استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا            تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    هجوم ماغديبورغ.. الشرطة الألمانية تُعلن توجيه تهم ثقيلة للمشتبه به    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    الشيلي ترغب في تعزيز علاقاتها مع المغرب في ميدان البحث العلمي    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة العنف التربوي في الوسط المدرسي

أضحت بعض مؤسساتنا التعليمية مرتعا للعنف نظرا للاعتداءات المختلفة التي تمارس على التلاميذ وهو ما تؤكده الوقائع التي نسمع عنها أو نعايشها يوميا والتي أنتجت مناخا سلبياً أثر على التحصيل الدراسي وكانت سببا مباشرا في نفور التلاميذ من الدراسة وخلقت لديهم نزعات عدوانية تتحول أحيانا إلى عنف مضاد .
ومن خلال الاطلاع على مختلف الكتابات التي تعرضت لهذه الظاهرة تبين أن جل المحللين والباحثين يقتصرون على عنف المتعلمين على المدرسين وعلى ممتلكات المدرسة، وعلى المقاربة الوصفية للعنف التربوي كنتيجة فقط، مع إشارات محتشمة أو عابرة لعنف الأساتذة والإداريين على التلاميذ وعدم التحليل العميق للأسباب و العوامل الاجتماعية والنفسية لظاهرة العنف التربوي، والتي ترتبط جدليا ببعض مظاهر العنف المجتمعية التي تطبع سلوكيات الأفراد، صغارا وكبارا، وتؤثر في سيكولوجيتهم وتوجهاتهم العلائقية.
إن الحديث عن استخدام العنف داخل المؤسسات التعليمية من طرف بعض الأساتذة والإداريين أصبح أمرا ملحا بعد أن تفاقمت هذه الظاهرة في مؤسساتنا الابتدائية والإعدادية والثانوية و التي أصبحت تفقد قدسيتها يوما بعد يوم مما أصبح يثير الكثير من المخاوف في أوساط جميع المهتمين من انعكاساتها الخطيرة وباتت تقض مضاجعهم .
هنا يطرح سؤال في غاية الأهمية : هل أصبح استخدام العنف داخل بعض المؤسسات التربوية والتعليمية من طرف المربين على المتعلمين ظاهرة أم هي حالة فردية لا تستحق أن نقف عندها ونتركها تمر مرور الكرام؟
يظهر الواقع اليومي استمرار تزايد حالات تعرض التلاميذ لمختلف أشكال العنف من طرف الأساتذة والإداريين ، ورغم غياب إحصائيات دقيقة تكشف الحقيقة ، إلا أن الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام والملفات الرائجة في المحاكم وما تنشره الصحافة الوطنية بهذا الخصوص كافية لكشف الستار عن المنحى التصاعدي الخطير الذي اتخذته الظاهرة،ودليل على ارتفاع العنف في المؤسسات التعليمية.
لذلك فإننا ندق ناقوس الخطر قبل أن يتحول العنف داخل المدارس من حالات فردية إلى ظاهرة يصعب التصدي لها، خاصة أن هناك بعض الحالات والوقائع التي يمارس فيها العنف ولم يعلن عنها.
إن العنف الذي يمارسه الأستاذ و الإداري يضرب عمق العلاقات التربوية التي تهدف إلى اكتساب مقومات أخلاقية وإنسانية واجتماعية والتي ليست سوى مظهرا لفشل المؤسسة التعليمية في القيام بدورها ، وفشل التلاميذ في التكيف مع برامجها وأنشطتها وأساليبها التي لا تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتعلقة بشخصيتهم وقدراتهم وطموحاتهم ورغباتهم..ويخلق لديهم آثارا قد تتطور إلى رد فعل ضد المؤسسة وإدارتها ، مما سيتدعي تحركا صارما من طرف المجتمع المدني لكبح جماح الأساليب الوحشية التي يتعامل بها بعض الأساتذة والإداريين مع التلاميذ، والتي تحول بعض المؤسسات التعليمية إلى أماكن للتعذيب النفسي.
تتشعب الأسباب التي تجعل عنف الأساتذة على التلاميذ يتفشى أكثر داخل مؤسساتنا التربوية بين أسباب مادية ونفسية، وأخلاقية وتربوية وبيداغوجية، واجتماعية ومهنية حيث أن الضغوط القوية والارهاقات النفسية الرهيبة الذي أصبح يتلقاها الأساتذة ، ولّدت نوعا من الرغبة في تفريغ الكبت، الذي أصبح التلاميذ هدفا له باعتبارهم الحلقة الأضعف .والعنف هو الوجه الآخر لفشل المشروع التربوي وهو راجع بالأساس إلى :
 عدم معرفة جل الأساتذة بقواعد النمو السليم وبحاجات التلاميذ وإمكاناتهم،و افتقارهم إلى تكوين في مجال علم النفس البيداغوجي .
 العنف الذي يحضره الأستاذ معه من بيته بسبب ضغط الحياة الاجتماعية والسياسية والظروف الاقتصادية السيئة والكبت الذي لا يجد له تصريفاً إلا بإفراغه على من هم تحت سلطته وسطوته ويدفعهم بدورهم إلى تبني أسلوبه في حل المسائل العالقة بالعنف بديلاً عن الحوار والمناقشة .
 الوضعية الاجتماعية المتمثلة في هزالة الأجرة أمام الالتزامات المتعددة والغلاء المتواتر للمعيشة،( معاناة النقل، التطبيب تدريس الأبناء وصعوبة الحصول على السكن و العزلة والتهميش خصوصا بالنسبة للعاملين في المجال القروي...)
 وجود خلل في العلاقة بين الأسرة والمدرسة.
 انعدام الشروط المهنية الصحية المريحة للعمل داخل المؤسسات التعليمية ، بسبب ضغط ساعات العمل وكثافة المواد والبرامج ، وبسبب الاكتظاظ و تعدد المستويات في الأقسام المشتركة ،وغياب او شبه غياب للوسائل والوسائط الديداكتيية المساعدة.
 واقع الشارع الذي يساهم في تكريس ثقافة العنف بشتى أنواعه بدءا بالعنف اللفظي الذي بات من أكثر مظاهر العنف تداولا حتى في الأسرة و المدرسة، وانتهاء بالعنف الجسدي المتمثل في الضرب بشتى الوسائل .مما جعل التلميذ يتعرض لأزمة حقيقية في التلقي والاستيعاب، مما يخلق نوعا من الكراهة والعدوانية بين التلميذ والمدرسة وبينه وبين أستاذه .
 انعدام الديمقراطية في الممارسة اليومية داخل المؤسسات التعليمية .
 التحرش والاستغلال الجنسي للتلاميذ .
 سكوت الأسر عما يتعرض لها الأبناء من ممارسات داخل المدرسة .
 الإرهاق النفسي والفكري الذي يتعرض له الطفل نتيجة المتطلبات المرهقة لإمكانياته العقلية والذهنية والنفسية وربما حتى المادية ، الواجبات المدرسية التي تستهلك وقته وجهده داخل المدرسة وخارجها مع مصادرة حقه في اللعب والراحة مما يدفعه للتمرد والعنف الارتدادي كنوع من التنفيس عن القهر الذي يمارس عليه .
 الاستهزاء بالتلميذ والاستهتار بآرائه و أفكاره أو إهماله وعدم الاكتراث به .
 وجود مسافة كبيرة بين التلميذ والأستاذ دون أن يكون بينهما قنوات للتواصل الإنساني الحميم عبر مناقشة مواضيع حيوية .
 المكانة الاجتماعية التي جعلت من الأستاذ سلطة قامعة ومخيفة للتلميذ إذ أن أي اقتراب من الأستاذ يعني ضياع هيبته ووقاره وفقاً للنظرية التربوية التقليدية المتخلفة.
 العلاقات غير السليمة داخل الهيئة التربوية ،بين الأساتذة والإدارة وبين الأساتذة أنفسهم وبين الأساتذة والتلاميذ وبين التلاميذ أنفسهم .
 عدم مراعاة الفروق الفردية في التعامل مع التلاميذ داخل القسم مع كثرة عدد التلاميذ وعدم توفر البناء المدرسي الملائم مما يجعل عملية حشر التلاميذ في قسم واحد عملية احتراق أعصاب كل من المدرس والتلميذ وعامل إرباك للإدارة والمؤسسات التربوية إذ يختلط الصالح بالطالح بما يفقد تلك المؤسسات أهدافها التربوية والتعليمية .
 التفرقة في المعاملة بين التلاميذ من الفئات الطبقية والاجتماعية المختلفة وخصوصا ما يحصل عليه أبناء المتنفذين والأغنياء وأبناء الأساتذة أنفسهم وأبناء بعض أعضاء جمعية أمهات وآباء التلاميذ من حظوة مقارنة بأقرانهم من التلاميذ المغمورين والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة .
 عدم السماح للتلميذ بالتعبير عن ذاته وتطلعاته ذلك أن المدرسة تلقينية بالدرجة الأولى ومهمتها التقليدية الأولى هي حشو المعلومات والاستعداد للامتحان مع اهتمام ضئيل بالجانب الروحي والأخلاقي والإنساني والنفسي .
 غموض وصعوبة المناهج التعليمية حتى لتكاد أن تكون تعجيزية في المراحل المتقدمة كذلك عدم وضوح القوانين المنظمة للعلاقات داخل العملية التربوية بصفة عامة والجهل بها من قبل الأستاذ والتلميذ معاً .
 عدم وجود قنوات ايجابية يستطيع فيها التلاميذ تفريغ كبتهم والنفس العدواني الذي شحنوا به خلال اليوم الدراسي كالملاعب وقاعات العروض الهادفة والمسارح والمراسم والقاعات المتخصصة والحدائق مثلاً.
إن التمييز بين المتعلمين، وممارسة الإقصاء داخل المؤسسة أو الفصل ، والإهانة ،والحط من الشأن، والتحقير، والسب والشتم، والضرب ، دليل على أن المدرسة الموكول إليها أن تقوم بدور أساسي في تقويم سلوك المتعلمين وتعديل اتجاهاتهم وإعدادهم أخلاقيا ونفسيا واجتماعيا من أجل الاعتماد على أنفسهم وضبط غرائزهم وتطوير شخصيتهم وتأهيلهم لتنمية قدراتهم وتطوير إمكانياتهم في بيئة سليمة آمنة ، أصبحت مصدرا للعنف ومجالا للصراع ومؤسسة لممارسة العنف والاعتداء.
إن أساليب العقاب التي يسلطها الأساتذة على التلاميذ وخصوصا بالمدارس الابتدائية مازالت دروسها تستقى من الطرق الترهيبية القديمة التي لا تأخذ بعين الاعتبار القدرات العقلية والخصائص النفسية للطفل في هذه المرحلة، والتي تترك أثرا بالغا في النفس، ومن مثل هذه الأساليب غير السوية التي تدخل في خانة العقاب النفسي :
 الضرب : باليد أو بأداة /مسطرة ، أنبوب مطاطي ،عصا خشبية مثلا . الصفع والركل ،جر الأذنين والشعر....إلخ
 التهديد والوعيد: كالتهديد بالرسوب وإشعار التلميذ بالفشل الدائم و التجهم في وجهه والنظر إليه بقساوة ..
 العقاب الجماعي ( عندما يقوم الأستاذ بعقاب جماعي للفصل سواء بالضرب والشتم أو بالطرد من الفصل الدراسي (،
 التحقير من الشأن والبهدلة والاهانة : نعت التلميذ بألقاب معينة لها علاقة بشكله/الطول أو القصر العاهة ...أو بأصله ( قرية – قبيلة ) .أو بلغته شلح ... عروبي ...صحراوي... أو بهيئته: موسخ ....سارح....كريسون....أو نعته بالغباء أو تشبيهه بالحيوانات والبهائم والحشرات كالحمير والقرود والبقر والدواب والبغال والكلاب والذباب....
 السب والشتم بشتى الألفاظ البذيئة مما استحيي من ذكره في هذا المقام .
 الاستهزاء أو السخرية من تلميذ أو مجموعة من التلاميذ .وجعله أضحوكة أمام زملائه ...
 عدم السماح بمخالفة الرأي حتى ولو كان التلميذ على صواب.
 التهميش والإقصاء.
 المنع من حضور حصص الدرس.
 التفرقة في المعاملة .
 تمزيق دفاتر وكتب التلاميذ و تشتيت أدواتهم المدرسية .

إن العنف يهدر الكرامة الإنسانية ، لأنه يقوم علي تهميش الآخر وتصغيره والحط من قيمته الإنسانية التي كرمها الله ، وتشير بعض الدراسات إلى الآثار النفسية التي تلحق بالتلميذ جراء استخدام أحد أشكال العنف ( الجسدي/الضرب, أو النفسي/ تجريحه وتحقيره أمام زملائه) والتي تجعل التلميذ يكره المادة التعليمية التي يدرسها الأستاذ ويفقده ثقته بنفسه و يخلق لديه الرغبة في العزلة والانطواء و يحدّ من ابداعه وقدرته على التعلّم والخلق، كما تحدث مشكلات اجتماعية وعاطفية في الحياة المستقبلية لهؤلاء التلاميذ.‏
ومن الأثار السلبية للعنف :
 فقدان الثقة في النفس :التلميذ الذي يتلقى كما كبيرا أو صغيرا من هذه الأوصاف والنعوت يتأثر ويفقد الثقة في نفسه وتهتز صورته الداخلية عن نفسه ويحتقر ذاته، وهذا ما يدفعه إلى أن يثأر لنفسه على نفسه، ويكون هذا إما بالانحرافات السلوكية كالتدخين أو السرقة أو الإدمان على المخدرات، أو الكذب ، أو بممارسة العنف على الآخرين، ويكون ذلك إما بالعنف على مصدر العنف نفسه /الأستاذ أو الإداري أو على تلميذ آخر أو في صورة تحطيم ممتلكات المدرسة .
 المخاوف : الخوف من الأستاذ ، الخوف من المدرسة ، مخاوف ليلية .
 العصبية والتوتر الزائد الناتج عن عدم إحساسه بالأمان النفسي .
 تشتت الانتباه وعدم القدرة على التركيز .
 اللجوء إلي الحيل ،مثل التمارض والصداع والمغص لرغبته في عدم الذهاب للمدرسة لارتباطها لديه بتجارب غير سارة .
 تدني مستوى التحصيل الدراسي .
 التأخر والغياب المستمر او المتقطع عن المدرسة . التسرب الدراسي الدائم والمتقطع
 عدم المشاركة في النشاط الصفي والتلاميذي .
 كراهية المدرسة والأساتذة وكل ما له علاقة بالعملية التعليمية .
وكلما كان العنف أقوى، كلما كانت ردة الفعل عليه أقسى، إن لم تكن اليوم فغداً بالتأكيد، كنوع من إفراغ الإحساس بالعجز والإحباط والقهر وقد يصبح تلميذ الأمس أستاذ الغد بكل ما فيه من احتقان و عنف وخطورة .
إن للعنف أثرا خطيرا على نفسية الأطفال الذين يكونون في مرحلة تكوين الشخصية وقد تتأزم نفسيتهم من التجريح الذي يتعرضون إليه والتوبيخ الذي يقلل ثقتهم في أنفسهم وهو ما يولد عنفا يؤدي إلى حالة متبادلة من الصراع أو العنف المضاد ، ويتخذ العنف المضاد أشكالا ومظاهر متعددة : كتخريب وإتلاف التجهيزات ، وتحطيم الزجاج ، واقتلاع الشجيرات والأزهار ، وتكسير الطاولات والسبورات واقتلاع المصابيح والمكابس الكهربائية وصنابير المياه . وكتابة عبارات السب والشتم ووصف الأساتذة بأقبح النعوت والصفات على المقاعد والجدران والمراحيض بل وعلى الجدران الخارجية للمؤسسة بل وأحيانا على جدران البنايات المحاذية لها، وقد يكون عنفا صريحا كالاعتداء المادي بالضرب والجرح بالأيدي أو بالسلاح الأبيض على أحد العاملين بالمؤسسة التعليمية .وفي اعتقادهم فإنهم بعملهم هذا يهاجمون رموز المتسلط والقهر.
فهل سنقف مكتوفي الأيدي بلا حول أو قوة نطرح المشاكل ونترك حلها بيد الزمان ؟ لابد من تكاثف الجهود بين كل المعنيين من أفراد ومؤسسات وجمعيات لوضع حد للانتهاكات الخطيرة لبراءة الطفولة .
يجب نتفق أولا على انه لا يمكن لأي مرسوم أو قانون تصدره هذه الجهة أو تلك أن يحد من ظاهرة العنف في المدارس إذا
لم يأخذ بعين الاعتبار العديد من النقاط الأساسية التي بإمكانها أن تعالج هذه الظاهرة وتحد من خطر انتشارها. لكي تكتسب مؤسساتنا المناعة والتوازن القيمي والإنساني اللازمين لأداء وظيفتها المنتظرة منها بشكل صحي و إيجابي وفعال ومنها :
 محاربة الأسباب والعوامل المجتمعية والنفسية والمهنية السلبية ،وذلك من خلال اعتماد مشروع تربوي مجتمعي عام ومتعدد التداخلات (اقتصادية،اجتماعية،نفسية،قيمية،إعلامية...).
 احترام كينونة التلميذ وإنسانيته ككائن حر ومستقل ، فالتلميذ ملك لنفسه وحياته ومستقبله وليس مملوكاً لأي أحد مهما كان هذا الأحد ،وليس لنا عليه سلطة القسر والإكراه ،وله علينا التوجيه السليم والرعاية والحنان، على ذلك فإن من حقه أن يعرف حقوقه والقنوات التي يستطيع أن يلجأ إليها في حال انتهاك هذه الحقوق إذا وجدت هذه القنوات ،وإن لم توجد فيجب إيجادها أيضاً بالسرعة القصوى ،لما لهذا الموضوع من خطورة ،إذ أن الانكسار والانهزام والتخبط ناجم عن سنوات طويلة من القمع والعنف الأسري والمدرسي والمجتمعي والسلطوي .
 الامتناع تماماً عن ممارسة العنف الجسدي والنفسي المتمثل في الضرب والإيذاء والتحرش الجنسي والسخرية والإهمال والتهميش والإقصاء والإهانة تلميحا أو تصريحاً .
 التعريف بحقوق الإنسان الأساسية و خصوصاً اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة والتي تنص على ضرورة حماية الطفل من كافة أشكال الإساءة والاستغلال والعنف الذي يتعرض له وإقامة اللقاءات و الندوات وحملات التوعية الإعلامية للتعريف بتلك الحقوق وطرق المحافظة عليها وصيانتها، وتوعية الأهل والأم بشكل خاص على حقوق طفلها في الحياة والحرية والاحترام، وممارسة الهوايات واللعب ،وإبداء الرأي، وعدم القسر أو الإكراه أو الإلزام، واستخدام أسلوب التحاور والنقاش والتوجيه ، واستخدام الحزم في مواضعه . واحترام حقه في الشعور بالأمن النفسي والاجتماعي .
 عمل ورشات عمل للأساتذة يتم من خلالها مناقشة الخصائص النمائية لكل مرحلة عمرية والمطالب النفسية والاجتماعية لكل مرحلة والمشكلات النفسية والاجتماعية المترتبة عليها وخصوصا مرحلة المراهقة وكيفية التعامل مع هذه المشكلات.
 استخدام مهارات التواصل الفعالة القائمة على الجانب الإنساني والتي من أهمها حسن الاستماع والإصغاء وإظهار التعاطف والاهتمام .
 إتاحة مساحة من الوقت لجعل التلميذ يمارس العديد من الأنشطة الرياضية والهوايات المختلفة .
 النظر في الوضع الاقتصادي للمربي بما يحقق له حياة كريمة وبما ينعكس على نفسيته وسلوكه تجاه نفسه وتجاه التلاميذ وتجاه نظرته للحياة فالذي يعاني من قهر اقتصادي و اجتماعي يثقل كاهله لا نستطيع أن نقول له : ( دع اليأس وابدأ الحياة ... أو ازرع الابتسامة فيمن حولك ) كما أن العلاقات المزاجية السوداوية والاكتئابية قابلة للانتقال بالإيحاء فالأستاذ المهزوم والمقهور منذ صغره بدوره هو الآخر لن يربي سوى أجيال محبطة ومهزومة و....!!
 تمكين الأساتذة من وسائل ووسائط تربوية وديداكتيكية ، لتسهيل كل الصعاب التعليمية التي تعترض التلميذ.
 تنظيم لقاءات و ندوات مشتركة يحضرها الأساتذة وأطر الإدارة التربوية وأولياء الأمور في تتناول أساليب التنشئة الاجتماعية المناسبة لكل مرحلة عمرية وحول مجال حقوق الإنسان بصفة عامة و حقوق الطفل في الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية والمدنية والسياسية وحقه في اللعب والمشاركة والتعبير عن الرأي , حول الخصائص النمائية لكل مرحلة عمرية.
 زرع الجو الديمقراطي داخل المدرسة والمشاركة الفردية والجماعية للتلاميذ في الأنشطة المدرسية اليومية وفي صنع القرارات خصوصا التي تتعلق بشؤونهم وإشراكهم في بناء المعارف واتخاذ القرارات ويعتبر تشكيل البرلمان التلاميذي تجسيدا واقعيا لفكرة الديمقراطية والتعبير عن الرأي.
 جذب التلميذ للمدرسة بأسلوب الترغيب وليس الترهيب.
 تفعيل أدوار جمعية الآباء و اعتماد المقاربة التشاركية على مستوى والمؤسسة ومحيطها الخارجي والربط والتنسيق بين الأهل والمدرسة عن طريق القيام بالنشاطات الاجتماعية المشتركة .
 رفع مستوى التعليم وكفاءة مؤسساته ،وخصوصا في المدارس العمومية ،عبر وسائل إيضاح حديثة وفعالة وأبنية مدرسية تتوفر فيها الشروط الإنسانية ،لجعلها أماكن لصناعة الإنسان السوي وليس الإنسان المشوه والمعقد ومن كان منا قد زار الدول المتحضرة فوجئ حقاً بالاهتمام الشديد بالبناء المدرسي من حيث موقعه الجمالي وسط أجمل الأماكن الطبيعية حيث الخضرة والماء والعصافير والطيور و.... والهواء الطلق و بدون أسوار تشبه السجون والمعتقلات كما يلاحظ ترتيب قاعاته وصفوفه وشموليتها لكافة الأنظمة الحيوية والتربوية بما يتوافر فيها من صالات رياضية ومخابر وقاعات للرسم والموسيقى والأشغال والطعام و الاستحمام ،و قاعات لاستقبال الضيوف من مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والأدبية والفنية والاستماع إلى تجاربهم الناجحة في مواجهة المشاكل والعوائق ، و قاعات الدرس التي تعتبر نموذجا للجمال البسيط والباذخ معاً من حيث ديكوراته وموقعه وإطلالته وأثاثه بما ينمي الذوق الجمالي والحس الفني لدى التلاميذ .
 العدالة والمساواة والديمقراطية في التعامل مع التلاميذ دون النظر إلى المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي لهم فالكل سواسية في الإنسانية والمواطنة ولا امتياز لأحدهم على الأخر إلا بما يتطلبه وجود( وضع خاص ) إنسانيا أو صحياً ودون الإضرار بمشاعر التلاميذ الآخرين .
 إقامة دورات تدريبية دائمة ومستمرة للإطلاع على تجارب الدول المتقدمة في المجال التربوي مع إقامة علاقات تبادلية الهدف منها توثيق العلاقات التربوية والإنسانية مع تلك الدول وإقامة دورات تدريبية لدمج معرفة العاملين في الحقل الاجتماعي بالنظريات الحديثة والقوانين المختلفة .
 النظر في الإمكانيات والقدرات الذهنية والعقلية كل تلميذ وعدم تحميله ما لا يطيق فكرياً وذهنياً و نفسياً وعدم إرهاقه بالواجبات المدرسية والمتطلبات المادية .
 إقامة جسور التواصل بين التلميذ ومحيطه الاجتماعي عبر علاقات التحاور والتشاور والتفاهم ،لإن التلاميذ في حاجة إلى تواصل حقيقي وفي حاجة إلى من يفهم مشاكلهم وحاجاتهم التي لايجدونها في المقررات الدراسية، وهذه مسؤولية الأسرة ووسائل الإعلام والمدرسة... وبدل أن تتحول المؤسسات التعليمية إلى مراكز سلطوية وسيلتها الوحيدة هي مجالس التأديب والانضباط وعرض التلميذ على الشرطة والقضاء. وجب التعجيل بتفعيل مكاتب الإنصات، وتزويدها بالإخصائيين الاجتماعيين النفسيين توكل إليهم مهمة تتبع المشاكل السلوكية والأخلاقية الجماعية والفردية وتصنيفها حسب خطورتها وطبيعتها مع توفر الأساليب العلاجية بالوسائل المهنية الحديثة وكل ذلك في إطار التنسيق مع الهيئات التربوية ومع أسر المتعلمين وذويهم.
 فتح المجال لشراكة حقيقية بين جميع الفاعلين في الساحة التربوية من تلاميذ، أساتذة وأولياء، وتكثيف الدراسات والبحوث في مجال العنف في المدارس، بالإضافة إلى تنظيم أيام دراسية حول ذلك.
 خلق مؤسسات للرصد والمتابعة والدراسة يتم من خلالها بحث الحلول واستشراف المستقبل القريب والبعيد لمدارسنا.
 ضرورة إدراج الأخلاقيات خلال توظيف الأساتذة وخلال تعيين أطر الإدارة التربوية، وتخصيص التكوين اللازم لهم في التعامل النفسي والبيداغوجي للتلميذ،و التركيز على إفادة أساتذة في مختلف الأطوار بدورات تكوينية في مجال علم النفس الاجتماعي وكيفية التعامل مع التلاميذ.
خاتمة
وفي الأخير أشير إلى أن خلق أجواء ديمقراطية داخل المؤسسة التعليمية يسودها التعاون المثمر القائم على نهج الحوار وحرية إبداء الرأي والتعبير يتطلب جهودا متعددة الجوانب منها ما يتعلق بفضاء المؤسسة ومستوى تجهيزه، ومنها ما يتعلق بالبرامج وطرق التدريس وأساليب التقويم، ومستوى التكوين الأساسي و المستمر للمربين والمدرسين، التكوين الذي تراعي جدولته وبرامجه مستجدات الساحة التربوية، وما يتم رصده عن طريق الدراسة من قضايا، إضافة إلى ما يتعلق بمختلف وسائل الإعلام والاتصال ودورها في نشر ثقافة حقوق الإنسان.
فما نفع صرف ملايير الدراهم في تبديل المناهج الدراسية وبناء وترميم المدارس ونفوس بعض مربي الأجيال تحتاج إلى تبديل وترميم بدءا من الإدارة التربية وحتى أصغر عامل في المدرسة.
ذ. مولاي نصر الله البوعيشي
ملحق الإدارة والاقتصاد العيون بوجدور الساقية الحمراء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.