لم تكد تهدأ الأقلام والأقوال عن التعليق وتناول ما أسفرت عنه نتائج بحث قام به المجلس الأعلى للحسابات ومفتشية كل من وزارة المالية والداخلية بخصوص مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" أعفي بسببه مجموعة من الوزراء والمسؤولين الإداريين الكبار، حتى شرعت التعليقات في الظهور هنا وهناك بمدينة مراكش حول مآل مشروع "الحاضرة المتجددة" الذي دشنه الملك محمد السادس في يناير 2014، والذي من شأنه الارتقاء بالمدينة إلى مستوى الحواضر العالمية الكبرى. وبالعودة إلى سنة 2014، فقد خصص غلاف مالي ناهز 6.3 مليارات درهم لإنجاز المشروع في أفق 2017، لإخراج المنطقة من الهشاشة والفقر، وجعل مراكش قطبا حضريا يحقق التنمية البشرية المستدامة والمتوازنة، من خلال مواكبة النمو الحضري والديموغرافي، وتعزيز الجاذبية الاقتصادية، ودعم مكانة المدينة كقطب سياحي عالمي، وتحسين بنياتها التحتية السوسيو- ثقافية والرياضية، وتطوير مؤشرات التنمية البشرية بها. "زلزال الحسيمة" جعل عددا من السياسيين والجمعويين والمثقفين يشرعون في طرح سؤال: أين وصلت مشاريع مراكش الحاضرة المتجددة؟ كما انتعشت ببعض صفحات التواصل الاجتماعي علامات استفهام يؤكد معظمها على تعثر هذه المشاريع، مع قرب انتهاء المدة الزمنية المحددة لإنجازها، ومنها تأخر انطلاق القطب الجامعي بمدينة تامنصورت، وبعض المستشفيات، ومؤسسات اجتماعية وثقافية وغيرها. هسبريس اختارت أن تسلط الضوء على هذا المشروع الضخم، الذي اعتبره عبد الكريم العلاوي، من شبيبة التجمع الوطني للأحرار، المسمار الأخير في نعش مسؤولين بمراكش، فزارت وحاورت مجموعة من المسؤولين، ورؤساء المصالح الموقعة على المشروع، للوقوف على سير الأشغال، ونسبة تقدمها، والعوائق الكامنة وراء تأخر بعض المشاريع. لا شيء أنجز "معظم المشاريع تتقدم بشكل بطيء، ولم تنجز منها سوى نسبة ضئيلة، فبعضها يبدو أنه يشرف على الانتهاء، والواقع يكذب ذلك"، يقول محمد الصبيحي، فاعل جمعوي مهتم بالشأن المحلي لمراكش، مؤكدا صعوبة اتمامها في الوقت المحدد في الاتفاقية التي وقعت أمام الملك محمد السادس (2014-2017)، مستدلا على ذلك ب"مستشفى المحاميد، ودار المسنين التي تحتاج إلى سنتين أو ثلاث لإتمام الأشغال بها"، بحسب تعبيره. من المشاريع المتعثرة، يذكر الصبيحي مؤسسة لفائدة ذوي الإعاقة بحي أسكجور بمقاطعة المنارة، ومشروع الثانوية الاعدادية الذي كان مقرراً بالمنطقة نفسها، والذي تحول إلى سوق عشوائي يستغله باعة سوق الإمام مسلم بعد ترحليهم، ومدينة الفنون الجميلة، وانطلاق الحافلات الكهربائية دون تحديد محطات وقوفها، ما جعل الإقبال عليها ضعيفا، زد على ذلك، تعثر إيصال خطها إلى منطقة باب دكالة. واستطرد الفاعل الجمعوي نفسه في إحصاء المشاريع المتعثرة، كمؤسسة للعلاج من الإدمان، وملاعب القرب بحي الملاح التي تحولت من معشوشبة إلى اسمنتية، مؤكدا أن "مؤسسة العمران قدمت تجزئة الكومي (55 هكتارا) بحي المحاميد لتدشينها من طرف الملك، رغم كون عقارها لا زالت به رهون تحفظية، ما يفرض عدم استعماله حتى تتم تسوية وضعيته"، بتعبيره. وردا على ذلك يقول مصدر مسؤول من شركة العمران العقارية لهسبريس، "إن تجزئة الكومي، التي دشنها الملك محمد السادس بحي المحاميد كمجال لاستقبال القاطنين بسكن غير لائق ببعض أحياء المدينة القديمة، كقبور الشوك، لا علاقة لها أولا بمشروع مراكش الحاضرة المتجددة، وثانيا هو عقار في اسم مؤسستنا". القطب الجامعي تامنصورت لم يسلم هذا المشروع هو الآخر من سهام نقد وأسئلة حارقة قام بطرحها عبد الوهاب الأزدي، فاعل جمعوي يهيم عشقا في المعرفة والثقافة الشعبية لساحة جامع الفنا، من قبيل أين وصلت حاضرة مراكش المتجددة؟ وأين وصلت جامعة تامنصورت؟ ليأتي الجواب سريعا من طرف عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سابقا، الدكتور هنوش، قائلا في تدوينة له: "مشروع تامنصورت لم تنجز منه ولا برّاكة واحدة"، بحسب تعبيره. فجامعة تامنصورت مشروع قديم يعود إلى سنة 2009، يورد هنوش، وتمت مضاعفة مساحة العقار المخصص لها سنة 2011، ومنذ ذلك الوقت والناس يسمعون جعجعة كثيرة عن الجامعة هناك، يكفي أن "تعرفوا أن مشروعا مماثلا في أكادير، هو القطب الجامعي لأيت ملول، لم يبدأ إلا في سنة 2014، وهو الآن يتسع لأكثر من 20 ألفا من الطلاب، بعد اكتمال بناء الشطر الأول منه، وينتظر أن يستوعب بعد بناء الشطر الثاني أكثر من 40000 طالب". الحاضرة حاضرة "قطعنا الآن في الحاضرة أشواطا مهمة جدا، فقد حققنا نسبة 70% من المشاريع"، هكذا كان جواب محمد العربي بلقايد، رئيس المجلس الجماعي لمدينة مراكش، "وما تبقى من المشاريع ستبرمج في القريب العاجل، بعد حل بعض المشاكل الموضوعية، منها كثرة المشاريع وقوتها في البرنامج الذي رصد له غلاف مالي كبير، أضف إلى ذلك أن شركاءه متعددون مركزيا ومحليا"، يقول بلقايد. ما سبق، بحسب رئيس المجلس الجماعي، "يوضح أن مراكش الحاضرة المتجددة لا تعاني من أي تعثر، فهو مشروع ضخم وطنيا وإقليميا، وبلوغه النسبة المذكورة يعني أنه حقق النجاح المطلوب، لأن كل الأشغال الكبرى تم الانتهاء منها"، مستدلا على ذلك بمؤسسة الأشخاص في وضعية إعاقة التي توجد الأشغال بها في المراحل النهائية، "لكن الموضوعية تقتضي أن نذكر أن هناك مشاريع مبرمجة لم تكن تتوفر على دراسة ولا على عقار"، يضيف المتحدث. وأورد الرئيس أن مدينة الفنون، مثلا، كمشروع مهم جدا في الحاضرة المتجددة، تأخر إنجازها بسبب غياب العقار المناسب، "لكننا تغلبنا على ذلك مؤخرا، وانطقت صفقته"، مضيفا أن "من أسباب التأخير مؤتمر المناخ كوب 22، الذي فرض على اللجنة المحلية المشرفة أن تنكب مجهوداتها وتفكيرها على إنجاح هذا الاستحقاق العالمي، أضف إلى ذلك انتخابات 2016، كل ذلك أثر على بعض المشاريع"، يقول بلقايد. واعترف المتحدث بأن الحافلات الكهربائية في حاجة إلى محطات وقوف أخرى، موردا أن "المشروع انطلق للتو، وأنجزها أربعا منها، ونشتغل على أخرى، وهو مشروع نفتخر ونعتز به"، يقول محمد العربي بلقايد، رئيس بلدية مراكش، مشيرا إلى أن عقار الاعدادية قائم، وتنقيل باعة سوق مسلم مؤقت، في انتظار بناء سوق نموذجي. القطب الجامعي بألف خير "لا وجود لأي تأخر في إنجاز مشروع المركب الجامعي بمدينة تامنصورت (145 هكتار)"، يؤكد عبد اللطيف الميراوي، رئيس جامعة القاضي عياض، في لقاء عقده مع هسبريس، موردا أن "الرغبة في إخراج هذا القطب في شكل نموذجي يلائم المعايير الدولية، جعلتنا نفرض على المهندس الذي فاز بالصفقة أن يستحضر المعطيات الإيكولوجية مثلا، وغيرها من الواصفات في البناء والمساحات، علما أن هذه المؤسسة لا تدخل في إطار مشروع الحاضرة المتجددة". وأضاف الميراوي أن عرض بناء الشطر الأول الذي يضم إنجاز 15 ألف مقعد، انطلق، مشيرا إلى أن الميزانية العامة لسنة 2018 أدرجت مشروع المركب الجامعي تامنصورت، الذي أنجز كشفه الطبوغرافي، والدراسات الجيوتقنية، والبرنامج المادي، بنسبة 100%، بين 2014 و2016، كما أن عروض البناء يتم تحضيرها لإطلاقها خلال سنة 2018. وأشار رئيس جامعة القاضي عياض إلى أن المشكل الحقيقي لنجاح هذا المشروع هو ربط مدينة مراكش وتامنصورت بالنقل العمومي المناسب، مقترحا ضرورة التفكير في وسيلة نقل سريعة تمكن الطلبة من حضور حصصهم الدراسية دون تأخر.