عن الحوار بين الإسلاميين واليسار كشف النقاش الذي احتضنه نادي هيئة المحامين بالرباط ليلة أول أمس حول العلاقة بين اليسار والحركة والإسلامية وقضايا الحريات والديموقراطية عن قيمة مضافة نوعية لحركة 20 فبراير تمثلت في القدرة على إرساء قواعد التعاطي الهادئ مع قضايا الخلاف الإيديولوجي بين عموم المكونات المشتغلة من أجل الديموقراطية من جهة، ودون أن يكون هذا الخلاف سببا من أسباب تجميد النضال الديموقراطي من جهة أخرى، وهي وضعية كان من الصعب توقع حصولها قبل الحراك الديموقراطي الجاري في المنطقة العربية ككل والمغرب بشكل خاص. لقد خسر التحول الديموقراطي ببلادنا الكثير من غياب الوعي السياسي القائم على إعطاء الأولوية لقضايا مواجهة الاستبداد والفساد، وعوضا عن ذلك وظفت التناقضات بين القوى السياسية اليسارية والإسلامية ثم الأمازيغية لاحقا وأحيانا بين في دائرة كل تيار من هذه التيارات لمصلحة حروب الاستنزاف الثنائية والاحتراب الوهمي لمصلحة تغول الدولة السلطوية وتنامي سياسات الإقصاء والتحكم والتهميش والإضعاف، وهي المعادلة التي اشتغلت بها عموم الأنظمة المستبدة باعتبارها الوصفة الجاهزة لمواجهة التقدم الانتخابي للتيارات الإسلامية وتحويل قطاع من التيارات اليسارية لمعول إيديولوجي لتبرير سياسات التحجيم والاستئصال مثلما حصل في الحالتين التونسية والجزائرية بشكل فج. اليوم هناك منطق جديد كشفته تدخلات وردود فعل عدد من الفعاليات السياسية والحقوقية في اللقاء المشار إليه آنفا، وقوامه الرفض الكلي للسقوط ضحية ثنائية «إما الاستبداد أو الإسلاميين»، وأن البوصلة عليها أن تبقى متجهة نحو مواجهة الاستبداد والفساد، وأن الحوار حول قضايا الخلاف الإيديولوجي عليه أن لا يتحول إلى أداة إضعاف أو إرباك لمسلسل التحول الديموقراطي المنشود. وما يعزز هذا المنطق هو نفس النقذ الذاتي والتقويم الصريح الذي برز في خطاب عدد من المتدخلين خاصة لكل من التعاطي الانتقائي أو التجزيئي مع الديموقراطية والعلاقة بين الخصوصي والكوني فيها، أو عدم القدرة على الوضوح الفكري إزاء الاختيارات التي تهم قضايا الدين وموقعه في الحياة العامة والبناء الديموقراطي والبقاء حبيس النموذج اليعقوبي الفرنسي اللائكي الذي يجعل من العلمانية شرطا لا تقوم الديموقراطية بدونه، أو إزاء مخاطر السقوط في الاستبداد والتسلط باسم الدين وذلك ضدا على قيمه في الحرية والعدل، أو إزاء الافتقاد لأخلاقيات الحوار من مثل السقوط في الاستعلاء والأستاذية والارتهان للأحكام المسبقة والعجز عن الإنصات للآخر وعدم مواكبة ما يطرأ على مواقفه من تحولات والسقوط في المواقف الاختزالية والإسقاطات التعميمية، مما أعاق جهود التقارب بين قوى المجتمع في السابق، وجعل العلاقة في حالة مراوحة لا تتجاوز المشاركة في التعبير عن التضامن المغربي في القضايا القومية والعربية. في المقابل ثمة حاجة ملحة لتعميق الحوار في القضايا الخلافية مع التشديد على أن ذلك ليس شرطا للتقدم في مبادرات النضال الديموقراطي من جهة، ومن جهة أخرى، أن نجاح الحوار يقتضي تطوير مرجعيات للتقريب تمر عبر معالجة حجم الخصاص المهول في معرفة الخبرات الإنسانية والتجارب البشرية في تعاطيها مع إشكالية الدين والدولة، والتي نجحت في الخروج من منطق الصدام والإقصاء لمصلحة منطق آخر يقوم على التكامل والتمييز وتمكين الشعوب من حقها في الاستناد على مرجعيتها الحضارية والدينية في توجيه السياسات العمومية.