حديث الجمعة: مع هنري لاووست في كتابه: "نظريات شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة والاجتماع 17 بقلم // ذ. محمد السوسي نشرت بعض وسائل الإعلام الفرنسية في الأسبوع الأخير وثيقة نسبتها إلى وزارة الخارجية الفرنسية تتحدث عن موقف فرنسا من أحداث سوريا وبصفة خاصة عندما كانت حلب في قمة أزمتها بين الجيش السوري وحلفائه من جهة والجماعات التي تقاتل الحكومة السورية والنظام السوري ومجموعة الدول المساندة لهذه الجماعات، من جهة أخرى وكان صوت وزير الخارجية الفرنسي في ذلك الحين أعلى الأصوات مدعما ببعض الدول العربية التي تمول وتجيش مع المقاتلين للحكومة السورية وكان الغطاء الذي يتم من خلاله تصعيد الموقف الفرنسي هو الدفاع عن عشرات الآلاف من المدنيين الذين سيذهبون ضحية ما تقوم به الحكومة السورية وحلفاؤها وهذا من طبيعة الحال كفيل باستدرار العطف والتضامن مع أرواح المدنيين الذين ستحصدهم آلات القتال الجهنمية من كلا الجانبين وان كان الفرنسيون ومن معهم من العرب لا يتحدثون الا على جانب الحكومة، وطلبت وزارة الخارجية الفرنسية حينها عقد دورة لمجلس الأمن وقدمت مشروعا شهيرا في هذا الصدد يهدف إلى إدانة ما يجري من طرف الحكومة السورية وإيقاف الحرب وتقديم المساعدة والإسعافات الإنسانية للمتضررين والمحاصرين، وهذا كله جانب إنساني لا يمكن للإنسان إلا أن تكون عواطفه ومشاعره ومواقفه معها، غير أن الوثيقة التي كشف عنها أخيرا أوضحت بدون لبس أو موارية ما كان يجري تحت غطاء هذه الروح الإنسانية الفياضة لدى المستعمرين الفرنسيين القدامى والحالمين بعودة هذا الاستعمار بكيفية أو بأخرى. لقد اتضح من خلال ما تم الكشف عنه في بعض الصحافة الفرنسية أن الهدف بالوضوح الكامل هو صيانة دور فرنسا الاستعمارية والحفاظ على دور فرنسا التاريخي في سوريا واستمرار النفوذ والحماية لهذا "الشعب السوري المسكين القاصر" والذي يجب أن يدفع فاتورة استمرار نفوذ الحكومة الفرنسية ومصالحها الاقتصادية والاحتفاظ بالدور المتميز للمقاولات الفرنسية عندما يحين دور الاعمار هذا الاعمار الذي يجب أن يكون للمناطق التي تهيمن عليها الجماعات المقاتلة، وهكذا ينكشف الدور الفرنسي الإنساني كما انكشف بالصوت والصورة الدور الصهيوني الإنساني كذلك الذي وضح ما تحمله الصهيونيون من ملايير التشكيلات في سبيل علاج المقاتلين للجيش السوري والساعين إلى تدمير سوريا والبنى التحتية في هذا البلد وما قدموه من تضحيات في هذا الصدد ويكشف المسؤولون الجدد في أمريكا عن إنفاق ملايير الدولارات في تسليح وتمويل ما يجري في الشرق الأوسط، ويجب التذكير هنا أن الشرق الأوسط في التعريف السياسي الأمريكي يشمل الشرق العربي الإسلامي والمغرب العربي الإسلامي «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا». وهكذا يظهر اللعب على المكشوف ويظهر كذلك الدور الذي يقوم به بعض الناس تحت ستار الجهاد أو الدفاع عن الإسلام في مواجهة المرتدين أو غيرها من الشعارات التي تؤثر على البسطاء من الناس ولكن الواقع يكشف ان ما يجري هو في خدمة سياسات استعمارية عالمية تخدم أولا وأخيرا المصالح الاستعمارية. لقد عاد العرب مع الأسف إلى ما سبق التقسيم الاستعماري للبلاد العربية في بداية القرن العشرين والدور الذي لعبه في ذلك اشخاص وجماعات من صنف "بوحمارة" في المغرب ومن على شاكلته ومنهاجه في الشرق. والنتيجة النهائية التي كانت هي الاستعمار. وإنه من الغريب جدا أن يكون فكر ابن تيمية في منتصف القرن التاسع عشر هو الذي ساعد في إيقاظ الوعي ضد السياسة الأوروبية الاستعمارية ويكون في بداية القرن العشرين الأداة التي ساعدت على تغيير العقليات والذهنيات لدى الإنسان المسلم إذ كانت الحركات الوطنية في العالم العربي والإسلامي تعتمد هذه الروحية الجهادية في مقاومة الأجنبي إذ كان ابن تيمية قام بنفس الدور ضد النثر كما قام غيره من العلماء باستمرار ضد الصليبيين وغيرهم من الدخلاء وهكذا يتضح أن دهاء الاستعمار ومكر سياسته استطاعا أن يقلبا المعادلة وأن يكون فكر ابن تيمية وقودا لتدمير الأوطان وتخريبها انه أمر غريب. ونعود لاستكمال الحديث عن موضوع شبهة التكفير عند ابن تيمية. قصور الفهم نواصل الحديث حيث انتهينا في حديث الأسبوع الماضي في شأن موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تكفير المسلمين، وذلك تبعا لما أثاره (لاووست) في بحثه ولأن الكثيرين يتهمون الرجل بأن فكره ومواقفه هي المنطلق الذي ينطلق منه دعاة التكفير اليوم، وان كانوا لا يملكون من المؤهلات العلمية ما يجعلهم يفهمون الفهم الدقيق والنزيه للفتاوي التي يعتمدونها في دعواهم التكفير به وبعبارة أدق فهم مصابون بقصور في الفهم. الدراية والرواية إذ أن ابن تيمية أعطى طيلة حياته أراء اجتهادية معتمدة على نصوص عامة لا يقدر من يحاول تقليده اليوم أن يفهمها الفهم الذي كان ابن تيمية ينطلق من خلفيته، فالرجل يتوفر على حافظة قوية وإدراك قوى فهو من أهل الرواية والدراية وهو كذلك متضلع في علوم الآلة وان كان ينتقد المنطق اليوناني باعتبار انه ليس مصدر الحقيقة وقد لا يفضي بمقولاته واستنتاجه إلى الحقيقة التي يتوخاها الرجل المومن الذي يريد لنفسه النجاة عن طريق الانسجام مع النصوص الثابتة والقطعية. الالتزام الواعي ولكن لم يكن يعني ذلك أن الرجل ينطلق من مبدأ من جهل شيئا عاداه، فهو إذا انتقد انتقد من باب المعرفة وليس من باب التعمية وجهل ما لدى الخصم من الحج والأفكار، ومن هنا كان في مجادلة ومناقشة من يسميهم أهل الأهواء، وكذلك علماء الكلام والفلاسفة ومع الكل يستعمل النصوص والقواعد التي يلجأ إليه في الإثبات والنفي، ولهذا فعندما نقول انه نصي فليس معناه انه جامد مع النص، وإنما هو يلتزم التزاما واعيا بالنص. وما يمكن أن يترتب عليه من النتائج. التأويل والضرورة وهذا الالتزام الواعي يضطر معه في اللجوء إلى الآليات الأخرى للوصول إلى النتيجة ولا غرابة ان نجده يعتمد التأويل في بعض الأحيان وهو مما ينتقده عليه البعض ولكن الفرق هو أنه لا يعمم التأويل في كل الأمور أو النصوص التي تتطلب بعضا من ذلك ما دام النص لا يحوجه إلى التأويل، ولهذا فإن من ركب منهج ابن تيمية يجب أن يكون على مستوى من الإدراك حتى لا تختلط عليه الأمور كما اختلطت اليوم على الذين يزعمون أنهم يسيرون على منهاجه وطريقته في البحث والفتوى. أهل الأهواء وقاعدة التكفير وإذا عدنا إلى القاعدة التي قدمنا في الحديث السابق على أنها هي التي يرجع إليه عند تناول أهل الأهواء وليس المجتمعات الإسلامية ولا الحكام المسلمين فابن تيمية لا يتعرض في هذه القاعدة للحكام ولا للموقف منهم . فالقاعدة هي أنها: 1 – متعلقة بأهل الأهواء والناس مضطربون في هذه المسألة أي مختلفون لأن المقام يقتضي ذلك فمن الصعب على العالم الحق أن يجازف بتجريد غيره من الإيمان ولذلك فهو بعد أن يستعرض الأقوال الواردة في موضوع التكفير خلص إلى أن: 2 – وغالب مذاهب الأئمة فيها تفصيل. ويوضح الأمر بشكل حاسم عندما يقول: 3 – «إن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول تكفير صاحبه، ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يُحكم بكفره.» الفتوى لا تعني التكفير وهكذا يتضح أن القول والتوضيح الذي يضطر إليه المفتي والناظر في الأحكام الشرعية شيء والتنصيص في هذا الحكم على أنه في شأن شخص معين شيء آخر فلا ينبني عن الأخبار بالحكم أي الفتوى أن الشخص الذي صدر عنه القول هو كافر بالفعل، إلا إذا قامت عليه الحجة القاضية بالتكفير عن طريق الاستماع إليه ومحاورته ومعرفة ماذا عنده من التأويل ومن الفهم في الموضوع. تم يسرد وضع أهل الأهواء ويذكر الأحكام والأقوال ولكن المهم والأساس في كل ما ذكره انه لا يكفر المعين بالأحكام العامة ولذلك لم يلجأ السلف إلى التكفير. ما غاب عن الكثيرين ويتضح من هذه القاعدة التي وضعها ابن تيمية للتكفير إن من يدعون أن ابن تيمية يكفرهم إنما يفترون على الرجل الذي فر من إصدار أحكام شخصية ضد الطوائف والفرق رغم أن الأقوال التي تنبني على هذه الأحكام هي أحكام قابلة للتأويل وما دامت قابلة للتأويل فلا يمكن تصنيفها ضد الأمور المكفرة وهذا أمر غاب عن كثير من الناس الذين يدعون تقليد ابن تيمية رحمه الله. ويوزعون أحكام التكفير ذات اليمين وذات الشمال. تفصيل بعض الصحابة وإذا اتضح لنا موقف ابن تيمية في قاعدته الكبرى والأساس ما يراه وما يراه غيره من العلماء والشيوخ من المسلمين إذ هو قد بين لنا موقف كل من الأئمة الأربعة وهو يشرح قاعدة التكفير وكذلك أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم فيرى أن ما يتعلق بالخلاف حول تفضيل بعض الصحابة عن بعض «علي وعثمان» مثلا وفيما بينه من المسائل العلمية فالاتفاق على أنه لا كفر فيه وهي على أي حال يورد كما أسلفنا أن التكفير لا يمكن أن يكون حكما جاهزا يطلق على الناس لأنه فقط يريد البعض أن يكون الأمر كذلك. التوسع في الفتوى ولاشك أن ابن تيمية في هذا الأمر ليس على ما يدعيه بعض الناس فإذا رجعنا إلى موقفه من بعض العلماء والشخصيات التي يدعون أنه كفرها نجد أن الحقيقة ليست كما يدعي الناس فقد قالوا أمورا وعند التحقيق لا تجد الأمر كذلك فقد قيل عنه انه كفر (الغزالي) وكفر (محي الدين بن عربي) الحاتمي وكفر غيرهما ولكن النصوص لا تقطع ولا تجزم بالذي يدعيه الناس وإنما الناس ألبسوا كلامه لباسا فضفاضا يعطيهم ما يريدون من الأحكام وينسبونها إليه دون أن يدققوا في الألفاظ والكلمات وعلى الأسلوب والطريقة والمنهاج الذي كان يسير عليه رحمه الله. الدس على العلماء وليس ابن تيمية بدعا في هذا فهو نفسه ذهب ضحية أقوال نسبت ابن عربي وهي ليست له وإنما دست عليه في كتبه. ومن هنا منزلق أولئك الناس ذلك ان أولئك الشيوخ والعلماء الذين اختلف معهم ابن تيمية في الرأي والموقف الفقهي أو الكلامي لا يقتصر ما كتبوه على ورقة أو صفحة أو صفحتين وإنما هي مجلدات وكتب ودواوين فكيف يحكم على الشوامخ مثل الغزالي والرازي أو محي الدين أو غيرهما لمجرد قراءة نص في سياق من السياقات دون بقية النصوص والآراء، فكيف إذا تعلق الأمر بشخصية علمية مثل الإمام الغزالي والرازي ومحي الدين رحمهم الله. حجة الإسلام فإذا كان الغزالي حجة الإسلام والمنافح عنه فكتب عن الباطنية ما وضح فضائحهم وأضاليلهم قبل أن يكتب ابن تيمية منهاج الستة، وفضح تلبس الفلاسفة والمناطقة في كتابه تهافت الفلاسفة، ووقف الموقف المناسب في كتابه الجام العوام عن علم الكلام وفي كتاب الاقتصاد في الاعتقاد ليأتي ابن تيمية بعد حوالي قرنين ونصف من الزمان لتكفير الرجل، فكيف ولو عاد الذين يفسرون كلام ابن تيمية على أنه تكفير إلى القاعدة التي أسلفناها لفهموا عكس ذلك. النقد مشروع نعم من الشيء الذي لا يمكن إغفاله هو أن ابن تيمية تعرض لبعض أفكار الغزالي بشيء من النقد والتمحيص بل هو افرد له بعض الفصول في مناقشاته للفلاسفة وللصوفية، ولا غرابة في ذلك وفي هذا الشأن يقول الالوسي في كتابة جلاء العينين في محاكمة الاحمدين" بعد ان يستعرض ما ورد من لدن المحدثين وغيرهم على كتاب الاحياء. ليس أول منتقد «إن ابن تيمية شيخ الإسلام ليس بأول منتقد على حجة الإسلام على أن ابن تيمية روى بعض ما قيل مما كثر فيه الأقاويل ثم برأه مما نسب إليه وحكى قول من قال إنها مكذوبة عليه وأنه توفي وهو لصحيح البخاري ملازم ونابذ لما صدر منه في تصنيفاته في زمانه المتقدم. على أنه جرت عادة العلماء المتقدمين والمتأخرين باعتراض بعضهم على بعض حتى يتضح الصواب للمنصفين» (ص121 مطبعة المدني 1961). الدس والتشويه هذا ما كتبه الالوسي، والواقع ابن تيمية نفسه لم يسلم من هذا التشويه لآرائه قديما وحديثا فقد دست عليه كثير من الأقوال والآراء لم يقل بها وربما دخل في ذلك ما ورد في رحلة ابن بطوطة في شأن التجسيم لدى ابن تيمية ولعله من المفيد أن ننقل هنا ما كتبه المرحوم العلامة أبو الحسن الندوي في هذا الشأن حيث كتب: يستدل البعض بما ورد في رحلة ابن بطوطة عن كونه حضر في المسجد الأموي وكان خطيبه ابن تيمية قد نزل من درجة المنبر إلى أدناها وقال ان الله ينزل كنزولي هذا» وقد علق الشيخ الندوي عن هذه الحادثة في الجزء الذي خصصه لشيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (رجال الفكر والدعوة في الإسلام) هامش ص:375 ج2 طبعة مكتبة نزار مصطفى الباز بقوله: ابن بطوطة وابن تيمية سجل ابن بطوطة هذه القصة في رحلته كحادث رآه عينه وقد سألت علامة الشام الشيخ بهجة البيطار عن هذه القضية فقال انها لا تستند إلى أصل تاريخي فإن ابن بطوطة يتحدث عن وصوله إلى دمشق الشام في رمضان 726 ه والمعلوم ان شيخ الإسلام ابن تيمية كان قد اعتقل في 726ه ثم انه لم يكن خطيبا في الجامع الأموي في أي زمان وكان الشيخ جلال الدين القزويني هو خطيب الجامع الأموي في عهده. وهذا يؤكد أن ابن بطوطة التبس عليه الأمر أو انه زور الكلام. قانون وتوصية وبعد هذا ننتقل للحديث عن قانون وتوصية في شأن التكفير لدى الغزالي نفسه رحمه الله، فإن الغزالي الذي تعرض في كثير من كتبه عن الفلاسفة وغيرهم من دعاة الأهواء قاعدة وقانونا للتكفير قبل ابن تيمية كما اشرنا وذلك في كتابة (الفيصل بين الإسلام والزندقة) فخلص بعد كلام طويل إلى أن الأمر فيه توصية وقاعدة. فما هي التوصية وما هو القانون أو القاعدة قال رحمه الله: «أعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعي تفصيلا طويلا يستقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد ودليله ووجه بعده عن الظاهر ووجه تأويله، وذلك لا يحويه مجلدات ولا تتسع لشرح ذلك أوقاتي، فاقنع الآن بوصية وقانون». هكذا يقدم الغزالي مسألة الحكم على الناس وعن إيمانهم وبدأ بعد ذلك في توضيح الوصية فقال: كف اللسان أما الوصية فإن تكف لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك ما داموا قائلين لا إليه إلا الله محمد رسول الله، غير مناقضين لها، والمناقضة تجويزهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذر أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر، والسكوت لا خطر فيه». إن الغزالي رحمه الله يقدم توصية من أهم ما يجب أن يتقيد به الإنسان وهو يتحدث عن عقائد الناس وإيمانهم وكفرهم وهو إمساك اللسان في هذا الشأن حتى لا يتحمل مسؤولية وجزاء ما ورد في هذا الشأن من ترهيب في حديث شريف سيأتي الكلام عنه عند الحديث عن قانون التكفير لدى ابن حجر الهيتمي رحمه الله. لا تكفير في الفروع وبعد ان يتحدث الغزالي عن الوصية ينتقل إلى القانون أو القاعدة فقال: «وأما القانون فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: 1- الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر، وما عداه فروع، واعلم أنه لا تكفير في الفروع أصلا إلا في مسألة واحدة وهي أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواتر، لكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات، وفي بعضها تبديع، كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة.» السنة والشيعة وينتقل الغزالي إلى قضية تشغل بال الناس اليوم أكثر لأنها تتعلق بالعلاقة بين السنة والشيعة وهي موضوع الإمامة ويخرج الغزالي هذا الموضوع أصلا من مشمولات التكفير والإيمان أصلا وذلك عكس ما يدعيه ادعيا الدعوية اليوم والذين يجعلون من أنفسهم قضاة يكفرون كما يشاءون ويقرون إيمان من يشاءون بغير علم وفي هذا يقول الغزالي رحمه الله: الإمامة والتكفير «واعلم أن الخطأ في أصل الإمامة وتعينها وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شيء منه تكفيرا، فقد أنكر ابن كيسان أصل وجوب الإمامة، ولا يلزم تكفيره، ولا يتلفت إلى قوم يعظمون أمر الإمامة ويجعلون الإيمان بالإمام مقرونا بالإيمان بالله وبرسوله، ولا إلى خصومهم المكفرين لهم بمجرد مذهبهم في الإمامة، فكل ذلك إسراف، إذ ليس في واحد من القولين تكذب للرسول صلى الله عليه وسلم أصلا.» ونختم هذا الجدال والنقاش بما نقله الشيخ الذهبي رحمه الله في كتابه "سير أعلام النبلاء" الجزء 15 طبعة مؤسسة الرسالة ص:88 وما بعدها حيث أورد ما يلي: الإشارة إلى معبود واحد «رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أيا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات. قلت: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدا من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم».