الانفصال بين لغة الأم ولغة المدرسة بالمغرب عندما تثار مسألة الانفصال بين لغة البيت، التي هي الدارجة المغربية لغير الناطقين بالأمازيغية، ولغة المدرسة، التي هي العربية الفصحى، يسارع المدافعون عن هذه الأخيرة، ودائما، إلى الرد بأن هذه الحالة من الانفصال، بين لغة البيت ولغة المدرسة، ظاهرة عادية وطبيعية تعرفها كل اللغات الحية، مستشهدين على الخصوص بالفرنسية كلغة تعرف مستوى عاميا، يتمثل في لغة البيت والشارع، ومستوى آخر مختلفا عن الأول، وهو المستوى الأكاديمي والمدرسي. فالمستوى العامّي للفرنسية تقابله حسب زعمهم في اللغة للعربية الدارجةُ المغربية، والمستوى المدرسي يقابله مستوى العربية الفصحى. هذا ملخص ما جاء في مقال للأستاذ موسى الشامي، بعنوان "مسخرة الترويج للدارجة"، حول هذا الموضوع الخاص بعلاقة لغة البيت بلغة المدرسة. انظر المقال ب"هسبريس" على الرابط: http://hespress.com/writers/75830.html. لا يتطلب تفنيد هذه الفكرة العامّية والساذجة استدلال طويل وتفكير كثير، إذ يكفي تبيان أن الطفل الفرنسي، الذي يستعمل كلمات من "العامّية" الفرنسية التي اكتسبها في البيت، لا يكتشف، عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة، لغة فرنسية جديدة ومختلفة جذريا عن لغة البيت، بل فقط كلمات معجمية جديدة، لكن تستعمل بنفس التراكيب ووفقا لنفس القواعد النحوية التي كان يستعمل بها "العامّية" في البيت والشارع، في حين أن الطفل المغربي الذي تتحدث أسرته الدارجة المغربية، يجد نفسه، عند دخوله المدرسة للمرة الأولى، أمام لغة جديدة لا علاقة لها إطلاقا باللغة التي اكتسبها داخل البيت كلغة أم، مثله في ذلك مثل الطفل الأمازيغي تماما. الامتياز الوحيد لهذا الطفل "العربي" على الطفل الأمازيغي، هو عندما يستعمل المعلم هو نفسه الدارجة المغربية للشرح أو للتواصل مع التلاميذ. بالنسبة للطفل الفرنسي، هناك إذن اتصال واستمرارية بين لغة البيت ولغة المدرسة، لأنهما لغة واحدة هي اللغة الفرنسية. ولهذا فإن المدرسة لا تلغي ما اكتسبه هذا الطفل من فرنسية عامّية، بل تعمل على تنميته وتطويره، لكن دائما انطلاقا من اللغة قبل المدرسية التي اكتسبها ويتواصل بها الطفل. أما بالنسبة للطفل المغربي "العربي"، فهناك انفصال كامل وقطيعة تامة بين لغة البيت ولغة المدرسة، لأن كلتيهما تشكلان لغتين مستقلتين إحداهما عن الأخرى كما شرحنا في مقال سابق بموقع "هسبريس" (http://hespress.com/writers/76224.html). وهذا الانفصال بين لغة البيت ولغة المدرسة هو أحد الأسباب الرئيسية إن لم يكن السبب الوحيد لفشل النظام التعليمي بالمغرب، هذا الفشل الذي يعترف به الجميع اليوم. لنتأمل المثال التالي الذي يوضّح علاقة الاتصال بين لغة البيت ولغة المدرسة بالنسبة للفرنسية، التي يستشهد بها السيد موسى الشامي لإقناعنا بأن المستوى الدارج للعربية موجود في الفرنسية أيضا، وعلاقة الانفصال بينهما بالنسبة للعربية: فرنسي أمي، ومهاجر مغربي أمي كذلك، ذهب إلى فرنسا عندما كان في سن العشرين. واليوم أصبح عمره خمسين سنة قضى منها ثلاثين بفرنسا، حيث اكتسب اللغة الفرنسية في المعمل والشارع والمقهى في مستواها العامّي، مثله مثل ذلك الفرنسي الأمي الذي لا يتقن من اللغة الفرنسية إلا مستواها العامّي فقط. فهذان الأميان (لأنهما لم يتلقيا تعليما بالمدرسة ولا دروسا في محو الأمية)، عندما يستمعان إلى خطاب الرئيس الفرنسي، يفهمان منه أكثر من تسعين في المائة (90%). والعشر في المائة غير المفهومة تخص فقط المصطلحات والمفاهيم التقنية التي تتطلب مستوى تعليميا معيّنا. في حين أن الأمي المغربي وما أكثر الأميين المغاربة لا يمكنه أن يفهم خطاب محمد السادس إلا بنسبة تقل عن عشرة في المائة (10%) في أحسن الأحوال. لماذا؟ لأن خطاب الملك مصاغ بلغة أخرى لا علاقة لها بلغة البيت والشارع، التي وحدها يعرفها ويتقنها ذلك الأمي المغربي، مما يعني أن هناك انفصالا بين اللغتين لأنهما نظامان لغويان مستقلان أحدهما عن الآخر. وهذا المثال للفرنسي والمهاجر الأمييْن اللذيْن يفهمان الخطاب ذا اللغة الراقية لرئيس الدولة الفرنسية، نشاهد منه نماذج كثيرة تقدمها القنوات التلفزية الفرنسية عندما يسأل الصحفي، الذي يستعمل لغة أكاديمية، مسنا أو مسنة من أصول مغاربية لم يسبق لهما أن تلقيا تعليما مدرسيا، حول أحداث جرت بالعمارة التي يسكنان بها، فيفهمان جيدا ماذا قال الصحفي ويجيبانه بلغة فرنسية واضحة، لا تختلف كثيرا عن لغة الصحفي إلا في بعض الكلمات التي تنتمي إلى المعجم "العامّي". في حين لا يمكن أن نشاهد أميا مغربيا يسأله صحفي مغربي بلغة الصحافة، أي العربية الفصحى، فيفهم ما يقوله ويجيبه بنفس اللغة مع اختلاف في بعض المفردات كما هو شأن الأمي الفرنسي. النتيجة أن العربية الفصحى لا وجود لها في البيت ولا في الشارع ولا في السوق، أي لا وجود لها في الحياة، عكس اللغات الحية مثل الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والألمانية. وكيف نعرف أن لغة ما حاضرة أو غائبة، في مستواها المدرسي، في التخاطب داخل البيت والشارع؟ نعرف ذلك إذا كانت لغة المدرسة هي نفسها لغة البيت والشارع. لنتأمل الحالة الواقعية التالية، التي توضح أن اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية، على سبيل المثال، هي نفسها المستعملة في الشارع وفي المدرسة، عكس اللغة العربية الفصحى التي تستعمل في المدرسة ولا وجود لها في الشارع: نعرف أننا ندرّس بالمغرب اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية في مستواها الأكاديمي الفصيح الذي تمثله لغة المدرسة. وهو ما يعني أننا عندما ندرس ونتعلم في المدرسة هذه اللغات، فإننا لا نتعلم شيئا عن "العامّية" التابعة لها، لأن هذه "العامّية" هي لغة الشارع ببلدان هذه اللغات وليس بالشارع المغربي. نتقن إذن المستوى الفصيح لهذه اللغات، لكن نجهل التخاطب بمستواها العامّي المستعمل في الشارع، مثل الدارجة المغربية في المغرب. لكن عندما نذهب إلى فرنسا أو إسبانيا أو المملكة المتحدة أو ألمانيا، ونستعمل هذه اللغات المدرسية في الشارع والسوق والمطعم، يفهم مواطنو هذه البلدان ما نقول ويتواصلون معنا بنفس اللغة الأجنبية (بالنسبة لنا) الفصيحة، أي اللغة المدرسية الفصحى التي تعلمناها في المدرسة. وهذا دليل على أن هذه اللغات المستعملة في المدرسة، هي نفسها المستعملة في الشارع وفي التواصل الشفوي. في حين لا يمكن لمن لا يتقن سوى العربية الفصحى، أي العربية التي تعلمها في المدرسة، أن يتواصل مع المواطنين المغاربة الذين يستعملون الدارجة المغربية، التي هي لغة أخرى مختلفة، كما سبق أن أشرنا، عن العربية التي تعلمها في المدرسة. بل أكثر من ذلك، أن اللغة العربية لم تعد لغة تخاطب متداولة في الحياة، ليس فقط لأن تعلمها يحتاج إلى المدرسة، وإنما لأنها فقدت هذه القدرة والوظيفة أصلا حتى بالنسبة لمن تعلموها في المدرسة وأصبحوا متمكنين منها ومتضلعين فيها. فصحفيان أو كاتبان بالعربية، مثلا، أو أستاذان متخصصان فيها، لا يمكن لهما أن يتخاطبا بالعربية في الشارع أو المحكمة أو السوق أو المقهى أو البنك...، رغم أنهما يتقنانها ويجيدان التخاطب بها. وذلك ليس فقط في هذه الأماكن العامة حيث يتخوف المتخاطبان بالعربية من إثارتهما لفضول وسخرية الآخرين، بل حتى عندما لا يراهما ولا يسمعهما أحد مثل التواصل فيما بينهما عبر الهاتف، ومع ذلك فإنهما لا يستعملان العربية فيما بينهما رغم إتقانهما لها. لماذا؟ لأن التخاطب بالعربية الفصحى، بعد أن فقدت هذه القدرة والوظيفة، أصبح يبدو شيئا نشازا وغريبا، غير لائق وغير مناسب، يصدم الحس السليم لما فيه من تصنّع وخروج عن المألوف. فحتى يكون الحديث بالعربية مقبولا ومستساغا، ينبغي أن يحصل ذلك في وضعيات وسياقات استثنائية، محدودة ومعدودة، وبطقوس خاصة معروفة، كما في الندوات والمحاضرات، أو نشرة أخبار متلفزة، أو خطبة جمعة، أو درس في فصل دراسي، أو كلمة تأبين، أو خطاب ملكي موجه إلى الشعب... في حين أن الذين يتقنون المستوى الفصيح للفرنسية أو الإسبانية أو الإنجليزية أو الألمانية...، يتخاطبون بهذه اللغات فيما بينهم بشكل طبيعي وعادي، عبر الهاتف أو في البيت أو المطعم أو السوق أو الجامعة، سواء كانوا من المغاربة الذي درسوا هذه اللغات أو من المستعملين الأصليين لها. كل هذا يبيّن أن الدارجة المغربية لغة قائمة بذاتها ومستقلة عن العربية الفصحى، وليست تابعة لها وتشكل المستوى العامّي لها، كما نجد مثلا في اللغات الحية التي تستعمل في الكتابة مثل العربية وفي التخاطب الشفوي، مثل الفرنسية أو الإسبانية أو الإنجليزية أو الألمانية. فاللغة العربية، بما أنها لغة كتابة فقط وليست لغة تداول شفوي، لا يمكن، منطقيا وواقعيا، أن يكون لها مستوى ثانٍ آخر غير مستواها المدرسي الفصيح. كيف نصنّف الدارجة المغربية؟ الدارجة المغربية ليست إذن لهجة عربية. ومن الخطأ الكبير اعتبارها تابعة للغة العربية أو متفرعة عنها. فجزء من معجمها عربي الأصل، وجزء آخر أمازيغي، لكن تراكيبها النحوية أمازيغية في غالبيتها. فهي إذن، من هذه الناحية أقرب إلى الأمازيغية منها إلى العربية. لكن عندما نقارنها بالأمازيغية نجد أن بينهما كذلك انفصالا وليس اتصالا على مستوى التفاهم بين متكلميْن يستعمل أحدهما الدارجة والثاني الأمازيغية، مما يجعل منهما كذلك لغتين مستقلتين إحداهما عن الأخرى. فأين نصنّف إذن الدارجة المغربية؟ أو ما هي هويتها اللغوية؟ ولماذا؟ ما الذي يحدد هوية لغة ما؟ لماذا تسمى اللغات الصينية واليابانية والهندية والفرنسية والعربية والإنجليزية والفارسية بهذه الأسماء التي تعرف بها؟ لسبب بسيط وهو أن موطن النشأة التاريخية لهذه اللغات هو الصين واليابان والهند وفرنسا وبلاد العرب وانجلترا وفارس... إذن الموطن التاريخي الأصلي للغة ما هو الذي يحدد هويتها وانتماءها، ولو أنها أصبحت تستعمل في أوطان أخرى غير وطنها الأصلي، مثل الإنجليزية والعربية والإسبانية والبرتغالية. وما هو الموطن الأصلي التاريخي الأول للدارجة المغربية؟ إنه شمال إفريقيا، أي "تامازغا" أو بلاد الأمازيغ. فهي إذن لغة أمازيغية لأنها نشأت تاريخيا بالبلاد الأمازيغية، ولم تأت إليها من خارجها مثل العربية الفصحى التي جاء بها العرب "الفاتحون" الأوائل. لا يمكن القول إذن بأن هذه الدارجة المغربية جاء بها هؤلاء "الفاتحون". لماذا. لأن: البلاد العربية بشبه الجزيرة العربية لم يسبق لها أن عرفت لغة مثل الدارجة المغربية. ففاقد الشيء لا يمكن أن ينقله إلى غيره. العربية الفصحى كانت، إبّان "فتح" المغرب خلال القرن الأول الهجري، لا تزال، حسب الكثير من القرائن، هي اللغة الأم لدى العرب، إذ كانت هي لغة التخاطب الشفوي والتواصل اليومي، وهي التي جاء بها هؤلاء العرب إلى بلاد الأمازيغ بشمال إفريقيا. كما لا يمكن القول بأن هذه اللغة حملها إلى المغرب، ليس الفاتحون الأوائل، بل المهاجرون الذين جاؤوا بعدهم. لا يمكن ذلك لأن هذه الدارجة لم تكن معروفة، كما سبقت الإشارة، في أية منطقة من بلدان المشرق العربي. فكيف ينقل هؤلاء المهاجرون إلى شمال إفريقيا ما يفتقدونه ولا يملكونه؟ إذن الدارجة المغربية هي لغة أمازيغية ذات هوية أمازيغية بحكم تشكلها التاريخي الأول بالبلاد الأمازيغية، مثلما أن الفرنسية والبرتغالية والإسبانية (الفشتالية)، ورغم أن هذه اللغات أخذت من اللاتينية أكثر مما أخذته الدارجة من العربية، هي لغات ذات هويات فرنسية وبرتغالية وإسبانية، لأنها تشكلت ونشأت تاريخيا بهذه البلدان. وكما أن اللغة الإنجليزية، كذلك، ورغم قرابتها الكبيرة مع اللغة الألمانية، إلا أنها لغة بهوية إنجليزية وليست ألمانية، لأنها تشكلت تاريخيا، في صيغتها الإنجليزية، بالبلاد الإنجليزية. يجب إذن التعامل مع الدارجة المغربية كلغة أمازيغية كاملة الأمازيغية، والكفّ عن نسبتها إلى العرب واللغة العربية. وتمييزا لها عن الأمازيغية المعروفة، يحسن تسميتها "الأمازيغية الدارجة" أو "الأمازيغية العامّية"، وهي تسمية مناسبة للمسمى لأن غالبية المغاربة يتقنون هذه الأمازيغية الدارجة ويتواصلون بها. اللغة الوطنية (اللغة التي يتخاطب بها المواطنون في وطن ما) إذن للمغاربة هي الأمازيغية، سواء في صيغتها المعروفة أو في صيغتها الدارجة. أما ما يهمنا في "اكتشاف" أن الدارجة المغربية هي لغة أمازيغية لأنها نشأت بالبلاد الأمازيغية ولم تأت إليها من خارجها مثل اللغة العربية، فهي النتائج السياسية والهوياتية لهذا "الاكتشاف". الدارجة المغربية: من أداة للتعريب إلى وسيلة للتمزيغ: لقد بينا في مناقشة سابقة (http://hespress.com/writers/76224.html) كيف يعتبر المغرب بلدا "عربيا" لأن لغة غالبية سكانه هي الدارجة المغربية، وبما أن هذه الدارجة تعتبر لغة "عربية"، فالنتيجة أن المغاربة "عرب" يتكلمون لغتهم "العربية" التي هي الدارجة المغربية. لكن بعد أن أوضحنا أن الدارجة المغربية لغة مستقلة عن اللغة العربية، وليست مجرد مستوى عامّي لها، وبينا أنها لغة أمازيغية لأن موطنها الأصلي هو البلاد الأمازيغية وليس البلاد العربية، سيكون المغرب إذن، كل المغرب، بلدا أمازيغيا وبهوية أمازيغية، لأن لغتي سكانه (الأمازيغية الأصلية والأمازيغية الدارجة) لغتان أمازيغيان، فضلا أن الأرض المغربية هي دائما أرض أمازيغية، وهي مصدر اللغة الأمازيغية، سواء الأصلية منها أو الدارجة. فكما أن الإنجليز ذوو هوية إنجليزية مستقلة عن الهوية الألمانية، رغم أن لغتهم تتقاسم الكثير من العناصر مع اللغة الألمانية، كما سبقت الإشارة، وكما أن البرتغاليين والفرنسيين ذو هوية فرنسية وبرتغالية وليست لاتينية، رغم أن لغتيهما أخذتا الكثير عن اللاتينية كما ذكرنا، فكذلك الشعب المغربي ذو هوية أمازيغية مستقلة عن الهوية العربية، رغم أن إحدى لغتيه الوطنيتين، أي الدارجة المغربية، أخذت جزءا من معجمها معجمها فقط من اللغة العربية. إن هذا التعامل الجديد مع الدارجة المغربية كلغة أمازيغية، سيربك الحسابات والمعادلات التي يعتمد عليها ضحايا الشذوذ الجنسي، بمفهومه الهوياتي وليس الأخلاقي، المدافعون عن عروبة المغرب، إذ ستصبح هذه الحسابات والمعادلات تصب كلها في الهوية الأمازيغية للمغرب، أرضا ولغة. في الحقيقة، لقد سرقت منا الإيديولوجيا العروبية كل الإبداعات والخصوصيات المشكلة للعبقرية الأمازيغية، ونسبتها إلى نفسها، مثل الفرس الأمازيغي الذي أصبح فرسا "عربيا"، والقفطان الأمازيغي الذي أصبح قفطانا "عربيا"، والكسكس الأمازيغي الذي أصبح طبقا "عربيا"، وشجرة الأركان الأمازيغية التي أصبحت شجرة "عربية"... لكن أخطر ما سرقته هذه الإيديولوجيا العروبية من الأمازيغيين هو لغتهم الأمازيغية الدارجة، التي جعل منها العروبيون المغاربة، تحت تأثير وتخدير الشذوذ الجنسي ("الجنسي" بمعناه الأصلي في اللغة العربية)، لغة "عربية" لاختصار طريق التعريب، الذي يحتاج إلى مدرسة قد تستغرق وقتا طويلا لتؤتي أكلها، في حين أن الدارجة موجودة في الشارع والمقهى والسوق، وبالتالي يسهل استعمالها لتعريب الأمازيغيين إذا حُولت إلى لغة "عربية". وقد ذهب ضحية هذه السرقة حتى النشطاء الأمازيغيون الذين يعتقدون أن غالبية الأمازيغيين تم تعريبهم، بعد أن فقدوا لغتهم الأمازيغية وأصبحوا لا يتحدثون إلا الدارجة المغربية التي هي لغة "عربية". وهذا ليس صحيحا إطلاقا. لماذا؟ لأن لو نجح التعريب اللغوي لكان المغاربة المعربون يتحدثون اللغة العربية الحقيقية، أي الفصحى، التي جاءتهم من بلاد العرب، وليس الدارجة المغربية التي هي لغة صنعوها بأنفسهم وداخل بلادهم الأمازيغية، ولم تأتهم من بلاد العرب مثل الفصحى كما قلت. ينبغي إذن استرداد هذا المسروق اللغوي النفيس الذي هو الأمازيغية الدارجة، وإرجاعه إلى مالكيه الحقيقيين أصحاب الحق فيه، الذين أبدعوه وخلقوه كإنتاج أمازيغي أصيل نشأ بالأرض الأمازيغية. فمع استرداده يُختصر الطريق كذلك لاسترداد الهوية الأمازيغية، لأن كل الذين يعتبرون أنفسهم "عربا"، يفعلون ذلك اعتقادا منهم، كضحايا لشذوذ جنسي هوياتي، أن الدارجة التي يتحدثون بها هي لغة عربية. لكن عندما يعون أنها لغة أمازيغية، سيعون بسهولة أنهم أمازيغيون كذلك في انتمائهم وهويتهم، وأن لغتهم الوطنية هي الأمازيغية، سواء في شكلها الأصلي أو في شكلها الدارج. وهذا الاسترجاع للدارجة المغربية إلى حظيرة الأمازيغية، يتطلب من الحركة الأمازيغية الكفّ عن معاداة الدارجة المغربية كلغة منافسة ومهددة للأمازيغية، والبدء في التعامل معها كلغة أمازيغية دارجة، تساهم في إعادة تمزيغ المغرب باسترداد هويته ولغته الأمازيغية الدارجة التي هي مِلك أمازيغي، والعمل على نشر الوعي بأن المتحدثين بالدارجة المغربية هم أمازيغيون يتحدثون لغتهم الأمازيغية الدارجة.