متظاهرون من سيدي أحمَد واحمد قضوا أكثر من ليلة بالجبال، واحتجاجات "تشتعل" تضامنا مع الضحايا والمعتقلين في الأحداث لا تزال منطقة إغرم أوسار بمناجم عوام، ضواحي مريرت، إقليمخنيفرة، ومنذ يوم الجمعة الماضي 26 غشت 2011، على أعلى درجة من الغليان والتوتر على خلفية الأحداث الخطيرة التي تعرض إثرها عدد من النساء والشباب والمسنين من قرية سيدي أحمد واحمد للضرب والتنكيل والمطاردة والألفاظ النابية، بينما اعتقل فيها ستة أشخاص، ذلك في هجوم عنيف شنه حشد من القوات العمومية (درك وقوات مساعدة)، واستعملت فيه الهراوات والقنابل المسيلة للدموع، حيث كان الضحايا يعتصمون في تجمع سلمي للمطالبة بتشغيل أبناء المنطقة في المناجم، وترسيم العمال منهم، وتفعيل برنامج القرى المنجمية النموذجية مع توفير الماء الصالح للشرب للإنسان والماشية، وقد عرفت الأحداث اشتباكات عنيفة بين المحتجين والقوات العمومية بعد إقدام المحتجين على قطع الطريق المؤدية للمنجم، وأدت هذه الاشتباكات إلى عدة إصابات بين الطرفين. والمعتقلون الستة هم الحسين أكضا (مستشار جماعي)، عبدالله أيوكو، حميد شعبان، مصطفى أيوكو، الحاج أيوكو، عمر مستقل، تم الاستماع إليهم جميعا قبل تمتيع اثنين منهم بالسراح المؤقت (الحاج أيوكو وعمر مستقل)، وتم الاحتفاظ بالباقين في أفق إحالتهم على غرفة الجنايات باستئنافية مكناس حيث تقرر عرضهم على المحاكمة بتاريخ تضاربت حوله المعلومات ما بين القول إنه 6 شتنبر 2011 أو هو 30 نونبر المقبل، وذلك ما أكده دفاع الشركة المنجمية نفسه لدى اتصالنا به، ويتابع المعتقلون بتهم تجمع ما بين ما هو جنحي وما هو جنائي، ومن ذلك أساسا عرقلة حرية العمل، إغلاق طريق عمومية، ورشق القوات العمومية بالحجارة، وبينما تقدم دفاع الشركة المنجمية بملتمس للاطلاع أكثر على مضمون الملف، أفادت مصادر عليمة أن هذه الشركة برأت متهمين من المتابعة (الحسين أكضا ومصطفى أيوكو) لكونهما تقدما إليها قبل لحظات من الأحداث، وعرضا عليها إمكانية القيام بمهمة التنسيق والحوار بينها وبين المحتجين، باعتبارهما من أعيان وممثلي السكان، إلا أن التدخل الأمني نزل فحصد الأخضر واليابس. وقد ظل مسرح الواقعة رهين طوق مشدد بالقوات العمومية بعد تشتت المعتصمين على الجبال بعيدا عن ذويهم وعائلاتهم وأجواء رمضان، ومن "مستملحات" الأحداث ضياع هراوة من يد عنصر أمني، وإلى حدود الساعة ما تزال المنطقة ومريرت "تشتعل" بين الفينة والأخرى، بالمسيرات والوقفات والبيانات تضامنا مع الضحايا، والمطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين وبمساءلة المتورطين في الهجوم القمعي. وعلم من شهود عيان أن عناصر القوات العمومية ظلت مرابطة حول المنطقة، مع ترهيب عائلات المحتجين والمتحصنين بالجبال، بينما بقيت إحدى الشابات تحت المراقبة بعد التشكيك في أنها تخفي آلة تصوير التقطت بها جزء من التدخل العنيف، كما لجأت إدارة الشركة المنجمية إلى تهديد أحد العمال المنجميين بالطرد ما لم يرغم ابنيه على الاستسلام لمشاركتهما في معركة الاعتصام، وفي ذات السياق أكدت مصادر متطابقة أن المصابين في التدخل العنيف من الجانب السكاني لم ينتقلوا للعلاج بالمستشفى الإقليميبخنيفرة إلا بعد عصر اليوم الموالي بسبب أجواء الحصار والخوف، وقد بادر عدد من الحقوقيين والاعلاميين بتعميم أشرطة صادمة توثق للواقعة التي لم يكن متوقعا أن يهب إعصارها بتلك القوة على سواحل الربيع الديمقراطي الذي ينمو ببلادنا. وأفادت مصادر متطابقة أن أهالي المنطقة وأسر المعتقلين وبعض عمال مناجم عوام نظموا مسيرة حاشدة بمريرت إلى جانب حركة 20 فبراير، وجابت شوارع المدينة بمؤازرة فعاليات مدنية وسياسية وحقوقية ونقابية من مريرت وخنيفرة، كما تم تنظيم مسيرة أخرى من مريرت إلى المنطقة المحاصرة قصد الدعم والمؤازرة والمطالبة برفع الحصار والإفراج عن المعتقلين، وفي تصعيد آخر دخل حشد من سكان قبيلة سيدي احمد واحمد، خلال ليلة القدر، في اعتصام مفتوح من أجل إثارة انتباه الرأي العام لقساوة الوضع، بينما لم يفت مناضلي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بمريرت تحدي الحصار واجراءات المنع ونظموا قافلة تضامنية نحو المنطقة المحاصرة، وفي وجود تخوفات من اتساع رقعة الاحتجاجات لتشمل القرى المجاورة، تبقى جميع المؤشرات تنذر بأن أجواء التوتر مرشحة للتصاعد في أية لحظة. وقد انتقل بعض المراسلين الصحفيين إلى الميدان لمعرفة ما يجري، غير أن الحصار المضروب على المنطقة حاول منع هؤلاء المراسلين من العبور إلا بعد تسجيل احتجاجهم لدى متزعم للطوق الأمني، حيث تمكن الوفد الصحفي من عبور الشعاب الوعرة الفاصلة بين جبل عوام وجبل أنجدام، بحثا عن مكان آمن يتم فيه الالتقاء ببعض المتظاهرين المتحصنين بالجبال خوفا من اعتقالهم، حتى أن الوضع كان بحق أشبه بسيناريو "جبال طورا بورا بأفغانستان"، وبإحدى النقاط استعرض المعنيون بالأمر مطالبهم التي كانت مشروعة وعادلة، إذ جاءت انتفاضتهم بعد قرار الشركة المنجمية تويسيت بترسيم مجموعة من الأشخاص مقابل إقصاء شباب المنطقة، وغالبية المقرر ترسيمهم هم من خارج الإقليم بخلفيات معلومة، حتى أن مدة هؤلاء الأخيرين معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة. وسبق للمحتجين من شباب المنطقة أن سجلوا احتجاجهم لدى إدارة الشركة المنجمية، وجددوا تنبيهها إلى أنهم أولى بالتشغيل والترسيم طالما أن الشركة "تحلب" بواطن أرضهم وتستغل خيراتها ومعادنها على حساب إقصاء وتهميش ما تزخر به المنطقة من طاقات وكفاءات ومعطلين حاملي الشهادات، وبعدها جرى لقاء حول طاولة حوار جمع بعض المحتجين بممثلين عن إدارة الشركة المنجمية ورئيس الدائرة وعناصر من السلطة المحلية والأمنية، حيث استعرض المحتجون ملفهم المطلبي، وطالبوا بإيفاد لجنة للتحقيق في وضعية المنطقة وأحوال الساكنة، وفي مشكل المياه الملوثة بالإفرازات المنجمية، ثم في موضوع الكهرباء والمطالبة بتمديده ليشمل باقي الدواوير والمساكن التي لم تستفد من برنامج كهربة العالم القروي، إضافة إلى المطالبة بفتح وإصلاح المسالك القروية والعمل على توفير وسائل النقل المدرسي، والتفكير في مبادرات مسؤولة تعمل على خلق امتيازات ومشاريع تنموية لأبناء المنطقة الذين يعانون من البطالة وأراضيهم مكتنزة بمواردها المعدنية. وذكر المحتجون بأنهم كاتبوا مختلف الجهات المسؤولة في هذا الشأن دون جدوى، وبينما حاولت بعض السلطات حصر الحوار في المشكل المتعلق بالماء دون باقي القضايا المطروحة، وعدهم رئيس الدائرة برفع ملفهم المطلبي إلى مكتب عامل إقليمخنيفرة، إلا أنهم انتظروا ترجمة الوعود إلى أرض الواقع دون جدوى، ما حملهم إلى الدخول في اعتصامهم لأجل إثارة انتباه الجهات المسؤولة لصوتهم، إلا أن لغة العنف كانت هي الجواب بصورة لم تكن متوقعة، حيث جرى التدخل بمنتهى العنف، ولم يخجل أحدهم من تهديد المحتجين باغتصاب نسائهم، وقد بدأ العنف على أجساد النساء اللواتي كن في مقدمة المعتصم، ثم بمطاردة المتظاهرين عبر الجبال المحيطة بعين المكان، ولم يسلم ثلاثة مسنين من الضرب حتى بالرغم من عدم علاقتهم بأي شيء، قبل استعمال القنابل المسيلة للدموع لتسهيل مهمة الاعتقالات، ثم عسكرة المنطقة من كل الجهات والهضاب، ومحاصرة جبلي عوام وأنجدام حيث لجأ المعتصمون هربا من العنف وموجة الاعتقالات العشوائية. وكان بإمكان المسؤولين معالجة الملف المطلبي للمتظاهرين بعيدا عن خيار "الهاجس الأمني"، مع التحقيق المحايد والشفاف في أسباب ودواعي "الانتفاضة"، عوض الانحياز لجهة دون أخرى أو لما تحمله التقارير و"الإشعارات" المغلوطة التي تطلقها إدارة الإنتاج بالشركة المنجمية تويسيت المستفيدة من مناجم عوام منذ عام 1996 وتستغل ثلاثة مواقع إنتاجية ( جبل عوام، إغرم أوسار وسيدي احمد واحمد)، وهناك ترتيبات لفتح منجم رابع، حيث يتم استخراج الأطنان من معدن الرصاص والزنك والفضة، ومعادن أخرى بما فيها الذهب حسبما هو متداول بشدة، ولا نصيب لأهالي المنطقة من ذلك سوى الغبار والحيف والقمع، وكانت الشركة المنجمية قد لجأت في تحايل مشبوه على القانون إلى استقدام مقاولات معينة ومنحها المناولة في نفس الأشغال التي تزاولها بالرغم من عدم سماح القانون بالمناولة في الإنتاج. ويذكر أن مآسي الساكنة المحيطة بمناجم عوام تكبر مع العطش والتلوث وجفاف الآبار والعيون، والأضرار الصحية والبيئية، بسبب أعمال حفر الأنفاق المنجمية، والمواد المتفجرة التي تستعمل في حفر هذه الأنفاق، علاوة على المواد الكيماوية التي يتم بها غسل المعادن، وتأثير ذلك على الغطاء النباتي والمساحات الزراعية والدواب والمواشي التي تعتبر من المصادر الأساسية والاقتصادية لحياة السكان. ولم يفت عدة هيئات حقوقية وجمعوية الإعلان عن تضامنها المطلق مع ضحايا التدخل العنيف، وفي هذا الصدد دخل المكتب الدولي للكونغرس العالمي الأمازيغي على الخط مستنكرا الهجوم الأمني الذي تعرضت له منطقة "إغرم أوسار"، وموجة الاعتقالات التي تعرض لها المتظاهرون سلميا، كما حمّل "شركة تويسيت"، والسلطات المحلية والإقليمية، "مسؤولية ما وصلت إليه المنطقة من توتر وعدم الاستقرار" مع "المطالبة بحل مشاكل الساكنة وتلبية مطالبهم العادلة والمشروعة"، بينما طالب ذات المكتب برفع الحصار المضروب على المنطقة. ويشار إلى أن أحداث إغرم أوسار بعد يومين فقط من أجواء التوتر التي مرت منها مدينة مريرت إثر التدخل العنيف في تجمع لحركة 20 فبراير والتنسيقية المحلية الداعمة لها، يوم الأربعاء 24 غشت 2011 أثناء تنظيم إفطار جماعي بالساحة العمومية قرب المحطة الطرقية، وخلف التدخل إصابات ورضوض متفاوتة الخطورة في صفوف نشطاء الحركة وبعض مناضلي الإطارات الداعمة والمواطنين، بينما تم إتلاف طعام الإفطار وبعض الممتلكات الخاصة، و مصادرة هواتف نقالة، حسب ما حمله بيان للتنسيقية المحلية لدعم حركة 20 فبراير وتم فيه التنديد بالتدخل القمعي. (*) [email protected]