ثمة منطق غريب بدأ يعود إلى تأطير النقاش العمومي حول المشاركة السياسية للإسلاميين، قوامه اعتبار هذه المشاركة مشكلة وان كل الآليات القانونية الناعمة مستباحة لتحجيم هذه المشاركة وفي حال الفشل فإن اللجوء للأدوات السلطوية الفجة يبقى واردا مهما كانت كلفته. لقد أدى الحراك الديموقراطي العربي وامتداداته المغربي إلى تراجع هذا المنطق، وذلك لمصلحة منطق آخر يقوم على أن التيار الإسلامي جزء من الحل للبناء الديموقراطي المنشود، وأن الحلول السلطوية التي اعتمدت في المغرب فشلت في إنجاح سياسات الإقصاء الممنهجة، رغم كونها بقيت في حدود التحجيم الذي لم يصل إلى اعتماد الوصفة التونسية الاستئصالية، وما عزز من ولادة هذا المنطق ما شهدناه في تطورات الحراك الديموقراطي في تونس وبعدها مصر ثم باقي الدول العربية التي أعادت النظر وبشكل جذري في موقفها من الإسلاميين، من مثل الأردن في العلاقة مع جبهة العمل الإسلامي، حيث برزت الحركة الإسلامية المعتدلة كقوة إصلاح واستقرار في المنطقة، وفي المقابل أخذت الأنظمة تعترف باستقلال قرار الحركات وتتعامل معها كفاعل له موقعه في مسلسل التحول الديموقراطي الإرادي. للأسف، ومنذ مدة ليست باليسيرة أخذ الموقف المغربي في التراجع إلى الخلف والعودة إلى المنطق القديم رغم ما نجم عن ذلك المنطق من إضعاف للحياة السياسية المغربية، وتعميق هشاشتها التي انكشفت أمام الموجة الديموقراطية العربية العميقة، ودون انتباه عميق لدروس الدول التي اهتزت بفعل سياسات الإقصاء والاستئصال وفبركة آليات العزل السياسي الفوقي وتكوين التحالفات الشكلية لمحاصرة المشاركة السياسية للإسلاميين فضلا عن تغذية الحملات الإعلامية الرخيصة مما أدى لتفكك الوسائط بين الدولة والمجتمع، وكانت النتيجة فشلا ذريعا في القضاء على تلك الحركات كحزب حركة النهضة في تونس أو حزب الحرية والعدالة الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو تنظيمات الحركة الإسلامية في ليبيا كالإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الليبية من أجل التغيير، بل أن ما وقع هو أن تلك الحركات ازداد رصيدها قوة في المجتمع وهي اليوم أحد أعمدة التحول الديموقراطي في بلدانها. ما هي المشكلة إذن؟ إنها قضية إنجاح التحول الديموقراطي ببلادنا وعدم إهدار الفرصة التاريخية التي أتاحتها المراجعة الدستورية وتوفير الشروط الضرورية في حدها الأدنى لضمان نزاهة ومصداقية الانتخابات القادمة، وهو ما لا تؤيده المؤشرات المتراكمة في الآونة الاخيرة، بل تدفع في توقع الأسوء وذلك في ظل التراجعات الديموقراطية الفجة في المنظومة القانونية الانتخابية. الخطير في ما يجري هو أن يقع تبرير تلك التراجعات بخطاب ملغوم ووهمي ومليء بالمغالطات، حيث يستند على أن ذلك هو الثمن الضروري للحيلولة دون اكتساح انتخابي للإسلاميين أولا، وأن ما يصدر عن الإسلاميين من مطالب هو ابتزاز لمقايضة مواقفهم السابقة في الحراك الديموقراطي المغربي ثانيا، وأن الديموقراطية ليست هي التصويت وصناديق الانتخابات فقط ثالثا، في حين أن مقولات الاكتساح في ظل البنية الاجتماعية للمجتمع والقواعد الكبرى للنظام الانتخابي القائم على اللائحة والتي دافع عنها الإسلاميون تقطع الطريق على كل اكتساح موهوم، والأهم هو أن المطالب بنظام انتخابي ديموقراطي أكبر من أن تكون مرتبطة بمصلحة ضيقة بل إن المصلحة الوطنية العليا هي المحدد، وإلا لتم القبول بإجراء انتخابات سابقة لأوانها في شهر أكتوبر تستثمر فيه الحالة الشعبية من التعاطف مع الإسلاميين وذلك قبل تبددها، وليس المطالبة بموعد لاحق يتم فيه التحضير الديموقراطي للانتخابات، أما حكاية رفض اختزال الديموقراطية في صناديق الاقتراع فأقل شيء يقال عنه أنه موقف معاد للديموقراطية استغل لمصلحة مجازر دموية في الجزائر بعد الانقلاب وبدأ العالم يتعافى منه ويراد اليوم استنباته في المغرب.