يعد عمر الزيدي واحدا من مؤسسي اليسار الجديد بالمغرب، هذا المكون السياسي الذي ظهر بالمغرب بُعيد الاستقلال مباشرة، لأسباب مرتبطة بالتحولات الإقليمية والدولية التي شهدها العالم آنذاك. كما أن عمر الزيدي يعتبر من مؤسسي حركة "لنخدم الشعب" ذات النزوع الماركسي اللينيني، حيث تأسست هذه الحركة داخل بيته رفقة بعض الأسماء التي لا تزال على قيد الحياة، منها من تنكر "لنخدم الشعب" وارتمى في أحضان "عدو الأمس"، بينما ظل الزيدي يشتغل في أحضان المجتمع، من العمل السياسي والأفكار الحالمة في التغيير إلى العمل من خلال المجتمع المدني. في هذا الحوار، الذي تنشره هسبريس منجما، سنحاول أن نرصد التاريخ الثقافي لمدينة سلا، وهي المدينة التي نشأ فيها صاحبنا/الزيدي، وكذا التوقف عند التنشئة الثقافية والسياسية لجيل اليسار الجديد، ومعرفة جزء من الذاكرة/التاريخ الراهن للمغرب من خلال جيل آمن بالتغيير عن طريق الثورة، فتحول إلى الإيمان بالتغيير المدني. كيف حدث ذلك؟ هذا ما سوف نعرفه من خلال هذه السلسلة من الحوارات. -13- يبدو كأن إطلاق سراح البعض واعتقال آخرين كانا متلازمين في تلك المرحلة، يطلق البعض ويعتقل آخرون، عمّ يعبر هذا برأيك؟ يعبر عن أن الحكم لم يكن مستعدا للديمقراطية، وكان مضطرا لها تحت ضغط ملف الصحراء المسترجعة ونضالات القوى الديمقراطية واليسارية، حيث كان يواجه حرب العصابات التي كانت تخوضها الحركة الانفصالية، والتي وصلت إلى مهاجمة مراكز غير متنازع عليها في شمال الصحراء المغربية مثل كلميم وطرفاية وطانطان. لقد كان يدفع بالصراع حتى لا يتجاوز جدران البرلمان، حيث أصبح ما سمي بالهامش الديمقراطي يضيق إلى حد شفرة السكين، من اغتر باستثماره يقطعه قطع السيف، فيكون السجن مآله، وهذا ما جعل الأحزاب الديمقراطية تطالب ب"الديمقراطية الحقة" في تجمعاتها وفي بياناتها المختلفة. يعني كان الوضع متأزما؟ طبعا كانت هناك أزمة شاملة. ماهي مظاهر الأزمة آنذاك؟ كان الوضع متأزما من الناحية الاقتصادية، وهكذا أصبح العجز المالي كارثيا، مما دفع إلى زيادات مهولة في المواد الأساسية لتغذية المغاربة من قبيل السكر والزيت والدقيق، الشيء الذي فجر الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في 20 يونيو 1981، بمساندة قوية من قبل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سواء عن طريق البيان السياسي للمكتب السياسي، أو عن طريق الفريق البرلماني أو جريدة "المحرر". وقد أدى ذلك إلى انتفاضة دموية بالدارالبيضاء في 20 يونيو 1981، حيث سقط مئات الضحايا، وعمت الاعتقالات صفوف النقابة والحزب في الوقت نفسه. هذه الأحداث كانت احتجاجات ضد الوضع أم رسالة ضد النظام السياسي برمته؟ لقد اعتبرها الملك الراحل رسالة موجهة إليه، حيث كان يتهيأ لإعلان قبوله بالاستفتاء في الصحراء بنيروبي في مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية، الذي انعقد في الشهر نفسه سنة 1981. واجه الاتحاد الاشتراكي هذا الموقف بحزم في بيان لمكتبه السياسي، وصف بأنه شديد اللهجة، وهو ما أدى بقيادة الحزب إلى السجن، حيث تم اعتقال كل من المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي ومحمد الحبابي. في هذا الوقت بالضبط تم عقد المؤتمر 17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي عرف تفجيرا من داخله؟ نعم، أعتقد في هذه الأجواء انعقد المؤتمر 17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب (صيف 1980 على ما أذكر)، ولم يتمم أشغاله بعد 18 يوما من الصراعات بين الفصائل الطلابية، التي تمحورت حول تمثيل تيار "رفاق الشهداء" في اللجنة التنفيذية، وهم مناضلون اتحاديون منتفضون على القيادة الحزبية، الشيء الذي رفضه الطلبة الاتحاديون، مما دفع بالاتحاديين إلى الانسحاب فسقط المؤتمر في أزمة. القاعديون كانوا كذلك مختلفين. صحيح، كان القاعديون (وهم كذلك يضمون تيارات متباينة) يشكلون أغلبية المؤتمرين والمؤتمرات، وكان بإمكان المؤتمر أن يتمم أشغاله لو لم يتم تشبث أحد تيارات القاعديين بضرورة تمثيل "رفاق الشهداء"، مما دفع مناضلين قاعديين آخرين إلى الانسحاب، فبقي المؤتمر يجتر نفسه، حيث انتقل إلى مقر المنظمة بزنقة أبو شعيب الدكالي (لافوازيي) بعدما رفضت إدارة المدرسة المحمدية للمهندسين استمراره عندها، فتدخلت السلطة لإيقافه، مما دفع المؤتمرين إلى المصادقة على استمرار لجنة رئاسة المؤتمر في قيادة المنظمة إلى حين استئناف المؤتمر، وهو المؤتمر الذي مازال لم ينعقد إلى حدود الآن. كان ضمن هذه اللجنة، حسب ما أذكر، محسن عيوش وحسن السوسي وبوعيش مسعود وأحد مناضلي التقدم والاشتراكية (لم أذكر اسمه). يعني أن الصراعات الداخلية أصبحت تهيمن على جميع التيارات السياسية اليسارية آنذاك وفي كل القطاعات. نعم، للأسف، لقد أصبحت تهيمن على الساحة السياسية في تلك المرحلة الصراعات داخل الاتحاد الاشتراكي، التي امتدت ذيولها منذ المؤتمر الثالث للحزب الذي انعقد سنة 1978. آثار هذا الصراع سنعيشها كذلك داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث ستتعرض الجمعية لمنع انعقاد مؤتمرها الأول في 06 مارس 1983، فالسلطة بعد أن منحتنا الترخيص لجأت إلى المنع يوم المؤتمر، حيث أبلغتنا المنع في القاعة. لم يكن هناك شك بأنه ستكون هناك مواجهات قوية بين طرفي الاتحاد. هذه المواجهة ستنفجر بالفعل في 08 ماي 1983 بمناسبة انعقاد اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي كانت ستناقش المشاركة في الانتخابات الجماعية والتشريعية، التي كانت ستنعقد في 1983- 1984، حيث منع الجناح الذي كان ينادي بمقاطعة الانتخابات من الدخول إلى القاعة، فكانت المواجهة، واستدعيت السلطة للتدخل، فحضر الوالي بنشمسي بنفسه، وأمر باعتقال المناضلين الحاضرين الممنوعين من الدخول إلى الاجتماع: عبد الرحمان بنعمرو واليزيد البركة ومحمد الفلاحي والفقيد أحمد بنجلون والفقيد العربي الشتوكي وغيرهم، فقضوا حكمهم في سجن لعلو بالرباط (بين ثلاث سنوات وسنة، حسب كل واحد). وماذا عن اليسار الجديد في هذه المرحلة؟ اليسار الجديد أصبح موزعا بين السجون والقطاع الطلابي والعمل الجمعوي، فعلى مستوى السجن المركزي قطع المناضلون والمناضلات محنا كثيرة: أولاها، توزيعهم على ثلاثة سجون بعد الإضراب الثاني سنة 1978، وبعد معارك متعددة من طرفهم والعائلات سيتم تجميعهم من جديد، وسيلحق بهم أبراهام السرفاتي، الذي كان قد احتفظ به وحيدا في سجن اغبيلة بالدارالبيضاء. ثانيا، أدت المحاسبات، التي أطلقتها قيادة "إلى الأمام" داخل السجن، بتصنيف المناضلين بين الصامد والخائن، ثم بين اليميني واليساري إلى آخر الحكاية، إلى تشرذم المعتقلين، مما أدى إلى انسحاب العشرات من الأماميين من تنظيم "إلى الأمام". ثالثا، إطلاق عدد من المناضلين الأماميين بعد انسحابهم من التنظيم أرضية تقييمية للتنظيم، بعثوها إلى الهيئات السياسية (الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية). وقد كان من زعماء هذه الأرضية المناضل المشتري بلعباس، الذي أتمنى له الشفاء العاجل بهذه المناسبة، فانطلقت حملات التخوين والعزل إلى آخر القصة. وبالنسبة إلى مناضلي "لنخدم الشعب" وما يمكن أن نسميه يسار 23 مارس، فقد حافظوا على علاقاتهم المفتوحة مع الجميع، رافضين إضافة سجن آخر على بعضهم البعض، حيث يكفي السجن الذي سلط عليهم من طرف الحكم. رابعا، رغم هذه الظروف استطاع المعتقلون أن ينظموا حلقات للنقاش السياسي والثقافي، وهو ما كانوا يسمونه بالسبتيات. كما أحدثوا نشرة ثقافية وسياسية بينهم، إضافة إلى الإبداعات الفنية. وكمثال على ذلك، كتاب الكاريكاتير حول الشهيد جبيهة رحال الذي أنجزه الفقيد عبد العزيز مريد، واللوحات الزيتية لعبد اللطيف الدرقاوي، إضافة إلى الكتابات الغزيرة التي كانت تتصدر المجلات والجرائد، في الوقت الذي أصبحت شروط الإقامة في السجن تتحسن باستمرار، حيث كان الخروج لزيارة الطبيب يوميا، وكانوا يتمكنون من التجوال في المدينة بشكل عادي. وعلى المستوى السياسي كانت هناك مبادرتان: الأولى من "إلى الأمام"، حيث سيقدم بعض المناضلين ممن أفرج عنهم ضمن المجموعة 105، مثل مصطفي البراهمة، على إطلاق مبادرة إعادة بناء التنظيم، وهي التجربة التي ستنتهي مع اعتقالات 1986، التي عرفت بمجموعة 26. والثانية من مناضلي "23 مارس" جناح ندوة باريس، حيث سيصدرون جريدة "أنوال" سنة 1979، معلنين تدشين مرحلة جديدة لعمل تنظيم "23 مارس". الأرضية، التي نشرتها الجريدة بتوقيع الحبيب الطالب، أحد الزعماء البارزين في التنظيم، طرحت قضايا أساسية وجوهرية لم يسبق إعطاؤها الأهمية التي تستحق في أدبيات اليسار الجديد سابقا. أطروحة "الوعي الديمقراطي والوعي المتأخر" شكلت جوهر أطروحة "23 مارس"، التي ستتحول إلى تنظيم "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" في المؤتمر التأسيسي سنة 1983. في الصورة عمر الزيدي وسيون أسيدون والفقيد غازي قرطاط في زيارة لهما بمستشفى العياشي بسلا وماذا عن "لنخدم الشعب"؟ بالنسبة إلى "لنخدم الشعب"، لم يبق ملتزما من المعتقلين السابقين سوى أنا والفقيد نجيب البريبري. وبالنسبة إلى الرفاق والرفيقات الذين كانوا يعيشون في السرية، فقد كانوا يصدرون نشرة "لنستمر في خدمة الشعب" واشتغلوا على واجهتين: الأولى، ضمان شروط المعيش، وهو ما حققوه بتضحيات جسام وكدح ومثابرة: عبد الله بندحمان الموجود حاليا ببلجيكا اشتغل عاملا في البناء، ونزهة بنعياد الموجودة حاليا بفرنسا اشتغلت عاملة في النسيج، وحمادي سلمان اشتغل في مكتبة الكرامة التي كان يشرف عليها كمال الحبيب، وهو العمل نفسه الذي شغله الشهيد المنتصر البريبري في أوقات أخرى قبل استشهاده، وهكذا كان بالنسبة إلى المناضلين والمناضلات الآخرين، مثل عائشة وأحمد الموجودين حاليا في فرنسا. الثانية، هي كيفية تجميع التنظيم من جديد وتطوير فعله في المجتمع المدني من جمعيات ونقابات وغيرها. ففي سنة 1982، وبمناسبة الغزو الصهيوني لبيروت، استطاع الشهيد المنتصر البريبري، الذي كان يطلق على نفسه آنذاك اسم مصطفى، أن يجمع أكثر من 18 جمعية بالدارالبيضاء في تظاهرة ثقافية تضامنية مع فلسطين ولبنان. لم نجتمع أنا والفقيد نجيب البريبري مع الرفاق والرفيقات في سريتهم أكثر من مرتين للتباحث في أوضاع البلاد وكيفية تنظيم العمل في الشروط الجديدة، وبقي التنسيق بيني وبين الشهيد المنتصر البريبري لربط العلاقات التي لم يطلها الاعتقال ليتكفل بها المنتصر نظرا لعدم استطاعتي متابعة العلاقة معها من الناحية الأمنية، وهذه أمور كنت باستمرار أتشاركها مع الفقيد نجيب. وقد استمر الوضع على هذه الحال بعدما تجاوزنا أزمة تصميم الشهيد المنتصر على الالتحاق بالمقاومة الفلسطينية في بيروت، فقد كان محور التنسيق في التنظيم، لذلك رفضنا رحيله، ولم يوقف إصراره إلا مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الرباط، إذ كانت لديه علاقات ودية ومستمرة مع الفلسطينيين في المكتب، فخيبوا طلبه وأفشلوا حماسه، حيث قالوا له: يجب أن تخرج من المغرب إلى أوروبا ونأخذك من البلاد التي ستستقر فيها. كيف مات المنتصر البريبري؟ روجت دوائر الأمن بأنه مات في حادثة بسكة الحديد، بعد أن صدمه أحد القطارات. وهذه حكاية عارية من الصحة، تم ترويجها لإخفاء جريمة تصفيته في مخفر الشرطة. الحكاية هي كالتالي: يوم الخميس 11 فبراير 1983 زارني بالليل الرفيق أحمد أجريد، الموجود حاليا في فرنسا، وكان هو الآخر يعيش في سرية ضمن الرفاق والرفيقات المتابعين/ات. وقد أخبرني أن الرفيق المنتصر استشهد. وحكى لي بأنه غادرهم يوم الاثنين 8 فبراير 1983 على الساعة الحادية عشرة ونصف ليلا صحبة أحد الرفاق ليصل معه إلى بيته الخاص، لأنه منذ اعتقالات سنة 1979، أصبح يقطن وحده. وقد تركه ذلك الرفيق قرب منزله ورجع أدراجه، على أمل أن يلتقيا يوم الثلاثاء 9 فبراير على الساعة 12 زوالا، ليشتريا بعض لوازم الفراش التي كان الرفاق والرفيقات في حاجة إليها بمنزلهم الجديد، لكن المنتصر أخلف الموعد ولم يظهر له أثر في المساء. طيلة يوم الأربعاء تم البحث عنه في المستشفيات ومستودع الأموات بعين الشق بالدارالبيضاء، وفجأة وجدوه يوم الخميس 11 فبراير صباحا في مستودع الأموات مقطع الأطراف بعناية، وكدمات على وجنتيه، كأن جزارا عبث به. لا أخفي الانفجار الداخلي والألم الذي أحسسناه آنذاك، أنا وأمه وإخوته محمد والفقيد نجيب والرفيق المرحوم محمد التهامي الحاكوشي وكل الرفاق والأصدقاء الذين عرفوه. لم يكن من الممكن النوم تلك الليلة، ويوم الجمعة 12 فبراير صباحا توجهت وإخوته إلى مستودع الأموات بعين الشق الدارالبيضاء، ففوجئنا بما كتب بسجل المستودع، "مجهول"؟؟، رغم حمله بطاقة وطنية سلمت إلى أخيه محمد، فأعادها إلى موظف المستودع بدعوى أنها لا تحمل اسم المنتصر (كانت ورقة مزورة لدواعي السرية). تقرير الشرطة يقول إنه تعرض لحادثة قطار ب"الأرميطاج" في الساعة الثانية عشرة ليلا من يوم الاثنين 8 فبراير 1983. هل من يتعرض لحادثة قطار يكون مقطعا بعناية الجزار؟ كيف انتقل المنتصر من الحي الذي يقطن به في الساعة نفسها التي مر فيها القطار ب"الأرميطاج". وهي الساعة نفسها التي ودعه فيها الرفيق الذي اصطحبه، والحال أن ذلك الحي يبعد عن القطار بما يفوق 50 دقيقة بالطاكسي؟ وكيف وقعت الحادثة يوم 8 فبراير ولم تكن الجثة موجودة في المستودع يوم الأربعاء 10 فبراير، ولم يعثر عليها الرفاق إلا يوم الخميس 11 فبراير صباحا؟؟ أثارت هذه التساؤلات فضولنا للبحث والتقصي، وقد استطاع الرفيق أوهناوي محمد، بحكم عمله في السكك الحديدية، الاطلاع على تقرير المكتب الوطني للسكك الحديدية، فوجد ما معناه بالفرنسية: "على الساعة 12 ليلا من يوم 8 فبراير 1983 لاحظ ميكانيكي القطار رجلا متشردا يتجاوز 40 من عمره، ملتح، يلبس معطفا، ويحمل صحنا في يده، ويسير وسط سكة الحديد. تم تنبيهه ثلاث مرات على التوالي ولم يستجب فصدمه القطار". الرفيق المنتصر البريبري لم تكن تتجاوز سنه 27 سنة، ولم يكن ملتحيا، وما عساه يفعل بصحن في يده؟؟ كل هذا يجعل حكاية المخابرات مفضوحة وعارية من الصحة. ما زاد من تأكدنا من عملية الاعتقال واستشهاده في مخفر الشرطة أننا حين طلبنا من رفيقنا أوهناوي أن يستنسخ تقرير المكتب الوطني للسكك الحديدية، وحين أراد فعل ذلك، وجد التقرير قد تم تغييره. فمن فعل ذلك؟؟ ولماذا؟؟ الأمور واضحة. الشهيد المنتصر البريبري تمت تصفيته في مخافر الشرطة، فتم وضع جثته مكان ذلك المتشرد المسكين مجهول الهوية الذي تخلصوا منه بأساليبهم؟؟؟. وحتى قبر الشهيد المنتصر لم يسلم، فاضطررت إلى إعادة كتابة علامة القبر أكثر من خمس مرات. وقد تخلت المخابرات على نزعتها بعد الإنصاف والمصالحة. طوبى لرفيقي المنتصر البريبري. صلابته واستماتته على المبادئ وخدمته للفقراء لا تقارن. كان يقرن الكلام بالممارسة، وقد التزم في التنظيم منذ كان تلميذا، فالعائلة كلها كانت ملتزمة في اليسار، ومنذ ذلك الحين ربط القول بالعمل، إذ كان يهيئ الحريرة كل صباح ويجلس أمام المعامل في تابريكت بسلا لإفطار العمال والعاملات منذ السادسة صباحا، ثم يلتحق بالدراسة في ثانوية النجد بسلا في الثامنة، مما جعله يربط صداقات كثيرة في معامل سلا ساعدته على الالتحام بمعارك العمال وإضراباتهم. رفاقه في الحي الصفيحي تابريكت آنذاك (أصبح حاليا مركزا للبريد وعمارات)، القصيور علال وسعيد إيبورك وبالقاضي، مازالوا يذكرون عمله الشجاع إبان نشوب حريق بالدوار، ومازال رفيقه في ودادية النجد سعيد الرهوني يذكره بافتخار. وكلهم أطلقوا على أبنائهم اسم المنتصر.