على مسافة كيلومترات عديدة، وعبر طريق غير معبدة وغير صالحة لاستعمالها في التنقل على ظهور الدواب، ووراء جبال تغطيها الثلوج في فصل الشتاء، تقع مجموعة من الدواوير التابعة لمنطقة اوزيغيمت بجماعة اغيل نمكون، التي لازالت تعاني العزلة عن العالم الخارجي، وتشكل النقطة الحدودية الترابية بين إقليمي أزيلال وتنغير. من يزور لأول مرة منطقة اوزيغيمت ويتقرب من السكان، وخصوصا الأطفال، سيرسم صورة سوداء على الدولة المغربية، ومن خلالها على المسؤولين الذين يسيرون شؤون المجالس المنتخبة بالمنطقة، بسبب الوضع المعيشي لهؤلاء الأبرياء الذين كتبت لهم الأقدار أن يكونوا حراس الوطن في هذا الجزء من التراب؛ وذلك بفعل حالة من التخلف التنموي جراء الركود والجمود الذي طال أمده على مستوى المشاريع التنموية بالمنطقة. واقع التعليم والصحة والطريق أدخل السكان في بحث عن حلول شخصية تقيهم شر الوقوع في المعضلات التي تحدثها غياب إرادة سياسية واجتماعية لدى مسؤولي المجلس الجماعي وباقي الجهات المعنية لتجسيد مشاريع تنموية بالمنقطة؛ إذ يعملون على قتل فراغ وقتهم بدواويرهم من خلال القيام ببعض أشغال إصلاح المسلك الطرقي الوحيد، وغيرها من الأشغال التي تدخل ضمن اختصاصات الدولة وأجهزتها، خصوصا المجلس الجماعي والمجلس الإقليمي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارة التجهيز والنقل. رغم تدخل السلطات الإقليمية بتنغير من حين إلى آخر، والقيام بزيارة إلى الساكنة وتقديم بعض المواد الأساسية، تبقى منطقة اوزيغيمت من بين المناطق الأكثر فقرا بالمغرب؛ إذ حوّلها غياب الاهتمام بها إلى منطقة نائية وغير موجودة تماما ضمن خريطة البلاد. وتشتكي الساكنة من غياب متطلبات عدة تعتبر من الضروريات الأساسية في حياتها اليومية، مما جعلها تتذمر صباحا ومساء؛ الأمر الذي دفع المئات من أبناء هذه الدواوير إلى توجيه نداء إلى المسؤولين، مستغلين وجود جريدة هسبريس بينهم، مطالبين الجهات المعنية بضرورة التدخل العاجل وإعادة الاعتبار للمنطقة وساكنتها المنسية. مطالب أساسية وضرورية واقع ساكنة منطقة اوزيغيمت، المكونة من تسعة دواوير، تلخصه حياة أطفالها الصغار، الذين تظهرهم ملامح وجوههم كأنهم في سن التسعين بسبب الظروف الطبيعية القاسية التي تتميز بها المنطقة على طول السنة، وكذا غياب الإمكانيات لدى العائلات والأسر للتكفل بحاجيات هؤلاء الأطفال، من مأكل جيد وملابس شتوية تقيهم شر البرد والصقيع. وخلال الزيارة التي قامت بها هسبريس إلى اوزيغيمت، تبدو هذه الأخيرة وكأنها توجد على هامش الحياة، وسكانها، صغارا وكبارا نساء ورجالا، يشكون نقصا فادحا في أدنى ضروريات العيش الكريم، كما أنهم يعانون ظروفا حياتية صعبة حولت يومياتهم إلى جحيم حقيقي لا يطاق، خصوصا أن المنطقة تفتقر إلى طريق معبدة تسهل تنقل الساكنة إلى مركز الجماعة والأسواق الأسبوعية والمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية، الإعدادية منها والثانوية، بالإضافة إلى عدم ربط المنازل بعد بالشبكة الكهربائية؛ وهو ما أكدته الساكنة على لسان رئيس جمعية محلية، سعيد ايت عمي، الذي شدد على أن المنطقة تعاني الفقر والبطالة والتهميش والنسيان. يحمل سكان المنطقة في طيات احتياجاتهم مطلبا آخر أكثر من ملح، وهو توفير طبيب أو ممرض قار بالمستوصف المحلي لتمكينهم من الاستفادة من العلاج والاستشارات الطبية بالمكان الذي يقطنون فيه؛ الأمر ما أكدته للا فاطمة نايت الحبيب، مشيرة إلى أن "المطلب الأساسي لدى الساكنة، بالإضافة إلى الكهرباء والطريق والتعليم، هو توفير الأدوية وطبيب أو ممرض قار بالمستوصف الصحي"، مضيفة: "الممرضة الحالية تأتي مرة في شهرين لتقديم بعض الخدمات العلاجية للمواطنين"، متسائلة عن "الأسباب الحقيقة وراء هذا الإهمال والتهميش المقصود في حق الساكنة" طفولة تتألم أطفال صغار في عمر الزهور، ملامح وجوههم تغيرت بفعل العوامل الطبيعية وإهمال البشر، حتى صار صغير السن يشبه الكبير. ومهما حاولنا، لن نستطيع إيصال الصورة الحقيقية لمعاناة هؤلاء الأطفال، كون مثل معاناتهم لن تجد لها مكانا حتى في الدول التي تعاني اليوم من الحروب. الأطفال بمنطقة اوزيغيمت يعانون الفقر بكل تجلياته، ويظهر عليهم ذلك منذ الوهلة الأولى التي تدخل فيها المنطقة وتصادف أول طفل بملابس متسخة ومقطعة وأحذية بلاستيكية مقطعة تظهر منها أصابع أرجلهم، (كما يظهر ذلك في بعض الصور المرفوقة بالمقال). وإذا كانت الجمعيات والمنظمات الخيرية النشيطة بالمغرب تريد تقديم المساعدة، فإن المنطقة المذكورة هي الأولى بها، نظرا إلى المعاناة التي ذكرناها سابقا. هل ستدفع الإعفاءات التي خلفها الزلزال الملكي الأخير السلطات الإدارية والمنتخبة إلى توفير الحاجيات الضرورية لساكنة اوزيغيمت التي لازالت تعيش حياة العصور ما قبل التاريخ؟ سؤال وجهه حماد اعلي، فاعل جمعوي بالمنطقة، مؤكدا أن "التغيير يجب أن يبدأ من مثل هذه المناطق ومحاسبة كل المتورطين في التهميش والإهمال الذي عانته الساكنة لسنوات من الزمن"، موضحا أن "وقت المحاسبة آت، وعلى أجهزة الدولة المكلفة بالرقابة أن تقوم بواجبها القانوني والمهني احتراما لما جاء به الدستور المغربي وتعليمات جلالة الملك". وطالب المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، المسؤولين المحليين وجميع المتدخلين بإعادة بناء المدرسة المركزية الموجودة بدوار اكرامن، لكونها مهددة بالسقوط فوق رؤوس التلاميذ، وشدد على أن "وزارة الداخلية يجب أن ترسل لجنة إقليمية أو مركزية لمعاينة الأضرار التي لحقت بالمؤسسة المذكورة، وتقديم المسؤول عن ذلك أمام القضاء ليكون عبرة لمن يعتبر"، بتعبيره.