بعدما نجحت الدولة في الوصول إلى حملة الفكر المتطرف من داخل السجون، واستيعاب عدد منهم ممن أعلنوا "توبتهم" من معتقدات "السلفية الجهادية" التي قادتهم إلى الاعتقال بموجب قانون مكافحة الإرهاب، أثارت الخطوة التي حملة عنوان "مصالحة" حنق عدد ممن يطلق عليهم المشايخ والدعاة السلفيين. وعلمت هسبريس أن عددا من هؤلاء المشايخ مغتاظون للاستغناء عنهم في هذه المبادرة، وعدم إشراكهم في برامجها، خاصة لقاؤهم مع المعتقلين ومناظرتهم، وخاصة أن عددا من مبادرات التي قادها مشايخ سلفيون حين كانوا معتقلين أطلقت من داخل السجون، لكن يبدو أنها لم تعط أكلها، بالرغم من الزخم الإعلامي الذي صاحبها، ما يعني أن بساط "المراجعات" تم سحبه رسميا من تحت أرجل رموز "السلفية الجهادية". صراع سلفي كان صراع "الشرعية" قائما بين مشايخ السلفية، الذين كانوا يسارعون الزمن لكسب مزيد من الأتباع من داخل السجون أو حتى بعد الإفراج عنهم. وظهرت بوادر هذا الصراع "السلفي- السلفي" بين مشايخ "السلفية الجهادية" من المفرج عنهم منذ 2011 بعفو ملكي، إثر دعوة سلفيين مدانين سابقا في قضايا الإرهاب إلى الانخراط في هيئات سياسية قائمة أو تأسيس أخرى جديدة بين صفوف المعتقلين. رموز سلفية، من قبيل حسن خطاب وعبد الرزاق سماح، ومحمد الفزازي وعبد الكريم الشاذلي، أطلقت مبادرات متفرقة بهدف واحد هو "الإفراج عن المعتقلين" و"إدماجهم اجتماعيا وسياسيا"، تحت مسميات عدة، من قبيل "الجمعية المغربية للدعوة والإصلاح" و"الحركة السلفية للإصلاح السياسي"، وغيرها؛ والتي دفعت إلى نشوب خلافات وصلت درجة الاتهامات المتبادلة بالتسابق وراء "امتلاك مفاتيح حل ملف معتقلي السلفية الجهادية" و"طرح قوائم المعتقلين على مساطر العفو الملكي" وأيضا "امتلاك شرعية المراجعات الفكرية وطرح المبادرات". خطوة مفاجئة لكن الخطوة التي أخذت الدولة بزمامها، وهي برنامج المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج "مصالحة"، ظهرت فجأة في بلاغ وزارة العدل الصادر ليلة مناسبة عيد ثورة الملك والشعب الأسبوع الماضي، الذي أورد أن الملك محمد السادس أصدر عفوه عن 415 شخصاً؛ على أنه شمل "مما تبقى من العقوبة السجنية أو الحبسية 13 من المعتقلين المحكومين في قضايا إرهابية شاركوا في برنامج (مصالحة)، وتحويل عقوبة الإعدام إلى السجن المحدد في 30 سنة لفائدة سجين واحد". عنصر المفاجأة في البرنامج هو أن مرحلته الأولى تمت في سرية تامة، بعيدا عن أعين وسائل الإعلام وحتى عن مشايخ السلفية، إذ إن عمليات التكوين والتأهيل أشرف عليها طاقم من خبراء في علوم النفس والدين وإدارة الأزمات، في مقدمتهم الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أحمد عبادي، والخبير المغربي في الشؤون الإستراتيجية وتدبير الأزمات ورئيس المرصد المغربي حول التطرف والعنف، المصطفى الرزرازي. وكشفت المندوبية أنّ "مصالحة" برنامج "فريد من نوعه على المستوى العالمي"، انطلق شهر مارس 2016 ضمن خطتها القاضية بنشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف العنيف داخل السجون؛ على أن الجهات الواقفة وراء بلورة المشروع تشمل المندوبية، بجانب كل من الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وخبراء مختصين. أبو حفص: مبادرة إيجابية الناشط والباحث الإسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي قال لهسبريس إن مبادرة "مصالحة" تثبت أن الدولة هي المتحكم بالفعل وعدم الفعل في ملف شائك كمعتقلي الإرهاب"، مضيفا: "هذا أمر منطقي في ملف كبير، لأن المعتقلين لدى الدولة، وهي صاحبة المبادرة؛ على أن تشرك الأطراف الأخرى التي يمكنها المساهمة في حل الملف". ويرى رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام أن المبادرة "وإن جاءت متأخرة"، فقد سبق له الدعوة إلى إطلاق مبادرات تتعامل مع الدولة في ملف معتقلي السلفية الجهادية، وزاد: "كنت دوما ضد مبادرات فردية وشخصية وحتى عن طريق بعض الأحزاب، لأنه دون شراكة مع الدولة فتلك المبادرات كانت مجرد أوهام ولم أكن أتوقع يوماً ما أن تؤدي نتيجتها". الباحث المغربي الشهير بلقب "أبو حفص" قال إن برنامج "مصالحة" مبادرة "يجب تشجيعها رغم ما قد يكون من ملاحظات على مستوى الشكل والمضمون، لكنها تبقى جدية وإيجابية ستشجع هؤلاء المعتقلين من الدخول"، منبها إلى أن عددا كبيرا منهم في السابق "كان لا يتجاوب مع المبادرات المعروضة لأنه لا يتوقع منها أي نتيجة، أما اليوم فقد ظهرت أولى النتائج ولو مبدئيا فنسمع عن التحاق عدد منهم وستفتح الباب لعوف عن هاته الفئة من المعتقلين".