قبل ستة أشهر إلا أربعة أيام، كان الأستاذ خالد مشبال، صديقُ عُمرِ والدي، يقف أمام نعشه وقد ابتل وجهه ببكاء حار.تذكرت ساعتها يوم أخبرني أبي بأنه لم ير، خِلال خمسين عاما من الصُحبة، خالدا يبكي أبدا. كان مُنهكا تعبا ولكنه، كما هُم الأوفياء وهو شيخهم، جاهد في نفسه وغالب مرضه ليأتي من طنجة ويلقي على صاحبه في بيته السلام الأخير. وشوش في أذني وهو يعزيني وأعزيه: "سْبقني صاحبي.. سْبقني". في يومنا الحزين هذا ينسحب الأستاذ مشبال أيضا، لتتغير معالم عالمنا أكثر. ليست هي الوجوه أو الأسماء فقط التي تختفي من حولنا تباعا، هو زمن بأكمله ينقضي، وجيلٌ مقاومٌ مبدعٌ هرَبَ مَغرِبهُ في صدره صُورا وأنشده فنا ومعارف، يتلاشى اليوم من أمامنا رويدا رويدا. الحقيقة أننا لم نعرف ذلك الجيل حقا ولن نعرفه أبدا، وتلك هي الخسارة الكبرى. في تأبين الراحل الأستاذ الطيب الصديقي، ختم والدي كلمته ببيتي شعر للمتنبي كان كثير الاستشهاد بهما، قال: لئن تركنا ضُميرا عن ميامننا ** ليَحدثن لمن ودعتهم ندمُ إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ** ألاتفارقهم فالراحلون همُ سلاما محمد حسن الجندي، سلاما خالد مشبال. وإنا لله وإنا إليه راجعون. * نجلة الفنان الراحل محمد حسن الجندي