قبل حوالي عشرين سنة انتبه النظام السياسي المغربي إلى ضرورة اعتماد مقاربة شمولية للملف الحركي الإسلامي، والذي رغم وجوده في مرحلة التبلور الاحتجاجي الطلابي والاستعداد للخروج للمشاركة والفعل في الحراك السياسي والاجتماعي وما تعنيه من هامشية ومحدودية القدرة على التأثير في مسار التدافع السياسي بالبلاد، فإن الدولة انتبهت إلى ضرورة التعاطي بشكل استباقي مع هذا الفاعل الجديد المتعدد المكونات والمتباين التوجهات والصاعد من حيث القوة الشبابية، خاصة وهي ترى تطورات الأحداث في تونس والجزائر والتي تمكنت حركة النهضة في الأولى والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الثانية من التحول إلى فاعل محدد لمستقبل النظام السياسي وخاصة في سنتي ,1990 1989 وما عزز من ذلك الزخم الديموقراطي الذي اكتسح أوروبا الشرقية. ارتكز الخيار الاستباقي الذي تم اللجوء إليه على خيار الانفتاح الإيجابي والإدماج التدريجي الذي ينظر للفاعل الإسلامي كعنصر قوة في التوازن السياسي وعامل داعم للاستقرار والوحدة، وصمام أمان تجاه نزوعات التطرف والعنف ذات الجاذبية في المنطقة مما يجعل من التيار الإسلامي المعتدل أحد مكونات النموذج المغربي وعنصرا من عناصر خصوصيته، وظهرت إرهاصات ذلك في جامعة الصحوة الإسلامية وفي التعاطي المرن مع الصعود الطلابي للإسلاميين وصولا إلى الحوار حول سبل الإدماج السياسي مثل ما حصل مع جماعة العدل والإحسان آنذاك. ما حصل هو توقف هذا المسار والاستعاضة عنه بمسار مزدوج قائم على إدماج جزء وإقصاء جزء آخر وتجاهل جزء ثالث، وهو المسار الذي جسد الحد الأدنى لتكيف المغرب مع التراجع الديموقراطي الإقليمي بدءا من سنة 1991 وارتداده إلى تبني سياسات الاستئصال تجاه الحركات الإسلامية، مع بقاء المغرب ممانعا تجاه ذلك رغم الإغراءات التي استهدف بها سواء من دول المحيط أو من الغرب. اليوم ثمة حاجة لمراجعة شاملة تستلهم خبرة بداية التسعينيات وتجدد الآمال التي ظهرت مع بداية العهد الحالي من أجل مقاربة جديدة وشاملة لملف الحركة الإسلامية، تنسجم في حدها الأدنى مع التحولات الجارية في هذا الباب في المنطقة العربية، وتتجاوز مرحلة التراجع السلطوي التي اشتدت بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية وما تلاها من محاصرة تصاعدية لخيار المشاركة السياسية الإسلامية، والتي بلغت أوجها مع المحاكمة السياسية لعدد من قيادات البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة والمحاربة الميدانية للوجود الانتخابي لحزب العدالة والتنمية عبر آلية الحزب السلطوي الجديد. إن الحركة الإسلامية المعتدلة تمثل التيار الغالب، واستمرار النظر إليها كخطر تنبغي محاصرته وتهميشه وتحجيمه هو تجديف ضد حركة التاريخ، التي أثبتت أن الحركة الإسلامية مكون فاعل في نهضة الشعوب، وما نراه اليوم من انخراطها في عدد من الدول في حركة الإصلاح الديموقراطي وتعبيرها عن نضج متقدم في الدفاع عن وحدة بلدانها واستقرارها ونموها مؤشر عن أن الاستمرار في التعاطي المرضي مع هذه الحركة ليس سوى استنزاف لقدرات الذات الوطنية وهدر لإمكانات معتبرة في تحقيق النهضة المنشودة، وإدخال لها في معارك هامشية وخاسرة وخاصة بعد أن تم اعتماد سياسات ثقافية ودينية وفنية وسينمائية وإعلامية تحت وهم تجفيف الجذور الثقافية والاجتماعية للحركة الإسلامية، وهي السياسات التي جربت قبل في دول كتونس ومصر دون أن تنفع في شيء استمرار تلك الأنظمة. المطلوب اليوم هو مقاربة جديدة وشمولية تنطلق من إجراءات استعجالية كتطبيع الوضع القانوني للحركات الإسلامية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين ضمن ملف بليرج، وحل معضلة ضحايا انتهاكات تطبيق قانون الإرهاب ممن عبروا عن مواقف واضحة ضد العنف وذلك عبر مبادرة تاريخية سياسية تدرس في إطار المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي تتيح له اختصاصاته الجديدة الاضطلاع بذلك، ثم الانخراط في إدماج عموم الفعاليات الإسلامية في الحوار الوطني المطلوب حول الإصلاحات السياسية لبناء مغرب ديموقراطي جديد.