شكل الإفراج عن الشيوخ محمد عبد الوهاب رفيقي، حسن الكتاني، وعمر الحدوشي -الذين كانوا يعتبرون إعلاميا وأمنيا منظرين لتيار السلفية الجهادية- شهر فبراير من عام 2012، حدثا تاريخيا، بحكم أنه تم بأول عفو ملكي، بعد الدستور الجديد لسنة 2011، كما خلف أملا كبيرا لدى باقي المعتقلين في السجون على خلفية نفس الملف. مباشرة بعد هذا العفو اشترط (أبو حفص، الكتاني، الحدوشي) الإفراج عن بقية المعتقلين على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، من أجل التنازل عن مطالبتهم بمحاسبة المسؤولين عن اعتقالهم، والظلم الذي تعرضوا له على مدى تسع سنوات وذلك في ندوة صحفية حملت عنوان "هل ستقطع الدولة المغربية مع انتهاكات الماضي بعد إفراجها عن المشايخ الثلاثة". خروج المشايخ الثلاث، وقبلهم الشيخ محمد الفيزازي الذي طالب منذ خروجه من السجن بعفو ملكي أيضا بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية هذا الملف، جسد آمالا لم تتحقق بعد، بل تبددت بعض الشيء حين أعلن مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، في لقاء مفتوح مع الصحافة نظمته وكالة المغرب العربي للأنباء في 3 شتنبر 2013، أن ما يعرقل حسم ملف معتقلي السلفية الجهادية في المغرب، هو الخوف من احتمال عودة المسجونين إلى الإرهاب، وذلك بعد أن ثبت أن بعض المسجونين الذين تمتعوا بعفو بعد إدانتهم بالإرهاب عادوا لارتكاب نفس الجرائم. وأعرب الرميد عن أمله في أن تتم بلورة مقاربة معينة تسهل اكتشاف الأشخاص الذين راجعوا أنفسهم حتى يُمكنوا من مغادرة السجن بما يحفظ أمن البلاد، لأنه لا تملك البلاد أثمن من هذا الأمن. حالات العود التي تحدث عنها وزير العدل والحريات والتي باتت تشكل حجرة عثرة أمام حل هذا الملف الشائك تتمثل أولا في عودة بعض المفرج عنهم بعفو ملكي إلى اقتراف جرائم بشعة، مثلما حدث مع أيوب الرايضي شهر أبريل 2007 الذي أقدم على تفجير مقهى الإنترنيت بأحد مقاهي مدينة الدارالبيضاء بعد فترة وجيزة من استفادته من عفو ملكي، وبعض الأشخاص الذين تم القبض عليهم مرة أخرى بتهم تتعلق بمكافحة قانون الإرهاب بعد الإفراج عنهم بسبب قضائهم عقوبات سجنية على خلفية نفس الملف. حالة العود تشكلت أيضا من خلال ذهاب بعض المعتقلين السابقين على خلفية ملف "السلفية الجهادية" إلى سورية من أجل الجهاد، حيث اعتبر محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن توجه بعض المعتقلين الإسلاميين السابقين للقتال في سوريا، يعيق حل هذا الملف، وأشار محمد الصبار في حديثه خلال ندوة نظمتها وكالة المغرب العربي للأنباء يوم الثلاثاء 22 أبريل 2014، أن "سفر بعض المعتقلين (السابقين) الذين تمت محاكمتهم على خلفية قضايا إرهاب بعد إطلاق سراحهم، إلى مناطق توتر إقليمية، كسورية، تزيد من تعقيد الحل"، معتبرا أن "على هؤلاء المعتقلين أن يقدموا للدولة وللمواطنين إشارات تطمئنهم، وتؤكد أنهم قاموا بمراجعات للأفكار التي يتبنونها". العفو الملكي بعد توالي خيبات أمل عدد من المعتقلين في الإفراج عنهم في كل مناسبة وطنية أو دينية بعفو ملكي كما حدث عمن كانوا لوقت قريب يعتبرون شيوخا ومنظرين للسلفية الجهادية بالمغرب، وبسبب فشل جميع المقاربات التي أعلنتها الجمعيات الحقوقية ارتأى مجموعة من المعتقلين رفع مظلوميتهم إلى الملك محمد السادس من أجل التماس العفو الملكي لإطلاق سراحهم، كحق دستوري يمارسه الملك بالعفو عن المساجين و المحكومين من طرف المحاكم المغربية في مناسبات (عيدي الفطر و الأضحى، عيد المولد النبوي، عيد العرش، عيد المسيرة الخضراء، ذكرى ثورة الملك و الشعب، عيد الإستقلال، ذكرى وثيقة المطالبة بالإستقلال). ومن المركب السجني (عكاشة) بالبيضاء، رفع معتقلون في إطار قانون مكافحة الإرهاب رسالة إلى الديوان الملكي يلتمسون من خلالها من الملك محمد السادس إطلاق سراحهم. وجاء في مراسلة المعتقلين -اطلعت عليها "التجديد"- "نلتمس ونمد يدنا إلى جلالتك لإنهاء محنتنا ومأساتنا ومعاناتنا وإعطاء أمركم السامي المطاع بإطلاق سراحنا بعد هذه السنين الطوال العجاف التي قضيناها في السجن. ولا سيما أننا منذ مدة ومع الكثير من المعتقلين في باقي سجون المملكة أسسنا عدة مبادرات وانخرطنا في أخرى وطنية، وقمنا بالعديد من المراجعات الفكرية وتصحيح للمفاهيم وترشيد العمل الإسلامي في بلادنا، والإيمان بثوابته الدينية، ووحدته الترابية والدفاع عن كل مقدساته، والإيمان بالعمل المؤسساتي، ونبذ لكل أشكال العنف والتطرف، ومحاربته والدعوة إلى الله بالحكمة، والتبصر والعقل والحفاظ على الأمن واستقرار وسلامة بلدنا وشعبه المسلم الحبيب بجميع مكوناته ومشاربه...نقول لأمير المؤمنين محمد السادس "وا محمداه"، كما قالت الجارية "وامعتصماه"، أنقذ ما يمكن إنقاذه، وكن سببا في لم شملنا مع ذوينا وأطفالنا، وأدخل البسمة والفرحة في وجوههم وأزل الحزن والدمعة منها. فقد صار لزاما ومؤكدا تعميم شعار (إن الوطن غفور رحيم)، وأن يصطلح الوطن مع أبناءه ويحتضنهم لأنه في مرحلة في أمس الحاجة لأبناءه". ولم تكن هذه الملتمسات الموجهة إلى الملك محمد السادس الأولى من نوعها، ففي كل سنة وخلال كل مناسبات العفو الملكي يبادر عدد من المعتقلين على ذمة الملف إلى مراسلة القصر، مديرية السجون وإعادة الإدماج، رئاسة الحكومة، وزارة العدل و الحريات والمجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل إدماج أسمائهم ضمن لوائح المعفى عنهم. ***** آليات لطي الملف منذ سنوات مضت كثر الحديث عن آليات لحل ملف "السلفية الجهادية" لاسيما وأن هذا الملف عرف الكثير من الانتهاكات والتجاوزات، والانزلاقات التي سبق للملك محمد السادس أن صرح بوجودها في حديث خص به يومية إلباييس الإسبانية سنة 2005. أبرز ما طرح في باب الحل، مبادرة "أحمد حرزني"، الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان(ما يسمى اليوم بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان)، تبلورت مبادرة "حرزني" شهر يونيو من سنة 2006 بعد لقاء عقده هذا الأخير مع "خليل الإدريسي"، الرئيس السابق لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إذ اقترح حرزني أن يحرر المعتقلون على ذمة قانون مكافحة الإرهاب إفادات كتابية يتبرؤون فيها من الأعمال الإرهابية، وتوضيح موقفهم من توابث الأمة (موقفهم من الملكية بالمغرب والعنف والتكفير)، وهو ما نفذه بعضهم بتوجيه رسائل إلى منتدى الكرامة، إضافة إلى طلبات عفو ملكي بعث بها المعتقلون مباشرة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ولايزال البعض يبعثها إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان وكذلك إلى مديرية السجون وإعادة الإدماج. وزير الداخلية السابق، شكيب بنموسى، أكد أيضا في معرض رده عن سؤال بمجلس النواب يوم الأربعاء 20 ماي 2009 حول "الحوار مع معتقلي السلفية الجهادية"، أنه "إذا تبين، كما هو معمول به وفق للقوانين الجاري بها العمل بالنسبة لكل السجناء، أن هناك استعدادا لدى معتقلي "السلفية الجهادية"، للاعتراف بأخطائهم ومراجعة أفكارهم، فهناك قنوات للخروج من هذه الوضعية، من بينها إمكانية التمتع بالعفو الملكي السامي"، موضحا أنه بالفعل، بادر عدد من المعتقلين إلى التقدم بطلبات للاستفادة من هذه الإمكانية عن طريق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج. منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، جمعية عدالة من أجل محاكمة عادلة، وجمعية الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أعلنت عن مبادرة لتسوية ملف السلفية السنة الماضية، حيث تم تنظيم لقاء تشاوري كان الأول من نوعه في المغرب لأنه استطاع الجميع بين جمعيات وفعاليات حقوقية وممثلين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان ومحامين وأكاديميين، اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، وأقطاب ما يصطلح عليهم برموز "السلفية الجهادية"، حسن الكتاني، محمد رفيقي (أبو حفص) وعمر الحدوشي، بالإضافة إلى معتقلين سلفيين سابقين. اللقاء اتخذ كعنوان له "من أجل فهم مشترك للحالة السلفية وسؤال المشاركة في الحياة العامة"، كان الهدف منه رسم خارطة الطريق بشأن محاولة إيجاد تسوية شاملة ومتعددة المستويات ومتوافق عليها بخصوص السلفيين المعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، من أجل تمتيع باقي المعتقلين، على مستوى وضعيتهم بالسجن، بالحقوق والواجبات كما هي متعارف عليها في القانون وفي المعايير الدولية ذات الصلة، إعمال مبدأ التأهيل الاجتماعي والمصالحة مع المعتقلين السلفيين المفرج عنهم، وتوفير الدعم في اتجاه الاندماج في الحياة العامة، بالإضافة إلى العمل على التأسيس لسياسة تصالحية لتصحيح الوضع المتوتر بين الأطراف ذات الصلة بهذا بالملف، والعمل على إطلاق سراح معتقلي السلفية ممن لم يتورط في العنف وفي جرائم الدم. وفي خطوة ثانية، لإنهاء حالة الاحتقان التي طبعت علاقة الدولة بالحركات السلفية، التقت ثلاث جمعيات حقوقية (منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، جمعية عدالة، جمعية الوسيط) والشيخ أبو حفص، ب"عبد الإله بنكيران" رئيس الحكومة وهو اللقاء الرفيع المستوى الذي يعتبر الأول من نوعه منذ سنة 2003. اللقاء كان من أجل التباحث حول مستجدات وضعية المعتقلين على خلفية ملف السلفية الجهادية، وعرض العديد من المطالب ذات الصلة ومن أجل بحث سبل الطي النهائي لهذا الملف المعقد.