لا يخفى على أحد والمغاربة، يحتفلون بعاشوراء، أن الدقة المراكشية، ما زالت تتألق في المدينة الحمراء، منذ ظهورها في زمن غابر، مع رواد منهم من قضى نحبه، ومنهم من غادرها مكرها، إلى مدينة أخرى، لكن بوجمعة الحديوي بقامته القصيرة ولونه الأسمر، وجسمه النحيم الذي لم يألف غير جلباب بهجاوي، أصر على أن يظل صوت العيط، حيا ومتألقا يطرب، أهل مراكش وغيرهم. كان بوجمعة الحديوي، في طفولته بباب الدباع، يمتهن حرفة الحدادة في فصل الشتاء، والدباغة في فصل الصيف، ومنذ ذلك الحين لم يضجر يوما من فن العيط والدقة، اللذان ورثهما من منطقة كانت تعج بالحرفيين والصناع التقليديين، يحكي في لقاء جمعه مع هسبريس، بحومة البحيرة، بالمدينة القديمة. كنا مع حلول شهر محرم، نقوم نحن الأطفال بجولات، نحمل فيها"الطعريجة"، وندق أبواب المنازل، لجمع "فلوس الشعالة"، يقول الحديوي، وبعدما شب عضدي، صرت واحد من مجموعة الموقف باب الدباغ، التي تنظم حفل الدقة المراكشية، في اليوم العاشر، حيث يلتئم سكان الأحياء العتيقة، لمتابعة اللوحات الفنية التي تقدمها كل مجموعة على حدة. خلال لقائنا ظل المعلم بوجمعة الحديوي، مصرا أن الدقة المراكشية، التي يعود تاريخها حسب البعض لفترة سحيقة من زمن مراكش، كعاصمة في فترات غابرة من التاريخ، لن تموت بعدما قضى بعض المعملين والمقدمين نحبهم، لذا أسست مدرسة لنقل هذا الإرث الثقافي من جيل لآخر، كما حاولنا تطوير العيط، لتماشى مع زماننا، يحكي المعلم سابق الذكر لهسبريس. كانت حومات مراكش، تنظم حفلا يوم 10 محرم، بمناسبة عاشورا، يشارك فيه شباب الحي، يتقدمهم معلم، يلعب بالقراقش، ويعتبر منسقا لضبط إيقاع المجموعة ، الذي ينطلق بالبسملة والصلاة والسلام على زين الزين طه وياسين، المصطفى تاج النور، فينا حرمت جد الحسنين لا تفرط. فعلى ضوء نار ملتهبة من صلاة العشاء إلى الفجر، نتغنى بجاه الله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وجاه الأولياء والسبعة رجال وسادات الصوفية، سيدي يوسف بن علي، والقاضي عياض وأبو العباس السبتي، والإمام الجزولي وسيدي عبد العزيز التباع، وسيدي عبد الله الغزواني(مول لقصور)، والأمام السهيلي ، والتشفع بالمغفرة وطلب التوبة، والدعاء الصالح في تناغم، مع إيقاعات التعاريج ودف واحد و"القراقش"، يروي المتحدث نفسه. يقيم المراكشيون حفل"الدقة المراكشية"، بمدينة البهجة، وهو فن غنائي مشترك، بيننا ومدينة تارودانت، لكن هناك اختلاف في الإيقاع، بحسب الحديوي، فإذا كان المراكشيون يتجمعون في دائرة من الرجال والشباب، كل واحد بيده طعريجة، وتسمى باللهجة المراكشية "الكور"، يقودهم المعلم بالقراقش، فهذه الأخيرة لا تستعمل عند الرودانيين. يكون التنافس بين الاحياء في هذه الليلة، على أشده وبهجاوة يتتبعون، الأخبار فلا تسمع سوى دقة حومة الزاوية العباسية، أو سيدي بنسلمان نجحت، أو دقة حومة باب ايلان، أو القصور او بريما، طاحت في إشارة الى فشل "دقايقييها" في مرحلة "الدخلة"، أي المرحلة التي يتم فيها الانتقال، من الإيقاع البطيء إلى الإيقاع السريع، كأصعب مرحلة في ضبط إيقاع "الدقايقية"، يوضح الحديوي. في محله الخاص بحومة البحيرة، مدينة مراكش، يحتفظ الفنان بوجمعة الحديوي، بجوائز حصل عليها، من مسؤولين ببهجة الجنوب، وشواهد تقديرية عن مشاركته ومجموعته، بعدة مهرجانات ثقافية، مشيرا إلى أن الدقة المراكشية، أصبحت تجارية، مطالبا بالحفاظ على طابعها التقليدي.