قال نزار بركة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إن الإشكال الكبير الذي يعاني منه المغرب يتعلق أساسا بمنظومة القيم السائدة في البلاد، وأكد أن تحقيق النموذج التنموي الذي دعا إليه الملك محمد السادس مرتبط بقيمة احترام الوقت، وقيمة المسؤولية، وقيمة العمل، وقيمة الحوار المتبادل. وخلال القائه عرضاَ بمجلس المستشارين، مساء اليوم الأربعاء، حول الدراسة السابقة التي أنجزها مجلسه بخصوص "الرأسمال غير المادي عامل لخلق الثروة وتوزيعها المنصف"، شدد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على ضرورة استثمار هذه القيم في شموليتها، والقيام بوقفة استراتيجية لضمان "الصعود المجتمعي" للمغاربة. وأوضح أن المغرب يتوفر على تُراث كبير جداً لا يتم استثماره بالشكل المطلوب وتطويره؛ الأمر الذي يجعله عرضة إلى الاندثار، داعياً في السياق ذاته إلى تطوير الاقتصاد الثقافي للبحث عن فرص جديدة للتشغيل. وانتقد بركة تأخر الحكومة والبرلمان في إخراج القوانين التنظيمية والمدد الزمنية التي تستغرقها العملية، من المصادقة الحكومية على مشاريع القوانين إلى المصادقة البرلمانية، وقال إن "بعض المراسيم التطبيقية تصدر أحيانا بعد فوات أوانها وتجاوزها من طرف المجتمع"، مشيرا إلى مسألة تعقد القوانين وعدم تبسيطها؛ "الأمر الذي يقوي السلطة التقديرية للإدارة ويصعب في الوقت نفسه تطبيق القانون من طرف المجتمع؛ وهو ما ينتج ظواهر سلبية من قبيل الفساد". وحول المخاطر المحدقة بالمغرب انطلاقاً من مخرجات الدراسة التي أنجزها مجلسه حول الثروة الاجمالية للمغرب في الفترة ما بين 1999 و2013، التي جاءت استجابة لتكليف ملكي سنة 2014، أشار بركة إلى مسألة الاستغلال المفرط للفرشة المائية خلال السنوات الأخيرة وتراجع التنوع البيولوجي. ورغم أن بركة أقر بأن المغرب حقق في السنوات العشرين الماضية ما لم يحققه منذ الاستقلال، إلا أنه أبرز التحديات الكثيرة المرتبطة بالتعليم والشغل والتنمية، وقال إن "المغرب رغم أنه يعرف أكبر معدلات الاستثمار سنوياً، لكن مردوديتها تبقى ضعيفة جداً؛ أي إنه لخلق نقطة واحدة في معدلات النمو، علينا أن نرفع الاستثمارات بنسبة سبعة في المائة، في الوقت الذي يكلف فيه هذا الأمر في دول نامية نسبة أربعة في المائة فقط من حجم الاستثمارات". وبحسب المعطيات التي قدمها بركة، فإن قيمَة الثرْوة الإجماليّة للمغرب، بالأسْعار الجارية، قد تجاوزت الضِّعْف خلالَ الفترة ما بيْن سنتيْ 1999 و2013؛ أي إنها انتقلتْ منْ 5.904 إلى 12.833 مليار درهم. كما ساهم الرأسمال غير المادي في خلق الثروة الوطنية خلال الفترة ذاتها بنسبة 60 في المائة، لكنها "تظلّ مع ذلك دونَ حجمها المتوسّط في الثروة الإجمالية للبلاد التي تبلغ 72 في المائة. وقد انتقلت هذه الأخيرة من 77.7 في المائة سنة 1999، إلى 68.4 في المائة سنة 2013"، يورد المصدر ذاته. من جانبه، أشاد عبد الحكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، بنتائج الدراسة التي أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، واصفاً إياها ب"الدراسة غير المسبوقة"، ودعا جميع الفاعلين إلى تملكها نظرا للتحاليل المعمقة التي جاءت بها حول تطور الثروة الإجمالية للمغرب، بالإضافة إلى ما تضمنته حول "الصعود المجتمعي المنصف" خلال ال15 سنة المقبلة. وأشار رئيس مجلس المستشارين إلى أن "الدراسة تؤكد وجود فرصة تاريخية مطروحة على جدول أعمال البلاد"، مضيفا: "عندما تم إعداد تقرير الخمسينية، كان الجميع يتحدث وقتها على أن المغرب يوجد في مفترق طرق؛ إما الدخول في سيناريو كارثي وإما سيناريو المغرب المأمول". واعتبر بنشماش أن "المغرب اليوم يتوفر على رصيد من الإنجازات لكنه يواجه تحديات جمة، وعلينا استغلال الفرص لتحقيق الصعود المجتمعي المنصف للانتقال إلى وضع أفضل". وخلص إلى أن التوصيات التي جاءت في التقرير تُسائل جميع الفاعلين في الدولة، مشددا على ضرورة عدم إضاعة الفرص التاريخية وإدخال التقارير إلى الرفوف بدل التفاعل معها، كل من موقعه.