تُوصف مدينة آسا تاريخياً بحاضرة الأولياء وملتقى الصالحين، وتعد معبراً تجارياً يربط الشمال بالجنوب، وشكل قصرها التاريخي وزاويتها العلمية العريقة مركز إشعاع روحي وديني في المنطقة طيلة القرون الماضية. وظل هذا القصر التاريخي شامخاً يقاوم تقلبات الزمان، رغم هجرة سكانه إلى المدينةالجديدة، واستفادت أجزاءٌ منه من مشاريع الترميم والتأهيل، وأضحى اليوم أحد أهم المعالم التاريخية في الجنوب المغربي، وقبلة لعشاق السياحة الدينية والإيكولوجية. شُيد القصر فوق هضبة صخرية مطلة على واحة آسا، في موقع كان ممراً هاماً للقوافل التجارية، وصلة وصل بين الشمال والجنوب. قصر على مشارف درعة صُممت بنايات القصر على شاكلة مباني درعة بالطين والأحجار والمواد المحلية، وأٌحيط بأسوار لحمايته من الأخطار الخارجية، وتتخلله أكثر من ستة أبراج للمراقبة وعدة بوابات، ويضم مساجد وزوايا وسوقاً وساحات ومخازن؛ في حين خصص للمقبرة مساحة كبيرة، تضم أضرحة لعلماء وأولياء عاشواْ من هذه الحاضرة الدينية. يقول سويلم بوغدا، الباحث في تاريخ الجنوب المغربي، في تصريح لهسبريس، إن "هذه المعلمة التاريخية تنقسم إلى قسمين: قصر بني نكيت وآخر لبني مليل، وزاد: "سكنت عشائر عدة هذا القصر، وتتكون بدورها من أفخاذ كثيرة". ويُرجح الباحث في تاريخ المنطقة أن القصر بني قبل المرحلة المرابطية، مشيراً إلى أن "معماره لديه خصوصيات محلية تستجيب للإكراهات المناخية بالمنطقة، إضافة إلى حاجات دفاعية من خلال الأسوار والأبراج". وأضاف المتحدث أن "العشرات من المراجع التاريخية المغربية والأجنبية تناولت هذا القصر التاريخي المتميز بنظام اجتماعي معقد كان يعتمد على نظام العرف والجماعة". وطالب الباحث في التاريخ بإيلاء المزيد من الاهتمام العلمي والتدقيق في المعطيات التاريخية المتعلقة بهذه المعلمة، من خلال جمع الوثائق التاريخية الخاصة بها. من جهته يرى محمد بوزنكاض، الباحث في التاريخ بجامعة ابن زهر بأكادير، أن "قصر آسا خضع لترميم جزئي شمل السور والأبراج، وهو مجهود محمود بالرغم مما شابه من نواقص ناتجة عن عدم استناد الفاعلين في الترميم إلى خلفية علمية"، مضيفا: "صيانة هذا التراث تطرح علينا كفاعلين تحدياً يتمثل في إعادة الاستقرار للقصر الذي تعرض للإخلاء وإدماجه في الدورة التنموية للإقليم"، ولفت إلى أن "مكانة القصر والزاوية تعززت بالاحتفاء بالمولد النبوي الشريف في شكل موسم تجاري وديني بحمولة اجتماعية استثنائية؛ فخلق هذا الحدث دينامية تجارية استقطبت التجار من حواضر المغرب الأقصى وإفريقيا الغربية". السياحة الإيكولوجية محمد أنزيض، فاعل جمعوي وصاحب مشروع سياحي داخل القصر التاريخي لأسا، يرى في حديث لهبسريس أن "السكان متحمسون لمشاريع سياحية مدرة للدخل داخل هذه البناية التاريخية المهجورة"، واشتكى من "إهمال هذه المشاريع من الجهات المعنية"، لافتاً إلى أن "أصحاب دور الضيافة يطالبون المجالس المنتخبة والجهات المعنية بالسياحة في الجهة بالتعاون ودعم هذه المشاريع"، وزاد: "لدينا مؤهلات مهمة وإرث تاريخي وديني عريق لم يتم استثماره بعد بالشكل الأنسب". وطالب الفاعل الجمعوي الجهات المعنية بالعمل على تسويق مؤهلات آسا السياحية لتكون ضمن الوجهات المبرمجة لدى وكالات الأسفار، والجهات المعنية بالسياحة في الجهة، وعبر عن تفاؤله بالمستقبل "بعد إدراج موسم آسا الديني ضمن التراث الوطني اللامادي"، وفق تعبيره. واستفاد قصر آسا التاريخي من برامج ترميم انطلقت منذ فبراير 2006، قادتها المهندسة المتخصصة سليمة الناجي، ذات الباع الطويل في ترميم البنايات التاريخية بالجنوب المغربي، بشراكة مع وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي. وارتبطت مدينة آسا وقصرها التاريخي بموسم ديني ضارب في القدم، كان يقام ولازال في حاضرة الزاوية العلمية، وتلتقي فيه القبائل من الشمال والجنوب في ذكرى المولد النبوي، وتقام فيه أسواق تجارية ويلتقي شيوخ التصوف وجمهور المريدين والزوار. يقول سويلم بوغدا، الباحث في تاريخ الجنوب، إن "هذا الموسم كان يعتبر ملتقى سنوياً لأقطاب التصوف من المغرب والسودان الغربي والمشرق العربي"، موضحا أن هذا التراث التاريخي يحتاج إلى المزيد من البحث والتوثيق. من جهته يرى الباحث محمد بوزنكاض أن "موسم آسا يتسم بحمولة مركبة دينية وتجارية، ما جعله امتدادا لقصر آسا وزاويتها"، وزاد: "وجد الشيخ المؤسس للزاوية في قصر آسا وواحتها إطاراً مناسباً لتأسيس رباطه بداية القرن الرابع عشر الميلادي"، لافتاً إلى أن هذا الموسم "حقق التكامل بين المدينة والبادية في سياق الصحراء الموسوم بالندرة، حيث درج الباحثون على الربط بين المواسم والزوايا في إطار الحديث عن اقتصاد الزاوية". تراث لا مادي وطني في المقابل قال متحدث من المجلس الإقليمي لأسا الزاك، في تصريح لهسبريس، إن "تأهيل قصر آسا التاريخي يدخل ضمن اهتمامات المجلس من خلال محور تنمية العرض السياحي المندرج ضمن البرنامج التنموي للإقليم الذي تمت المصادقة عليه خلال دورة شهر شتنبر الماضي". وأضاف المتحدث أن "البرنامج يشمل أيضا تثمين التراث المحلي، من قصور وزوايا وقصبات، إضافة إلى السياحة الموضوعاتية والإيكولوجية"، مشيراً إلى أن "مجهودات المجلس الإقليمي وكل شركائه تكللت هذه السنة بتصنيف ملكى الموسم الديني لأسا (ملكى الصالحين) ضمن التراث اللامادي الوطني، في أفق إدراجه ضمن التراث اللامادي العالمي لمنظمة اليونسكو". من جهته يرى رئيس المجلس الجماعي لآسا في تصريح لهسبريس أن "قصر آسا يوجد حالياً ضمن الاهتمامات الكبيرة للمجلس، خصوصاً أن موسم آسا صنف مؤخراً ضمن التراث اللامادي الوطني"، وأضاف أن "المجلس يشتغل على برامج مستقبلية لتشجيع السياحة واستثمار المؤهلات التاريخية للإقليم، منها القصر والواحات في إطار السياحة الإيكولوجية".