التحرش موضوع أُثار الإعلام ويثير وسيثير الرأي العام وسيُسيل الكثير من الحبر والمداد في الصحف وعلى مواقع التواصل الافتراضي. ويحتاج ويستدعي، في مجتمع يزعم أنه محافظ ومتدين، التوقف والوقوف عنده. وقد تناوله الفلاسفة والأدباء والعلماء والفقهاء ويستثنى منهم رجال السياسة، لقد درسوا وفسروا التحرش كظاهرة اجتماعية ومجتمعية لها علاقة بالجنس وقد يكونوا مصيبين في تحليلاتهم مع كونها ظاهرة مرتبطة وإلى أبعد الحدود بالحياة السياسية. يقول الفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير بأن الإنسان أي إنسان يسعى في حياته لكسب الثالوث المكوَّن من الثروة والسلطة والجنس ويكون مقدسا حين يُكتَسب ويصبح مدنسا حين يُفتقد. ولأن المعلوم بالضرورة من علم الاجتماع السياسي أن السياسة والجنس توأمان منفصلان تفسيرا، الراسخون في السياسة يختصونها لأنفسهم ويحرمونها على الناس والمنافسين، حتى أن بعضهم يربطها بأفلام جنسية حين يريد التقديم لها. الاثنان يؤولها حسب قراءته مادامت الأفلام الجنسية تدخل في المحرمات شأنها في ذلك شأن السياسة. ظاهرة التحرش الجنسي مدانة عالميا ووطنيا وتقع مسؤولية التحرش على الذكر المُثار وليس على المُثير أي الأنثى. وبالرغم من مونه من الرذائل الدينية ووجود ترسانة القانونية وتواجد منظمات وجمعيات مدنية للدفاع عن الضحايا فإنه على النقيض نعاين ضحالة في القضايا المنظورة والمندورة على المحاكم المغربية ولعل الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي هو وجه بشع لشعب لا يريد رؤية ومشاهدة ذاته ونفسه في مرآة عكستها تحرش شبان أربعة ومعهم مصورهم والمستقلون للحافلة وعلى رأسهم سائقها، تحرش يضرب في مقتل الفصل 21 و22 من دستور 2011 والذي ينص على السلامة الجسدية والنفسية والمعنوية ويحظر المس والحط بالكرامة الإنسانية لأي مواطن تحت أي ذريعة، على كل فرد-مواطن أن يخجل لأن تربيتنا وتعليمنا ومساجدنا وشوارعنا التي حشت وملأت عقول الأطفال قبل الشباب والشيوخ بأن المرأة عورة ومستباح شرفها ومالها ولحمها ووجودها في حافلة عمومية تابعة لشركة لها تفويض من الدولة بشكل مثير للغثيان ونمط مستفز وتشمئز له النفوس إلا من كومة حثالة آدمية وبقايا نفايات بشرية. في فلسفة علم النفس يفسرون إدانة التحرش بأنها رغبة دفينة تريد الذات أية ذات التحقق عن طريق اللمس وتكون الظاهرة فرصة لكل مزايد خاصة في الأخلاق بتجريم الآخر وتبرئة نفسه والعكس صحيح، الخطير هو تصوير وتفسير ظاهرة التحرش حسب الديدن المغربي وربطهما بثقافة الجسد الحلال أو الجسد الحرام سواء سفورا أو حجابا كما في إيحاءات أفلام السينما وإحالات المسلسلات ومنع نشر صور لأجساد عارية، إنه خليط من الكبت والليبيدو وصعوبة أو حرمان من إشباع الغريزة الطبيعية بسبب تكلفة الزواج المادية وغلاء السكن وهو جزء من كبت اجتماعي وحرمان سياسي عام تعكسه مرآة الحرمان وكبت الضمير الأخلاقي بقمع التعبير علنا عدا ما يتعلق بالتحرش في المجال السياسي بأجنحته وكتائبه السرية وإبداعاته التي يشق تأويلها إلا من أوتي من الفهم الفني كما الصوفية. العنف أقل خطرا وعنفا في التحرش الجنسي ضد الأبرياء من النساء والأطفال باغتصابهم حد الموت لكنه أكثر جرما وقتلا وعددا في عنف التحرش السياسي إما باختلاق القلاقل المتزامنة أو بتفجير الأسواق أو بدهس الحشود، كلاهما مليء ومشبع بالعنف. عنف السياسي المتحرش بالمتظاهرين بسحلهم وضربهم وقمعهم وسجنهم وتعذيبهم إلا أن اللحم الإنساني في التحرش أفضل كما يقول طوماس مان من خشونة الهراوات المستعملة ضد كل المحتجين. التحرش موجود أنى وليت وجهك في ساحات الحب كما في ساحات الجهاد بل وقد تصبح قيمة كما كتب نجيب محفوظ في {{الثلاثية}} الرائعة، تصرخ الأنثى مصدومة ويصرخ الرجل المضروب، الأولى في التحرش الجنسي والثاني في التحرش السياسي. الفحولة الذكورية والسياسية وجهان لعملة "رجولة" في المِخيال الشعبي. فالذكر يتحرش بالأنثى والمعارض لسياسة النظام "رجل شجاع". ويصور كثيرا الأدباء الوطن مثل امرأة جميلة لكن ينتهي الأمر في الأخير بعلاقة حب بدل بيان وتبيين لاأخلاقيته وتعمده جرح أنوثة النساء أو التحذير منه أو بالردع تربويا وقانونيا. إشباع الغرائز والشهوات وإقامة ثقافة الديمقراطية والحرية على التعبير عما يختلج القلوب والعقول تبقى واحدة من ضمن الحلول في ظاهرة التحرش بنوعيه الجنسي والسياسي، إن كانت للبرلمان شجاعة في تشريع القوانين. حب المواطن متل حب المواطنين. ولعل تجسيد صورة الوطن كامرأة في الكاريكاتور خير دليل. المعلوم بالضرورة في القانون وفي الأخلاق أن لمس الجسد أي جسد بدون توافق أو موافقة أو تراضي أو زواج محظور وممنوع حتى لقد أصبح، خاصة، جسد المرأة من الطابوهات المستعصية على الفهم، ولشدة الخوف منه قد يصاب الرجل بالعنة وهو العجز والضعف الجنسي. وللامتناع عن الانخراط في السياسة والمشاركة في الانتخابات يصاب أفراد المواطنين بعجز سياسي يخدم مصلحة المخزن والأحزاب الإدارية ويقوي شيوخ أحزاب قيل عنها وطنية. اللمس والحراك والاحتجاجات في التحرش الجنسي وكذلك السياسي تصبح عوامل لتحقيق الذات الفردية والجماعية. حين تسقط الأقنعة وننتقل من مناقشة جسد طفلة إلى جسد المجتمع، وحين ينتقل المجتمع من تفسير موحد وأوحد إلى تأويل جديد ومتجدد ومتعدد، وحين نتصارح قبل أن نتصالح وحين نعبر بشجاعة عما يختلج النفس دون خوف ودون تضييق. سندرك بأن التحرش الجنسي ليس لا غياب ضمير ولا حرمان من تربية ولا نقص في الأخلاق بل هو ظاهرة مجتمعية مُقَنَّعة. دخلت ملكة سبأ الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فرآهما صاحب الجند من الطير والإنس والجان النبي سليمان. أخيرا، لا تضايقوا أنفسكم أبدا عندما تخرج ذئاب بشرية لكي تغتصب امرأة، جدة أو أما أو زوجة أو أخت أو ابنة، أو تعبث بشرفها أو تعريها في سجن لتفحص عذريتها، عليكم أيضا أن تلوموهن لأنهن لم يلبسن تحت ملابسهن بدلة غطس أو حزام العفة، حافظوا على لومكم للضحايا حتى تصبحوا أنتم ضحايا يوما ما. الإنسانية هي الحل