صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الخلافة الإسلامية، الحلم الراشد
نشر في هسبريس يوم 16 - 11 - 2017

لا شك أن كثيرا من المسلمين يحلمون بيوم يعيشون فيه في ظل خلافة راشدة ، سطرت في بطون كتب الروايات و المواعظ ، وكررت على مسامعهم طوال السنين ، فمنذ أن انتهت الدولة العثمانية قرابة قرن من الزمن لم يكد ينسى مشايخ المسلمين التذكير بكون هذه الأمة واحدة من الرباط إلى جاكرطا ، ومع حلول عصر الدولة القُطرية التي كرستها مجموعة عوامل من أبرزها فترة الإستعمار نهاية القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، بدأت تتشكل جماعات دينية في كثير من الدول الإسلامية ، محاولة العمل على احياء مشروع الخلافة ، ووجدت تعاطفاً كبيرا مع مبادئها، التي استثمرت فيه عاملا أساسيا وهو غياب العدالة الإجتماعية والتدهور الإقتصادي ، والفقر، الذي كرسته الأنظمة القمعية التي خلفها الإستعمار الغربي لبلداننا ، لكن هذه الجماعات تختلف فيما بينها في كثير من المبادئ والوسائل ، وتفترق أحيانا إلى درجة تكفير بعضها البعض ، والإتهام والتخوين ، وكل بحث في واقع حالها لابد أن تأخذ بالدراسة كل جماعة على حدى ، إلا أني أجد أن هذه الجماعات تتفق أكثر في التركيز على الجانب العاطفي للمسلمين اتجاه المآسي التي تعاني منها مجتمعاتنا في الشرق والغرب .
أيديولوجيا الهولوكوست !
يصطدم التطور الفكري، والثقافي، للمجتمعات، في كثير من الأحيان، بعدة عقبات، ومن أبرزها في مجتمعاتنا، استغلال الحوادث المأساوية للأمة، من طرف أشخاص، أو جماعات، لأغراض حسنة، أو سيئة، أو بغرض تبرير منطلقات عادلة، أو جائرة، وجمع الحق، والباطل، في قالب واحد، وإلزام الآخرين، بوجوب تجرّع مرّه، وحلوه، دون تمييز، بمبرر كوننا قدمنا بمعاناتنا، تضحيات جسام، وإن العالم كله يقاتلنا، حسدا منهم على هذه التركة الثقافية، التي يجب أن نحارب من أجلها، والتي لا يردّها إلاّ معادوا "السامية" الإسلامية .
هذه الطريقة الصهيونية، (الهلوكست)، في إستغلال العواطف، لتمرير الأهداف، وتبرير العنف، و إذلال العالم بها، نجدها جليّة وواضحة في تصرّفات كثير من طوائف المسلمين، وغير المسلمين، حيث نراهم يجعلون من معاناتهم، دليلا على قُدسية مبادئهم، خاصة إذا وجدوا في نصوصهم ما يبرر ذلك، فالنصارى مثلا يجعلون من آلام المسيح، دليلا على صدق ديانتهم، مما يحفز المسيحي على التشبث بدينه، وذلك لعاطفته إتجاه معاناة المسيح، وهكذا تسرب هذا النوع من الإستغلال البشع، للضمير الإنساني، إلى كثير من المسلمين، فنجد أن الشيعة، يستغلون قصة "معاناة الزهراء، وكسر ضلعها،كما يزعمون، ومقتل الحسين، و مأساة آل البيت عليهم السلام"، أبشع استغلال، ويتباكون ليل نهار، ذاكرين ومعظمين، ومغالين أحياناً، في التعامل مع هذه التركة الكئيبة، حيث جعلوا منها مطية، و دليلا على صدق مبادئهم، وتبرير كره الآخرين، و الإستبداد بهم، وهو ما أطلقوا عليه (المظلومية)، بحق، وباطل، وهكذا الحال حتى مع الشعوب، والقبائل فيما بينها، وهي طريقة مرفوضة تماما، في ديننا، الذي علمنا أن المسلم لا يخسر أخلاقه، مهما كانت مأساته، وعدوه، ونجد ذلك في سبب نزول قوله تعالى :" ليس لك من الأمر شيئ " حيث منع الله نبيه عليه السلام، من تجاوز الحدود، إثر المأساة التي لحقت المسلمين يوم أحد، وهذه تربية بليغة من ربنا سبحانه، للنبي وللأمة من بعده ، أن المبادئ والأراء، لا تتغير بسبب معاناة أحد، ولا تمرّر بحجّة المأساة، ولم يقبل الله عز وجل من نبيّه، صلى الله عليه وسلم، أن تتعدى جناية المشركين يومها، لأن تكون سببا لعدم فلاحهم، فنزل قوله تعالى: ليس لك من الأمر شيئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فأنهم ظالمون .
وإذا كان مجرد الدعاء قد تم منع النبي من التجاوز فيه ، فكيف بمن يستغلون مآسي المسلمين للإغراق في دماء الأبرياء ، رغم بعدهم التام عن أي مسؤولية مباشرة في ذلك .
ولست هنا بصدد نفي، أو إثبات معاناة أحد ما، أو إنكار "هولوكوست" كل طائفة أو دين، فكلهم لهم منها نصيب، إنما حديثي إن صح التعبير، عن استغلال الجماعات لها، و إلزامك بتقبلها..، فأن يعاني " بوذا " في سبيل الحقيقة، ليس يعني بحال، أن أقبل تلك الحقيقة، التي توصل إليها، لكن مجهوده يشكر، وتبقى مبادئه قابلة للقبول والنقد .
- تركة من الأساطير المقدسة :
إننا اليوم، نشهد في غمرة الثورة السياسية، والفكرية، في منطقتنا، وبروز التيارات المتطرفة على الساحة، محاولات يائسة للتصدّي لهذا الفكر من طرف علماء، ومفكرين، لكن مجهوداتهم دائما ما تبوء بالفشل، وكلما نبت قرن للتطرف وقُطع، حتى ينبت آخر في مكان ما من عالمنا، وذلك لأن بذرته توجد في تركتنا المقدسة (الكتب)، التي يمتلأ بها كل بيت مسلم، وأصبح كل فرد منا، إلا من رحم الله، مشروع إرهابي مع وقف التنفيذ، وذلك كله لأننا ننظر إلى تركتنا الدينية، من أحاديث، وكتب فقه، وتفسير، بعين الإجلال، وما إن يجرء فرد على إنتقادها، حتى يتهم ويحارب، وتستمطر عليه اللعنات، كحال قريش في الجاهلية مع سيل مكة ، حين حاولوا إعادة بناء أجزاء من الكعبة جرفها السيل، ومن قدسيتها في قلوبهم، لم يستطع أحد الإقتراب لزحزحة حجر منها ، ولأن كتبنا ملأت بأساطير تدغدغ عواطف المسلم، وبينيت عليها آمال بأن الخلافة الإسلامية قادمة، دون أن يبذل المسلمون، ما بذل الآخرون، لبناء دولهم وتخالفاتهم .
- النبوؤات ( الفتن وأشراط الساعة) :
لا شك أن تركة النبوة، تعرّضت عبر قرون لحملات تحريف، وتلفيق، وظلت مسؤوليّة الفقهاء، والمحدثين، كبيرة جدا، بأن يتحمّلوها، ويحافظوا عليها، لكن تغيّراً كبيراً بدى على الأساسي، من كلام النبي، وأضيف إليه الكثير من الباطل ; والجهود المعتبرة ، لأجل تنقيّة هذه التركة، تحتاج لجرؤة أكبر، ومناهج أكثر صرامة، اذ ما زالت تمتلأ كتب السنن والمسانيد، وبعضها في الصحيحين، بأساطير منسوبة للنبي، صلى الله عليه وسلم، تتنبأ بمستقبل المسلمين، والفتن، والمعارك، والحوادث التي ستقع في الأمة بعده، ويعتبر جمهور أهل السنة، كثيراً من تلك الأحاديث، صحيحة، ومقدسة، ويجعلونها من دلائل النبوة، ويقطعون بنسبتها إليه عليه الصلاة والسلام، إلا أن الدراسة النقدية لها، تجعلنا نشكك في صحتها، ونطالب بإعادة النظر فيها، ويمكن الرجوع في ذلكم إلى دراسات الدكتور عمراني حنشي الذي استطاع فتح الباب لقواعد نقد متون الحديث ، وله في هذا الباب جهود جبارة يمكن العودة إليها .
"الفتن" للنعيم بن حماد نموذجا :
يتأكد لنا حجم الكذب، وإتخاذ الحديث مطية لتمرير المغالطات، وتبرير جرائم حكام الحقبة الأولى، بدراستنا لكتاب النعيم بن حماد المسمى " الفتن "، وهو كتاب يندر أن تجد فيه حديثا حسناً، حسب أغلب من تطرق لتخريجها، وقد اختلف النقاد والحفاظ في شخص المؤلف، شيخ البخاري، فقال أحمد: كان من الثقات، وقال يحيى بن معين: يروى عن غير الثقات، وقال الذهبي فيه، بعد ما ذكر كلام المحدثين، والنقاد، قلت: نعيم من كبار أوعية العلم، لكنه لا تركن النفس إلى رواياته. وقال: وقد صنف كتاب الفتن، فأتى فيه بعجائب ومناكير، اه ، وقد أطال الإمام المعلمي النفس في الدفاع عنه، وقال :" وأما كلام أئمة الجرح والتعديل فيه بين موثق له مطلقا، ومثن عليه ملين ، لما ينفرد به مما هو مظنة الخطأ ، بحجة أنه كان لكثرة ما سمع من الحديث ربما يشبه عليه فيخطئ، وقد روى عنه البخاري في صحيحه، وروى له بقية الستة بواسطة إلا النسائي، لا رغبة في علو السند كما يزعم الأستاذ فقد أدركوا كثيراً من أقرائه وممن هو أكبر منه، ولكن علماً بصدقة وأمانته ، وأن ما نسب إلى الوهم فيه، فليس بكثير في كثرة ما روى ". [التنكيل (2/730 - 736)] .
وقد قرأت هذا الكتاب عدة مرات، وهو جيد لفهم مقصودي، ومعرفة أصول مدرسة الكذب على رسول الله، وإدراك أن أغلب أحاديث الفتن، وأشراط الساعة، و فضائل الشام، وغيرها، إنما هي روايات تاريخية، من إختلاق القصاصين، و" المحللين الإستراتيجيين " ، في تلك المرحلة، ورجال السلطة، الذين كانوا يصبغون تحليلاتهم، بصبغة الدين، وينسبونها للنبي، صلى الله عليه وسلم، لأن العارف بتاريخ المسلمين، يجزم أن تلك الأحاديث، إنما تحكي وقائع شهود عيانها، نسبوا للنبي البت فيها !، وحاولوا رسم نتائج حروبها، وجمع تكهنات الناس بمصير الأمم، في قالب ديني، فتجد الكتاب مشحونا بأحاديث ضد الأمازيغ " البربر" ، وأحاديث ضد الفرس، تمهيدا لاستعمارهم، ولحاجة السلطة إليها، لتبرير حربها، واضطهادها، لهذه الأمم، وتجد فيه أحاديث عن كون البربر، شر أمة على وجه الأرض، وللأسف فقد صحح الإمام السيوطي، بعض هذه الأحاديث، وهي موجودة في مسند أحمد أيضا، وأحاديث تصف عبد الرحمن الداخل !!، وأنه سيحتل مصر، والشام، لما كان أحدثه ظهوره بالأندلس، من مخاوف لدى العباسيين من إعادة الحكم الأموي، وأحاديث عن الملحة بغوطة دمشق، وأن الشام أرض الخلافة، لما لحاجة سلطة بني أمية قبلهم يومها، إليها، لتحويلها الخلافة، من المدينة إلى دمشق، التي كانت معسكراً لهم، ثم بالمقابل نجد أحاديث تسب العراق وأهلها، وكونه أرض الفتن، والشرور، وبه قرن الشيطان، لأنها كانت تاريخياً، معسكر المعارضين للدولة الأموية، ونجد فيها أيضا أحاديث عن الرايات السود، التي اشتهر بها العباسيون، حين بدأ ظهورهم بخرسان، وهي كلها أحداث تاريخية، كذب بعض المرتزقة، والمغفلين يومها، في نسبتها للنبي، فصرنا نرى اليوم التنظيمات الإسلامية المسلحة، وغير المسلحة كحزب التحرير، يحاولون تطبيقها على أرض الواقع، وإعلان ظهور الخلافة من جديد.
وقد وصل كذب الآلة الإعلامية الأموية، إلى الزعم بأن عيسى عليه السلام، سينزل بالمنارة الشرقية، بالمسجد الأموي غربي دمشق، وهذا سعياً منهم لإضفاء بعض القدسية، على مسجدهم، الذي بنوه بدمشق، كما للمساجد الثلاثة المقدسة عند المسلمين، لاستمالة الناس إليه، فكيف يحدّث النبي عن المنارة بمسجد في دمشق، وهو إنما أنشئ بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم بعقود، وبناه قتلة أبنائه.
حتى أن ابن تيمية (ت:1328م)، مع جلالة قدره، كان يمر بتلكم المنارة، ويقول هنا ينزل عيسى!، كما نقل بن القيم عنه، ولم ينتبه لهذه الأخلوقات إلا بعض المتأخرين، كمحمد الغزالي ورشيد رضا، وعدنان إبراهيم ومن سار على نحوهم.
- الخلل في منهج المحدثين :
هذا الكم من الكذب على رسول الله، يشعرنا بوجود خلل كبير في منهج المحدثين، لعدم تعليلهم الرواية، ذات الحمولة التاريخية، المناصرة للتوجهات السياسية لفرق على فرق، وعدم دراستها دراسة مقارنة، بين علم التاريخ، وعلم الحديث، وإذا كان محدثوا تلك الحقبة، قد عانوا من سطوة الأنظمة الحاكمة، فلا يليق بعلمائنا اليوم، أن يقفوا صامتين أمام هذه التركة، التي يستغلها المتطرفون لخدمة أجندات ضد البشرية . وقد ألف الإمام بن عقيل العلوي،في القرن الماضي كتاب: العتب الجميل، على أهل الجريح والتعديل، وأشار إلى شيئ من ذلك، وهو مهم لفهم جوانب أخرى، من هذا الخلل.
- تبرير التخلف :
صرنا نرى استنتاجات ساذجة، لبعض الدعاة، حول كيفية تحقيق نبوؤات، منسوبة للنبي، صلى الله عليه وسلم، زعموا صحتها، وإمكانية حدوثها، رغم أن العاقل يجزم بإستحالة ذلك، كتصريح محمد حسان في شريطه " القرن القادم للإسلام " بأن القتال في آخر الزمن، سيعود بالسيف والخيول، بناء على حديث رواه مسلم، أن من سيفتحون القسطنطينية " إسطنبول"، سيقاتلون أعداءهم بالسيف، وسيظهر الدجال بعد ذلك، وهو حلم إسلامي ساذج بأن العالم، كله سيتغير وأن عجلة التاريخ ستتوقف، بل وستعود للوراء من أجل حديث مروي في غابر الأزمان صححه فلان، رغم أن المحدثين اتفقوا على أن الحكم بصحة الحديث، لا يعني الجزم بنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، إنما هم يحكمون بتجربتهم النظرية على الظاهر، كما قال الإمام كمال الدين ابن الهمام، في "فتح القدير" ( 1/389 ): "إن وصَف الحسن والصحيح والضعيف إنما هو باعتبار السند ظناً، أما في الواقع فيجوز غلط الصحيح وصحة الضعيف." اه ، وقال العراقي في ألفيته في علم الحديث : وبالصحيح والضعيف قصدوا ، في ظاهر لا القطع والمعتمد .
قال الحافظ السخاوي شارحاً : ف ( بالصحيح ) في قول أهل هذا الشأن : هذا حديث صحيح . ( وبالضعيف ) في قولهم : هذا حديث ضعيف ( قصدوا ) الصحة والضعف ( في ظاهر ) للحكم ، بمعنى أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة ، أو فقد شرطا من شروط القبول لجواز الخطأ والنسيان على الثقة ، والضبط والإتقان وكذا الصدق على غيره ، كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين ، ومنهم الشافعي ، مع التعبد بالعمل به، متى ظنناه صدقا، وتجنبه في ضده . ( لا ) أنهم قصدوا ( القطع ) بصحته أو ضعفه ; إذ القطع إنما يستفاد من التواتر ، أو القرائن المحتف بها الخبر ، ولو كان آحادا اه .( فتح المغيث /ج1 ص: 33 ) .
وهذا الحديث الذي إستدل به محمد حسان، يدل على غفلة تقليدية، عن الدراسة التاريخية، لنشأة علم الحديث، و لمحاولات الأمويين، بقيادة معاوية و يزيد،يومها، فتح القسطنطينية، ومحاولة لإقناع أنفسهم، بأن ذلك كائن ; وقد كان، لكن بعدهم بثمانية قرون، في عهد محمد الفاتح، ولم يظهر الدجال، وتلك كانت ولا زالت عادة السياسيين في إلهاء شعوبهم، بكون الساعة قريبة، فلا حاجة للثورة، فهناك مخلّص سيظهر، وما عليكم إلا الطاعة للطغاة، والإذعان للإستبداد .
- الجانب الفقهي في التطرف :
وإذا كانت هذه التركة الحديثية، قد ساهمت في ظهور كثير من الفرق، ونشأتها بين المسلمين، وترسيخ ثقافة النزعة الأوحادية، والزعم بأن هناك طائفة منصورة " أهل الشام "، وطائفة ناجية، وباقي الأمة في النار..، وبروز العنف المسلح في تاريخ المسلمين، وآخره ما طل برأسه في العراق وسوريا اليوم. فقد صاحبها تركة أخرى في تأسيس الظلم، وشرعنته بأحاديث، تأمر بطاعة الحاكم، حتى لو سطى على الحكم وأخذ مالك، وجلد ظهرك، بل ترى أن من لم يبايعه، فإنه يموت ميتتة جاهلية، متلاعبين بعواطف المسلمين الدينية ، حتى تغلغلت هذه التركة، في فقه المسلمين، وتأسست كثير من قواعده عليها، فأنتج ذلك فقهاء دمويين، يحكمون بالقتل والإستتابة، والتعذيب "التعزير"، لمن يرتكب أموراً غاية في البساطة، والتي لم يكن فيها نص لا من قرآن، ولا من سنة، وهو منهج عامة الفقهاء، ولنا في ابن تيمية مثل، فهو يحكم في أيسر الأمور بالقتل، على من يرتكبها، وإن كان أمراً خلافياً بين المذاهب الأربعة..، وإن رجحنا دائما في نقاشاتنا ومقالاتنا، إختلاف لغة بن تيمية، الفقهية والعلمية بين بدايته وكهولته، إلا أن تركته الثقيلة، في التنظير للعنف، هي العمود الفقري، لهذه الجماعات الإرهابية .
وقد سبق لي أن جمعت من كتب بن تيمية ، إحدى عشرة مسألة فقهية، تبين بجلاء منطلقات الجماعات الإرهابية، في استباحته دماء المسلمين لأبسط المسائل، فناهيك عن فتوى التترس التي بنى عليها الإرهابيون عملياتهم الانتحارية، نجد أن منهجهم الدموي في تنفيذ الحدود، لا يختلف عن منهج الفقهاء والقضاة من المذاهب الأربعة .
- التأسيس الفقهي للعنف ( إحدى عشرة فتوى لابن تيمية) :
يرى بن تيمية أن من جهر بنية الصلاة معتقداً أنه واجب يستتاب وإلا قتل! فيقول : الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْجَهْرُ بِلَفْظِ النِّيَّةِ لَيْسَ مَشْرُوعًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ دِينُ اللَّهِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْرِيفُهُ الشَّرِيعَةَ وَاسْتِتَابَتُهُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ قُتِلَ بَلْ النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. [ مجموع الفتاوى: ج 22 ص 236 ]
ويرى أن من قال على المسافر أن يصلي أربعاً يستتاب وإلا قتل!، يقول ابن تيمية : ومن قال: إنه يجب على كل مسافر أن يصلي أربعا فهو بمنزلة من قال: إنه يجب على المسافر أن يصوم شهر رمضان، وكلاهما ضلال، مخالف لإجماع المسلمين، يستتاب قائله، فإن تاب وإلا قتل. [مجموع الفتاوى /ج2 ص 12] . وذكر أن من اعتقد بوجوب اتباع إمام واحد دون غيره يستتاب وإلا قتل! يقول ابن تيمية : " فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنه يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل." [مجموع الفتاوى ج 2 ص 105] .
ويقول عمن لا يقول أن الله فوق سماواته على عرشه ، وهو مذهب عامة الأشاعرة، حيث نقل عقيدته السلفية في ذات الله عز وجل ثم أعقبه بنقول عن السلف في ذلك حتى نقل كلام ابن خزيمة موافقا له، قال : قال «محمد بن إسحاق بن خزيمة» : من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل ثم ألقي في مزبلة، لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل الملّة، ولا أهل الذمة. وقد ذكر ذلك عنه «الحاكم أبو عبد الله النيسابوري» [ بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية / ج1 ص 102 ] .
ويرى ابن تيمية أن من يقول بعدم جواز الفطر في السفر، إلا عند العجز يستتاب وإلا قتل!، فقال: "ومن قال: إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وكذلك من أنكر على المفطر، فإنه يستتاب من ذلك." [ الفتاوى الكبرى لابن تيمية/ ج2 ص 466 ] .
وقال أن من لعن التوراة يستتاب وإلا قتل!، حين سئل: عن رجل لعن اليهود، ولعن دينه، وسب التوراة: فهل يجوز لمسلم أن يسب كتابهم، أم لا؟ أجاب: الحمد لله ليس لأحد أن يلعن التوراة؛ بل من أطلق لعن التوراة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وإن كان ممن يعرف أنها منزلة من عند الله، وأنه يجب الإيمان بها: فهذا يقتل بشتمه لها؛ ولا تقبل توبته في أظهر قولي العلماء. وأما إن لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس به في ذلك. [الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج 3 ص 515] ، ويحكم ابن تيمية بالقتل على من أوّل الآية (وكلم الله موسى تكليماً)، يقول ابن تيمية : مسألة: في رجل قال: إن الله لم يكلم موسى تكليما. وإنما خلق الكلام والصوت في الشجرة، وموسى - عليه السلام - سمع من الشجرة، لا من الله، وإن الله عز وجل لم يكلم جبريل بالقرآن، وإنما أخذه من اللوح المحفوظ، فهل هو على الصواب أم لا؟، الجواب: الحمد لله، ليس هذا الصواب، بل هو ضال مفتر كاذب باتفاق الأمة وأئمتها. بل هو كافر يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإذا قال: لا أكذب بلفظ القرآن وهو قوله: {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164] بل أقر بأن هذا اللفظ حق، لكن أنفي معناه وحقيقته، فإن هؤلاء هم الجهمية الذين اتفق السلف والأئمة على أنهم من شر أهل الأهواء والبدع، حتى أخرجهم كثير من الأئمة عن الاثنين وسبعين فرقة. وأول من قال هذه المقالة في الإسلام كان يقال له: جعد بن درهم، فضحى به خالد بن عبد الله القسري يوم أضحى، فإنه خطب الناس فقال في خطبته: ضحوا أيها الناس يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه وكان ذلك في زمن التابعين، فشكروا ذلك. [ الفتاوى الكبرى / ج 5 ص 29 ] . وأفتى بن تيمية بأن من قال بأن الله يغضب على من سلّم ساهياً في الصلاة، حين تحدثه عن صاحب الوسواس القهري، فقال : ومن قال: إن من سلم في الرباعية من ركعتين ساهيا، استوجب غضب الله، وأقل ما يجب عليه أن ينزل عليه نار من السماء وتحرقه، يستتاب من ذلك القول فإن تاب وإلا قتل . [مختصر الفتاوى (69) ف (2/ 66)] . وحكم بن تيمية على من يقف في عرفات في غير وقت الحج، للتعبد أو لغيره بإنه يستتاب وإلا قتل! ، يقول: والوقوفُ بعرفاتٍ لا يكون قط مشروعًا إلاّ في الحج باتفاق المسلمين، في وقتٍ معين على وجهٍ معين، فمن قال: أَقِفُ ولستُ بحاجّ فقد خرجَ عن شريعة المسلمين، بل إن اعتقد ذلك دينا لله مستحبًّا فإنَّه يُستتابُ، فإن تابَ وإلاّ قُتِلَ. وإن قال: ليس بدينٍ لله ولا هو مستحب، قيل له: إنما فعلتَ على وجهِ التديُّن والتعبد به، وهذا لا يجوز. وإن كنتَ فعلتَه على سبيل التنزه والتفرُّج فهذا شَرٌّ وشَرٌّ. [ جامع المسائل لابن تيمية / ج 1 ص 210 ]. ، وفيمن من يحتفل بعيد النصارى تقرباً إلى الله، فيقول رحمه الله: وكذلك التزيُّن يومَ عيد النصارى من المنكرات، وصنعة الطعام الزائد عن العادة، وتكحيل الصبيان، وتحمير الدوابِّ. والشجر بالمغرة وغيرها، وعمل الولائم وجمع الناس على الطعام في عيدهم. ومن فعلَ هذه الأمور يتقرب بها إلى الله تعالى راجيًا بركتَها فإنه يُستتاب، فإن تابَ وإلاّ قُتِل، فإن هذا من إخوان النصارى. [ جامع المسائل لابن تيمية / ج 3 ص 375 ]. وأفتى بأن من يعدو بين جبلين للعبادة بالقتل في قوله : ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين: هل يباح له ذلك؟ قال: نعم. فإذا قيل: إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة. قال: إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا؛ قُتل. ((مجموع الفتاوى)) (11 / 631 634) .
وغيرها من الفتاوى التي تغص بها كتب المذاهب الأربعة، لأهل السنة ، وبدون معالجة هذه التركة فسنرى بدل داعش العراق والشام دواعش في كل بلاد الإسلام، لا أحيانا الله حتى نرى ذلك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.