من القوانين المهمة التي يمكن أن تعرض على البرلمان قريبا، قانون الصحافة والنشر، الذي طال فيه النقاش، بين الحكومة والمهنيين، منذ سنة 2006، ولم يَرَ النور بعد، علما أن هذا القانون كان قد تعرض لتعديل شامل، سنة 2002، في عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي. ويكشف المسار الطويل والمعقد لهذا القانون، منذ أن صدر في ظهير الحريات العامة، سنة 1958، عن خلفيته السياسية، حيث عرفت بنوده عدة تعديلات، في إطار التضييق على الحريات، متأثرة بموازين القوى، السائدة في الستينات والسبعينات، وبمنظور السلطة لممارسة حرية الصحافة. نفس هذه العناصر والقواعد هي التي تحكمت في التعديل الشامل، الذي أتت به حكومة اليوسفي لهذا القانون، والذي رُفض من طرف المهنيين، آنذاك. ولذلك شرعت حكومة إدريس جطو، إعادة النظر فيه، قصد أصلاحه. غير أن هذا المسعى لم ينجح، رغم العمل الدؤوب، الذي تكلفت به لجنة من وزارة الاتصال، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والتي اشتغلت مدة شهور طويلة. فقد اصطدم المجهود الذي بذل، والنيات الحسنة التي رافقته، بصخرة عاتية، هي التي تسمى رسميا بالثوابت، وشعبيا بالخطوط الحمراء. وبدا واضحا، طيلة ولاية حكومة عباس الفاسي، أن المشروع، عاد إلى درج النسيان، إلى أن جاءت حكومة بنكيران، لتنفض عنه الغبار، وتحاول إخراجه مجددا، عبر مسطرة حوار، شارك فيها المهنيون، من خلال لجنة علمية. غير أن البعد السياسي لهذا القانون، قفز مرة أخرى إلى السطح، ليجد المهنيون أنفسهم، أمام مسطرة جديدة، لم يتم الاتفاق عليها نهائيا. يتعلق الأمر بمشروع قانون «لتتميم وتغيير القانون الجنائي»، والذي يؤكد في ديباجته أنه سيجري الفصل بين «الجرائم الصحافية المحضة»، والتي سيتضمنها مشروع قانون الصحافة، وستحذف فيها العقوبات السالبة للحرية، وستحال «بعض جرائم الحق العام، المرتكبة عن طريق وسائل الإعلام»، من قانون الصحافة الحالي، إلى القانون الجنائي. هذه الجرائم التي سميت «بالحق العام»، هي «جرائم المس بثوابت المملكة، وجرائم الإساءة لشخص الملك وولي العهد وأعضاء الأسرة المالكة، وجريمة التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح والتحريض على الكراهية والتمييز بين الأشخاص». وتعاقب كل هذه الجرائم بعقوبات سالبة للحرية. إذا كانت قوانين الصحافة في البلدان الديمقراطية تعاقب بالسجن، التحريض على الجريمة والعنف والكراهية والعنصرية، فإنها في أغلبيتها الساحقة، لا تعاقب بعقوبات سالبة للحرية، جرائم المس برئيس الدولة أو الأسرة المالكة، ونفس الأمر أيضا بالنسبة لما يسمى بالثوابت. نعم لدينا مسودة لقانون صحافة خال من العقوبات السالبة للحرية، لكنه أيضا خال من المضمون.