بعدما أدت خلافات داخل الحكومة خلال نونبر الماضي إلى تأجيل المصادقة على مشروع قانون رقم 71.17 لتغيير القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر، بهدف فصل جرائم الحق العام المرتكبة عن طريق وسائل النشر عن قانون الصحافة، بسبب التدقيق الذي يحمله القانون الجنائي، فاجأت الحكومة المهنيين يوم الخميس الماضي بالمصادقة على التعديلات المذكورة دون مشاورات تذكر. المشروع تقدم به وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج، ويهدف، بحسب الحكومة، إلى إعادة تكييف ونسخ بعض المقتضيات لتفادي ازدواجية التجريم والعقاب المنصوص عليهما في كل من القانون 13-88 وقانون المسطرة الجنائية؛ وذلك بالفصل بين الجرائم الصحافية المحضة وجرائم الحق العام المرتكبة عن طريق وسائل النشر. واستندت الحكومة في التعديلات التي لم تفتح بشأنها مشاورات مع المهنيين "لما هو الشأن في جل التشريعات المقارنة التي نحت نحو توصيف العديد من الأفعال المقترفة بواسطة تلك الوسائل"، مشيرة بالخصوص إلى جرائم الحق العام بغض النظر عن الوسيلة المستعملة في ارتكابها، وتخصيصها بجزاءات تتناسب وخطورتها. نور الدين مفتاح، رئيس فيدرالية ناشري الصحف المغربية، استنكر في تصريح لهسبريس "التجاهل الذي قابلت به الحكومة المهنيين في القطاع خلال تعديلها لقانون الصحافة والنشر"، مضيفا: "نبهنا إلى أنه لم يحدث أن برمجت أي حكومة تعديلات حول قانون الصحافة دون مقاربة تشاركية مع المهنيين". وقال مفتاح: "مر على تأجيل القانون شهران دون أن يتصل بنا أحد، وقبل أسبوع من عرضه تم تسليمنا مشروع التعديلات فقط"، مؤكدا أن "المفترض أن نبدأ جولة من المفاوضات، لكن فوجئنا بأنه تم عرض المشروع على المجلس الحكومي دون أي لقاء". "هذه مسألة غير مقبولة، وغير مسبوقة، وغير مجدية، وغير منتجة، وتعد بداية متعثرة وغير موفقة للحكومة في علاقتها بالصحافيين"، يقول رئيس فيدرالية الناشرين الذي أعلن أنه سيتم "متابعة الأمر على مستوى البرلمان لأنه يتضمن مسائل تراجعية"، مستغربا "تفسيرات الحكومة حول وجود جرائم الحق العام ترتكب من طرف الصحافة، في حين إنها جرائم ملموسة"، ليتساءل: "فكيف سيرتكبها الصحافيون". وفي مقابل تأكيد مفتاح أن "قانون الصحافة الخالي من العقوبات الحبسية أصبح منتهيا كشعار تم الترويج له، لأن متابعة الصحافيين خلال مزاولتهم لمهنتهم يمكن أن يتم عبر العديد من المقتضيات التي جاءت في القانون الجنائي"، ترى الحكومة أن الهدف هو "فصل جرائم الحق العام المرتكبة عن طريق وسائل النشر عن قانون الصحافة، بسبب التدقيق الذي يحمله القانون الجنائي". وفي هذا الصدد، فإن الجرائم من قبيل التحريض على ارتكاب جرائم متعلقة بالقتل أو الإرهاب، أو السرقة أو التخريب، التي لا تدخل ضمن الجرائم الصحافية المحضة، اختارت الحكومة أن تبعدها عن قانون الصحافة لوجود توصيف أكثر دقة لها داخل القانون الجنائي. ويهدف المشروع الجديد إلى إلغاء المقتضيات التي تنص على "تجريم أفعال التحريض المباشر على ارتكاب الجرائم المتعلقة بالقتل أو الاعتداء على الحرمة الجسدية للإنسان أو الإرهاب أو السرقة أو التخريب، وكذا أفعال الإشادة بجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية أو جرائم الإرهاب والتحريض على الكراهية والتمييز"، مضيفا إلى ذلك "جريمة إهانة رجال ونساء القضاء والموظفين العموميين ورؤساء أو رجال القوة العامة أو هيئة منظمة". وينص القانون الجنائي المغربي على تجريم ومعاقبة الأفعال نفسها كجرائم حق عام، ضمن مقتضيات الفصل 218-2 و5-218 بالنسبة لجريمتي الإشادة والتحريض على الإرهاب، والفصلين 263 و265 بالنسبة لجرائم الإهانة، والفصل 1-199 في ما يخص التحريض على ارتكاب الجرائم المتعلقة بالقتل أو الاعتداء على الحركة الجسدية للإنسان أو السرقة أو التخريب، بوصفها جنايات وجنح. ويرى المشروع الحكومي أن مرتكبي هذه الجرائم "أصبحوا يتسترون وراء غطاء ممارسة بعض الحريات الشخصية المكفول حمايتها دستوريا وقانونيا، من قبيل حرية التعبير والرأي، للوصول إلى غايات غير مشروعة"، معتبرا أن "بناء الحرية لا يستقيم بإلحاق الضرر بالغير والحيلولة دون تمتع الأفراد والجماعات بأمنهم وسلامة أجسادهم وممتلكاتهم".