شارك عشرات الآلاف من المغاربة، اليوم الأحد، في مسيرة احتجاجية ضخمة وسط العاصمة الرباط، رفضاً لاعتراف الإدارة الأمريكيةبالقدس عاصمة لإسرائيل؛ وهي ثاني مسيرة كبيرة تشهدها الرباط منذ المسيرة المنددة بتصريحات بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، حول الصحراء. وتوافد المحتجون المغاربة، حاملين أعلام فلسطين، من مختلف الجهات والمدن ومن مختلف الشرائح والأعمار، إلى الرباط منذ الساعات الأولى من يوم الأحد، للمشاركة في هذه المسيرة التي جمعت الأحزاب السياسية بمختلف مواقعها ووزراء من الحكومة والمجتمع المدني. وتأتي هذه المسيرة الاحتجاجية استجابةً لدعوة وجهتها مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، والجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وعرفت مشاركة فيها مختلف التيارات والهيئات السياسية والنقابية والمهنية والمدنية ولقيت مشاركة عفوية لمواطنين. وتقدم المسيرة الاحتجاجية وزراء ومسؤولون في حكومة سعد الدين العثماني، إضافة إلى قيادات مختلف الأحزاب السياسية سواء الممثلة في البرلمان وخارجها. كما عرفت المسيرة مشاركة قوية لجماعة العدل والإحسان الإسلامية، بحضور أمينها العام محمد العبادي. ورفع المحتجون أعلام فلسطين وشعارات تدين القرار الأمريكي، وتؤكد أن "القدس عاصمة أبدية لفلسطين"، وأخرى تخاطب الرئيس الأمريكي: ”ترامب يا صهيون قدسنا في العيون"، كما تلحف أغلب المحتجين بكوفيات فلسطينية كتب عليها "القدس لنا". وقال زهير الشن، السفير الفلسطيني في الرباط، إن "رسالة المغاربة في هذه المسيرة مهمة ستصل إلى الشعب الفلسطيني ليشعر أهل القدس بأنهم ليسوا وحدهم في المعركة". وأضاف السفير، في تصريح لهسبريس، أن الملك محمدا السادس وجه رسالة واضحة صريحة برفض القرار الأمريكي ودعا الأمين العام للأمم المتحدة لوقف القرار سالف الذكر. وقال إسماعيل العلوي، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، إن مشاركة حزبه في المسيرة الاحتجاجية تأتي "للتعبير عن التضامن المطلق مع الشعب الفلسطيني الذي هو نضالنا كذلك"، مذكراً بأن المغرب كان منذ مطلع القرن الماضي وهو تحت نير الاستعمار يعتبر فلسطين قضيته كذلك. وأشار العلوي، في تصريح لهسبريس على هامش الوقفة، إلى أن "القادة الأمريكيين تجاوزوا ذلك الحاجز الذي يمنع اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل الصهيونية، ونحن هنا لنقول لا لهذا القرار، بل أيضاً لنفضح كل العلاقات القائمة بين دولة الصهاينة وأمريكا منذ القدم والتي تأكدت مع قرار ترامب الأخير". أما محمد أوجار، وزير العدل والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، فقال إن هذه المسيرة "هي تعبير مادي قوي يحمل رسائل يمكن اختصارها في تعبئة الشعب المغربي بكل فئاته ومكوناته للدفاع عن القضية الفلسطينية والتنديد بالقرار الأمريكي لأنه يخرق الشرعية الدولية، وينسف جهود السلام ويكرس تراجعاً عن كل ما توافق عليه المنتظم الدولي". وأضاف الوزير في حكومة سعد الدين العثماني، في تصريح لهسبريس، أن "الوقفة تأكيد على أن المغرب ملكاً وحكومة وشعباً مع الشعب الفلسطيني لتحقيق حلمه في بناء الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريفة احتراماً لقرارات الشرعية الدولية". واعتبر امحند لعنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، أن "المسيرة ليست للتعبير عن موقف جديد، بل لموقف ثابت للمغاربة جميعاً فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين وبحقهم في إقامة عاصمتهم في القدس"؛ لكنه أضاف: "مع الأسف، قرار ترامب لا مسؤول وخاطئ، فهو عوض أن يساعد على الحل فهو يرجع القضية إلى الوراء". وأشار محمد ساجد، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري والوزير في الحكومة، إلى أن "التظاهرة تجمع جميع القوى الحية بالمملكة للتعبير عن تشبتهم بالقضية الفلسطينية"، معتبراً أن المغاربة "وراء جلالة الملك الذي عبره عن الموقف الرسمي للمملكة تجاه القضية". وكان للنقابات العمالية حضور في المسيرة الاحتجاجية، حيث قال الميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، إن "نقابته اتخذت عدداً من المبادرات الأولية بدءا بالاتصال بالاتحاد العام لعمال فلسطين للتعبير عن التضامن. كما راسلنا الحركة النقابية الأمريكية من أجل الضغط على الرئيس الأمريكي بخصوص قراره الأخير، وأكيد أن النصر سيكون حليف الشعب الفلسطيني". وقال حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال الذي شارك في المسيرة، في تصريح لهسبريس، إن "هذا اليوم تاريخي بالنسبة إلى الشعب المغربي وكل الشعوب المحبة للسلام، وأرى أن القرار الذي اتخذه ترامب سيوحد الشعوب العربية". وأضاف شباط أن "هذه المناسبة مهمة جداً؛ لأنها تعبير عما يشعره المغاربة والمسلمين دفاعاً عن القدس التي نعتبرها مدينة مقدسة، والقدس ليست للفلسطينيين لوحدهم أو للعرب لوحدهم، القدس لكل الديانات وخصوصاً الديانة الإسلامية". أما محمد العبادي، الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الإسلامية، فقد اعتبر أن "فلسطين قضية مصيرية لكل المسلمين، ولكل حر غيور على حقوق الإنسان، فهم يعانون منذ عقود من التشريد والاضطهاد والتقتيل والتهجير والأمة تتفرج والحكام يتاجرون بهذه القضية". وأضاف العبادي، في تصريح لهسبريس، أن "قضية فلسطين تقزمت في الوقت الذي كان يجب أن تكون عالمية، تقزمت من قضية إسلامية ثم إلى قضية عربية ثم إلى فلسطين إلى قضية منظمة وفصائل، إنها تزداد تقزماً بعد تقزم، وآن للأمة أن تستنكر القرار الأمريكي الأخير وتجدد عزمها لاسترجاع قوة أمتنا". عن الجانب الحقوقي، قال أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يصنف ضمن السلوك الذي اعتادت عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدم مراعاة القانون الدولي والقرارات الأممية". وشدد رئيس أكبر جمعية حقوقية في المغرب، في تصريح لهسبريس على هامش الوقفة، على أن "القرارات الأممية التي تجاهلها الرئيس الأمريكي تعتبر القدس منطقة دولية ينبغي أن يحدد مصيرها بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية بالصراع". جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترف، الأربعاء الماضي، بالقدس عاصمةً للدولة العبرية؛ وهو ما أثار غضب الفلسطينيين والمجتمع الدولي، فبينما لاقى قرار ترامب ترحيباً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فإنه أثار تنديداً دولياً. وأصرت خمس دول أوروبية في مجلس الأمن على أن السياسة الأمريكيةالجديدة غير منسجمة مع القرارات الأممية، وأكدت أن القدس الشرقية أرض محتلة، ويُعد وضع القدس بين أكثر المسائل حساسية في النزاع المستمر منذ عقود. وكان ثمانية من أعضاء مجلس الأمن ال15 قد طلبوا عقد الاجتماع الطارئ من دون نية للتصويت على أي قرار كون الولاياتالمتحدة تملك حق الفيتو، فيما يُصر ترامب على أن خطوته التي كانت أحد وعوده الانتخابية تمثل بداية "نهج جديد" لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.