كثير من العادات والتقاليد بدأت في التواري، فعاشوراء الأمس ليست هي عاشوراء اليوم، ومع ذلك لازال هذا الاحتفال في حياة المغاربة ذو نكهة خاصة يعكس مجموعة من الموروثات الثقافية، عربية، يهودية، أمازيغية، أندلسية وافريقية، لا بكاء في هذا اليوم ولا لطم ولا ضرب و لا حزن كما هو الحال في بعض المناطق الشيعية خصوصا في العراق ولبنان وإيران وغيرها من الدول، بل بالعكس هو مناسبة الصيام و الدعاء والزكاة والتزاور و صلة الأرحام و إدخال السعادة إلى قلوب الصغار وحتى الكبار. ما أن تنتهي أيام عيد الأضحى حتى يشرع المغاربة في الاستعداد لاستقبال عاشوراء فمع فاتح محرم تنشط أسواق خاصة في جميع أحياء المدن وفي الأسواق الأسبوعية وفي البوادي يعرض فيها الفواكه الجافة وتعرض بكميات كبيرة أدوات إيقاع شعبية مثل طعريجة والبنادر وغيرها، كما يبتاع الناس لعبا لأطفالهم، وترتفع ذروة الاحتفال بعاشوراء يوم العاشر منه، يوم يصومون فيه إقتداء بالنبي الكريم محمد (صلعم) الذي صام هذا اليوم شكرا لله الذي نجى فيه النبي موسى عليه السلام، كما تكون مناسبة للذكر والتضرع إلى المولى عز وجل باعتبارها مناسبة دينية توزع فيها الزكاة على الفقراء والمحتاجين. العاب للأطفال والكبار عاشوراء مناسبة يحتفل بها الأطفال بامتياز وهي عادة لازالت راسخة إلى اليوم وقديما كان الأطفال يصنعون لعبهم بيدهم وكانت مواسم عاشوراء فرصة لاختراع اللعب، فالفتيات يصنعن الدمى من القصب وبقايا الأقمشة والخيوط، أما الفتيان فكانوا يتبارون في صنع العجلات والعربات من نفايات علب السردين والقصدير وأغطية قنينات المشروبات الغازية وصنع الكرة من جوارب الأرجل، أما اليوم فتجارة اللعب الصينية قد غزت كل مكان وشراءها أصبح نشاطا شعبيا خلال عاشوراء يلقى الكثير من الإقبال، و تتنوع اللعب بين الدمى والأواني المنزلية والمسدسات البلاستيكية والسيوف والنبال والسيارات والأقنعة والعديد من اللعب الأخرى المعروضة للبيع، ويقوم بعض التجار باستعراض سلعهم على الأرض ليسهل الوصول إليها من طرف الصغار، ومن الألعاب التي كانت تلقى رواجا كبيرا المفرقعات قبل أن تصدر السلطات الأمنية تعليماتها بشأن منع بيع المفرقعات التي تروج في كل عام خلال مناسبة عاشوراء، ومن حيث الألعاب التي بدأت تعرف طريقها الى الاندثار في المدن المغربية وبواديها بهده المناسبة إيقاعات»التعاريج» و»البنادر» في وسط النساء والفتيات ليلة عاشوراء، فتيات يخرجن متجملات بلباسهن التقليدي ومتزينات بحليهن مجتمعات في مجموعات فولكلورية في الدروب والزقاق والأحياء كل واحدة تحمل في يدها «طعريجة» مزكرشة أو «بندير» وهن يرددن أهازيج «هذا عاشور ماعلينا الحكام ألالة، عيد الميلود كيحكموا الرجال أللا « في إشارة إلى أن عاشوراء هو يوم للحرية بالنسبة للفتيات، كما كانت النسوة يضعن شعر رأسهن بالحناء وكذا أيديهن وأرجلهن بها مرددات «عاشوري عاشوري.. عليك نطلق شعوري». «الدقة المراكشية» غير أن ما يميز هذا اليوم في هذه المناسبة في ربوع المملكة كلها هو حين يقيم المراكشيون الكبار حفل «الدقة المراكشية» التي يعود تاريخها حسب بعض الدارسين لفترة السعديين، ويأتي الناس من كل حدب وصوب من الداخل والخارج لمتابعة هذا الفن الثراثي بمدينة البهجة وهو فن غنائي مغربي لا يوجد إلا في مدينتين مغربيتين فقط هما مدينة مراكش و مدينة تارودانت، يتجمع المراكشيون في دائرة من الرجال والشباب كل واحد بيده طعريجة وتسمى باللهجة المراكشية «الكور» يقتعد فيه الرجال والشباب الأرض ويسمون هم ايضا ب «الدقايقية» وهم يتغنون باهازيج على إيقاعات الطعاريج متواترة ومنسجمة يتوسط الدائرة رجل وقور غالبا ما يكون عليه إجماع الحي بالاحترام والوقار يضرب على دف متوسط يسمى «الطارة»، ويتتبع «الدقايقية» الرجل الوقور بأذن موسيقية تناغم الإيقاع وانسجامه ويساعده في ذلك ايضا عازف» القراقش» مصنوعة من صفائح الحديد وهو في نفس الوقت راقص يتنقل بين الدقايقية و يساعد الرجل الوقوررئيس الفرقة في ضبط الأيقاع خاصة في الحركة البطيئة ويتغنون بجاه الله و نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجاه الأولياء والسبع رجال والسادات الصوفية وهم سيدي يوسف بن علي والقاضي عياض وأبو العباس السبتي والإمام الجزولي وسيدي عبد العزيز التباع وسيدي عبد الله الغزواني المدعو مول لقصور والأمام السهيلي ، والتشفع بالمغفرة وطلب التوبة والدعاء الصالح بمصاحبة إيقاعات التعاريج ودف واحد و»قراقش» وعلى ضوء نار ملتهبة من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر، وعلى مدى قرون كان لك حي فرقته من «الدقايقية» وكان التنافس بين الاحياء في هذه الليلة على أشده والجميع يتتبع الأخبار فلا تسمع سوى دقة حومة الزاوية العباسية أو سيدي بنسلمان نجحت أو دقة حومة باب ايلان أو القصور او بريما طاحت في إشارة الى فشل «دقايقييها» في مرحلة «الدخلة» أي المرحلة التي ينتقل من الإيقاع البطيء الى الإيقاع السريع وهي أصعب مرحلة في ضبط إيقاع «الدقايقية»، و قد لوحظ في السنوات الأخيرة محاولات بعض الشباب في كثير من المدن المغربية الأخرى بإنشاء فرق أطلقت على نفسها «الدقايقية» رغم قلة خبرتها الإيقاعية و عدم تخصصها في هذا الفن التراثي الأصيل، وهكذا تعرف الدقة المراكشية انتهاكا لمقوماتها الفنية العريقة، أضف لذلك ظهور عدد كبير من الفرق الغنائية بالمغرب التي تدعي اختصاصها في الدقة المراكشية وهذه مغالطة أخرى، فالدقة لها أدواتها الموسيقية ورجالها ووقت لعبها وهي ليلة عاشوراء. «الفاكية» كوكتيل من الفواكه الجافة تدعى «الفاكية» تتكون من أنواع الفاكهة اليابسة، اللوز والجوز والتمر والشريحة و الزبيب والتين المجفف والحمص تقدمه العائلة يوم عاشوراء في صحن كبير يتناول منه كل أفراد الأسرة ويقدم لكل ضيف حل بالبيت في ذلك اليوم مرفقا بالشاي المنعنع ويضاف الى هذه التشكيلة حلويات خاصة بهذه المناسبة تدعى» القريشلات» او «الكعيكيعات» حسب كل منطقة، وإعدادها يكون حلوا أو مالحا على شكل حبل رقيق يقطع جزيئات صغيرة ويوضع في آنية الفران»الطاوية» ، وقبل يوم عاشوراء بيوم أو يومين تشهد افرنة الحومات التقليدية حشودا من حاملة معها «لقريشلات» لتوضع في الفرن. «الديالة والقديد» الكسكس بديل الخروف يسميه المغاربة «الديالة» طبق مغربي تقليدي ذو شعبية كبيرة في المغرب في هذا اليوم من عاشوراء، إذ تعكف جل البيوت المغربية على تحضيره، حيث يحتفظ بذيل أضحية عيد الأضحى الذي يجفف في الشمس بعد تعطيره بالتوابل إلى عاشوراء لتصنع منه ربات البيوت قصعة من الكسكس، خضر وحمص و»ديالة» و»قديد» و»كرداس» جميعها مكونات يعد بها الكسكس المغربي الذي يكون له مذاق خاص، العائلات تستعد من أجل تناول الكسكس بشكل جماعي فتكون لهذه الوجبة نكهة خاصة، توضع النسوة الكسكس في قصعة ويرش بالماء البارد وتضيف ملعقتين كبيرتين من الزيت وتذهن بها الكسكس ثم تضعه في الكسكاس و تتركه الى ان يصعد البخار بكثافة فوق الكسكس فيرفع من على القدر ويصب في القصعة و يكرر رشه بالماء البارد مع رشة ملح صغيرة و يفرك الكسكس ثم تعيده مرة أخرى إلى الكسكاس وتتركه للطهي، وبعدما يصب الكسكس يدهن بالسمن البلدي أو الزبد ، يوضع الكسكس في قصعة مستديرة ثم تضع قطع الديالة و القديد ويغطى بالخضر ويسقى الكل بالمرق ويقدم ساخنا. وجرت عادت بعض النسوة المدن والبوادي على إعداد «كسكس القديدة» حيث تأتي كل سيدة بقديد من بيتها ويوضع فيه «المساخن» أي مجموعة أعشاب و صحن من الفاكية وتكون ليلة ساهرة بإيقاعات الطعاريج والبنادر والأهازيج الشعبية وهذا النوع من الاحتفال لا زال موجودا حتى في المدن العتيقة . «الشعّالة» احتفالات أخرى يقوم بها الأطفال في ليلة عاشوراء وهي»الشعّالة» بدأت تدريجيا تنمحي وتعرف طريقها الى الزوال، وهو طقس توقد فيه النيران في ساحة الحي يعمل الأطفال والشباب علي تأجيج اشتعالها لمدة طويلة ، وغالبا ما يستعملون لهذا الغرض عجلات مطاطية، ويأخذون في القفز فوق اللهيب، يرافقها الضرب على «الطعاريج» بأهازيج شعبية متوارثة منذ سنوات من قبل النساء، وحسب البعض الدارسين لهذه الظاهرة فإن طقوسها ترمي إلى نجاة النبي إبراهيم الخليل عليه السلام من النار، ويعتقد بعض الباحثين بأنها عادة» شيعية» بامتياز، و حسب بعض الدراسات تقول أنها طقس ديني قديم يعود إلى العصر الأول البدائي أي حين كان المغاربة يمجدونها مستمدين أدلتهم من الأشعار و الشعارات التي يرددونها و الطقوس الخاصة بإشعالها و البعض الآخر يقول أنها عادة يهودية أدخلها اليهود إلى المغرب خلال استقرارهم بالمغرب و عن القفز فوقها فالمشاع في بعض الجهات أن كل من تمكن من قفزها يترك فيها ذنوبه وتخلصهم من تعاستهم و سوء الحظ كما أن كل من يحترق بنار عاشوراء لن يشفى من علته إلا في نفس الفترة من العام القادم. الاحتفال بالماء جرت عادة بعض المدن والقرى الاحتفال بالماء في هذه المناسبة، فيرش المارة طيلة أيام عاشوراء بالمياه، وحسب بعض الدراسات في هذا الموضوع فانه يعتقد أن عادة رش المياه التي يحتفل بها بعض المغاربة تعود إلى طقوس من الديانة اليهودية، كان يتمسك بها اليهود المغاربة منذ قرون خلت، حيث أنهم يعتقدون أن الماء كان سببا لنجاة نبيهم موسى عليه السلام في هذا اليوم من بطش فرعون وجنوده، وهو الأمر الذي خصه الإسلام وجعله بالصوم يوم عاشوراء ابتهاجا بإنقاذ الله لنبيه موسى، مع زيادة صوم يوم التاسع من شهر محرم التميز عن اليهود، ويعتقد اليهود المغاربة بأن الماء في هذا اليوم هو رمز للنماء والخير والحياة، يتراشق به أطفالهم طيلة اليوم، في حين يرش به الكبار أموالهم وممتلكاتهم ابتغاء أن يبارك الله لهم فيها. «بابا عيشور» يقترن الاحتفال بعاشوراء في المغرب باسم أسطوري يطلقون عليه بابا عايشور، ويجهل أصل هذه الأسم التي يتلى في أهازيج الفتيات وهن يضربن تعاريجهن المزركشة، ويهتفن: «بابا عايشوري عايشوري.. دلليت عليك شعوري»،والشائع أن الأمازيغ يسمونه «أعاشور» ومنهم من يطلق عليه اسم «ابنعاشور»، وفي مناطق أخرى اسم «حرمة» بينما يطلق عليه بعض من أهل الشمال «با الشيخ» في حين يعرف ب»بابا عيشور»و»عيشور» في جل مناطق المغرب، كما ان الصغار يستغلونه فرادا وجماعات حين يستوقفون الرائح والغادي بطلبات تتردد على ألسنتهم «حق بابا عيشور» سائلين كل من صادفوه في طريقهم «حقهم في عاشوراء»، أطفال يعبرون ببراءة عن سعادتهم وهم يتلقفون بيديهم بعض الدريهمات من الناس كحصيلة يوم من الاستجداء بلسان «بابا عيشور»، في حين يستنكر البعض مثل هذه السلوكات ويعتبرونها مدخلا لعالم التسول. سلوكات خرافية بازمور تطويع الرجل كان ولازال هاجس كثير من النسوة المتزوجات وحتى غير المتزوجات اللائي يربطن علاقات مع الرجال بغية أن تتوج هذه العلاقة بزواج ، فيلجئن للشعوذة لتحقيق الغاية، إذ يؤمن بالخرافات والأساطير، والكثيرات منهن يزرن في هذا اليوم ضريح لالة يطو في مدينة ازمور كسلاح لردع الرجل أو دفعه نحو الرجوع إلى بيت الزوجية الذي غادره، وجعله مثل الحمل الوديع، أو الخاتم في الأصبع تديره كما تشاء، و يبدو أن في زيارتهن لهذا الضريح في مثل هذا اليوم من عاشوراء فيه قناعة كبيرة بقدرة هذه الولية على استرجاع الرجل إلى الأحضان، الحفيظة التي يسميها الزوار بالشريفة ترشدك الى قبر لالة يطو من بين الثلاثة الراقدين داخل الحوش، إلى هنا يتوافد النساء الراغبات بعودة أزوجهن الذين غادروا بيت الزوجية أو الغائب أو المتمرد ، وما أن يصلن إلى المكان حتى يشرعن بممارسة طقوس الزيارة، طقوس تبدأ باقتناء الشموع، وبعض من الأعشاب، ثم يتجهن إلى الحفيظة يناولنها قماش أبيض، حيث تضع فيه هذه الأخيرة، أعشابا وشمعتان، ثم تلفه لتدقه بحجرة، إذاك تطلب من الزائرة أن تمرره على حجرها عدة مرات، تم تناوله إياها للمرة الثانية، فتضع به تمرا، مرددة في نفس الوقت كلاما مبهما، وتطلب من السيدة مجددا أن تقوم بالدوس عليه بقدميها، لتتوجه بالقماش في نهاية المطاف إلى زاوية أخرى من الضريح، وهو مكان أشبه بغرفة تحت أرضية عارية، وفي زاوية منها يوجد فرن خاص بحرق هدا النوع من الأقمشة، وما أن تلتهم النيران القماش حتى تزيل صاحبته خمار رأسها، لتمرره فوق الفرن، مرددة من الكلمات ما يفيد بأن يعود زوجها الغائب أو المتمرد أو الهاجر بيت الزوجية، أو بما يفيد رغبة الزائرة بزواجها من شخص تستحضر اسمه، وبعدها تلم شعرها في شبه حركات الجذبة وطقوسها، وفي هذه الحركة، حسب المعتقد ما يجعل الزوج أو الشخص المرتقب يحترق شوقا إلى زوجته، والرجوع إليها مسرعا خنوعا صاغرا، أما المرأة الشابة التي لم تتزوج بعد بالرجل الذي ارتبطت به فإنها تقوم بنفس الطقوس يضاف إليها كتابة اسمها واسم زوج المستقبل بالحناء على حائط حوش الوالية لالة يطو، مئات الأسماء مذكرة ومؤنثه كتبت أحرفها بالحناء، سعيدة و عزيز زواج،عبد الهادي وحسناء قبول وما شابه ذلك من الكلمات العبارات التي تداخلت فوق بعضها البعض حتى أضحى من العسير قراءتها، وهكذا في خضم مشاكل الحيات اليومية تلجا النسوة إلى عالم الخرافة والغيبيات في رحلة البحث عن التوازن النفسي والاطمئنان على مستقبل الحياة وبطبيعة الحال فالظاهرة لم تعد مقتصرة على ضعاف العقول والأميين بل طالت شريحة من المتعلمين اخدت إشكالا وأنواعا، وكثيرة هي الاعتبارات التي تجعل هؤلاء يرتمون في أحضان التفكير الخرافي كوسيلة يعتقدون أنها تعينهم على حل مشاكلهم أو درء المخاطر والهواجس عنهم.