اجتهدوا لمواجهة عجزهم عن الكلام فامتلكوا قوة خارقة أكثر من غيرهم؛ هم شباب يعبرون عن احتياجاتهم وعن آلامهم وكل ما يخالج صدرهم بحركات سريعة باستعمال أيديهم..إنهم يسمون في المجتمع الصم البكم أو أصحاب "لغة الابتسامة". يضج البيت بأصوات العائلة بينما يجلس الإخوة الثلاثة في زاوية صالون مغربي، يتبادلون النظرات والابتسامات الخافتة، ثم يبدؤون تبادل أطراف الحديث، لكن هذه المرة بتحريك أيديهم والقيام بإشارات متقنة لا يفهمها إلا هم، بينما يجتهد والدهم في ترجمة حوارهم. أسامة وبلال ومريم..أبطال من ذوي الاحتياجات الخاصة بالرغم من الصمم الذي يعيشونه منذ رؤيتهم النور إلا أنهم يتميزون بمقدرة عالية على الاستيعاب، ما مكنهم من ألقاب وطنية ودولية. رغم الإعاقة والإهمال، لم يسيطر اليأس على هؤلاء الشباب، بل حرصوا على تحدي ظروفهم القاهرة والتفوق على أقرانهم والتتويج ببطولات عالمية حصلوا خلالها على ميداليات ذهبية مكنتهم من التربع على عرش العالم في رياضة "الكراتي" لذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم. بابتسامة عريضة يسرد الشاب أسامة البالغ 24 عاما الإهمال الذي طاله من طرف الوزارة الوصية على القطاع، التي لم تعط مجهوداته وبطولاته أي اهتمام، بل رفضت استقباله بعد تحقيقه أرقاما قياسية عالمية وحرمته من الدعم المادي والمعنوي أيضا" وفق تعبيره. ورغم الإعاقة يحاول هؤلاء الأبطال بمجهود كبير معرفة كل ما يدور حولهم، إذ يمتلكون هاتفا نقالا وأجهزة إلكترونية يبرعون في استعمالها، بينما يقضون كل وقتهم في التدريب وتعلم السياقة مع أشخاص أسوياء، فهم أطفال يتميزون بقدرة عالية على استيعاب ما يطلب منهم والاندماج بشكل سريع مع أقرانهم الأسوياء. لكن اليأس أصبح يسيطر على الشاب أسامة حينما عاد من تركيا محققا أرقاما قياسية في رياضة "الكاراتيه" مع باقي أقرانه من الصم والبكم، بعدما كان يؤمن بأن الجانب المشرق من حياته سيتحقق بشكل مضاعف يوما ما..تترجم لنا أستاذته المتخصصة في لغة الإشارات ما يقوله في لقاء بهسبريس وتقول: "كان يؤمن بأنه سيحقق أحلامه في يوم ما". وزادت مترجمة إشاراته: "لقد سقطت ووجدت عائلتي بجانبي، لكن رغم إرادتي وعزيمتي القوية فقدت الأمل بسبب الإهمال الذي طالنا". ولم يتمكن الإخوة من استكمال دراستهم، إذ اضطروا إلى مغادرة الأقسام الدراسية عند بلوغهم المستوى الإعدادي؛ ويعزي أسامة السبب إلى "عدم توفر فرص للدراسة بلغة الإشارة في المستوى الثانوي وبالتعليم العالي أيضا". ويستطرد أسامة في حديثه أمام كاميرا هسبريس: "في حياتي جوانب مشرقة كثيرة، لكن المسؤولين لم يمنحوني فرصة لإبرازها، وحولوها إلا سواد قاتم..لقد رفعت علم وطني بتركيا قبل مدة قصيرة وكان المقابل التجاهل والإهمال". وبابتسامة بريئة يقول بلال، أخ أسامة الذي توج مؤخرا ببطولة العالم في رياضة "الكاراتيه" بتركيا وبطولة المغرب في السباحة، في حديثه لهسبريس: "لا أريد شيئا غير اهتمام المسؤولين بهده الفئة الهشة المهمشة في شتى مجالات الحياة، وأبسطه توفير لغة الإشارة في البرامج والأخبار على التلفزيون المغربي". بوجه ملائكي وبحركات سلسة تقول مريم البالغة 15 عاما على لسان أستاذتها: "نظرات المجتمع وشفقته وتعامله بإجحاف أمور تتسبب لي في جرح كبير"، مضيفة: "لا أحلم سوى بالسير قدما في الرياضة والحصول على بطولات وطنية ودولية". ورغم عدم سماعهم توجيهات مدربهم، وعدم قدرتهم على إطلاق صرخات ترعب خصومهم، لم ينزو هؤلاء الأبطال ليندبوا حظهم، بل عزموا على المضي قدما بمساعدة والدهم وبإمكانيات مادية بسيطة لتحقيق التميز الرياضي؛ ورغم الإهمال الذي طالهم، إلا أنهم أثبتوا بما لا يقبل الشك أن تتبع بوصلة الأمل هو الحل الوحيد للوصول إلى مستقبل مشرق تشع في نهايته أضواء النجاح.