يحتفل الرحل بعيد الأضحى في مناطق واد نون والجنوب المغربي في خيامهم في الصحاري والخلوات، بعيداً عن ضوضاء المدن وطقوس الحواضر، ويكاد يكون يوم العيد في مجتمع الرحل أقرب إلى الأيام العادية باستثناء ذبح الأضحية وصلاة العيد. وتظل الأعمال الأخرى المتعلقة بتربية الماشية والرعي وغيرها مستمرةً بنكهة العيد، وتحرم الكثير من عائلات الرحل من عادات التزاور العائلي نظراً لبُعد المسافات، وتكتفي الأسر ذات الخيام المتقاربة بلمة العيد. طقوس تقاوم الاندثار يستعد الرحل ليوم العيد مع بزوغ أولى خيوط الصباح، وتقوم النسوة بإعداد الخبز التقليدي وإعداد الجمر المخصص لطهي كؤوس الشاي الصباحي، وبعد الفطور وصلاة العيد التي غالبا تكون بعدد قليل من سكان الخيام المتجاورة، يذبح الرحل أضحية العيد. يقول سالم بيكاس، الباحث في قضايا الرحل، أن "أجواء العيد عند الرحل تتميز بتجمع العائلات المتقاربة حول موائد الطعام، ويكتفي أفراد العائلة البعيدون بسبب الترحال بتبادل والتبريكات عبر الهاتف". وأضاف الباحث أن "الرحل يختارون أفضل ما لديهم من الأغنام صباح العيد ليكون أضحية، ولا يتم أكل اللحم إلا في اليوم الثاني للعيد امتثالا لعادات وتقاليد قديمة لدى الرحل تقتضي بعدم جرح الأضحية يوم العيد". ويرجع الباحث أصول هذه العادة إلى "الاكتفاء بأكل كبد الأضحية والرأس والأحشاء، لأن هذه المكونات أقرب إلى الضياع في الأجواء القاسية والحارة للبادية التي لا تتوفر على مبردات". ويرى بيكاس أن "طقوس الرحل في العيد بدأت تندثر مع مرور الزمان، ولم تعد أجواء العيد في الخيام كما كانت من قبل، لم تعد تلك الأفراح وسهرات الكدرة والهرمة، ويكتفي الناس بالزيارات العائلية وذبح الأضحية". قلبها لا يؤكل وأشار الباحث في قضايا الرحل إلى أن "جلد الأضحية لدى الرحل له أهمية خاصة؛ لأنهم يصنعون منه بعض الأوعية الجلدية المستخدمة في حياتهم اليومية، كشكوة اللبن وقراب الماء التي تستخدم لتخزين الماء وتبريده، إضافة إلى العكة وهي وعاء يحفظون فيها السمن، ويصنعون من الجلود أيضا ما يشبه حقائب لحمل الأمتعة تسمى تسوفرة". وأضاف المتحدث أن "التضحية بالإبل يوم العيد لم تعد تقليداً لدى الرحل، ويكتفون بذبح الأغنام بعد تناقص أعداد الإبل بسبب الجفاف وتطور مجتمع الرحل والهجرة إلى الحواضر". من جهته، يرى محمد مراح، الباحث في التراث الصحراوي بكلميم، أن "طقوس قبائل الصحراء في العيد لا تزال حاضرة بقوة في المجتمع، ولا تزال الأسرة في المنطقة متشبثة بها". وأضاف المتحدث أن "الأسر الصحراوية توارثت أّباً عن جد تقاليد عدم جرح الأضحية وأكل لحمها يوم العيد، وهناك بعض المكونات القبلية القليلة التي لا تأكل قلب الأضحية". وأشار الباحث إلى أن "أصل هذه العادة، وفقا للروايات الشفهية، بدأت بحادثة وقعت أيام الهجومات المتبادلة بين القبائل؛ فقد حدث أن أهل قبيلة في الصحراء وضعوا قلباً لذبيحة في رماد جمر ليلا لطهيه وناموا وتصادف هجوم قبلي عليهم، وكان ما أيقظهم للتصدي للهجوم هو انفجار القلب فوق الجمر من شدة النار، وأحدث صوتاً مدويا حسبه الغزاة باروداً". وزاد المتحدث أنه "منذ ذلك الزمن، تسود معتقدات اجتماعية، وفاء لهذا القلب الذي أنقذهم من الغزاة، وترسخت قيم تُحرم أكله وفق التقاليد المتوارثة". عادة صحية سعيد النبري، الطبيب المختص في المصلحة البيطرية بكلميم، يرى أن "عادة عدم تناول لحم الأضحية في يوم العيد من الناحية الصحية جيدة". وأوضح الطبيب البيطري: "بعد الانتهاء من سلخ الأضحية واستخلاص الأعضاء (الدوارة)، يلزم رشح سقيطة الأضحية، بوضعها في مكان بارد وحفظها من أي مصدر تلوث لمدة 24 ساعة". وأضاف سعيد النبري أن "رشح الأضحية يُمكن اللحم من الوصول إلى مرحلة النضح واكتساب نكهة مميزة، ووضع اللحم مباشرة في المجمد دون مرور 24 ساعة لا ينصح به؛ لأنه يحول دون حدوث الأنشطة الأنزيمية الساعية إلى نضج اللحم". وأشار المتحدث إلى أن "ترك السقيطة في درجة الحرارة الطبيعية، مع تزامن العيد مع فصل الصيف، يمكن أن يعرض اللحم إلى التلف والتعفن".