نفى الدكتور حسن الصميلي وجود صراع لغوي بين اللغة العربية واللغة الدارجة لأن العربية في أصلها لغة مركبة من شكلين أحدهما الفصيح وهو ذو مكانة رفيعة والثاني العامي في مستوى أدنى، داعيا في حوار أجرته معه ''التجديد''، إلى الابتعاد عن الأيديولوجيا عند نقاش المسألة اللغوية في المغرب، مؤكدا في الوقت نفسه أن اللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية مهددتان بالإقصاء لصالح الفرنسية مستدلا على ذلك بحشرهما في صراع هما معا في غنى عنه، مشددا على أن اللغة الفرنسية منذ الاستقلال إلى اليوم تعرف تطورا على حساب اللغات الوطنية، وبالتالي فالمشكل الحقيقي هو صراع الفرنسية ضد العربية. وقد نبه الصميلي إلى ضرورة التعاطي بحذر مع '' اللعب التربوي'' وخطورته على الأجيال الصاعدة في المغرب من خلال رفض المدارس الخاصة تدريس العربية للمستويات ما قبل الابتدائي والاكتفاء بالفرنسية على اعتبار أن العربية هي لغة البيت والشارع. وعن اليوم الدراسي الذي دعت إليه جمعية المسار أوضح حسن الصميلي أن الأمر جزء من الدينامية التي يعرفها النقاش حول اللغة وضرورة توحيد جبهة المهتمين باللغات الوطنية، مذكرا بأن اختيار 11 يناير جاء تيمنا بالتحول الذي عرفه نضال الحركة الوطنية في العلاقة مع المستعمر الفرنسي في القرن الماضي، آملا أن ينتقل المغرب من الفوضى اللغوية إلى جو من النقاش اللغوي الرصين، وأكد على أن اليوم الدراسي الذي اختير له كعنوان ''المسألة اللغوية في المغرب الورش الوطني الكبير''، سيخرج ببيان وخطة عمل للتحسيس بأهمية التعاطي مع مسألة اللغات الوطنية وكذا سبل التفاعل مع اللغات الأجنبية بما يحقق مصالح الوطن. كيف ترون نقاش اليوم حول اللغة العربية والدارجة المغربية؟ ثمة مستويان لنقاش هذه القضية، الأول هو أنه من المعلوم عند الباحثين أن اللغة العربية عُرِفت منذ الأزل بكونها مزدوجة أو ما سماها فركسون منذ 1959 ''الديغلوسيا'' التي تعني أن لبعض اللغات شكلين، فالأول له صورة مجتمعية رفيعة، والثاني له صورة مجتمعية أدنى، هذان الشكلان يتعاملان بتطابق وبينهما علاقة جدلية، فإذا أخذنا اللغة العربية فكثير من المهتمين باللغة العربية يقولون بأن اللغة العربية في شكلها الفصيح لم تكن في يوم من الأيام لغة تداول يومي، لفئة معينة هي نوع من التوافق اللغوي اتخذته مجموعة قبائل عربية وتعاملت به عند التقائها، سوق عكاظ نموذجا، فعندما كان العرب يريدون أن يؤلفوا شعرا يلجؤون لهذه الصيغة من اللغة العربية، وكذا في اجتماع القبائل يتم التخاطب باللغة المشتركة والتي هي الفصحى، القرآن أيضا نزل بهذه اللغة المشتركة لكل العرب، ومعناه أنه قبل الإسلام وبعده كانت اللغة مشتركة وكذلك الشكل اللغوي المنحصر في جماعة معينة مثلا قبيلة يثرب كانت لها لغة خاصة هل ثمة صراع بين اللغة العربية الفصحى والدارجة؟ وهل حاولت الفصحى إقصاء الدارجة؟ لا وجود لصراع بينهما لأن اللغة العربية حسب ''فركسون'' التي تعني أن لبعض اللغات شكلين العالي هو الفصحى والأدنى هو العامية، وبالتالي فمن الناحية العلمية المحضة، اللغة العربية دائما حاضرة بشكليها الدارج والفصيح ومع نزول القرآن ازدادت مكانة الفصحى رفعة، والمتخاطبون بالفصحى صاروا يعتقدون أن اللغة الحقيقية هي الفصحى وأن الدارجة أدنى مستوى، فاللغة العربية لغة الدين والثقافة والكتابة ولغة الفكر........ أليس هذا مبررا لخصوم الفصحى لإقصائها؟ هذا ليس مبررا لإقصاء الفصحى أو التنقيص من الدارجة، فالدارجة هي الشكل اللغوي الأم وحتى لا أقول لغة فهما معا شكلان لغويان للغة العربية، أي وجهان لعملة واحدة،. ولكن هناك جمعيات عوضت الفصحى بالدارجة في التربية غير النظامية وحققت نتائج متميزة في التكوين؟ قبل كل شيء يجب أن نتحلى بالعلمية في خطابنا وأن نتجنب الأيديولوجية، لست ضد الأستاذ الذي يتحدث بالدارجة، وفي نظري هذا نقاش مغلوط، ففي الستينات والسبعينات لم يكن هذا المشكل قائما وكان مستوى التعليم متميزا، لهذا أقول إن المشكل مفتعل وأيديولوجي، وأعطيك مثالا على ما أقول، الحوار بين الدارجة والفصحى استمر في مصر لمدة أكثر من 90 سنة منذ نهاية القرن التاسع عشر كان النقاش حول العربية والعامية وانخرط فيه علماء ومفكرون كبار من أمثال سلامة موسى وطه حسين والعقاد، ولم يكن بين أيديولوجيين، ولم يخرج أي طرف منتصرا فيه، لكن الفائدة التي حصَّلتها مصر منه هو القبول المتبادل، وكنتيجة لذلك يشرح الأستاذ الدرس في الجامعة المصرية بالعامية والطلبة يدونون بالفصحى دون أدنى مشكل. لذلك أُصر على أن هذا النقاش مغالطة كبيرة، ويضيفون إليها أن المستوى التعليمي انحط نتيجة التعريب. هل الصراع اللغوي في المغرب موجود فعلا؟ ما هي أطرافه؟ الصراع قائم ونحن غير واعين به، وهناك إشكالية لغوية في المغرب ودرجة الوعي بها غير كافية، فمثلا مشكل اللغة معقد وخلق مشكلا في مجال التعليم فميثاق التربية والتكوين لم يخرج بموقف واضح، المجلس الأعلى للتعليم عقد دورات لم تخرج بنتيجة وتأجلت دورة اللغة إلى تاريخ غير محدد والوزارة كذلك أي لا أحد استطاع اتخاذ قرار واضح، بسبب بسيط هو أن الصراع قائم ولأن القضية سياسية، فالمشكل هو في السياسة اللغوية وليست في اللغة. من يريد إقصاء العربية؟ الأصل من يريد إقصاء اللغتين الوطنيتين العربية و الأمازيغية، والدليل هو كونهما حشرتا في صراع هما في غنى عنه وهما لغتان وطنيتان، بالمناسبة فمنذ السبعينات وأنا أناضل دفاعا عن الأمازيغية وأنا لست أمازيغيا وقد اشتغلت في بحثي على الأمازيغية، وبالتالي فموقفي هو أن لا صراع بين اللغتين العربية والأمازيغية وتطور الأمازيغية رهين باعتمادها على العربية وليس في الابتعاد عنها. لمصلحة من الصراع بين اللغتين العربية والأمازيغية ؟ ما معنى رفض أعضاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بداية كتابة تيفيناغ بالعربية؟ كتابة تيفيناغ بغير الحرف العربي موقف أيديولوجي، وعضوية المعهد خضعت لانتخابات بمعنى كانت استجابة لمطلب سياسي أكثر منه قرار علمي، لكن المهم هو أنه لو كان هناك صراع بين العربية والأمازيغية لزالت الأمازيغية، بفعل سلطة الدولة وقدراتها، ولنأخذ مثالا من فرنسا ففي عهد ''فرنسوا الأول'' تقررت اللغة الفرنسية وحوربت اللغات المحلية والمناطقية، أما في تاريخ المغرب فبالعكس تماما فقد استمرت اللغة الأمازيغية بأشكالها الثلاثة إلى يومنا هذا، وفي المحصلة نخطئ كثيرا مع من نخوض الصراع. المشكل الحقيقي هو صراع الفرنسية ضد العربية، فالفرنسية منذ الاستقلال إلى اليوم تعرف تطورا على حساب اللغات الوطنية كيف تتطور مكانتها؟ عندما اختارت الحكومات الأولى في المغرب الاحتفاظ بالفرنسية كلغة مساندة للغة الرسمية التي هي اللغة العربية اعتقادا منها أنها ستكون لغة مساعدة ريتما تحل العربية في الحياة العامة والمقاولات، غير أنه في الفترة بين 19 60و1965 وقعت أحداث سياسية أدت إلى نشوء حكم فردي، في ظله تطور وضع اللغة الفرنسية من لغة مساعدة إلى لغة مهيمنة على وظائف اللغات الوطنية، من حضور مشارك وأكثر من نصف في التعليم في الحياة العامة والإدارة إلى وجود احتكاري ووحيد في بعض الحالات التقنية أو التجارية أو المقاولاتية إلى الآن، وبالأمس فقط عرضت القناة الثانية تقريرا عن ''مهرجان التسامح''، حضره مائتا ألف شخص، نشط فقراته مذيع فرنسي والفرق المشاركة فيه فرنسية، وتم كل هذا بمدينة أكادير المغربية ونعلم جميعا نسبة الأمية في البلاد، ناهيك عن أن المنطقة أغلب ساكنتها ناطقون بالأمازيغية هذا دليل آخر على الانتقال من المساعدة إلى الحضور القوي في المقولة إلى الحضور في الإعلام من ميدي1 إلى القناة الثانية وتجاوزهما إلى الاستحواذ على المجال الثقافي بتنظيم مثلا ''استوديو دوزيم'' الذي أقحموا فيه بتعسف الغناء باللغة الفرنسية وحاليا نحن في فترة التواجد الفني المهيمن. فنحن في مجال ذي دينامية قوية ومن جانب واحد. لمصلحة من يتم القطع مع جذورنا اللغوية وربطنا باللغة الفرنسية؟ الجانب الاقتصادي حاضر بقوة والثقافي صار اليوم في خدمة هذا الجانب، وهو مرتبط باستحواذ فرنسا على جانب كبير من الاقتصاد المغربي وقطاع الاتصالات خير دليل على ما أقول، ففي زمن العولمة تعتبر فرنسا هي عولمتنا، في الوقت الذي ينبغي أن ننفتح على الثقافة الأنجلوسكسونية والثقافات الأسيوية بل وحتى البلاد العربية ولكنكم لم تقبلوا الفرنسية رغم تاريخية العلاقة فكيف نصدق دعوى قبول الانجليزية أو الصينية؟ المطلوب هو القبول المتبادل في العلاقة مع فرنسا، لا أن تستحوذ الثقافة الفرنسية علي ويصبح مفروضا علي أن أحاور أبنائي داخل بيتي بالفرنسية، ويطلب مني أن أتسامح هذه مأساة حقيقية، ففي بلد لا يتقن إلا 10 بالمئة من أهله اللغة الفرنسية، كيف يطلب من البقية أن تتواصل مع أبنائها باللغة الفرنسية مع التعليم الخاص؟ هناك شبه إجبار على تعلم اللغة الفرنسية حتى داخل مستوى ما قبل الأولي بينما ترفض العربية بدعوى أن الطفل يتلقنها داخل بيته وفي الشارع. وبالمناسبة أصبح التعليم الجيد في المغرب رهينا بالمعاهد الأجنبية والبعثات والغريب أن بعض الآباء يدفعون ''الرشا'' للموظفين الفرنسيين بالبعثات حتى يضمنوا تسجيل أبنائهم داخل هذه المؤسسات، فأخطر تَجَلٍّ لما نعيشه هو النظام التعليمي، فالمنظومة التعليمية في أسوأ حال رغم المجهودات المبذولة، إذ كل أسرة تسعى إلى أن تضع أبناءها إما في البعثة الفرنسية أو المدارس الخاصة، المشكل هو أن هناك اتجاها يقول بأن الفرنسية هي لغة الشغل والترقية الاجتماعية، لدى عند زيارة أي مدرسة خاصة تلاحظ هذا الحضور للغة الفرنسية ابتداء من سلك ماقبل التعليم الأولي، بصراحة هناك انفلات أمني لغوي إن شئتم القول. ما هي مكانة العربية في المغرب؟ الفرنسية هي اللغة الأولى في المغرب و الحمد الله أن العربية غير خاصة بالمغرب وإلا ضاعت، وثانيا القرآن وهما الضمانتان الحاميتان للغة العربية، في فرنسا مثلا إذا تحدث المسؤول في الحكومة بغير الفرنسية في مؤسسات الدولة يجبر على الاستقالة، من ناحية أخرى نجد أنفسنا في 2011 أمام لغة تفقد مكانتها في المقابل يتم تجاهل اللغة الانجليزية التي تجتاح الكون وبالتالي فالمغرب يعاني ديبلوماسيا من انحصار اللغة الفرنسية لماذا اخترتم في جمعية المسار 11 يناير لتنظيم ندوة حول ''المسألة اللغوية في المغرب''؟ فقط هو تصادف، الفكرة جاءت من كون المسألة اللغوية حيوية وذات طابع سياسي ومسألة مصيرية ولا يجوز أن نسكت عنها خصوصا وأننا نعيش دينامية لا تتوقف وفي اتجاه واحد، فطرحنا داخل الجمعية ضرورة إيجاد صيغ للتعامل مع اللغات سواء الوطنية أو الأجنبية، فكانت الفكرة يوما دراسيا وذلك يوم 11 يناير . بدأنا الإعداد لهذا اليوم الدراسي منذ شهر شتنبر الماضي و تبركا بهذا اليوم الكبير الذي قدمت فيه وثيقة المطالبة بالاستقلال، نتيمن بهذا اليوم لكي يكون نفس التحول من الفوضى اللغوية التي تعيشها بلادنا نتحول إلى سياسة لغوية رصينة تخدم المغرب حقا كدولة وكمجتمع ومواطنين، لأننا نقول إن مسألة اللغة خطيرة ولها انعكاس على سيكولوجية الفرد وعلاقاته داخل المجتمع وأيضا علاقة الدولة بالخارج ونظرة الآخرين لنا كدولة وكمجتمع، أقول إننا في وطن مزدوج اللغة وقد بلغنا درجة من النضج الفكري، وبأن المغرب مجتمع يعيش برافدين ثقافيين العربية والأمازيغية ونحن أيضا واعون بانتمائنا إلى مختلف المجموعات العربية الإسلامية الافريقة ولنا أيضا ما ورثناه من الحضارة الأندلسية والمتوسطية وأيضا بحكم موقع المغرب الجيو سياسي والثرات الذي نفتخر به. لكل هذا ندعو للانفتاح حقيقي ليست اللغة الفرنسية كافية للاندماج فيه، فاللغة ليست وسيلة تواصل فقط بل هي تصورات وأفكار عن العالم، و لأن الفكر واللغة داخلان في علاقة جدلية، أحدهما يصنع الآخر، ونتمنى أن يكون اليوم الدراسي بداية ورش كبير، لذلك أسمينا الندوة ''المسألة اللغوية في المغرب الورش الوطني الكبير'' ، فهو إذا انطلاقة لعمل نتمنى أن يكون علميا أكاديميا وأن يتجنب الأيديولوجية المحضة، فبطبيعة الحال لكل نظرته تجاه قضية اللغة، غير أننا نريد فعلا نقاشا حقيقيا و علميا مع اشتراطنا بطبيعة الحال أن تكون اللغات الوطنية هي لغة البلاد، وبخصوص اللغات الأجنبية نريد تحديد طبيعتها في العلاقة مع التطور الذي عرفه العالم من حولنا بهدف خدمة وطننا ومجتمعنا تعتزمون تأسيس ائتلاف للدفاع عن اللغات الوطنية كيف جاءت الفكرة ؟ اليد الواحدة لاتصفق لهذا أردنا أن يكون لنا حضور مجتمعي وازن و لا سبيل إلى ذلك إلا عبر الائتلاف وهو بالمناسبة مفتوح يبدأ بجمعيات حماية اللغة العربية وحماية اللغة والثقافة الأمازيغية وجمعيات إعلامية وطبية واقتصادية و معنا أيضا الاتحاد العام لمقاولات المغرب و عدد آخر من الفعاليات التي بدأت تعي أن الفرنسية ليست قدرا محتوما وهذا الأمر شجعنا على العمل . ماذا عن الأحزاب؟ الائتلاف سيقدم بيانا يوم 11 يناير يدعو فيه الجميع إلى التعاون معه من أجل الدفع باللغات الوطنية وسنقدم برنامج عمل 2001 فيه الاتصال بالبرلمان والأحزاب وجميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين كيف تنظرون إلى مستقبل اللغة العربية؟ حقيقة أنا جد متفائل بمعنى أن علينا العمل بجد من أجل خدمة اللغتين العربية والأمازيغية، فالعربية وإن كان لها بعض السبق فهي محتاجة للدعم العلمي من أجل حضورها حتى تكون منتجة في مختلف المجالات العلمية، وهذا لا يعفي من أخذ المبادرات حالا في اتجاه تنمية اللغتين الوطنيتين واللغات الأجنبية الأخرى، كالانجليزية التي نرى استعجالا في تقويتها على المستوى الدراسي وأن نناقش مسألة الاحتفاظ بالفرنسية كلغة وحيدة وإجبارية في التعليم، لماذا نفرضها ولا نعطي الاختيار بين الانجليزية والفرنسية مثلا ؟. هذا الكلام قد يبدو طوباويا وغير مجدي لكن الصعب منه هو وضعنا الحالي الذي لا نملك فيه رؤية، فنحن في وضع سلبي نستقبل دون رد فعل، والأنكى هو أن اللغة الفرنسية قد عادت بقوة من خلال المنظومة التربوية كما قلنا حتى في المستويات ماقبل الابتدائي، بمعنى التورط أكثر فأكثر في ''اللعب التربوي''.