أمضت حكومة سعد الدين العثماني أكثر من مائة يوم من عمرها، وهي مدة واجهت فيها تحديات كبيرة، لا تقل ثقلاً عن تلك التي عرفها "البلوكاج" الذي سبق ولادتها طوال أشهر عدة، واليوم يواجه ربان الحكومة رهانات مرتبطة بالحزب والحكومة والاحتجاجات المنتشرة في جهات المغرب. هسبريس طرحت سؤالاً حول "تقييم أداء الحكومة بعد مرور 100 مائة" على متصفحي الجريدة الإلكترونية، وكان الجواب ب"ضعيف" مستأثراً بحصة الأسد في المائة، من لدن 16070 مشاركا ومشاركة من أصل 18458 مجموع المشاركين في الاستطلاع. أما الذين قيّموا أداء حكومة سعد الدين العثماني ب"جيد"، فكان عددهم قليلاً جداً، لا يتجاوزون 846 مشاركاً بنسبة وصلت 4.5 في المائة، في حين اعتبر حوالي 1542 مشاركاً بنسبة 8.3 في المائة أن الأداء كان "متوسطاً". يصعب تقييم عمل أي حكومة في مائة يوم؛ لكن جرى التقليد عالمياً أن يكون هذا الأمر شاملاً لقرارات وإنجازات على المدى القريب. وقد سبق للعثماني أن أعلن عن تقديم حصيلة المائة يوم؛ لكن جرى تأجيله إلى بداية الدخول السياسي المقبل. تعليقاً على موضوع أداء الحكومة في هذه الفترة، يقول محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد الملك السعدي، في حديث مع هسبريس، إن "الولادة العسيرة للحكومة كان لها تأثير كبير على أدائها في المائة يوم". وأوضح العمراني بوخبزة أن "الإكراهات التي واجهتها الحكومة بعد أزيد من ستة أشهر من البلوكاج أثّرت على انطلاقة عمل الحكومة، حيث ركزت في البداية على إقرار قانون المالية وإعداد قواعد عمل الحكومة واختصاصات الوزراء". وأضاف المتحدث أن الحالة الاجتماعية المتسمة بالاحتقان، خصوصاً في الحسيمة، كان لها هي الأخرى الأثر الكبير على عمل الحكومة، لافتا إلى أن "عدداً من المناطق الأخرى تعيش وضع الاحتقان، من خلال احتجاجات مرتبطة بعدد من القطاعات الحكومية، خصوصاً التعليم والصحة". ويرى العمراني بوخبزة أن هذه العوامل أثرت على طبيعة تشكيل الحكومة وتركيبة الأغلبية والمعارضة، وقال إن "الأغلبية أفرزت فسفيساء ينقصها الانسجام المطلوب لصياغة وجهات نظر متقاربة ليتم الدفاع عنها من قبل جميع الفرقاء داخل قبة البرلمان". البيت الداخلي للأحزاب كان من الأسباب التي أثرت على حصيلة الحكومة، حسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد الملك السعدي، حيث يقول إن "التشنجات داخل حزب العدالة والتنمية جعلت عمل الحكومة ضعيفاً، خصوصاً أن هناك نوعاً من التذمر على ممثلي الحزب داخل الحكومة، حتى أصبحنا نسمع تيار الوزراء الذي يتعرض للانتقاد من إخوانهم في الحزب". من جهة أخرى، يرى أناس المشيشي، الأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أنه يصعب تقييم عمل حكومة بعد مرور 100 يوم؛ على "اعتبار أن ولادتها لم تكن طبيعية، وجاءت نتيجة فشل عبد الإله بنكيران في تشكيل حكومته". هذا الأمر، حسب المشيشي، جعل الوعود السياسية تغيب عن حكومة العثماني، وأضاف: "غاب ما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية من انتظار نفاد 100 يوم للتأكد من صدقية الوعود الانتخابية للحكومة التي قدمتها للناخب، خصوصاً أن الاختلاف كان بيناً حول مكوناتها بين فترة بنكيران وبين مرحلة العثماني الذي قبل ما رفضه الأول؛ وهو ما جعلنا نستعبد قيام حكومة على أساس برنامج سياسي متوافق حوله، بل كان الهاجس الأساس هو تشكيل الحكومة بأي ثمن وفي أقرب الآجال". ويضيف المشيشي، في حديث لهسبريس، أن عاملاً آخر لعب دوراً كبيراً في هزالة الحصيلة، وهي "ولادتها في سياق حراك الريف، وتعاملت معه بانتظارية ثم تذبذب في لمواقف، خصوصاً أنه حراك ذو طابع اقتصادي واجتماعي؛ لكن الحكومة واجهته بالاتهام بالتخوين، ثم أقرت بعد ذلك بعدالة المطالب المرفوعة". هذا التعاطي، حسب الأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، ولد انطباعاً سلبياً عن حكومة العثماني لدى الرأي العام، وزاد قائلاً: "أضف إلى هذا أن شخصية العثماني متكتمة على خلاف القدرة التواصلية لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران". وأضاف المتحدث أن العثماني "يفضل المقاربة التقنية والتدبيرية لملفات عادية بدل مقاربة الملفات الكبرى من محاربة الفساد وتقديم تصور واضح ودقيق لإصلاح منظومة التربية والتكوين والقضاء والإدارة". وأشار المشيشي إلى أنه يتوجب على حكومة العثماني تغيير الانطباع السلبي عنها لدى فئات من المجتمع، عبر تغيير مقاربتها للملفات ذات الطابع الاستعجالي؛ وعلى رأسها ترسيخ العدالة المجالية في ربوع الوطن.