تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    أحزاب المعارضة تنتقد سياسات الحكومة    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    وفد من رجال الأعمال الفرنسيين يزور مشاريع هيكلية بجهة الداخلة-وادي الذهب    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    عودة ترامب الهوليودية و أفول الحلم الأمريكي ..    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    كيوسك الخميس | المناطق القروية في مواجهة الشيخوخة وهجرة السكان    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قاموس الدارجة المغربية" أو تصعيب الدارجة من أجل تفصيحها
نشر في هسبريس يوم 24 - 12 - 2017


(4/4)
بيت القصيد: ما الهدف من قاموس للدارجة؟
يتغيّى من القاموس واضعوه أن يساهم في جعل الدارجة «لغة ديال التعبير في كل المجالات: العلمية والاقتصادية والثقافية والأدبية والتربوية والإعلامية» (صفحة 19). وهو الهدف الأول والحقيقي، الذي يتجاوز ما هو لغوي ومعجمي محض، والذي يعمل من أجل تحقيقه "مركز تنمية الدارجة" الذي أصدر القاموس. وتوضّح المقدمة أن "مركز تنمية الدارجة" يعمل «باش تولّي الدارجة لغة كا تدرّس خاصة في السنوات الأولى من التعليم»(صفحة 20)، مع التأكيد على أن «إقصاء اللغة الدارجة من المجال المدرسي، ومن الصحافة المكتوبة والإعلام والكتابة بشكل عام هو إقصاء لجزء مهم من الهوية والثقافة المغربية» (19صفحة). رغم وضوح الهدف، إلا أن هناك غموضا حول الوضع الذي ستحتله الدارجة، ونوع العلاقة التي ستربطها بالعربية عندما تلج مجال الكتابة والمدرسة. فإذا كنا ننتظر منها أن تكون لغة «التعبير في كل المجالات: العلمية والاقتصادية والثقافية والأدبية والتربوية والإعلامية»، فهذا هدف لا يمكن تحقيقه إذا اقتصرنا على تدريسها «في السنوات الأولى من التعليم» فقط. بل إن تحقيقه يشترط أن تكون لغة رئيسية في مقررات التعليم والتكوين. وهذا يعني أنها قد تنافس العربية، التي تستأثر بهذه المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والأدبية والتربوية والإعلامية ، أو قد تحلّ حتى محلّها. وهذا ما تجنّب المؤلفون توضيحه والإعلان عنه، رغم أن ما يُسندونه إلى الدارجة من دور لاقتحام المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والأدبية والتربوية والإعلامية، يشترط أن تكون لغة رئيسية للتعليم والتكوين. هذا الغموض، في ما يخص دور الدارجة الذي قد ينافس أو يهدد العربية، والذي هو غموض ملازم لموقف المدافعين عنها، كان حاضرا وجليا في أجوبة الأستاذ الدكتور امغرفاوي خليل، منسّق فريق مؤلّفي القاموس، في أحد الحوارات التلفزيونية التي استضافته بمناسبة صدور القاموس. فقد أحرجه محاوراه المعارضان للدارجة عندما سألاه عن الغاية من القاموس، ومن الاهتمام أصلا بالدارجة. فاكتفى بالقول إن الدارجة هي إحدى لغات المغاربة التي يجب أن يعرفوها ويتوفروا على معجم لها. ويبدو أن هذا الجواب غير مقنع، ليس فقط للذين طرحوا السؤال، بل حتى لصاحب الجواب نفسه. ولهذا رد الضيفان المعارضان لمشروع تنمية الدارجة بسؤال آخر: إذا كانت الغاية من القاموس هي أن يعرف المغاربة دارجتهم ويتوفروا على معجم لذلك، فهذه المعرفة بالدارجة قائمة أصلا، يضمنها ويحفظ معجمها اكتساب واستعمال هذه الدارجة كلغة أم، وكلغة حية تُستخدم في التواصل اليومي. وهذا صحيح: فإذا كان ما يحفظ الدارجة هو اكتسابها واستعمالها كلغة تواصل يومي، فما الفائدة من قاموس لن يفيد في استعمالها ولا في اكتسابها، ما دام هذا الاستعمال والاكتساب يُمارسان تلقائيا بدون حاجة إلى معلّم أو مدرسة أو كتابة أو قاموس؟
هذا يبيّن أن أهداف أصحاب مشروع تنمية الدارجة يتجاوز، في الحقيقة، مجرد الاهتمام بها كلغة تواصل شفوي للمغاربة. وهو ما لم يسبق أن كان موضوع نقاش حول وضعها ووظيفتها. وإذا عرفنا أن سبب كل الضجة التي ثارت حول الدارجة لا يرجع إلى مطلب العناية بها كلغة تواصل شفوي، بل يرجع إلى الدعوة إلى إمكانية استعمالها كلغة تعليمية لحلّ مشكل لغة التدريس، الذي يعاني منه نظامنا التعليمي بسبب القطيعة بين لغة التلميذ (لغة الأم) ولغة المدرسة، سيتبين أن أهداف القاموس هو تنمية الدارجة لتكون لغة كتابة في أفق استعمالها كلغة للتدريس. وإذا كانت لغة للتدريس، فهذا يعني أن العربية سيتقلّص دورها وستتراجع وظيفتها المدرسية. ولأن "اللائق سياسيا" لا يسمح بالتصريح بهذا الهدف من تنمية الدارجة، لما يؤدّي إليه من إضعاف للدور المدرسي للعربية، فقد أبقى مؤلفو القاموس الغاية من الرقي بالدارجة، إلى مستوى لغة كتابية ومدرسية، شبهَ ملتبسة كنوع من "التقية"، تجنبا للاتهامات التحريضية، الجاهزة و"المسكوكة" من قبيل: محاربة العربية، خدمة الفرانكوفونية، استهداف الإسلام باستهداف لغة القرآن...
نعم يمكن للدارجة، بعد تأهيلها الملائم لذلك، أن تصبح لغة للتدريس بديلا عن العربية. فإذا لم يكن هذا هو الهدف من تنميتها في اتجاه استعمالها الكتابي لتكون لغة «التعبير في كل المجالات: العلمية والاقتصادية والثقافية والأدبية والتربوية والإعلامية»، كما جاء في القاموس، فإن كل اهتمام بها، مثل إعداد معاجم وقواميس، كهذا الذي أصدره "مركز تنمية الدارجة"، يكون عبثا ومضيعة للوقت والجهد والمال. وأنا أؤمن أن أصحاب قاموس الدارجة منزهون عن العبث وتضييع الوقت والجهد والمال بلا فائدة ولا نتيجة. ومشروع جعل الدارجة لغة للتدريس، تحلّ محلّ العربية، ليس مشروعا أخرق أو خياليا، أو يحرّكه العداء للعربية والتمكين للفرنسية، حسب الاتهامات المعروفة والجاهزة، بل هو مشروع معقول وواقعي، ينبني على معطيات تربوية تُثبت، وهذا شيء معروف، أن اللغة الأم هي الأفضل من أجل تعليم أفضل وأجود. وفي غيابها، تكون اللغة التي تليها في الأفضلية من أجل تعليم أفضل وأجود، هي لغة أخرى شرط أن تكون مستعملة كلغة أم في موطنها الأصلي، كالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية بالنسبة للمغرب مثلا.
الكثيرون قد يتساءلون بسخرية بها غير قليل من الاحتقار للدارجة، كما يفعلون كذلك بالنسبة للأمازيغية: كيف للهجة العامّة والأميين، ولهجة "الزنقة" والسوق والمواخير والحانات والحمّامات...، أن تكون لغة تعليم وثقافة وأدب، مثل العربية أو بديلا عنها؟ هؤلاء لا يدركون أن ما يجعل الدارجة كلغة تعليمية، وكذلك الأمازيغية، ذات امتياز عن العربية هو أنها تُستعمل من طرف العامّة والأميين، وفي "الزنقة" والسوق والمواخير والحانات والحمّامات... الشيء الذي يجعل منها لغة حية، متداولة في التخاطب والتواصل اليومي، ويجعل من العربية لغة نصف حية لأنها لا تستعمل من طرف العامّة والأميين، ولا في "الزنقة" والسوق والمواخير والحانات والحمّامات... وكل الدول وهذا ما يعترف به الرافضون لاستعمال الدارجة والأمازيغية كلغتي تعليم التي حققت تقدّما ورقيّا، وصلت إلى ذلك بفضل تقدم ورقي نظامها التعليمي، والذي صار متقدما وراقيا بفضل اعتماده على لغة الأم كلغة تعليمية، مثل كوريا الجنوبية واليابان والصين وفنلندا والسويد...، والتي هي نفسها لغة العامّة والأميين، ولغة "الزنقة" والسوق والمواخير والحانات والحمّامات... وقد أشرنا إلى اللغة المالطية، القريبة جدا من الدارجة المغربية، والتي هي، مثل الدارجة، لغة العامّة والأميين، ولغة "الزنقة" والسوق والمواخير والحانات والحمّامات... ومع ذلك فقد أصبحت لغة رسمية لبلدها وإحدى اللغات الرسمية للاتحاد الأوروبي، ولغة ثقافة وأدب وإعلام، واقتصاد وطب وبحث علمي وأكاديمي. ومعروف، أيضا، أن العديد من اللغات الأوروبية، التي تحتل اليوم مكانة عالمية، مثل الإنجليزية والألمانية والفرنسية...، لم تكن قبل القرن الخامس عشر سوى لهجات العامّة والأميين، ولهجات "الزنقة" والسوق والمواخير والحانات والحمّامات. وها هي اليوم لغات العلم والاقتصاد والفيزياء النووية والبيولوجيا الجزيئية وعزو الفضاء والتكنولوجيا المتطورة، ولا زالت كذلك لغات يتواصل بها العامّة والأميون، وتستعمل في "الزنقة" والسوق والمواخير والحانات والحمّامات...
ما تحتاجه الدارجة، هو فقط تأهيلها لتكون لغة المدرسة والجامعة والإعلام والاقتصاد والعلم والمختبر...، بعد توفر الإرادة السياسية لأن تكون كذلك، وإلا بقي تأهيلها مجرد تعبير عما يكنّه لها عشاقها من محبة وتقدير، مثل الأمازيغية التي أصبحت مؤهلة وجاهزة منذ مدة، لكن غياب الإرادة السياسية حال دون تفعيل هذا التأهيل بإدماجها في مؤسسات الدولة. وتأهيل الدارجة، بهدف استعمالها كلغة تعليمية لتجاوز المعيقات التربوية للعربية، يقتضي تجاوز حتى الحرف العربي الذي هو جزء من هذه المعيقات، وذلك، كما سبقت الإشارة، بتبنّي الحرف الأمازيغي لكتابة الدارجة، لأنه، أولا، حرف معروف ومستعمل في المغرب، وثانيا لأن الدارجة بنت للأمازيغية. وإذا تعذّر ذلك، فلا مناص من استعمال الحرف اللاتيني كثاني احتيار أنسب لكتابة الدارجة. وكل محاولة لتأهيل الدارجة باستعمال الحرف العربي، كما فعل القاموس، ستكون مجرد هواية تفتقر إلى الاحترافية والجدية والعلمية، كما سبق أن أوضحنا عندما ناقشنا مسألة البناء والإعراب.
موقف الحركة الأمازيغية من الدارجة:
ليس التعريبيون هم وحدهم الذين سيستنكرون القول بإمكان الدارجة أن تحلّ كلغة للتدريس محلّ العربية، وسيعتبرون ذلك مؤامرة فرانكوفونية، وخيانة لثوابت الأمة ومقوماتها، وتهديدا لوحدتها وهويتها. النشطاء الأمازيغيون أيضا سيستنكرون، وربما بدرجة أشد، وسيعتبرون هذا الموقف مؤامرة عروبية مخزنية، وخيانة للأمازيغة، وانقلابا على مبادئ وثوابت الحركة الأمازيغية. رد الفعل هذا، الغاضب، للمدافعين عن الأمازيغية، مفهوم ومتوقّع. لماذا؟ لأن من مبادئ وثوابت الحركة الأمازيغية أن الدارجة هي التي تهدّد الأمازيغية عمليا وحقيقة، لأنها تحتلّ كل يوم جزءا من فضائها وتستولي عليه وتتملّكه، وليس العربية التي تهددها إيديولوجيا فقط وليس استعمالا وانتشارا. ولماذا تهدد الدارجة الأمازيغية؟ لأن الحركة الأمازيغية تعتبرها لغة عروبية، وبالتالي فانتشارها يعني انتشار العروبة وتراجع الأمازيغية. وهذا أحد خِلال (جمع "خلل") تصور الحركة الأمازيغية لقضية اللغة والهوية بالمغرب. لأنها، في هذه النظرة إلى الدارجة، تتبنّى موقف خصومها التعريبيين، الذين يدّعون أن المغرب عربي بدليل أن غالبية المغاربية يتحدثون الدارجة التي هي لهجة عربية. وفي هذه الحالة، إذا كانت الحركة الأمازيغية ترى أن الدارجة لهجة عربية، وأن المتحدثين بها عرب، فمعنى هذا انها تُقر أن الأمازيغيين أقلية صغيرة، وهو ما يترتب عنه أنه من غير المعقول الدفاع عن أطروحة كون المغرب أمازيغيا في هويته، كما يتكرر ذلك في أدبيات الحركة الأمازيغية. أين يكمن المشكل في هذ الموقف غير المنسجم؟
يكمن في البديهيات الكاذبة، التي تنشرها الثقافة العروبية الأمازيغوفوبية، والتي تبنّتها الحركة الأمازيغية كحقائق، مثل القول إن الدارجة لغة عربية جاء بها العرب الفاتحون والمهاجرون. مع أنه بقليل من التحليل والمقارنة اللسنية بين الدارجة والأمازيغية والعربية، وحتى اللهجات العروبية لبلدان الخليج، نخلص إلى أن أول من نطق بالدارجة واستعملها لا يمكن أن يكون إلا أمازيغيا (انظر موضوع "متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟"). وهو ما ينتج عنه أن الدارجة لغة أبدعها الأمازيغ الذين أرادوا التحدث بالعربية ليتحولوا من جنسهم الأمازيغي إلى الجنس العربي، فتحدثوها بألفاظها العربية لكن بمعاني وتراكيب لغتهم الأمازيغية، كترجمة حرفية لتعابير لغتهم الأمازيغية إلى العربية، وهي الترجمة التي أعطت هذا المنتوج اللسني الذي نسميه الدارجة. فالمغاربة إذن أمازيغيون، ليس فقط أرضا وموطنا، بل حتى لغة، إذ كل من الأمازيغية والدارجة هما من إنتاج واستعمال الأمازيغ، وبموطن الأمازيغ بشمال إفريقيا. فالمغربي أمازيغي، سواء تحدث بالدارجة أو الأمازيغية. فكما أن الأمازيغية دليل على الانتماء الأمازيغي للمتحدثين بها، فكذلك الدارجة دليل على نفس الانتماء الأمازيغي للمتحدثين بها.
بناء على هذا المعطى، فقد كان ينبغي على الحركة الأمازيغية أن تعمل على إرجاع الدارجة إلى حضنها الأمازيغي كمظهر للهوية الأمازيغية، مثلها مثل أمها الأمازيغية. فبدل أن يستعملها خصوم الأمازيغية لتعريب المغاربة، كان يجب على هذه الحركة أن تعرف كيف تستعملها لإعادة تمزيع المستعربين منهم، بتبيان أن الدارجة نقلها إليهم أجدادهم الأمازيغيون وليس العرب. فمشكل الدارجة ليس مشكلا إلا عندما نعتقد أن المتحدثين بها عرب. أما لو اعتبرناهم أمازيغيين يتحدثون الدارجة، التي صنعها أجدادهم الأمازيغيون، لما كانت هذه الأخيرة مشكلا على الإطلاق. ووعي المتحدثين بالدارجة أنهم أمازيغيون قد يحفّزهم على استرداد لغتهم الأصلية، وتعلمها واستعمالها، اعتزازا بهويتهم وانتمائهم. فبدل محاربة الدارجة كان الأولى محاربة الفكرة الخاطئة أن الدارجة منتوج عربي نشأ بالبلاد العربية، في حين أنه منتوج أمازيغي نشأ على يد الأمازيغ وفي بلدهم بشمال إفريقيا. فالأمازيغية لن تسترجع حقوقها كاملة بالمغرب خارج وعي واعتراف الدارجفونيين أنهم أمازيغيون. ولا يبدو أن الحركة الأمازيغية تبذل المجهود المطلوب لنشر مثل هذا الوعي وإدراجه ضمن أدبياتها.
فهناك، اليوم، مع تبنّي الدولة الاستعمارية ثم الوطنية لسياسة التحول الجنسي، بمعناه القومي والهوياتي، منذ 1912، تراجع خطير لعدد المتحدثين بالأمازيغية، الذي يتناقص سنة بعد أخرى، وتزايد، نتيجة لذلك، في عدد المتحدثين بالدارجة. وهو ما سيجعل من المغرب بلدا عربيا إذا استمررنا في اعتبار المتحدثين بالدارجة عربا. لكن إذا اقتنعنا وعملنا على الإقناع بذلك أن المتحدثين بالدارجة هم أمازيغيون بدليل أنهم يتحدثون اللغة التي نشأت على يد أجدادهم الأمازيغ وفي بلادهم الأمازيغية، ولم تأت من المشرق، فلن تكون الدارجة مهدِّدة للهوية الأمازيغية للمغرب، لأنها ستكون، مثلها مثل أمها اللغة الأمازيغية، مظهرا لهذه الهوية وتعبيرا عنها. وبالتالي فإن تدريسها لن يكون خطرا على الأمازيغية، كما يتصور ذلك الذين يعتقدون أن الدارجة لهجة عروبية، وأن المتحدثين بها عرب. بل إن هذا الإرجاع للدارجة إلى حضنها الأمازيغي وهويتها الأمازيغية، سيعطي كل الشرعية والدعم لاستعمال الأمازيغية كلغة للدولة ولمؤسساتها ولوثائقها الرسمية، لأن الجميع، ناطقين بالأمازيغية والدارجة، لن يعارضوا ذلك، وإنما سيساندونه ويدافعون عنه. وقد لا يكون هناك حتى من يعارض المناداة بدولة أمازيغية. والوصول إلى الدولة الأمازيغية، بمفهومها الترابي، هو الشرط الحقيقي لانتقال الأمازيغية إلى مستوى لغة الدولة والسلطة. وآنذاك لا خوف عليها لا من صنوتها الدارجة ولا من أية لغة أخرى.
فما لم تستوعبه الحركة الأمازيغية، هو أن الهوية الأمازيغية للمغرب لا تتحدّد باللغة الأمازيغية وحدها، وإلا فستكون هذه الهوية الأمازيغية هي هوية تلك الأقلية الإثنية واللسنية التي تتحدث الأمازيغية، والتي لا يجب أن تنال من الحقوق إلا ما يناسب حصتها كأقلية، مقابل استئثار الأغلبية "العربية" بكل الحقوق. هذه هي النتيجة التي يؤدي إليها موقف الحركة الأمازيغية، التي تحصر الهوية الأمازيغية في اللغة الأمازيغية. أما إذا اعتبرنا أن الدارجة هي أيضا لغة الهوية الأمازيغية، تماما مثل اللغة الأمازيغية، كما أشرت، فإن الهوية الأمازيغية للمغرب ستكون واحدة وكلية وشاملة، ينتمي إليها وينضوي تحتها جميع المغاربة. وفي هذه الحالة، بعد انتشار الوعي بذلك، سيدافع المتحدثون بالدارجة أنفسهم عن هويتهم الأمازيغية، وسيطالبون، هم أنفسهم كذلك، بدولة أمازيغية بالمغرب، بمفهومها الترابي دائما، حتى تكون هوية الدولة منسجمة مع هوية أرضها وموطنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.