تحت عنوان "تذكير السلطان الوفي بمراجعات التيار السلفي" وجه حسن الخطاب، زعيم ما يسمى ب"خلية المهدي" بالمغرب والمعتقل ب30 سنة سجنا، رسالة استعطاف إلى العاهل المغرب قبل يومين، يدعوه فيها للتعامل الرحيم والفعال مع مراجعات التيار السلفي المغربي لأخطائه، معبرا عن استعداده وإخوانه المعتقلين بالسجون المغربية الانخراط في مرحلة ما بعد تاسع مارس وفاتح يوليو، وهي مناسبات تؤرخ لإصلاحات دستورية بالمغرب عقب الحراك الشعبي العربي. وعبر حسن الخطاب، في رسالة خاصة -ينفرد "إسلام أون لاين" بها- عن استعداد أتباع التيار السلفي بالسجون المغربية للعمل وراء "السيادة الحكيمة" و"القيادة الرشيدة" في إطار التعددية السياسية والفكرية، لأن هؤلاء الشباب "هم أبناؤكم فليوضعوا في خدمة بلدهم بدل ملئهم للسجون". كتاب الخطاب الجديد يأتي أسابيع فقط بعد إصدار مراجعته الفكرية المؤكدة على انخراط ما يسمى بتيار "السلفية الجهادية" في خدمة المواطنة الصالحة المتمسكة بالثوابت الشرعية، ورسالة محمد الفزازي، أحد المفرج عنهم في ملف السلفية الجهادية، التي تطالب العاهل المغربي بالعفو عن المعتقلين المظلومين. وتؤكد رسالة "الخطاب" بلغتها الدبلوماسية حرصها على ثوابت المغرب وهويته، وتغيير شعارها: "زراع اليأس في الأمة ومزهقو روح الأمل"، إلى شعار "إن الدول لا تقام بالكلام ولكن بالجد والالتحام"، مع التحذير من السقوط في مقاربات التيارات الاستئصالية، التي تزرع اليأس والتطرف بدل الأمل والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية. واعتقل الخطاب، باعتباره زعيما لما يسمى ب"خلية أنصار المهدي"، والتي قدمتها وزارة الداخلية المغربية بكونها كانت تخطط "لإقامة إمارة شبيهة بإمارة طالبان وتكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية، والمس الخطير بالنظام العام، وجمع وتدبير أموال بنية استخدامها في أعمال إرهابية، والانتماء إلى جمعية غير مرخص لها، وعقد اجتماعات عمومية بدون تصريح مسبق". ويتابع في ملف الخلية 50 متهما، من ضمنهم 4 نساء، وعناصر سابقين في الدرك والجيش، ورجل أمن، تم إلقاء القبض عليهم في يوليو 2006 في إطار 5 مجموعات. بيعة "سلفية" جديدة وبخلاف الأدبيات السلفية المتشددة في العلاقة مع الحاكم، أبدت رسالة الخطاب وعيا بالتحولات، التي يشهدها المغرب والإصلاحات الجارية مما ترجح لديها ضرورة المراجعة والانخراط المجتمعي فيها ومساندة الحاكم في إصلاحاته. وأوضحت الرسالة -بعد تمهيد تمجيدي- أسباب المراسلة وذلك "كي أطلعكم على التحول الذي حصل داخل التيار السلفي الجهادي بالمغرب، الذي يمر اليوم بمرحلة تقويم ومراجعة من شأنها إفراز نخب مواطنة من الدعاة والعلماء وطلبة العلم، قادرة على مواكبة الركب والحراك السياسي داخل بلدنا الحبيب تحت سيادتكم الحكيمة، خصوصا بعد الدستور المتقدم والمواكب لتطلعات الدولة المغربية الحكيمة، وما اشتمل عليه من آليات وميكانزمات من شأنها الدفع بالمؤسسة الملكية إلى الارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة على الصعيد التنموي الإصلاحي". وعبر الخطاب ورفاقه بالسجون المغرب عن استعدادهم الانخراط في الحراك المجتمعي "نحن مع المؤسسة الملكية وحكامها، ونحن مستعدون للمساهمة في بناء مغرب جديد يدبر برؤى تعددية وهوية إسلامية وسياسة خلاقة من شأنها الرقي بالثوابت الوطنية إلى مستوى المواطنة الخلاقة والفاعلة". وأضاف أن "التيار السلفي الجهادي اليوم أصبح يؤمن حقيقة بأهمية تحقيق ثقافة الحوار والمناقشة والتحلي بسعة الأفق وتفهم الثقافات الأخرى والانفتاح على المفيد منها وضرورة تشجيع النقد وزيادة حجم دائرة الاجتهاد وفق البيئات والمناخات الملائمة بدون جمود يحول دون معرفة وفهم النص والمبادرة إلى الكثير من عمليات التصحيح والمعالجة ومحاربة العادات والأفكار الخاطئة والتطرف والانغلاق الذي مورس داخل التيار منذ عقود". وأشارت الرسالة إلى أن أتباع التيار السلفي الجهادي "ضحية جهات –استئصالية- لا تؤمن بالتعدد الفكري والسياسي داخل المغرب الواحد الموحد تحت قيادتكم الرشيدة". وعدت الرسالة إلى "هندسة المجتمع" وتشكيله بصورة تؤدي إلى "إثبات الفضيلة وإشاعة روح المواطنة والتمكين من الحق لأبناء التيار في الاختيار والممارسة والعمل الجاد للعبور إلى "مغرب الألفية الثالثة وفق حكمتكم وتصور معاليكم". بعيدا عن خطاب التيئيس وقاومت الرسالة خطاب التيئيس باستعدادها المساهمة في "الانطلاقة الفعلية للتنمية الاجتماعية والآليات السياسية الجديدة، التي يعرفها المغرب، بعيدين عن خطاب اليأس والتسويف واستثمار الطاقات في الحفاظ على مكتسبات الأمة وهويتها واستعادة عزها ورفعتها". واعترفت الرسالة بأن التيار السلفي الجهادي "أدرك أخطاءه الجلية والانحراف، التي وقع فيها بعض من قل علمه وانجرف خلف هواه أدت ببعضهم إلى الإحجام عن تعميق الثوابت، التي تصيب قيم الأمة في مقتل، متجاوزين بذلك كثيرا من السياسات والآليات، التي يتخذ من خلالها القرار بذريعة معالجة الأزمة". وقالت الرسالة إن التيار السلفي الجهادي دعاة وعلماء وشيوخ وأتباع أدركوا "مكامن الخلل لديهم، راكبين موجة التغيير وسنن الإبحار"، نابذا شعار "نحن قوم زُّراع اليأس في الأمة ومزهقو روح الأمل"، إلى شعار "إن الدول لا تقام بالكلام ولكن بالجد والالتحام". ودعت إلى تقزيم دائرة الخلاف والانكفاء عن الذات والولاءات الضيقة والأهداف الشخصية والتصنيفات الممزقة، التي "تبذر العنف والتطرف وتنمي الشك وتضعف الثقة بين الأفراد والمجتمعات والشعوب، في حين نجد الفئة الاستئصالية ما زالت تدور مع الرغبة العدمية في تذويب الهوية وتفتيت الثوابت والإطاحة بالقيم"، وذلك لتبقى لهم الساحة "خاوية من مقاومة مواطنة صامدة محركها الدين وباعثها الحرص على مغرب موحد متكامل تعددي سياسيا واجتماعيا". وأفادت أن هذه الرغبة العدمية لم تعد "تتماشى فيما يبدو مع مصالحهم ومطالبهم في مغرب ما بعد 9 مارس وما بعد فاتح يوليو، وذلك محاولة منهم إلى مزيد من التهجين للأمة والقضاء على دوافع النهضة والمواطنة". وأرجعت مصيبة الأمة إلى هذه الفئة وتسييرها العدمي المحارب "للعلماء والدعاة المخلصين، الذين لا يكنون لمعاليكم سوى جانب النصح والطاعة لله ولرسوله". وتعهدت الرسالة بالاتجاه "بفكرنا المتحرر الجديد لإثبات قيم الخير والمواطنة والدفاع عن بلدنا وتحصينه من التطرف والانغلاق والمزالق العنيفة من أي جهة كانت وتحت أي توجهات والاشتغال على تطلعات وقضايا الأمة الكبيرة ونكباتها المتوالية وحفظ الوحدة الترابية". استعطاف إنساني وبعد توضيح منطلقات المراجعة والاستعداد للانخراط في مرحلة ما بعد تاسع مارس (خطاب العاهل المغربي المبشر بالإصلاحات الدستورية) وفاتح يوليو (تاريخ المصادقة الشعبية على الدستور الجديد)، لم يفت الرسالة مخاطبة العاهل المغربي إنسانيا واجتماعيا. وقالت الرسالة "يأتي كتابنا إلى معاليكم من أجل رحمة كل امرأة ثكلى وطفل يتيم غيب سجون المملكة والده، لا ذنب له سوى التسربل بأخلاق السلف، وذلك بعد محاكمات صورية واعتقالات فاشستية تتجلى فيها كل مظاهر التعذيب والقهر والاختطاف". والتمست الرسالة من العاهل المغربي "فتح تحقيق في كل الخروقات، التي أجمعت كل قوى المجتمع المدني الحقوقي والسياسي وهيئات الدفاع على وقوعها من طرف جهات تريد توريط بلدنا بالتراجع عن المكتسبات والنظم الكونية المتعلقة بحقوق الإنسان والعدالة والحكامة الجيدة". وخاطبت الرسالة العاهل المغربي بالقول "إن هؤلاء الشباب هم أبناءكم فليوضعوا في خدمة بلدهم خير من ملئهم للسجون، طالبين مد يد العون من معاليكم لكل المبادرات والمراجعات الجادة لدى أبناء التيار السلفي". كما التمست "من جنابكم فتح حوار هادئ ورصين بين كل فعاليات التيار السلفي والإدارة المركزية مع نبذ الخطاب الواحد والفكر الواحد من أجل الالتقاء تحت مبدأ الحوار الفعال والخطاب المتزن". وختمت رسالة الخطاب بالدعاء الصالح للعاهل المغربي بالقول: "أرجو الله الكريم رب العرش العظيم طول العمر والصحة والعافية، وأدامكم الله رمزا للعفو والرحمة والله تعالى يقول (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)". وتبشر رسالة "الخطاب" الجديدة ورسالة "الشفاعة"، التي وجهها الفزازي للعاهل المغربي، بحصول تحولات وتغيرات عميقة داخل الذهنية السلفية المغربية، معلنة بإمكانية تلمس خيوط حل عملي للإشكال السلفي المغربي وصوابية المقاربات التصالحية، الداعية إلى عملية "فرز" بين معتقلي ما يسمى ب"السلفية الجهادية" لتفادي تبعات الملف حقوقيا واجتماعيا وسياسيا.