعبد مدينة "اهناسيا". وتواصل اللوحة بمنتهى التفصيل المعروف للنصوص الفرعونية: "وقد خلفه ابنه نبنشي، الذي خلفه ابنه باثوت، الذي خلفه ابنه شيشنق، والذي ورث عن أجداده وظيفة الكاهن، وصار بعد ذلك الكاهن الأعظم وقائد حامية إهناسيا وقد تزوج من (محنتو سخت) ابنة زعيم قبيلة مي، وأنجب منها نمرود، الذي تزوج من الأميرة تنتس بح، والتي أنجب منها شيشنق، فأصبح فرعون مصر ومؤسس الأسرة الثانية والعشرين، بعد أن اندمج في المجتمع المصري وعاشت أسرته فيها لمدة خمسة أجيال، وبعد أن استقر جده الرابع ماواساتا بمدينة اهناسيا...". أما عن ظروف صعوده إلى عرش مصر فيرد ما يلي: *انهيار حكم الأسرة الفرعونية الحادية والعشرين، نظرا لشيوع الظلم والفساد والإنهاك الضريبي، ومحاصرة المحيط المعادي (الملك والنبي داود في فلسطين). *شيشنق – سوساكوس عند الاغريق-يتزوج من ابنة الفرعون "بسوسنس الثاني" آخر ملوك الأسرة الواحدة والعشرين. *شيشنق يعلن قيام الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين (حوالي940 ق. م). *انتقال الحكم إلى هذا الصهر المصري، باعتبار انصرام خمسة أجيال على وجود أسرته بمصر، بسلاسة وليس بحرب. خاض حروبا في عهده، وأقوى انتصاراته على أعداء مصر خلدتها كتابة صخرية بوادي الملوك. في سنة 1940 اكتشف العالم الفرنسي، البروفيسور مونيته، قبر شيشنق، فوجده سالما لم ينهب، وأغلب ما به فضة، ولهذا نُعت بالفرعون الفضي. معرفة العالم الحديث به لا تتجاوز هذا التاريخ. قامة شيشنق: 166 سم. رأس ضخم على جسد قصير وقوي. العين اليمنى أعلى من اليسرى. توفي عن 80 عاما. بعموده الفقري كسر في الفقرة السابعة (عليا)، شوفِي منه في حياته. حمل معه إلى قبره آثار أمراض روماتيزمية في العمود الفقري. لا أدق من هذه التفاصيل، حتى في سجلات الحالة المدنية الحديثة. كل شيء عن شيشنق إلا أن يكون أمازيغيا غازيا، انطلاقا من تلمسان أو وهران. كل شيء مدون – صخريا -عن حروبه وانتصاراته وثروته، حيا وميتا، إلا أمر هذه السنة العجيبة التي وضع حجرَها الأساس، حسب الزعم الأمازيغي. وهل تُفوت النصوص الفرعونية كل هذا الحدث؟ وهل تسكت عنه التوراة، وهي تفصل – بإسهاب ممل -أزمنة ملوك بني إسرائيل وأنبيائهم؟ ولكم يا هواة شقق التاريخ الفاخرة، وبائعي شيشنق الشمعي – كما أبدعته أناملكم – بوزن الأهرام كذبا، أن تبحثوا في هذه الفقرة عن أثر لانتصار أمازيغي مزعوم على الأسرة الفرعونية الحادية والعشرين: "على جدار معبد الكرنك سجل شيشنق انتصاراته الساحقة على إسرائيل في فلسطين، وقد حفرت هذه الرسوم على الحائط الجنوبي من الخارج. وبهذه الفتوحات والغزوات يكون شيشنق قد وحد منطقة مصر والسودان وليبيا والشام في مملكة واحدة لأول مرة، ونقوشه تصور ما قدمته هذه الممالك من جزية بالتفصيل وبتحديد حسابي دقيق مما يؤكد أنها لم تكن مجرد دعايات سياسية طارئة، كما يتضح أن شيشنق لم يضم الشام كلها فحسب وإنما ضم السودان أيضا". السنة فلاحية، والفلاح مغربي: كفانا من الشقق الفاخرة التي كنا سنحبها، ونذود عنها، لو لم تكن شمعية، تذيبها حتى شمس يناير. تاريخ الفراعنة صخري فلا تكابدوه بحثا عن الوهم. تاريخ الأمازيغ ضارب في القدم، وهذا ثابت من أوجه صحيحة متعددة، غير هذا الذي تزعمون، وتدفعون الدولة الى تبنيه. أما السنة فهي فلاحية بشهادة جدتي (حنَّا مريم) الزناتية الزكراوية، التي لم تكن تعرف للحفل غير اسم "لعناصر"، وكم شاركتها صغيرا – بحوش القايد بلعيد الزكراوي -في خلط متنوع لأغصان الشجر، ثم في إيقادها لنار سنوية ليست ككل النيران. يعلو دخانها في السماء، حاملا دعواتها بأن يعم الخير كل الأرض. رحمها الله ورحم جداتكم اللواتي تقولوهن اليوم أشياء لا علم لهن بها. ولو ذكرت لجدتي شيشنق لرمتني بحجر، لأن الكلمة تنتهي بخدش للحياء في اللهجة الزانتية. اتقوا أحجار جداتكم وأحجار تاريخ لا يؤسس على شمع هار. https://www.facebook.com/groups/mestferkiculture51