تتميز خصوصية احتفالات عاشوراء بالتنوع بمختلف مناطق المغرب من شماله إلى جنوبه، والحق أن هذا التنوع قد امتزجت مكوناتها ليصبح سمة تقاليد وعادات يوم عاشوراء المشترك، تجسد مختلف الهويات الثقافية عربية إسلامية وأمازيغية، وأندلسية، وافريقية...، غير أن كل منطقة مغربية تنفرد بعاداتها وتقاليدها مشكلة فسيفساء ثقافي متنوع للثقافة المغربية؛ لكن خصوصية الاحتفالات الكبرى بوم عاشوراء تتشابه إلى حد بعيد. وتختلف عادات وتقاليد الاحتفال بعاشوراء لدى المغاربة عن نظيراتها في الدول العربية، لذلك يقال عن احتفالاتنا أنها عادات موغلة في الخصوصية المحلية، لا تحيل على الأحداث التاريخية الإسلامية إلا لماما، وهي عادات قد لا تكون مؤطرة بوعي. وعلى العموم يبقى يوم عاشوراء بالمغرب مناسبة دينية يزور فيها المغاربة بعضهم البعض، ومناسبة للفرح وإدخال السعادة إلى قلوب الصغار بشراء اللعب والملابس الجديدة. وتسبق احتفالات عاشوراء استعدادات سابقة عن المناسبة تنطلق من عيد الأضحى على مستوى تخزين أجزاء من لحم الكبش خصيصا ليوم عاشوراء، ثم تتوالى استعدادات أخرى منذ فاتح محرم تهم تنظيف المنازل، وإعادة تبليط الجدران وتبيض واجهاتها الخارجية بالجير، وغسل الثياب والاستحمام، مع إمكانية تجديد هذه العملية ليلة عاشوراء، ويطلق عليها ب»العواشر». ذلك أنه تمنع خلال هذا اليوم -وكذا بعده أو أكثر عند البعض- تنظيف البيت وغسل الثياب والاستحمام. وهناك من يمنع التطبيل والتزمير وإيقاد النار واقتناء فحم أو مكنسة واستعمالها إن وجدت، بل يصل الأمر عند بعض الأسر إلى عدم ذكر اسم المكنسة، وفي ذلك يقول المثل المغربي «الشطابا أعروسا والجفافا أنفيسة» -أي أن المكنسة عروس والجفافة نفساء-؛ للدلالة على تعطيل العمل بهما في هذا اليوم. الأمر الذي يسري على الملح الذي لا ينبغي أن يؤخذ أو يعطى أو يُسلَّف -والمقصود من ذلك إظهار الحزن- إلى بعد انتهاء أيام عاشوراء التي قد تستمر إلى العشرين من محرم وربما آخره، حيث يعلن عن انتهاء أيام الحزن بضرب الطبل. جريدة العلم تجولت في الشوارع العتيقة لمدينة سلا وأسواقها الشعبية، وأعدت التقرير التالي: كانت هناك استعدادات شعبية عامة، تجلت مظاهرها في ظهور أنواع جديدة من التجارة، كظهور أسواق خاصة بالمناسبة (أسواق «عاشور») تعرض الفواكه الجافة التي تعد جزء أساسيا من أساسيات الاحتفال بعاشوراء، وأسواق اللعب التي تشترى للأطفال خصوصا في هذه الموسم، وانتشار بيع التعاريج، والدفوف. إقبال مكثف على هذه المنتوجات خاصة لعب الأطفال والفواكه الجافة، فيما لا تزال التعاريج تحتفظ بقيمتها الرمزية، رغم أن التجار أعربوا للعلم أن عدد المبيعات منها بدأ يتراجع إلى مستويات مذهلة خلال السنوات القليلة الماضية. ويقول أحد تجار اللعب أن إقبال الناس على اللعب تتدخل فيه قيم ثقافية بين الجنسين طفل أو طفلة، ذلك أن الأطفال يحبون اللعب الحربية كالمسدسات والبنادق والرشاشات.. والجنود، ورجال الفضاء، في حين تقبل الفتيات على تفضيل لعب خاصة بوظيفة المرأة في مجتمع رجولي بالمطبخ وتجهيزات: الصحون والملاعق والفرشاة البلاستيكية, ودمى بملابس قصيرة أو بلباس زفاف العروسة... ويستطرد البائع أحمد أن هناك استثناءات قليلة قد تشتري فيها الفتيات نفس ما يشتريه الأطفال الذكور. ظاهرة أخرى ترتبط بطقوس الكبار وهي كثافة الإقبال على شراء الفواكه الجافة التمور، (الشريحة) أي التين الجاف، اللوز، (الكركاع) أي الجوز والفول السوداني، حمص، (كاوكاو)، الفستق والزبيب والحمص وأي الجوز وغيرها... وتقترن تجارة الفاكية واللعب بمناسبة عاشوراء كتجارة موسمية لا يتعدى عمرها العشرين يوما. عادات مغربية في يوم عاشوراء.. زمزم «تزميم» ويسمي المغاربة وفق الخصوصية المحلية يوم عاشر محرم «عاشوراء» بيوم زمزم، وفيه يعتقد سكان البدو والحضر بأهمية صب الماء ورشها، ومنه رش الناس تيمما بماء يوم زمزم الطارد للنحس والأرواح الشريرة، لأن ماء يوم عاشوراء يمنح الحيوية والنشاط. ويتميز هذا اليوم بقيمة قدسية خاصة، حيث يحرص أبناء البوادي والقرى المغربية على الاغتسال بالماء البارد باكرا بماء «يوم زمزم»، كما يلجأ أهل البادية على رش ممتلكاتهم بالماء البارد، حيث ترش قطعان الغنم والبقر، .. وترش الحبوب المخزنة، وغيرها. وذلك لحماية ممتلكاتهم من العين والأرواح الشريرة ومباركتها، حيث يؤمنون بأن كل ما مسه الماء هذا اليوم ينمو ويبارك الله فيه، وما لم يمسسه ماء قد يضيع خلال نفس العام. ويعتقد اليهود المغاربة بأن الماء في هذا اليوم يتحول إلى رمز للنماء والخير والحياة، مما يجعلهم حسب ما راج في بعض الكتابات، التي تناولت تاريخ اليهود المغاربة، يحتفون بالماء، ويتراشق به أطفالهم طيلة اليوم، وهكذا تزايدت عادات رش الماء فيما بين الأطفال والشبان خصوصا بالأحياء الشعبية، عملية الرش بالماء يطال حتى المارة ولو برشهم بالقليل من الماء على ثيابهم. سألنا السيدة السعدية عن مصدر عادة «زمزم»، فقالت: أنها قديمة وموروثة عن الأجداد، حيث كانت النساء والأطفال يغتسلن صباح يوم عاشوراء الباكر بالماء البارد، ومنهن من يستحسن العوم في النهر أو العيون إن كانت قريبة، تيمنا ببركة هذا اليوم، ويشجع الأطفال كذلك على العوم بالماء البارد، وبالعنف في بعض الحالات حتى يكون مليئا بالحيوية والنشاط، وفي حالة عدم استيقاظ الفتيات باكرا يضطر إلى رشهن للاستيقاظ، غير أن هذه العادة التي يسمونه (زمزم) أو («تزمزيم)؛ تحولت لتخرج إلى الشوارع والأزقة حيث يرش المارة بالماء. وهناك من يرد هذه العادة إلى بعض الطقوس اليهودية التي تسربت إلى بعض عناصر المجتمع المغربي بحكم التساكن والتجاور الذي عرف بين اليهود المغاربة والمسلمين في المغرب عبر التاريخ. وذلك لأن هذا الاحتفال مرتبط بعادات يهودية كانت تحتفل باليوم الذي نجا فيه موسي بإذن ربه من بطش فرعون. عادات المغربية في يوم عاشوراء أو «الشعالة» أو «تشعالت» ويحرص المغاربة على استقبال ليلة عاشوراء بليلة «الشعالة»، أو»شعايلة» أو «تشعالت» في اللهجة الأمازيغية حيث يتم إشعال نيران ضخمة في الساحات، سواء في البوادي أو داخل بعض المدن، يحيط بها الأطفال والنساء، حيث يشرع في القفز عليها باعتبار أن ذلك يزيل الشر ويبعده، بل إن البعض يشعلون النار في أفنية منازلهم ويأخذون في الدوران حولها وهم يطبلون ويزمرون ويغنون، بأهازيج، تتغنى بعاشوراء كشخص متوفى، ترديد لا يفقه أحد رمزيته ولا سياقه، ك: «عاشوري عاشوري.. عليك نطلق شعوري» و»هذا عاشور ما علينا الحكام أللا... عيد الميلود كي يحكموا الرجال أللا...» وتصحب هذه الأهازيج بأدوات موسيقية من قبل النساء والفتيات أيام زمان، والحق أن هذه العادات لم تعد إلا في بعض القرى بالبوادي. ويؤكد العديد من الذين دأبوا الاحتفال طبقا لهذه الطقوس أنها هذه العادات مورثة قديما عن الآباء والأجداد، يتشبثون بها ما دامت لا تتناقض ومبادئ الدين الإسلامي. كما تطلق خلال هذه الليل أنواع البخور، لذلك لا يستغرب المتجول أن يسمع أصوات الباعة تنادي ملئا حناجرها في الأسواق الشعبية لمدينة سلا ب: «الداد أ ودن الحلوف اشنكورة...» وباقي مكونات البخور البلدي والرومي: (الخزامى، والشَّبَّة، والحرمل، والجاوي، والفاسوخ.. والريحان وفسخ الحنش (جلده). ومن عادات المغاربة في التاسع من يوم عاشوراء حث الأطفال على الصيام، ليتوج يوم الاحتفال بعاشوراء بوجبة الكسكس في كل البيوت والتي تعد بلحم العيد تفوح منها رائحة القديد، الذي تم تخزينه من أضحية عيد الأضحى خصيصا لهذا اليوم (الديالة)، وهي مؤخرة الخروف وذنبه، أو من أمعاء الكبش المجفف التي يصنع منها ما يعرف «بالكرداس». وبالرغم من التأكيد بأن عادات عاشوراء ذات تقاليد مقبولة وغير متنافية مع شرع الله كما تقول عامة الناس، فإنها لا تنفك ترتبط بقيم وعادات شاذة، حيث تتوسل عدد من النساء بأساليب كثيرة في هذا اليوم لفك السحر أو رد العين والأرواح الشريرة، ومن ذلك ما كان معروفا في بعض المدن كمدينة الرباط من أخذ الأطفال إلى الصباغين لصبغ أطرافهم اليمنى بالسواد، أو ما تقوم به نساء مدينة سلا برمي الدجاج الأسود المذبوح في البحر قرب سيدي موسى ولا تزال هذه العادة تمارس إلى حدود الآن.Bas du formulaire