لم تمر سنة 2017 بهدوء وسلام، بل شهد المغرب خلالها أحداثا ووقائع شغلت رأيه العام وكل فعالياته الحقوقية والاجتماعية والنفسية؛ منها ما هو مأساوي ومنها ما هو كاذب تحول إلى "نكت" مضحكة تناقلتها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. ولولا كاميرا الهواتف الذكية لما وصلت تلك الوقائع إلى الرأي العام، ولما شغلت ذلك الحيز الكبير من الأخبار اليومية لمختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية. وهسبريس اليوم تستحضر أهم تلك الأحداث التي خلقت الجدل وغيرت وقائعها مسارات أصحابها ووضعت المغرب في صورة حرجة أمام الرأي العام الدولي. فتاة الحافلة: هز مقطع "فيديو" لا يتعدى دقيقتين الرأي العام المغربي وانتشر مثل النار في الهشيم في ليلة صيفية في غشت الماضي، لفتاة مصابة بخلل عقلي تعرضت لمحاولة اغتصاب في حافلة من طرف ثلاثة شباب جردوها من ثيابها أمام أنظار سائق الحافلة، وعلى مرأى الركاب الذين لم يحركوا ساكنا لمساعدة الفتاة وتخليصها من الاعتداء "الهمجي". وأظهر المقطع المصور تحسس الشبان الذين لا تتعدى أعمارهم 17 سنة مناطق حساسة من جسد الفتاة القاصر، بالإضافة إلى محاولاتهم الانقضاض عليها واغتصابها لولا مقاومتها وصراخها بكل ما أوتيت من قوة للهرب من الحافلة. وطرحت الواقعة تساؤلات وإشكالات عدة حول سلامة مناهجنا التعليمية؛ فيما أكد بعض الباحثين على ضرورة إدراج مادة الثقافة الجنسية في المناهج التعليمية المغربية. وفي ظرف زمني قياسي تمكنت السلطات الأمنية من القبض على المشتبه فيهم، والبالغ عددهم 5 شبان يقطنون بالعاصمة الاقتصادية "الدارالبيضاء"، ليخلف المقطع المصور موجة غضب عارمة وصدمة قوية وضعت علامة استفهام حول نجاعة المناهج التعليمية المغربية في صنع الأجيال. ويعتقد المحلل النفسي مصطفى الشكدالي، الباحث في علم النفس الاجتماعي، أن "الأحداث المثيرة ظهرت في الواقع بوتيرة معينة وخرجت بوتيرة أخرى، لأن العالم الافتراضي يرتكز على الصورة وعلى الشفهي والسمعي والنص المكتوب أيضا، وبالتالي فالحدث في الواقع كان في صورة معينة، وحينما انتقل إلى التداول والعالم الافتراضي منح نفسا آخر وأبعادا أخرى". وأضاف الباحث في علم النفس الاجتماعي في تصريح لهسبريس: "ظاهرة الاغتصاب داخل الحافلات ليست وليدة اليوم، ولا تقتصر على المجتمع المغربي دون غيره من المجتمعات، فالاغتصاب ظاهرة عالمية، لكن الطريقة التي روج بها للواقعة هي التي منحتها ذلك البعد. مع العلم أن المغرب شهد أحداثا كبرى سنة 2017، تمثلت في حراك الريف وغيره من الأحداث التي شغلت الرأي العام المغربي". ويعتبر الباحث أن أحداث الاغتصاب ليست وليدة اليوم، لكن طريقة تناولها هي التي خلقت الفرق مع باقي الوقائع، مؤكدا لهسبريس أن "كل تلك الأحداث التي ارتبطت بالاغتصاب والوقائع الجنسية الشاذة ظهرت في الواقع وغيرت الرأي العام وجعلته يناقش وقائع حاضرة في كل المجتمعات ولا تقتصر على المغرب فقط"، وزاد: "ترويجها على الفضاء الافتراضي هو بحث عن "البوز"، ما لاحظناه في بعض المواقع الصفراء بعناوين ضخمة ومثيرة وبمحتوى فارغ، الأمر الذي أنتج مسألة التطويع". "حمارة" سيدي قاسم: اهتز الرأي العام المغربي في غشت الماضي على وقع خبر "ممارسة 15 طفلا الجنس مع أنثى حمار ضواحي مدينة سيدي قاسم، ما أصابهم بعدوى السعار"، قبل أن يخرج المندوب الجهوي للصحة ويكشف زيف الخبر الذي تم تداوله على نطاق واسع، ويؤكد عدم وجود شيء اسمه السعار الناتج عن معاشرة حيوان. وبدأت الحكاية الكاذبة بالانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي حينما نقلت بعض الجرائد الورقية واقعة الإصابة بالمرض على لسان أبناء المنطقة الذين قالوا "إن أعراض السعار ظهرت لديهم نتيجة إصابتهم بتعفنات، الأمر الذي استدعى نقلهم إلى مركز صحي، ليعترف الأطفال أنهم مارسوا الجنس على الحمارة"، فانتشر الخبر مثل النار في الهشيم وخلق جدلا كبيرا داخل المغرب وخارجه. وحول هذه الواقعة الكاذبة التي شغلت الرأي العام لشهور من الزمن وتحولت إلى نكت يتفنن في سردها المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول الشكدالي في التصريح ذاته لهسبريس: "تلك الواقعة الكاذبة ضخمت على المستوى الافتراضي وجمعت حولها مجموعة من المتلصصين الذين يروجون للأخبار الكاذبة عن طريق الصحافة الإلكترونية الصفراء التي تداولت المأساة بنوع من الفرجة". واستطرد الباحث النفسي: "لا ننكر أن هناك صحافيين مهنيين نقلوا الخبر بكثير من الدراسة واستطلاع الرأي، وبحث ميداني تفاعل معه الرأي العام، لكن هناك من استفاد من جلب أكبر عدد من المشاهدات لموقعه وأصبحت الواقعة عبارة عن فرجة مريضة". وأصبحت تلك الواقع الكاذبة مادة دسمة في أيادي الأقلام الفاشلة، وهو ما يزكيه المتحدث للجريدة، "بمعنى أن الخطاب أصبح استهلاكيا وينساق وراء فكرة "البوز" وينقضي عند ظهور واقعة أخرى، ما يؤكد أن هناك تلاعبا بعقول لا تملك مناعة فكرية لمعالجة الأمر من زاوية عقلانية"، وفق تعبيره. تعنيف أستاذة: أثار مقطع "فيديو" وثق واقعة تعنيف أستاذ بورزازات بثانوية سيدي داود التأهيلية، نقله أحد التلاميذ من داخل صف مادة الاجتماعيات، ضجة وطنية وصرخة كبرى لرجال ونساء التعليم ومختلف الفعاليات الحقوقية والاجتماعية. وأخذت القضية أبعادا كبيرة، إذ أحيل الأستاذ على المجلس التأديبي بسبب سلوكياته "المشينة وغير اللائقة"؛ بينما تم الحكم على التلميذ المعتدي بقضاء 17 يوما في السجن وشهرين بمركز لحماية الطفولة بمراكش. وتفشت الظاهرة بشكل كبير في المؤسسات التعليمية المغربية، إذ ظهرت بعدها وقائع مماثلة متكررة، متسببة للكثير من الأساتذة بعاهات مستديمة وبأضرار جسدية ونفسية، بالرغم من سن الوزارة الوصية قوانين لمحاربتها. وللتلميذ في سن المراهقة حالة نفسية خاصة، حسب المحلل النفسي المتحدث لهسبريس، الذي وضح في تصريحه أن "المغاربة نسوا أن ذلك التلميذ في سن المراهقة، وينتمي إلى الجيل الرقمي، لأنه يعيش ما يسمى "الزمن الرقمي"، وزمن الأستاذ قد ولىّ"، وزاد: "من يجب أن يفهم من؟ طبعا يجب على الأستاذ أن يفهم التلميذ، لأن العالم بالنسبة له عبارة عن لوحة إلكترونية؛ فالتركيبة النفسية والبيولوجية للمراهق حالة خاصة". ولا يتفق المتحدث مع إطلاق كلمة ظاهرة على مثل هذه الوقائع، قائلا: "الكل تناولها من الجانب الأخلاقي، لكني لم أسمع تحليلا علميا يفسر لماذا أطلق عليها اسم ظاهرة بالرغم من ثقل هذا المصطلح". والعنف ضد الأساتذة ليس بالجديد، لأنه حسب المحلل النفسي ذاته "كان يقع في الأزمنة الماضية ولا يقتصر على هذا الزمن فقط، و"البوز" هو الذي وضعه في الواجهة"، وزاد: "عوض مناقشة التحولات القيمية تجب إعادة النظر في المدرسة التقليدية التي لا تتماشى مع الشباب الرقمي". وخلص الأخصائي في تحليله إلى القول: "ماذا سنربح إذا أرسلنا تلميذا إلى السجن، ولم نناقش ونعالج ضرورة إعادة تكوين الأستاذ بما يتماشى مع نفسية التلميذ؟ لأن من يندد لا يفكر، والأستاذ حينما يصل إلى مرحلة العنف مع التلميذ معناه أنه لم يفهم خصوصية التعامل مع المراهق، ويجب أن يخضع لتكوين مستمر". شهيدات حفنة الدقيق: اهتز المغرب في العشر الأواخر من نونبر الماضي على وقع نكبة جديدة لنساء فقيرات وأرامل قضين بسبب التدافع تحت الأرجل بحثا عن لقمة عيش مرة، إذ قضت دفعة واحدة 15 امرأة نتيجة تدافعهن للحصول على سلة معونات غذائية محتوياتها عبارة عن كيس من الطحين وقنينة زيت وعلبة شاي، لا يتعدى سعرها 150 درهما. وأطلق نشطاء الفضاء الأزرق على الضحايا لقب "شهيدات الدقيق"، و"شهيدات الفقر"، ليلحقن بقافلة "شهداء الحكرة"، وتخيم بعد الحادث حالة من الأسى والحزن على الوضع الاجتماعي المأساوي الذي راحت ضحيته نساء بريئات تركن أطفالهن في حالة صدمة عميقة؛ فيما أصيبت الناجيات بأزمات نفسية حادة. وينتقد الشكدالي كيفية التعامل مع الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية التعاطي معها من طرف المجتمع المغربي بالقول: "بعد واقعة شهيدات الدقيق ظهر الكثير من المنددين بها، ونشروا صورا للضحايا، وبالتالي تم استعراض جسد وحرمة الميت؛ لهذا فالشهيدات متن مرتين، مرة حينما دفعن حياتهن ثمنا للفقر، والثانية حينما تمت استعراض جثتهن على مواقع التواصل الاجتماعي". ويعتبر الشكدالي أن نقل هذه الوقائع إلى العالم الافتراضي وتضخيمها يعتبر بمثابة صرف النظر عن قضايا أخرى، مؤكدا أن "الهاتف النقال هو الذي جمع بين كل تلك الوقائع، لكونه اختراعا ذكيا وقع في أياد غبية". ويقول المحلل نفسه: "واقعة شهيدات الدقيق مأساة اجتماعية بكل المقاييس. لكن المشكل الأكبر يطرح في تناول تلك الواقعة المأساوية حينما تم الترويج لها عن طريق نشر صور الضحايا والتشهير بهن بعد موتهن". وخلص الباحث في علم النفس إلى أن "ضحالة الفكر هي المسؤولة عن تمديد حملات من هذا الحجم"، موردا: "عوض التظاهر من أجل قضية إنسانية معينة ينساق الجميع وراء قضايا لا جدوى من التعاطي معها بذلك الحجم".