كُل صباح، تتسلق الشمس سماء أكبر مُدن المغرب وأكثرها حركية إنها الدارالبيضاء.. كُل يوم، يفترق أبناء العاصمة الاقتصادية نحو وجهات عدة، ويجتمعون على رغبتهم في تحقيق الرفاه والسعادة لأنفسهم ومن معهم، كُل حسب اختياراته.. السعادة ليست نفسها لدى الجميع؛ فالبعض يتسلل خُفية لسرقة لحظات سعادة غير مُعتادة، يبتكرون طرقا غير طبيعية ويستعملون وسائل قد تودي بهم إلى مصير غير معروف. شباب وأطفال باتوا يقبلون على تعاطي مخدر أصبح يعرف انتشارا أوسع، وبات يتغلب على جل الأنواع التقليدية خاصة في صفوف الصغار سنا.. مخدر ذو تركيبة كيماوية محضة، أما تأثيره فيختلف عن باقي أنواع المخدرات، إنها عقاقير الإكستازي أو كما يلقبها مستعملوها حبوب السعادة والحب، تختلف الأسماء إلا أن النتيجة واحدة. نوفل ذو الخمسة عشر ربيعا واحد من بين كثيرين من أبناء العاصمة الاقتصادية ممن يدمنون تعاطي المخدر، كان أول عهده به خلال ليلة مقمرة وأثناء تجمع لمراهقين صغار لم تتجاوز أعمارهم الثماني عشرة سنة، تناول بداية نصف حبة كانت تتخذ شكل القلب، قبل التوجه للسهر ببيت أحد الأصدقاء.. يتذكر نوفل تلك الليلة التي تعود إلى ما قبل سنة من اليوم قائلا: "أثناء تناولها للمرة الأولى، أحسست بشيء غريب لم أحسه من قبل، أشبه بالخيال من الواقع، تغلبت على كل خجلي وبت كشخص لا أعرفه". خرج الإكستازي إلى الوجود بداية القرن العشرين بألمانيا، تحت يافطة طبية، إلا أنه تحول شيئا فشيئا إلى ملاذ للهاربين من واقعهم اليومي وغير القادرين على مواجهته، يعرفها حبيب عبد الرحيم، عميد شرطة ممتاز ورئيس مصلحة مكافحة المخدرات بمديرية الشرطة القضائية، بكونها مخدرات مركبة تصنع بناء على مواد كيميائية محضة في مختبرات سرية توجد ببعض الدول الأوروبية، وخصوصا أوروبا الغربية، تختلف عن باقي المخدرات الأخرى التي يكون أصلها نباتيا مثل الكوكايين والقنب الهندي. حبوب الإكستازي تختلف عن باقي العقاقير، فمن يراها للمرة الأولى قد يعتقد أنها مجرد حلويات أطفال صغيرة، إذ إن منتجيها يبدعون في تشكيلها تارة على شكل قلب وتارة كوجه مبتسم وأحيانا كرمز للفايسبوك ومرات على شكل وجه حيوان أو غيرها، كما تختلف الألوان بين الأبيض والأزرق والوردي، أما ترويجه فيتم تحت مسمى "السعادة" أو "الحب". سعادة وهمية يقول خالد ذو الأربع والعشرين سنة، والذي بات بين ليلة وضحاها موزعا لعقار الإكستازي يبحث كل يوم عن متعاطين جدد، إن "هذا المخدر يختلف عن باقي الأنواع بكونه يجعل من يتناوله يحس بالسعادة والفرح وبأن الحياة خالية من المشاكل والعراقيل". نوفل، ذو الملامح الطفولية بشعره البني وابتسامته التي لا تزال تحمل جزءا من براءته، لم تعد نصف الحبة تكفيه لتحقيق سعادته الوهمية؛ فهو اليوم كلما أراد السهر رفقة أصدقائه أو حتى الاجتماع معهم بالشارع يضطر لتناول الإكستازي. يقول التلميذ، الذي لم يتعدّ مراحل الدراسة الإعدادية بعد، في لقائه بهسبريس: "كلما أردنا الاستمتاع مع بعضنا البعض ضروري أن نتناول الإكستازي، خاصة أنه حين تناولها لن تظل جالسا فقط بل ستغني وترقص وحتى الموسيقى ستسمعها بشكل مختلف عن العادي"، مضيفا: "أي مخدر حينما تتعاطاه يكون الغرض هو تحقيق السعادة". العقار، وبفعل تركيبته الكيميائية، يساعد على إفراز الهرمون المسؤول عن السعادة، إلا أنها تخلق دمارا نفسيا كبيرا في صفوف متعاطيها، يقول خالد: "إن للإكستازي تأثيرات سلبية كبيرة، إذ تتسبب في وقوع المتعاطي في اكتئاب حاد قد يصل إلى أن لا يستطيع الفرد الخروج من بيته ولا أن يتحدث مع الناس إن لم يتعاطاها"، مواصلا: "قد يظهر للعيان أن الأمر يتعلق بتعاطي مخدر واحد فقط إلا أن الإكثار من تناولها يتطلب إرفاقها بالتدخين وشرب الكحول وغيرها ليصبح الفرد وسط دوامة لن يستطيع الخروج منها على الإطلاق". مدمنون صغار الإكستازي يختلف عن باقي أنواع المخدرات بأنه بات يجلب أكثر فأكثر مدمنين صغار السن، أبرزهم من رواد الثانويات والإعداديات، يقول خالد إن أغلب زبنائه هم من تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة قائلا: "الكبار يعرفون أضرار الإكستازي، في حين أن الصغار لا يزالون يجهلونها". تؤكد أمينة باجي، رئيسة الفدرالية المغربية للوقاية من التدخين والمخدرات، أن تعاطي المخدرات انتشر في صفوف رواد المدارس انتشارا مهولا خلال السنوات الأخيرة، وتشير إلى أن الإناث هن الأكثر تعاطيا "لأنهن أكثر اندفاعا ولا تخفن"، حسب باجي. وتشير باجي، في حديثها مع هسبريس، إلى أن الأسباب الحقيقية التي تدفع إلى تناول المخدرات هي الاضطرابات النفسية وعدم الثقة في النفس والأمراض النفسية التي تكون في حالة خمول، قائلة: "هؤلاء يبحثون عن متنفس لهم، خاصة أنهم يحسون بالحكرة وضعف الشخصية وبأنهم مهمشين ولا يستطيعون تحقيق ذواتهم وهي كلها عوامل تدفعهم إلى تعاطي المخدرات إما للنسيان أو الإحساس بالقوة". تعاطي المخدرات في صفوف الصغار سنا، وخاصة الإكستازي الذي يتراوح ثمن الحبة الواحدة منه ما بين 60 و80 درهما، يضع الأطفال والمراهقين أمام إشكالية التمويل، إذ يؤكد نوفل أنه من خلال تجربته الشخصية يبقى المصدر الأول لاقتناء هذا العقار هو ما يمنحه له والده من أموال قائلا: "بالنسبة إليّ مصدري الأول هو والدي، إلا أن هناك شبابا يبيعون ملابسهم للحصول على الأموال، وأغلب من أعرفهم يقومون بهذا الأمر؛ فيما آخرون بدؤوا بالسرقة والإجرام للتمكن من دفع ثمن الإكستازي". وحين سؤاله عما إذا كان لا يخاف مما ستؤول إليه أمور تعاطيه، كان جوابه كالتالي: "الخوف موجود دائما إلا أن الإنسان يحاول أن يتحدى عددا من الأشياء من أجل الوصول إلى شيء يرغب فيه وللإحساس بنشوة لا يحسه حينما يكون صاحيا". التعاطي يدفع إلى التوزيع تعاطي الإكستازي يختلف عن باقي أنواع المخدرات فهو يدفع من يتناولها إلى التحول بسرعة مهولة من مجرد متعاط إلى موزع يبحث عن الأرباح وعن ما يؤدي به ثمن الإكستازي التي يتناولها هو شخصيا، يقول خالد في حديثه مع هسبريس: "كل من يروجون الإكستازي يبدؤون أولا باستهلاكه، إلى أن تكتشف أن الأمر يدر مالا فتبدأ بالبيع". ويروي خالد تفاصيل التحول من متعاط إلى مروج قائلا: "في اليوم الأول، لا تجد الإكستازي تسمع فقط أصدقاءك يتحدثون عنها وبأنها تحقق السعادة، وترى أن لا مشاكل في الحياة تريد تجربتها فتقوم بذلك ثم ترفع تدريجيا من الكمية بعدها بشهرين أو ثلاثة ترفع الكمية ثم تكتشف أنه لا يوجد المال الكافي لشراء الكمية التي تلزمك، وبعدها تجد نفسك مضطرا للشراء بالجملة، فتبدأ بداية ببيع عشرة ثم عشرين إلى أن تكبر الدائرة". ارتفاع الكميات مخدر الإكستازي بدأ يعرف ارتفاعا كبيرا بأراضي المملكة، إذ تضاعفت الكميات المحجوزة خلال السنوات الأخيرة ناهيك عن تطور أعداد المروجين الذين تم اعتقالهم. وحسب المعطيات التي حصلت عليها هسبريس من مصادر أمنية، فمنذ انطلاق السنة الجارية وإلى حدود نهاية الشهر الماضي، تم حجز ما مجموعه 380 ألفا و309 أقراص من مخدر الإكستازي، فيما بلغت المحجوزات السنة الماضية 481 ألفا و646 قرصا. كمية محجوزات الإكستازي عرفت ارتفاعا كبيرا منذ عام 2011 الذي تم الحجز فيه فقط على 304 أقراص، ليرتفع العدد شيئا فشيئا ويبلغ عشرات الآلاف مع مرور الوقت. الارتفاع المستمر للمحجوزات من مخدر الإكستازي رافقه أيضا ارتفاع في القبض على مروجي هذا النوع من المخدرات، إذ ارتفع العدد من القبض على أربعة مروجين فقط عام 2011 ليصل إلى 210 مروجين خلال العام الماضي، و237 مروجا منذ انطلاق السنة الجارية وإلى حدود نهاية يونيو المنصرم. يقول رئيس مصلحة مكافحة المخدرات بمديرية الشرطة القضائية إن هذه المخدرات تأتي إلى المغرب بالدرجة الأولى من دول أوروبا الغربية، خاصة هولندا وبلجيكا المعروفين على الصعيد الدولي بكونهما من الدول الأولى المصنعة لهذا المخدر. وتلج هذه المخدرات البلاد عن طريق بعض المراكز الحدودية الموجودة بشمال المملكة، خصوصا من مدينة طنجة الميناء المتوسطي أو الميناء البحري للناظور أو المعبر الحدودي بني أنصار. كما أنها تدخل في بضائع تكون مبعوثة من لدن أفراد الشبكة الاجرامية من الدول الأوروبية وتكون مخبأة بإحكام، مؤكدا على كونها لا تصنع بالمغرب. ويشير عبد الرحيم إلى أن هناك مزودين في الدول الأوروبية وأناسا يتكلفون بعملية نقل هذه المخدرات وآخرين يستقبلونها على الصعيد الوطني وأفراد الشبكات الإجرامية الذين يقومون بتوزيعها في جميع مدن المملكة، منبها إلى سهولة الربح الكبير من جراء ترويج هذا المخدر، إذ إن ثمنه بأوروبا لا يتجاوز الأورو الواحد، أي حوالي عشرة دراهم مغربية؛ فيما يباع بسوق الجملة بالمغرب بثلاثين درهما فيما يصل ثمن بيعه للعموم حتى 200 درهم أحيانا، ناهيك عن أنه يتم إرسال كميات كبيرة بدون الحاجة إلى لوجستيك كبير قائلا: "مثلا يتم إرسال حقيبة مع من ينقلون السلع تضم 50 ألف إكستازي ودون أي مرافق". ويقول خالد جوابا عن سؤال هسبريس حول من يزوده بالإكستازي: "لكل شخص منافذه ومصادره؛ فهناك من يتوصل بها بالدارالبيضاء فيما من يرغبون باقتنائها رخيصة يسافرون لجلبها من مدن الناظور والسعيدية وطنجة وتطوان". أما عن مراكز بيعها للعموم، فيؤكد أنها في جل الأماكن، سواء أمام المدارس والثانويات وبالأزقة والدروب وفي مراكز تجمع الشباب وحتى بالمقاهي. تأثيرات نفسية وجسدية للإكستازي عواقب وخيمة، بداية بالأضرار الجسدية ووصولا إلى أضرار نفسية. يقدم يوسف، 20 سنة، لهسبريس، حكايته مع ما خلفه له تعاطي الإكستازي من أضرار جسدية قبل أن يقرر الإقلاع عنه بصفة نهائية قائلا: "أول مرة تعاطيت الإكستازي كانت في طنجة حينما منحني إياها أحد أصدقائي قبل أن تتسبب لي في أمراض جسدية عديدة فقررت الإقلاع عنها". يفيد يوسف بأنه بداية شرع في تقيؤ الدم، قبل أن يكتشف أن الإكستازي خلفت له مرضا على مستوى المعدة لا يزال يعاني من مخلفاته إلى حد الساعة، موصيا الشباب بعدم التوجه إلى تعاطي أية مخدرات؛ لأنها تخلف أضرارا عدة، كما أنها تفسد العلاقات مع الأبوين. يقول محمد البارودي، أخصائي نفساني، في حديثه مع هسبريس، إن لتعاطي المخدرات عموما أضرارا كبيرة على الصحة النفسية قائلا: "حينما يدخل التلميذ أو التلميذة في مرحلة التعاطي لفترات طويلة ويصل مرحلة الإدمان، فإن الأمر تكون له تأثيرات سلبية على مستوى الصحة النفسية، كما يخلف مجموعة من حالات اضطرابات الأمراض النفسية والاكتئاب والخوف المرضي"، مضيفا: "ناهيك عن أنها أحيانا تخلف حالات أمراض عقلية مثل السكيزوفرينيا مع ظهور بعض الهلوسات مثل هلوسات بصرية أو سمعية". إجراءات أمنية يقول عميد الشرطة الممتاز، الذي تحدث إليه هسبريس، إن المديرية العامة للأمن الوطني اتخذت مجموعة من الإجراءات التي تدخل في إطار التدخلات الاستباقية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية من أجل القضاء على جميع الأشكال الإجرامية؛ بما في ذلك الاتجار بمخدر الإكستازي، موضحا أنها "تتجسد في تحسيس المصالح العاملة بالمراكز الحدودية التي تعرف دخول هذه المخدرات بضرورة إيلاء الانتباه إلى هذه المسائل، وخاصة الشركات الدولية للنقل الدولي للبضائع والمسافرين، على أساس أن كميات كبيرة من هذا المخدر تأتي عبرها". ويشير عبد الرحيم إلى أن الإجراءات الغاية منها تحسيس العاملين بالمصالح الأمنية بضرورة إيلاء اهتمام كبير للبضائع التي تأتي من دول أوروبا الغربية عن طريق الاشتغال في إطار الكلاب المدربة للعمل على كشف هذه المخدرات. وواصل المتحدث قائلا: "جميع المصالح الأمنية في جل التراب الوطني، ليس فقط على مستوى المعابر الحدودية، تعمل من أجل تكثيف الجهود وجمع المعلومات المهمة الكفيلة بتفكيك هذه الشبكات الإجرامية، إذ تم توجيه تعليمات صارمة في هذا الشأن. كما تم تعريف الجميع بنوعية المخدر أولا، وثانيا قمنا بإعطائهم جميع الخلاصات التي تم الخروج بها من القضايا من هذا النوع من أجل محاربة هذه الشبكات الإجرامية".