استفحلت خلال السنتين الأخيرتين مشكلة العنف الممارس في الوسط المدرسي، بشكل انتهك عذرية العلاقة الرمزية الرابطة بين "الأستاذ(ة)" و"التلميذ(ة)" وما تتأسس عليه من مفردات "الاحترام" و"التقدير" و"العرفان"، وحوّل الفضاء المدرسي من فضاء لتمرير المعارف وتشكيل معالم القيم والمبادئ ورعاية المواهب والقدرات، إلى فضاء تتعايش في تربته بعض طفيليات التهور والانحطاط والانفلات، عنف تنوعت أساليبه بين "اللكم" و"الضرب" و"الجرح" باستعمال السلاح الأبيض و"السب" و"الإهانة" و"الرشق" بالحجارة و"التهديد" وكذا "قلب" الطاولات كما حدث قبل أيام، عقب انتشار مقطع فيديو عبر عدد من مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، يظهر فيه رجل تعليم وهو بصدد قلب طاولة على تلميذتين، مما يفرض فتح ملف حماية نساء ورجال التعليم في ظل اتساع مساحات العنف المدرسي وزحف ظاهرة تصوير وتسريب وقائع العنف من داخل الأقسام الدراسية والتشهير بصورهم عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، والتسرع في غالب الأحيان في معاقبتهم من قبل المصالح إما المركزية أو الجهوية أو الإقليمية، دون التثبت من حقيقة ظروف وملابسات الوقائع. رؤية تشخيصية لواقع الحال: واقعة "قلب الطاولة"، تضاف إلى وقائع عنف أخرى امتد صداها إلى العالم الافتراضي كما هو الحال بالنسبة لواقعة أستاذ "ورزازات" الذي تلقى وابلا من "اللكم" و"السب" و"الشتم" من طرف تلميذ متهور أمام أنظار زملائه الذين لعبوا دور المتفرج، وواقعة الاعتداء الهمجي على أستاذة الدارالبيضاء (الحي المحمدي) باستعمال شفرة حلاقة ألحقت بها جروحا بليغة على مستوى الوجه، وواقعة أستاذ "خريبكة" الذي ظهر في مقطع فيديو وهو يعنف تلميذة غير منضبطة أفقدته القدرة على التحكم في التصرف، وغيرها، وقائع وإن اختلفت ظروفها وملابساتها وأمكنتها، فقد تقاطعت جميعها حول عنف آخر "خفي" و"غير معلن" ولا تركز عليه بوصلات الاهتمام والمتابعة والتحليل، ويرتبط أساسا بسلوكات وتصرفات لا تقل إيذاء، ويتعلق الأمر بتصوير وقائع العنف من قبل التلاميذ باستعمال هواتف ذكية ونشرها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وإذا كانت وقائع العنف السابقة قد تم التعامل معها وفق رؤية ضيقة لا تتجاوز حدود "الفعل المادي" (العنف)، فإن واقعة "قلعة السراغنة" أفاضت الكأس وكشفت النقاب عن العنف "الآخر" أو "الخفي" أو"المستتر" (التصوير، التشهير...)، فاتحة بذلك ملف "حماية" نساء ورجال النساء أثناء ممارسة عملهم في ظل استفحال العنف المدرسي وانتشار حالات الاعتداء عليهم والتمادي في تصويرهم والتشهير بهم عبر مختلف الوسائط الاجتماعية، وقد وصل الموضوع إلى قبة البرلمان عبر سؤال كتابي موجه من قبل نائب برلماني عن "فريق العدالة والتنمية" إلى الوزير الوصي على القطاع حول موضوع "تكرار تصوير وتسريب وقائع من داخل الأقسام الدراسية والتسرع في معاقبة الأساتذة والتشهير بهم"، تم التفاعل معه بإعطاء تعليمات بعدم التساهل مع خرق منع استعمال الهاتف النقال في سبيل صون العمليات التعليمية التعلمية والإسهام في توفير المناخ السليم لمختلف الأطر الإدارية والتربوية لأداء المهام المنوطة بها في أحسن الظروف، مع التنصيص على حجز الهواتف النقالة المضبوطة لدى التلاميذ وإعادتها إلى أولياء أمورهم. وباستقراء مختلف حالات العنف التي يكون الفضاء المدرسي، وتحديدا الفضاء الفصلي (القسم)، مسرحا لها، يمكن إبداء الملاحظات التالية: - مقاطع "فيديو" تتميز بطابعها "الانتقائي" تركز على "الفعل المادي"، وبالتالي فهي تقدم صورة "غير مكتملة"، بشكل يحول دون الإحاطة بالظروف التي تحكمت في الفعل (العنف)، كما هو الحال بالنسبة لواقعة أستاذ "خريبكة" الذي أظهره التسجيل القصير وهو يعنف التلميذة، دون أن يقدم واقعة الاستفزاز التي صرح بها الأستاذ (الرشق بالطباشير) التي جعلته يفقد صوابه وينجرف بالتالي نحو منزلق الإقدام على فعل غير تربوي. - صورة غير مكتملة لا تسمح بوضع الأصابع على الأسباب المتحكمة في أفعال العنف، مما يعيق عمليات تحديد مسؤوليات أطراف العنف (تلاميذ، أساتذة) ويصعب توقيع الجزاءات المناسبة، وفي ظل هذه الوضعية، غالبا ما تتسرع المصالح المركزية أو الجهوية أو الإقليمية في اتخاذ قرارات إدارية في مواجهة الأستاذ(ة) تحت ضغط "الشارع الافتراضي"، كما حدث مع أستاذ "خريبكة" الذي لم يشفع له لا سنه ولا حالته الاجتماعية ولا سنوات عمره التي أفناها في تعليم الناشئة في تلقي عقوبة إدارية والتقديم أمام العدالة. - عمليات "تصوير" تشكل مرآة عاكسة لحالة التسيب والانفلات التي تعرفها بعض الأقسام، في ظل تراجع منسوب القيم والاحترام والتقدير، مما يقوي ثقافة الانحطاط والتهور والانتهاك المستمر لحرمة مكان (القسم) يفرض التقيد اللامشروط بقواعده وضوابطه، وهذا الواقع يعيد إلى الواجهة تمرد فئات عريضة من التلاميذ على الأعراف والضوابط المدرسية والقوانين الداخلية (حلاقة مثيرة للانتباه، سراويل ممزقة، نظارات شمسية، قبعات شمسية "كاسكيط"، تغيبات مستمرة، الإقبال على الغش المدرسي الذي سار لدى الكثير حقا "مشروعا" يستوجب "الدفاع" و"رد الفعل" و"العنف"، استعمال الهواتف الذكية ...إلخ)، مما يجعل الكثير من الأساتذة يعانون الأمرين في سبيل فرض النظام والانضباط داخل الأقسام. رؤى متعددة الزوايا: عبر الباحث "عبد العزيز معناني" (إطار في المالية باحث في قانون الأعمال) عن رفضه المطلق لتصوير رجل التعليم والتشهير به عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محددا في ذلك ثلاثة اعتبارات، أولها: لما يتمتع به القسم كفضاء فصلي من حرمة وقدسية لا يمكن المس بها بأي حال من الأحوال، ثانيها: مكانة الأستاذ(ة) الرمزية والاعتبارية التي تجعل منه قدوة بالنسبة لتلاميذه، ثالثها وآخرها: للحد من الفكر المستشري وسط بعض المراهقين من التلاميذ الذين يختزلون "البطولة" في مفردات "الاستهزاء "و"العنف" و"الإهانة" و"المس" بكرامة الأستاذ والتقليل من شأنه وقيمته داخل المجتمع. وأوضح في هذا الصدد أنه لا يمكن الاقتصار على منع هذه التصرفات والسلوكات عبر المراسلات الإدارية، بل لا مناص من تجريمها ليكون كل من ارتكبها عبرة لمن لا يعتبر. ولتحقيق التوازن-حسب تصوره- لا بد من مراقبة تصرفات بعض الأساتذة المسيئة لمهنة التعليم، واعتماد اختبارات "بسيكو تقنية" قبل الولوج إلى مهنة تحتاج إلى قدرات نفسية وفكرية كبيرة. أما "جميلة بوبكر" (أستاذة مادة الفلسفة بالسلك التأهيلي) فقد أكدت أنه لا مناص من منع استعمال الهواتف النقالة بشكل كلي داخل المؤسسات التعليمية، لأنها وسائل تعيق مسار العمليات التعليمية التعلمية، وتمنع التلاميذ من الدراسة والتتبع والانتباه داخل الفضاءات الفصلية، معبرة عن إدانتها الشديدة لعمليات تصوير نساء ورجال التعليم أثناء ممارسة مهامهم الاعتيادية داخل الأقسام لما لذلك من إساءة وتشهير. "أحمد بالمعروف" (أستاذ مادة الاجتماعيات بالتعليم الخصوصي) أوضح أن تصوير نساء ورجال التعليم داخل الأقسام والتشهير بهم يعد سلوكا عاكسا لمظهر من مظاهر الوضعية التي آل إليها التعليم ببلادنا، التي بدأت-حسب وجهة نظره-بإفراغ المقررات والآن بالإجهاز على عمود أساسي ومرتكز من ركائزه، أفقدوه الاحترام من طرف تلاميذه وحاليا بتحييده داخل فصول الدراسة وتهديده والاعتداء عليه خارجها. الأستاذة "ن. عطفي" (مؤطرة مستشارة ببرنامج محو الأمية بالمساجد) قالت إن التصوير بدون إذن يشكل في حد ذاته سلوكا غير مقبول اجتماعيا، وقد يعاقب عليه القانون إذا ما تقدم المتضرر (الأستاذ(ة)) بشكاية أمام القضاء، مضيفة أنه كثيرا ما يتم التغاضي عن عنف التلاميذ مقابل إبراز مساوئ عنف الأستاذ(ة)، مؤكدة في هذا الصدد أن عمل المؤسسات التعليمية فقد بريقه بمثل هذه التصرفات، وأن الكثير من المؤسسات التعليمية أخذت في معالجة هكذا أفعال من خلال الأنشطة الموازية التي تفتح نوافذ للتحسيس والتوعية بمخاطر العنف بكل تلويناته وآثاره متعددة المستويات على الأستاذ(ة) والتلميذ(ة) والمدرسة. أما الأستاذ الباحث "إبراهيم تركي" (أستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين) فقد أكد من جهته أن التشهير هو فعل معاقب عليه قانونا مهما كان وضعه، وتصوير أستاذ(ة) داخل الفصل ونشر صورته دون موافقته يدخل في باب التشهير، لكن مادام أن الجهات الساهرة على تطبيق القانون -حسب قوله- لا يهمها معاقبة الجاني، فإن الأستاذ(ة) يبقى هو "الضحية" في الأول والأخير. "سعيد غازي" (أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي) لخص رأيه بالقول إن التصوير فعل غير قانوني، وهو ما أشار إليه "عبد الله المجيد" (أستاذ مادة الاجتماعيات بالسلك الإعدادي) الذي أوضح أن مسألة التصوير ظاهرة غير صحية تحط من كرامة الأستاذ(ة) في نظر المجتمع، وتفقد احترام التلميذ(ة) للأستاذ(ة)، بدل معاقبة مسرب الفيديوهات والدفاع عن الأستاذ(ة) من طرف الإدارة المشغلة على غرار باقي الإدارات، تتم إدانة الأستاذ(ة) دون تقصي الحقيقة. فيما تأسفت " فدوى" (أستاذة بالتعليم الابتدائي) على زمن مضى كان يحظى فيه الأستاذ(ة) بما يكفي من الاحترام والتقدير، والآن تهاوت صورته داخل المجتمع وسار -حسب تصورها-مضربا للأمثال والنكت (كعلم ...). وبعد أن تم تلقي تصريحات بعض نساء ورجال التعليم حول الموضوع، كان من الضروري الإحاطة بوجهات نظر التلاميذ. وفي هذا الإطار، قال التلميذ "إ. قسماوي" (السنة الثانية باكالوريا مسلك العلوم الرياضية) إنه لا يمكن الحكم على الأستاذ(ة) من مشهد واحد لعدم الإحاطة بما وراء ذلك، مما يفرض "وضع قانون صارم" ضد فعل التصوير والتشهير حماية لحرمة القسم، فيما أبدت التلميذة "خ. رايس" ( السنة الثانية باكالوريا مسلك الآداب) موقفا إيجابيا حول عمليات تصوير الأساتذة داخل الأقسام، تحت ذريعة التعرف على "الجاني" و"المجني عليه" في حالات العنف التي تكون الأقسام مسرحا لها، لكنها في الآن نفسه عبرت عن إدانتها لتصوير الأساتذة والتشهير بهم عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة في هذا الصدد أن أي مشكل بين أستاذ(ة) وتلميذه لا بد أن يبقى حبيس جدران حجرات الدرس، وهذا يسمح بإيجاد تسويات بين الطرفين، وهو ما يصعب لما يخرج النزاع إلى العالم الافتراضي. وفي السياق ذاته، أكد الطالب الجامعي "ع. الجداد" (سلك الإجازة تخصص اللغة الإنجليزية) أن الهاتف المحمول ممنوع في المدارس، والتشهير بالأساتذة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس بالأمر الهين وهو ضرب لمنظومة التربية والتكوين، الهدف من ذلك -حسب قوله- خلق بلبلة في صفوف التلاميذ والمدرسين، مؤكدا أن الأستاذ(ة) يجب أن يكون "سياسيا" في التعامل مع التلاميذ. باستقراء التصريحات أعلاه التي تم أخذها بشكل اعتباطي، وإن اختلفت اتجاهاتها، فقد تقاطعت جميعها حول الرفض التام لتصوير نساء ورجال التعليم أثناء حوادث العنف والتشهير بهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والدعوة إلى التطبيق الصارم للقانون صونا لحرمة القسم وحرصا على السير العادي للعمليات التعليمية التعلمية، وقبل هذا وذاك، حماية لنساء ورجال التعليم من كل أشكال الإيذاء (عنف، تصوير، تشهير، إهانة، تهديد ...) حتى يتسنى لهم القيام برسالتهم التربوية السامية خير قيام، وهذا يسمح بمقاربة الموضوع من الجانب القانوني والتساؤل هل التشريعات ذات الصلة كفيلة بحماية رجل التعليم؟ الإطار القانوني: كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا، فالصور الملتقطة في إطار حوادث العنف المدرسي تتم بدون موافقة لا الأستاذ(ة) الضحية ولا "التلميذ"(ة) الجانح(ة) والعكس صحيح، ويتم نشرها بدون قيد أو شرط عبر المواقع الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكية، مما يشكل مسا صارخا بكرامة الأستاذ(ة) وضربا لصورته على المستوى المجتمعي، وهذه الصور الملتقطة، لا تعكس فقط "تصوير" الأستاذ(ة)" والتشهير بصورته عبر المواقع، بل أيضا تعكس تصرفا صادرا عن تلاميذ يمتنعون عن إتيان أفعال أوجبها القانون الجنائي، ويتعلق الأمر ب"عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر"، وهنا نستحضر صورة أستاذ "ورززات" الذي ظهر في مقطع فيديو وهو يتلقى وابلا من الضرب و"الركل" والسب والشتم من طرف تلميذ منحط، في وقت اكتفى زملاؤه بلعب دور "المتفرج"، وبعضهم استغلها "فرصة" لتصوير المشهد المؤلم، ونشره في العالم الافتراضي. في هذا الإطار، أبدى المشرع المغربي اهتماما بالغا بالحياة الخاصة للأشخاص من خلال دستور 2011 الذي نص على أن لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. وقد تعزز هذا المقتضى، بمقتضيات تشريعية جديدة من شأنها إضفاء المزيد من الحماية للحياة الخاصة للأفراد، أشار إليها منشور صدر غضون شهر دجنبر الماضي موجه من قبل رئيس مؤسسة النيابة العامة إلى المسؤولين القضائيين وكل قضاة النيابة العامة، تمحور موضوعه حول "الحماية الخاصة للأفراد"، وحدد "الإطار القانوني" الذي يؤطر عملية تصوير الأفراد صونا وحماية للحياة الخاصة، المتمثل أساسا في القانون رقم "103.13" المتعلق ب"محاربة العنف ضد النساء"، وبعض المقتضيات القانونية المتفرقة في "قانون الصحافة والنشر" و"القانون المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي". وفي هذا الصدد، واستقراء لمقتضيات القانون الجنائي، نجد أن الفصلين 447.1 و447.2 -كما تم تعديلهما بموجب المادة 5 من قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء-قد نصا على عقوبات حبسية سالبة للحرية تصل إلى ثلاث سنوات وغرامات مالية بين 2.000 و20 ألف درهم، على كل من قام بشكل عمدي، بأية وسيلة بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها (الفصل 447.1)، أو بث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص (الفصل 447.2). ورفعا لكل لبس، فقد أوضح منشور النيابة العامة أن منع التصوير دون إذن خاص ينحصر في "المكان الخاص" دون الحيز العام، وحدد أركان الجريمة في ركنين أساسيين، أولهما: "استعمال أي وسيلة من الوسائل التي تمكن من تثبيت الصورة أو تسجيلها أو توزيعها (آلات التصوير الفوتوغرافية، الهواتف الذكية، الحواسيب أو أية وسيلة تتيح إتيان تلك الأفعال)"، وثانيهما: تواجد الشخص المعني بفعل التصوير (الضحية) في مكان "خاص"، ويدخل ضمن نطاق الحياة الخاصة كذلك-حسب مقتضيات الفصل 447.2 المومأ إليه أعلاه-بث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص. لكن ما يسجل على المقتضيات الجنائية الجديدة أنها لم تقدم تحديدا واضحا سواء لمفهوم "الحياة الخاصة" أو "المكان الخاص" واكتفت فقط باستعراض أوجه حماية الحياة الخاصة. أما قانون الصحافة والنشر، ورغم تطرقه لموضوع "حماية الحياة الخاصة والحق في الصورة" (الباب الثالث)، إلا أنه لم يزل اللبس القائم واكتفى بدوره باستعراض صور الحماية؛ إذ نصت المادة 89 على أنه "يعد تدخلا في الحياة الخاصة كل تعرض لشخص يمكن التعرف عليه، وذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية لأشخاص أو تتعلق بحياتهم الخاصة، ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام". وعليه واستحضارا للمقتضيات القانونية سالفة الذكر التي تناولت موضوع "الحياة الخاصة"، ودون الانغماس في التداخل الذي يمكن أن يبرز بين مقتضيات القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر فيما يتعلق بالمساس بالحياة الخاصة للأفراد، ودون الخوض في تفاصيل الجدل حول ما إذا كان "القسم المدرسي" يعد فضاء "عاما" أو "خاصا"، فلا مناص من التأكيد على أن "القسم" هو مكان له "حرمة" و"خصوصية" تتحكم فيها قواعد وضوابط متعددة المستويات (مؤسسية، إدارية، معرفية، تربوية، أخلاقية، سيكولوجية، اجتماعية ...) تتأسس على مبادئ وقيم الاحترام والتقدير المتبادل والانضباط والتعاقد (ديدكتيكي، ميثاق الفصل ...) والمسؤولية والامتثال للحقوق والواجبات المتبادلة بين أطراف "جماعة القسم" (الأستاذ، التلاميذ)، وعليه وبالنظر إلى هذه الخصوصية، لا مناص من التعامل معه بما يليق من الاحترام والتقدير (أساتذة وتلاميذ، هيئة الإدارة التربوية، هيئة التفتيش التربوي...)، وهو فضاء مصغر للفضاء المدرسي الذي تتحكم فيه تشريعات إدارية وقوانين أساسية داخلية لا مفر من التقيد بها واحترامها. وعليه، فتنامي حالات العنف المدرسي المقرون بأفعال التصوير والنشر والتشهير عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بقصد المس-بشكل عمدي-بالحياة الخاصة للأستاذ(ة)، أفعال أو تصرفات قد تشكل إخلالا بالمقتضيات الزجرية الجديدة ومسا بالحياة الخاصة إذا ما تم التعامل مع "القسم" كفضاء "خاص"، أما إذا لم يكن الأمر كذلك (فضاء عام)، فلا مناص اليوم-في ظل اتساع بؤرة العنف المدرسي واستفحال مشكلة التصوير من داخل الأقسام-من سن "تشريع مدرسي" يستوعب كل التصرفات والانفلاتات الماسة بالحياة داخل الفضاء المدرسي (تهديد، ضرب، جرح، إهانة، تصوير، تشهير...) أو ذات الصلة بسلوكات جرمية مقترفة في الوسط المدرسي من قبيل "السكر البين" و"استهلاك" المخدرات ...إلخ. أية حماية لنساء ورجال التعليم؟ لقد أبانت وقائع العنف التي كانت الأقسام مسرحا لها عن هشاشة واضحة تعتري "حماية" نساء ورجال التعليم خلافا لإدارات أخرى (الأمن الوطني نموذجا)، في ظل اتساع مساحات العنف المدرسي وتنامي موجات الشغب والتسيب والانحطاط والانفلات، وسط عينات من التلاميذ المتهورين الذين يعيشون "فقرا تربويا" و"معرفيا" و"أخلاقيا"، ويكفي استحضار حالات العنف التي طالت الأساتذة خلال السنتين الأخيرتين، آخرها أستاذ بمديرية الجديدة تعرض قبل أيام لطعنة بالسلاح الأبيض بعد مغادرته للمؤسسة بعد إنهاء مهام المراقبة بمناسبة إجراء الامتحان الموحد المحلي للسنة الثالثة إعدادي، ويكفي أيضا استحضار حالات بعض التلاميذ المتهورين والفاشلين الذين يعتبرون "الغش" حقا مشروعا، ولا يجدون حرجا في ممارسته أثناء الامتحانات الإشهادية والدفاع عنه، ولو تطلب ذلك ممارسة العنف في حق الأساتذة المراقبين، مما يجعل الإقبال على مهمات "المراقبة" كل سنة مشوبا بمشاعر "التردد" و"الإحباط" و"التخوف" من عنف "محتمل" في غياب "الحماية" بكل مستوياتها (قانونية، مؤسساتية، مادية، نفسية...). كما أن وقائع العنف التي تمت الإشارة إلى بعضها غالبا ما يكون "الأستاذ(ة)" كبش فداء، خاصة لما يكون طرفا "معنفا" (حالة أستاذ خريبكة)، حيث يتم التسرع في معاقبته إداريا تحت ضغط الشارع، بعد تسريب وانتشار مقاطع الفيديو التي توثق للعنف على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن "التسجيلات" تقدم جزء من الواقعة وليس كل الواقعة (توثيق النتائج دون الأسباب)، ودون اتخاذ أي إجراء، لا في حق التلميذ(ة) (ضحية العنف) الذي غالبا ما يكون طرفا متسببا في العنف الممارس عليه، ولا في حق التلميذ(ة) أو التلاميذ الذين قاموا بفعل التصوير والنشر عبر المواقع، وحتى في الحالات التي يكون فيها الأستاذ(ة) ضحية لعنف التلميذ(ة)، فهو لا يلقى الحماية اللازمة من طرف الإدارة المشغلة، باستثناء إصدار بلاغات مواساة وتنديد، بينما وقائع العنف، تتطلب مؤازرة قانونية وقضائية ونفسية ومادية، وهنا لا مناص من الإشارة إلى واقعة "قلب الطاولة" المومأ إليها أعلاه، التي وصل صداها إلى البرلمان، حيث تعاملت معها الوزارة الوصية بإصدار تعليمات من أجل تفعيل مقتضيات المذكرة الوزارية ذات الصلة بمنع استعمال الهاتف النقال، في إطار تحصين حقوق التعلم والتربية المدرسية للتلاميذ وتوفير المناخ السليم للأطر الإدارية والتربوية للقيام بواجبها خير قيام، وهو تفاعل "محتشم" لا يخرج عن نطاق "الانحناء" أمام "موجة" عابرة، ولا يمكنه إطلاقا توفير "الحماية" المنشودة لنساء ورجال التعليم أمام تنامي موجات العنف واتساع مساحات التصوير والتشهير والانحطاط والتفاهة، في ظل غياب "الضابط" القانوني و"الرادع" التربوي. كما أن التشريع الداخلي (مذكرات وزارية، مذكرات داخلية، قوانين أساسية...) غير قادر على فرض "الانضباط" بكل تجلياته، في فضاء مدرسي لا يستقيم حاله بدون انضباط، بدليل تنامي العنف المدرسي وانتشار ثقافة العبث والتسيب والانفلات في بعض المؤسسات التعليمية (حلاقات مثيرة، استعمال القبعات "كاسكيط"، ارتداء النظارات الشمسية، السراويل الممزقة، التدخين، استهلاك المخدرات ("الكالة" نموذجا)، غياب اللباس الموحد، التأخرات، الغيابات، استفحال الغش المدرسي، عدم القيام بالواجبات المدرسية، عدم إحضار لوازم الدراسة، التحوز بالهواتف الذكية...)، بل أكثر من ذلك، في كثير من "الأحيان" يتم "الانتصار" للتلميذ(ة) على حساب الأستاذ(ة) (مذكرة البستنة نموذجا) الذي صار اليوم بين مطرقة العقوبات الإدارية وسندان العنف المتنامي، في غياب "حماية" واضحة المعالم، تقوي الإحساس الجماعي بالانتماء إلى مهنة شريفة، وتحفز على الجدية والخلق والإبداع وتصون فضاء القسم من عدوى التسيب والانفلات. وفي هذا الإطار، وبعيدا عن الشق القانوني، أوضح "محمد رياض" (أستاذ مادة اللغة العربية بالسلك التأهيلي) أن الأستاذ(ة) لا بد أن يخضع إلى تكوينات مستمرة في علوم التربية، حتى يتملك الآليات التي تمكنه من التعامل بشكل "واع" و"مسؤول" و"تربوي" مع وضعيات "الاستفزاز" التي قد يتعرض لها داخل القسم من قبل بعض التلاميذ المشاغبين، مؤكد أن "فعل التصوير" يمس بشكل كبير بقيمة ورمزية الأستاذ(ة) داخل المجتمع، لما يتم نشر وتناقل صورته عبر المواقع الاجتماعية، مضيفا أن ما يحدث داخل المؤسسات التعليمية، يعكس أزمة في القيم والأخلاق، مصرا على ضرورة تبني "المقاربة التوعوية والتحسيسية" من أجل إحاطة التلاميذ بمختلف القوانين التي تؤطر تصرفاتهم داخل الفضاء المدرسي مع نشرها بسبورات خاصة، حتى يكون جميع التلاميذ على بينة منها. ما تمت الإشارة إليه ما هو إلا "حرفا" في رسالة مطولة، تعكس سطورها ومضامينها الحالة المزرية التي آل إليها رجل التعليم في المجتمع، في ظل انتشار ثقافة التسيب والتشويش والتهور والعنف والتصوير والتشهير، مما يفرض تمتيعه بكل شروط "الحماية" حتى يتسنى له القيام برسالته النبيلة خير قيام، وهي حماية "قانونية" (قانون جنائي) و"إدارية (مذكرات وزارية، نظام أساسي عادل ومنصف...) و"مؤسساتية (المؤازرة والانتصاب كطرف مدني في قضايا العنف التي تطال الأستاذ(ة)) و"نفسية (دعم الجانب النفسي)، ومادية (أجر محفز، تعويضات مادية، سلاسة في الترقي)، واجتماعية وصحية (تجويد خدمات مؤسسة محمد السادس...)، مع الحرص على التطبيق الصارم للقانون في حق كل "تلميذ(ة)" تبث قيامه بتصرفات مخلة بالقوانين والضوابط، والاشتغال على الجوانب "التحسيسية" على مستوى "نشر" مختلف القوانين والمذكرات التي تؤطر تصرفات التلاميذ داخل المؤسسات التعليمية، حتى يكون كل "تلميذ(ة)" على بينة واطلاع مسبق بمضامينها، قبل الإقدام على أي تصرف من شأنه أن يعرضه إلى عقوبات إدارية أو قضائية. وعليه، وتأسيسا على ما سبق، فالمدرسة ما هي إلا فضاء للتربية والتكوين وبناء الإنسان، ومن خلاله بناء مجتمع متشبع بقيم المواطنة بكل تعبيراتها، وهذا يفرض صون وحماية هذا "الفضاء" من كل أشكال العبث والتهور والتمرد والعنف والانحطاط، وذلك لن يتأتى إلا بتقوية "الضابط" القانوني و"التربوي" القادر على حماية كل الأطراف التي تتقاسم المشهد المدرسي من أطر إدارية وتربوية وتلاميذ، مع الحرص على إعطاء نفس جديد للحياة المدرسية والرقي بأدوار الأندية المدرسية ودعمها بشروط الحياة وتحفيز نساء ورجال التعليم من أجل الخلق والإبداع والابتكار، من خلال إعادة النظر في البرامج الدراسية الغارقة في "الكم" المنتج للرتابة والتهور والانفلات، وإتاحة مساحات زمنية تسمح للتلاميذ بإبراز الهوايات والقدرات، مع الحرص على تفعيل التكوينات الأساسية والمستمرة ذات الصلة بعلوم التربية والتنمية الذاتية، حتى يتسنى لرجل التعليم تملك واكتساب المهارات والقدرات التي تمكنه من التعامل السليم مع وضعيات الاستفزاز التي قد تصادفه داخل الفضاء القسمي، ومعالجتها وفق رؤية تربوية وقانونية، دون السقوط في منزلق الغضب والانفعال المفضي إلى العنف. أما فيما يتعلق باستعمال الهواتف النقالة داخل الفضاء المدرسي، فلا مناص اليوم من تنزيل مذكرات "جريئة" و"صارمة" تقطع مع ثقافة العبث والتهور، حماية للأستاذ(ة) وصيانة للقسم كفضاء للتعلمات، وفي هذا المستوى، أكد الإطار المغربي "حميد دمشقي" (أستاذ مادة التربية الإسلامية بألمانيا) أن التلميذ(ة) في "ألمانيا" ممنوع عليه استعمال الهاتف النقال خلال الحصص الدراسية، وفي حالة ضبطه، يتم سحب الهاتف والمناداة على ولي أمره وإخباره بهذا الفعل غير المشروع، وفي حالة تكرار العملية، يحصل التلميذ على عقوبة تربوية (التوقيف لمدة أسبوع) وفي حالة التكرار، يتم اجتماع "طارئ" من طرف الأساتذة ليتم "طرده" نهائيا من المؤسسة. أما إذا ثبت قيامه بعملية "التصوير"، فإن القانون يتيح للأستاذ الحق في إحالة القضية على القضاء، مع طرد التلميذ من المؤسسة. وفي السياق نفسه، أوضح الأستاذ الباحث "إبراهيم تركي" أنه ضد إحضار التلميذ(ة) للتجهيزات الرقمية إلى المؤسسة، باعتبارها لا تدخل ضمن المعدات البيداغوجية الضرورية، مؤكدا أن الوزارة الوصية لا بد لها من مسايرة التطور الرقمي، وإصدار مذكرات بهذا الشأن تمنع أي استعمال للأجهزة الإلكترونية بعيدا عما هو بيداغوجي، وهي نقطة على جانب كبير من الأهمية تسائل التشريع المدرسي الذي أصبح اليوم "متجاوزا" في ظل "الطفرة الرقمية" وما أفرزته من تصرفات مخلة بالقوانين والضوابط، وبالتالي لا مفر من التنصيص على أن أي "تصرف" غير قانوني لا يمكن معالجته إلا في إطار"القانون" من منطلق أنه "لا جريمة ولا عقاب إلا بنص"، مع التذكير أخيرا، وليس آخرا، أن "موضوع استعمال الهواتف النقالة داخل الفضاء المدرسي" هو مسؤولية "مدرسة"، وفي الآن نفسه هو مسؤولية "أسرة" غائبة أو مقصرة أو غير مهتمة أو غير مكترثة أو متقاعسة، ولا يمكن للمدرسة قطعا أن تقوم بأدوار الأسرة أو تحل محلها. *كاتب رأي أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي باحث في القانون وقضايا التربية والتكوين [email protected]