يبدو يوما عاديا كباقي أيام شهر رمضان في الرباط، صياح البائعين وصراخات متتالية لمواطنين يدعون “الترمضينة” على طول شارع محمد الخامس، حيث السيارات والدراجات تتسابق بجنون، الوجوه تقريبا جميعها متجهمة عابسة، كدنا نفقد الأمل في رؤية وجه مبتسم قبل أن يطل علينا شاب في العشرين من عمره يدعى أشرف، التقيناه أمام “باب” الأحد ليأخذنا معه في رحلة غريبة وشبه يومية يقوم بها قبيل آذان المغرب، رفقة ثلاثة من أصدقائه بحثا عن ضالتهم… السعادة. الساعة تشير إلى السادسة إلا ربع، والشمس لاتزال لافحة، يكاد الصائم منا يخيل إليه شجر الطريق الرابطة بين العاصمة وشمالها خيال “كأس ماء أو عصير بارد” يروي به ضمأه، غير أن هذا التخييل لا يعني شيئا بالنسبة إلى الشباب الأربعة الذين كانوا برفقتنا “لا شيء يروي عطشنا غير قاقا”، يقول أشرف ممازحا أصدقاءه، الذين كانوا منهمكين بمحادثة على تطبيق الواتساب مع التاجر الموثوق الذي يبيع ضالتهم مخدر الإكستازي. في وجهتنا جبل “عكراش”، الذي يعد ملاذ المدمنين الأول لاقتناء جرعاتهم اليومية من المخدرات القوية بأنواعها هنا، وبين هذه الجبال الصخرية يتحصن عشرات من تجار المخدرات وبائعي الخمور المهربة “الكرّابة”، مستغلين ضعف التغطية الأمنية في هذه المنطقة، ووعورة التضاريس الجغرافية التي تسهل على المروجين الإفلات من قبضة رجال الأمن. الحبة أنواع اتصل “منعم”، طالب الهندسة ذو الملامح الطفولية والشعر الأشقر، بالتاجر الملقب ب”مريزيق” عبر خاصية الواتساب، ليتفق معه على نقطة اللقاء وسط الهضبة، والتي تتغير في كل مرة بحسب مزاج البائع الذي يأخذ احتياطاته اللازمة حتى من أوفى زبنائه. فالمارق من هذا المكان المريب بطبيعة الحال مراقب والأعين تتربص به، حتى أن السيارات التي تمر من الطريق تتعمد السير ببطء لتتفحص السيارات الواقفة بطريقة ترعب القادم إلى هذا المكان لأول مرة، أما أشرف وأصدقاؤه فبدت عليهم علامات التعود وكان كل همهم هو أن تصلهم “شي حاجة سخونة مايكونش ضاربها البرد”، والمقصود طبعا، حبات من الإكستازي من نوع “دومينو” “فوفو” و”كوكاكولا” جديدة لم تتعد الشهر بحوزة “البزناز” أو التاجر كي لا تفقد مفعولها. “أتعاطى الإكستا منذ 2011، لقد غيرت هذه الحلويات حياتي، كنت خجولا وشبه ضائع، اليوم، أنا اجتماعي ولدي أصدقاء يتشاركون معي الهموم عينها، والرغبة، والسعادة أيضا، نعم السعادة، هذه النشوة هي السعادة”، يقول أمين طالب الهندسة ذو الثانية والعشرين من عمره مضيفا: “جربت الحبة الزرقاء لأول مرة في ناد ليلي بكازا كنت أرتاده بين الفينة والأخرى لأتخلص من همومي الأسرية، اقتنيتها من صديق ب200 درهم، طبعا، لأنها في بادئ الأمر كانت خاصة بالأغنياء قبل أن يجري تعميمها على أبناء الشعب.. عموما وما إن وضعتها في فمي حتى أحسست بنشوة عميقة مع ارتفاع درجة حرارة جسمي، ما أمدني بسعادة غامرة جعلتني أرغب في معانقة جميع الموجودين والحقيقة أني فعلت ذلك فعلا، وكأنني ارتقيت إلى عالم آخر سعيد جدا وزعت الفرح على الجميع.. لم يتغير شيء بعد كل هذه السنوات، إذ لازلت أحس بالنشوة عينها في كل مرة”. وتابع الشاب قائلا: “بدأت بأخذ حبة، قبل أن أضاعف الجرعة لتصل إلى حبتين وثلاث.. أنهك صحتي أعلم ذلك، ولكن أنا في دوامة يستحيل أن أخرج منها”. للشباب المتعاطين للمخدرات بأنواعها طقوس خاصة في شهر رمضان، حيث ينتعش العرض والطلب رغم أنف الحملات الأمنية، فبحسب ما كشفه عدد منهم ل”أخبار اليوم”، فإن اقتناء السلعة يتم قبيل آذان المغرب بساعة، إذ يتداولون فيما بينهم أسماء المروجين ممن يملكون نوعية جيدة من المخدر، وأسماء الأماكن الشهيرة التي تروجه، كما أن علاقات البعض تمتد إلى بعض رجال الأمن الذين يسربون لهم الأماكن التي تستهدفها حملات الشرطة كإجراء احترازي للإفلات من قبضة الأمن. أسعار مغرية! أصغر الشباب الأربعة يُدعى محمد، خجول وقليل الكلام بالكاد يفرج عن ابتسامة هادئة مع كل مزحة يطلقها أصدقاؤه، لم يمض سوى شهرين على تعاطيه هذا النوع من العقاقير، فهو يعي جيدا مدى خطورتها على الصحة، لكنه في الوقت عينه يفضل الحشيش ويعتبره أفضل صنف، وفي هذا الصدد يقول ل”أخبار اليوم” إن المشاكل العائلية والحياتية هي التي قادت أغلب أصدقائه ومعارفه إلى المخدرات والإكستازي، لكنه “استثناء” على حد تعبيره، فهو من سعى إليها لتساعده” على تجاوز هذا الهم المسمى امتحان الباكالوريا، فكلما تعاطيت الحشيش إلا وتفتّح ذهني واستطعت استيعاب الدروس بشكل أكبر وأدق، قد يبدو الأمر غريب، ولكن هذا ما يحصل، أما الإكستا، فهي تمدني بالسعادة لمدة لا تتجاوز الساعتين بعيدا عن ضغط الامتحانات والعائلة التي ترغب في أن أكون في مستوى تطلعاتها”. يعيب أشرف على حبة الإكستازي قصر مدة مفعولها، وتأثيراتها الجانبية على متعاطيها قائلا: “للأسف المفعول ديال الاكستازي كايبقا من ساعة ونص إلى ثلاث ساعات، عكس اليفدي أو التنمبر لي كاتبقا 24 ساعة، أو حتى ليمديما غبرة لي كاتبقا 3 حتال 5 ساعات، وهذه كلها عقاقير نتعاطاها كشباب مغربي فاقد للأمل فوطنه، سواء كنا من عائلات متوسطة الدخل، أو حتى من علية القوم، نحن نتقاسم نفس الهم هو البحث عن السعادة وهذه البونبونات تكون سبيلنا الوحيد والأوحد”. ويضيف المتحدث وهو يراقب الطريق في انتظار منعم الذي تأخر في جلب المؤونة: “نسافر أحيانا إلى طنجة من أجل جلب الإكستا بثمن أٌقل وجودة أعلى، نقتني الحبة ب70 درهما أو 50 في الرباط، ولكن في طنجة فقط 30، أكيد توجد حبات هنا في سلا أو الصخيرات ب30 درهما، ولكن جودتها أقل تكون باردة أو مختلطة بمواد كيماوية مزورة”. وأكد عدد من متعاطي هذا النوع من المخدرات ل”أخبار اليوم” أنها متوفرة وبسهولة في عدد من الأحياء الشعبية في العاصمة الرباطوسلا والمدن المجاورة بثمن بخس لا يتجاوز أحيانا 30 درهما، كل حسب قدرته الشرائية، فيما اتفق العديد منهم على أن أغلب متعاطي هذا النوع من العقاقير يمزجه بالحشيش لتحقيق “الاستقرار النفسي والعاطفي”، وفي هذا يقول منعم، الذي جاء محملا، أيضا، بقطع حشيش ملفوف، بهذا الخصوص: “الحشيش ضروري مع الإكستا، صحيح أن هذه الحبة تحسسك أنك أسعد مخلوق في العالم وترفعك إلى أعلى السموات، لكنها سرعان ما ترمي بك إلى الأرض، مع انتهاء المفعول بطريقة تجعلك تنهار نفسيا وتدخلك في حالة من الكآبة ولا يتوقف قلبك عن الخفقان، وتفقدك القدرة على النوم، وبالتالي، من الضروري تحقيق التوازن بالحشيش كي لا يجن المرء منا.. الله يعفو علينا من هادشي كامل وخلاص”. الحرب المفتوحة السلطات المغربية باتت أكثر قلقا إزاء الانتشار المهول لحبوب الهلوسة في المغرب. وقد جدد مسؤول أمني بالمديرية العامة للأمن الوطني في تصريح ل”أخبار اليوم”، تحذيره من التزايد الخطير الذي يعرفه مخدر الإكستازي بربوع المملكة، مشيرا إلى تضاعف الكميات المحجوزة خلال السنوات الأخيرة؛ وتزايد أعداد المروجين. وحسب المعطيات التي حصلت عليها “أخبار اليوم”، فإن المصالح المختصة تمكنت بتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، زوال السبت الماضي، من إجهاض أكبر عملية تهريب لمخدر الإكستازي في “تاريخ الأمن الوطني”، على حد تعبير المسؤول بميناء طنجة المتوسط، قدرت ب568 ألفا (568.000) قرص من مخدر الإكستازي، كانت مخبأة بعناية داخل العجلات الاحتياطية لشاحنة للنقل الدولي مسجلة بالمغرب، كانت قادمة من ميناء الجزيرة الخضراء بإسبانيا. وأشار المسؤول الأمني إلى أن المديرية العامة للأمن تبذل قصارى جهدها لمحاربة هذه الأنواع الجديدة من المؤثرات العقلية والأقراص المهلوسة، غير أن الحجوزات في تزايد مستمر، بحيث سجلت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حجز طن و650 كيلوغراما من الكوكايين، و1.346.180 من الأقراص المهلوسة والإكستازي بنسبة زيادة ناهزت 43 في المائة سنة 2018 مقارنة مع 2017، فيما يتوقع أن تتضاعف هذه النسبة خلال السنة الجارية. وبخصوص مصدر هذه المواد المخدرة، يقول المسؤول الأمني، إنها قادمة بالدرجة الأولى من دول أوروبا الغربية، كبلجيكا وهولندا التي تحتضن بعض المهرجانات من قبيل “تمورو لاند”، حيث تنشط هذه المواد منذ أول ظهور لها، كما أن هذه البلدان معروفة بتصنيعها على اختلاف أنواعها وأشكالها، فيما تدخل المغرب عن طريق بعض المراكز الحدودية الموجودة بشمال البلاد، خاصة مدينة طنجة الميناء المتوسطي أو الميناء البحري للناظور أو المعبر الحدودي بني أنصار، وما يعسر مهمة كشفها من طرف الأمن الحدودي، هو تخبئتها بإحكام وبطرق احترافية ذكية لا تدعو أحيانا إلى الشك. رواية الخبراء رضا أنور، الطبيب النفسي والأخصائي في علاج الإدمان، بمستشفى ابن رشد، قال ل”أخبار اليوم”، إن الخطير في مادة “الإكستازي”، هو امتداد تأثيرها إلى أسرة المدمن أو المتعاطي، بحيث تعاني بدورها من تبعات ومخلفات هذه المادة الخطيرة والدخيلة، غير أن أغلبية الأسر المغربية تتجاهل أهمية الاستشارة الطبية ومداومة العلاج على المستوى المتوسط والبعيد، ما يشكل خطرا على الفرد والمجتمع ككل. وبخصوص تأثير مادة الإكستازي أو الأمديما على صحة الفرد، يقول الطبيب المختص: “هذه الحبات المتعددة الألوان والرسومات، مفعولها يبقى بين 3 وست ساعات، لديها تأثير مباشر على الدماغ، فعندما يتناولها المدمن أو أي شخص يحس بالقوة والفرحة وسهولة العلاقات الاجتماعية والنشاط، ولكن لها أعراض جانبية من نوع الهلوسات، التخيلات، الشك والبارانويا، وهذا يؤدي إلى عصبية الشخص. أما الأعراض البعيدة المدى، والتي قد لا تظهر إلا بعد أسبوع، فتكون القلق والحزن والانفعال الزائد والاضطراب في النوم، والعدوانية، والخوف، وكذلك ضعف التركيز، فالكثير ممن يتعرضون لحوادث سير يكون بسبب تناولهم لحبات الإكستازي وبقاء تشويشها على تركيزهم على مدار أيام، مما يشكل خطرا على أنفسهم والناس، وهذا يدخل في ما يسمى بالأعراض النفسية والعصبية. أما الأعراض الجسدية التي تظهر بعد مدة من تناول الإكستا، فهي حالة تعرق شديد، والتشنج وألم في العضلات وصداع الرأس وسخونة الجسم ما يؤثر على نفسية المدمن، وحياته الاجتماعية والنفسية، وأيضا الجنسية، فيصبح مع سهولة العلاقات لا يقدر أن ينجح علاقة جنسية دون أخذ مادة مخدرة فتكون ضرورية ومرهونة بالمادة”. وتابع المتحدث “أن الكثير من الناس تقودهم حبة الإكستا إلى استهلاك مواد مخدرة أخرى، كالكحول أو المخدرات وغيرها، وهذه المخدرات المصاحبة نوعان: النوع الأول، يأخذها المدمن خلال التأثير الأقصى، أي وقت الفرح أو السعادة كالكحول مثلا. والنوع الثاني، مخدرات يأخذها بعد انتهاء مفعول الإكستا كنوع من النزول لتجاوز أعراض انتهاء المفعول، كمادة القرقوبي أو الحشيش، وهذا جد خطير”. علاج مخدر الإكستازي، بحسب الدكتور أنور رضا، “يُبنى أساسا على علاج الإدمان بصفة عامة، والذي يتضمن العلاج المعرفي والسيكولوجي السلوكي من خلال حوارات تحسيسية ترمي إلى تعريف المدمن بالأخطار التي قد يتعرض لها على المدى القريب والمدى البعيد، ونحاول إكسابه الثقة، ثم تحاليل على الفرد لنعرف تأثير المادة ومخلفاتها على الجسم لنعالجه بالأدوية، ثم نلجأ إلى الأخصائي النفسي لمساعدة المدمن”.