رغم أن محاولات الدولة، بشكل رسمي أو غير رسمي، الدخول في مفاوضات مع معتقلي السلفية الجهادية انطلقت قبل قرابة خمس سنوات من داخل السجون، خاصة بعد الإفراج عن رموز التيار السلفي مطلع العام 2012، بموجب عفو ملكي تزامن مع حراك "20 فبراير"، ومسارعة من تبقى منهم داخل الزنازين إلى إصدار مبادرات "حسن النية"، كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج برنامج "مصالحة". برنامج مندوبية السجون ظهر فجأة في بلاغ وزارة العدل الصادر ليلة مناسبة عيد ثورة الملك والشعب الأسبوع الماضي، والذي أورد أن الملك محمد السادس أصدر عفوه عن 415 شخصاً؛ على أن هذا العفو شمل "مما تبقى من العقوبة السجنية أو الحبسية 13 من المعتقلين المحكومين في قضايا إرهابية شاركوا في برنامج (مصالحة)، وتحويل عقوبة الإعدام إلى السجن المحدد في 30 سنة لفائدة سجين واحد". وكشفت المندوبية أنّ "مصالحة" برنامج "فريد من نوعه على المستوى العالمي"، انطلق شهر مارس 2016 ضمن خطتها القاضية بنشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف العنيف داخل السجون؛ على أن الجهات الواقفة وراء بلورة المشروع تشمل المندوبية، بجانب كل من الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وخبراء مختصين. مبادرات سابقة بعد صدور قانون مكافحة الإرهاب رقم 03-03 بظهير شريف في 28 ماي 2003، إثر مصادقة مجلسي النواب والمستشارين في عهد حكومة ادريس جطو، سرت مقتضياته على أزيد من 2300 شخص بالمغرب إلى حدود الآن، فأدين المعتقلون الذين لقبوا وقتها ب"السلفية الجهادية" بأحكام سجنية تراوحت ما بين الإعدام والمؤبد وعقوبات امتدت إلى 30 سنة، إضافة إلى التبرئة والعفو الملكي. في 17 فبراير 2011، وفي سياق موجة ما سمي "الربيع العربي"، الذي ترجم في المغرب تحت مسمى "حراك 20 فبراير"، قام المعتقلون السلفيون بتنفيذ اعتصام احتجاجي بسجن سلا1، أثمر عن اتفاق 25 مارس 2011 بينهم وبين ممثلين عن مندوبية إدارة السجون ووزارة العدل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بموجبه تتم دراسة الملف في إطلاق سراح المعتقلين في شكل دفعات.. إذ سيتم الإفراج عن قرابة 196 منهم، ضمنهم رموز السلفية الجهادية، منتصف أبريل من العام ذاته. بعدها، وبشكل غير رسمي، دخلت الدولة في حوار داخلي مع بعض رموز السلفيين المعتقلين، الذين تقدموا بمبادرات "حسن نية" تحت مسمى "مراجعات"، أخذت صيغ بيانات ووثائق ماضية في "المراجعة والمصالحة"، بغرض إطلاق سراح باقي المعتقلين على أساس "التوبة" من الأفكار الجهادية والاندماج السليم في المجتمع والاعتراف بالثوابت الوطنية. من أبرز تلك المبادرات "التيار السلفي الإصلاحي" الذي أسسه قبل ثلاث سنوات حسن خطاب، زعيم خلية "أنصار المهدي"، الذي أدين بالسجن 30 سنة رفقة عبد الرزاق سوماح، الذي توبع ب20 سنة لتزعمه "حركة المجاهدين بالمغرب"، وهي المبادرة التي التحق بها أزيد من 200 معتقل سلفي، وأعقبت إصدار وثيقة مراجعات تحت مسمى "الطرح الحضاري"، إلى جانب وثائق "الميثاق السياسي"، و"البيان المدني للجنة الوطنية للمراجعة والمصالحة"، و"نظريات عامة لترشيد الصحوة الإسلامية داخل الوطن العربي.. في السياسة الشرعية والفكر الإسلامي". بعدها بأشهر، أي ليلة الاحتفال بالذكرى ال40 للمسيرة الخضراء في نونبر 2015، سيتم الإفراج عن سوماح والخطاب بمعية 35 معتقلا سلفيا آخرين، بموجب عفو ملكي استثنائي، قالت عنه وزارة العدل والحريات، وقتها، إنه جاء بعدما "أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم للتطرف والإرهاب، وأكدوا أنهم رجعوا إلى الطريق القويم، إضافة إلى أنهم أبانوا عن حسن السيرة والسلوك طيلة مدة اعتقالهم". حالات العَود تثير حالات عودة المعتقلين ضمن قضايا تتعلق بالإرهاب إلى التطرف من جديد بعد الإفراج عنهم، إما بعفو ملكي أو إثر انقضاء فترة محكوميتهم القانونية، قلق الأجهزة الأمنية، إذ سبق لمدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، عبد الحق الخيام، أن أشار خلال عرض سابق للتجربة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب بالمنتدى الإسباني المغربي حول "الأمن ومكافحة الإرهاب"، قبل أشهر، إلى أن المملكة تمكنت منذ سنة 2002 من تفكيك 155 خلية إرهابية، وإيقاف ما يقرب من 2885 شخصا، ضمنهم 275 حالة عَوَد. وتعليقا على حالات العود المسجلة لدى بعض المعتقلين السابقين في قضايا الإرهاب، اعتبر منتصر حمادة، رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، أن الحالات تبقى محدودة مقارنة مع عدد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم، سواء بعد نهاية مدة العقوبة السجنية، أو على هامش صدور عفو ملكي، "ولكن يبقى احتمال العود قائماً"، وفق تعبيره. وشدد منتصر، في تصريح أدلى به لهسبريس، على أن أهم بوابة تساعد المعتقلين التائبين والمفرج عنه على تطليق الخطاب الإسلامي المتشدد تبقى الاشتغال على إدماجهم في الحياة المجتمعية بعد مرحلة الإفراج، مسجلا أثر عدم تفعيل هذا الإجراء في أغلب حالات العود، "بما فيها حالات العود التي طالت معتقلين مغاربة شدوا الرحال نحو سوريا والعراق من أجل الالتحاق بالجهاديين هناك، ولعل أشهرهم الراحل أنس الحلوي، الذي كان ينشط بشكل سلمي مع اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، ولكن أمام ضيق الآفاق، وغياب الدعم، كان مصيره الالتحاق بالجهاديين قبل أن يلقى حتفه". إلى ذلك، وصف الباحث في الشؤون الدينية خطوة "المصالحة" مع معتقلي السلفية الجهادية بأنها نوعية ويجب التنويه بها، "لأنها تجعل المغرب يطرق باب التعامل المؤسساتي والعقلاني مع موضوع "المراجعات" من جهة، وتدبير مساطر العفو الخاص بالمعتقلين السلفيين منجهة ثانية"، مشيرا إلى تميزها بتداخل عمل عدة مؤسسات دينية وسجنية، رسمية وشبه رسمية، "مع تأطير علمي يتميز بحضور متخصصين في عدة حقول علمية (ومنها علم النفس)، وفي الحقل الديني، وفق برنامج مُحدد".