الاتحاد العام لمقاولات المغرب.. بين الانفتاح والتحفظ على مقتضيات مدونة الشغل (4/5) هل الدولة في خدمة المقاولة، أم المقاولة في خدمة الدولة؟ فكل منهما ترى في الأخرى سر خلودها. المقاولة تبحث عن حضانة الدولة، وهذه الأخيرة تراهن عن الأخرى اقتصاديا واجتماعيا. إلا أنهما في الحقيقة ليستا في حاجة معا، لا لحضانة ولا لرهان، بل لتعايش، تعايش ثلاثي الأضلاع، يربط الدولة بالمقاولة، ويربط هده الأخيرة بالنقابة. تعايش لا يجب أن يكون على مضض بل على اختيار وحرية، قوامه التوازن والاتزان، يحيا على إكسير الحق، ونبض القانون. تبعا لما سبق الذكر في شأن المرونة في تشغيل الأجراء، وموقف كل من المنظمات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب منها، بقراءة كل من الطرفين لها بين النص والتطبيق. بالخصوص في شق إبرام عقود شغل محددة المدة، والتشغيل المؤقت كما وردت مقتضياتها بمدونة الشغل، وما طالتها من تأويلات وانتقادات من الطرفين، كل بمكياله الخاص. سنتطرق في هذا الجزء لعلاقات الشغل الجماعية، على ضوء كل من "المفاوضة الجماعية" وحل نزاعات الشغل الجماعية، مسلطين الضوء بالأساس على نقط ضعف وقوة المقتضيات القانونية المنظمة لها. II) علاقات الشغل الجماعية: ليس هناك تعريف صريح ل"علاقات الشغل الجماعية"؛ فالتمييز بين "علاقات الشغل الجماعية" وبين "علاقات الشغل الفردية" ليس بالأمر البديهي، لكون مواضيعها تتداخل فيما بينها. فإن كان إضراب الأجراء، وإغلاق المقاولات، واتفاقيات الشغل الجماعية، إحدى صورها الواضحة، إلا أنها أحيانا ليست كذلك، وحتى خلال بعض النزاعات التي تبدو ظاهريا جماعية، إلا إنها واقعيا مجموعة من النزاعات الفردية. وما يمكن تناوله حاليا في هذا الصدد، هو ما أثاره الاتحاد العام لمقاولات المغرب حسب المحاور التالية: - ثقافة المفاوضة الجماعية: خصت مدونة الشغل القسم الثالث منها لموضوع "المفاوضة الجماعية"، بكونها حوارا يجري بين ممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، أو الاتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة، وبين المشغل أو عدة مشغلين، أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى؛ في مجالات تحسين ظروف الشغل، والتشغيل، وتنظيم العلاقات بين المشغل والأجراء من جهة، بينه وبين المنظمات النقابية. وتجري هذه المفاوضة على مستوى المقاولة والقطاع كل سنة، مع إمكانية التنصيص على دورية مغايرة باتفاقية شغل جماعية، وعلى المستوى الوطني كل سنة أو كلما دعت الضرورة. ويتضح مما قيل أن "المفاوضة الجماعية" هي حوار دائم، ومستمر، ويجري بشكل دوري بين أطراف العلاقة الشغلية، ولو في غياب أي خلاف بينهما. فهي إذن صمام الأمان، والتلقيح الدوري لتفادي خلافات الشغل الجماعية بشكل استباقي؛ وبذلك، ف"المفاوضة الجماعية" هي فلسفة، وثقافة، يتشبع بها كل من المؤاجر، وممثلي الأجراء على حد سواء، على اعتبار أنهما لحمة واحدة، في صورة طرفين في الإنتاج، وليسا قطبين مختلفي الشحنة الانفعالية؛ ضمانا لاستمرارية العلاقات المهنية. يستفسر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، من خلال "الدليل" العملي الذي أصدره لمنخرطيه، حول من هم أطراف "المفاوضة الجماعية"؟ وما المقصود من المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا، كطرف في هذه المفاوضة؟ وهل المقصود بالممثل النقابي المنصوص عليه في المادة 470 من مدونة الشغل كطرف؟ كما يتساءل الاتحاد عن كيفية التفاوض بوجود نقابتين اثنتين أكثر تمثيلا بالمقاولة؟ مطالبا بدليل عملي، وتنظيمي، يسهل هذا التفاوض. إضافة إلى مطالبته للوزارة المكلفة بقطاع التشغيل بإعداد نموذج مبسط ل"اتفاقية الشغل الجماعية"، والسهر على تشجيع على إبرامها. لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا المشار إليها كطرف في "المفاوضة الجماعية" على مستوى المقاولة، يتعين لذلك الأخذ بعين الاعتبار طبقا للمادة 425 من مدونة الشغل، المنظمة النقابية التي حصلت على 35% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين، والقدرة التعاقدية للنقابة فقط. أي لا مندوبي الأجراء المنتخبين، ولا "الممثل النقابي" يعتبرون أطرافا في المفاوضة بالضرورة، وما نسبة 35 % إلا شرط يخول للمنظمة النقابية حق المفاوضة الجماعية. من خلال الصياغة التي جاءت بها هذه المقتضيات، يستعصي علينا الوقوف على قصد المشرع بشرط "القدرة التعاقدية للنقابة". فهل هو شرط يضاف للشرط الأول لحصول النقابة علي صفة الأكثر تمثيلية أي يتعين التوفر على الشرطين معا؟ أم أنه يشترط فقط في حالة عدم حصول أية نقابة علي 35% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين؟ ليصبح الشرط معيارا فاصلا، كدور ثان. مهما يكن إذن، فالحوار في إطار "المفاوضة الجماعية" يتم مع المنظمة النقابية كهيئة مستقلة عن مؤسسة مندوبي الأجراء، وما الحصول على نسبة 35% من عدد مندوبي العمال إلا شرط، يعطيها صفة الأكثر تمثيلية. أما الممثل النقابي والذي لا يوجد إلا بالمقاولات التي تشغل 100 أجيرا وما فوق، فهي مؤسسة تمثيلية مستقلة كذلك عن المؤسستين سالفتي الذكر، تنحصر مهمتها في تقديم الملف المطلبي للمشغل، والدفاع عن المطالب الجماعية؛ وإجراء المفاوضات حولها، ثم المساهمة في إبرام الاتفاقيات الجماعية؛ وهي مهام مذكورة على سبيل الحصر، لا تعني "المفاوضة الجماعية" كحوار دائم موضوعها ليس بالضرورة ملفا مطلبيا أو لحل نزاع قائم. لكن هذا لا يمنع حضور "الممثل النقابي" كطرف ب"المفاوضة الجماعية" بصفته كعضو بالمكتب النقابي. فيما يخص تعدد النقابات الأكثر تمثيلية في المقاولة نفسها؛ فالموضوع قد أثير بحدة أثناء التفاوض بين المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية علي الصعيد الوطني، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، كطرفين معنيين، للتوافق حول سن مقتضيات مدونة الشغل. فنسبة 35% من عدد مندوبي الأجراء كشرط للحصول على صفة "الأكثر تمثيلية" على مستوي المقاولة، فقد تم تحديدها بتراض بينهما، بحيث لا تسمح بوجود إلا نقابتين اثنتين فقط "أكثر تمثيلية" كحد أقصى بالمقاولة. أما على المستوى الوطني، فقد اشترط المشرع حصول المنظمة النقابية على الأقل على 6% من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين وطنيا، في القطاعين العمومي والخاص، وهي نسبة تسمح بإفراز 16 منظمة نقابية أكثر تمثيلية؛ وإن كان خلال انتخابات مندوبي الأجراء التي جرت سنة 2015، لم تتمكن إلا أربع منظمات نقابية من الحصول على هذه الصفة، مقابل خمسة سنة 2009. أما عن كيفية إجراء "المفاوضة الجماعية" على مستوى المقاولة بتواجد منظمتين نقابيتين أكثر تمثيلا. فعلى إدارة المقاولة أن تعطي الخيار لهما، للاختيار ما بين التفاوض مع النقابتين معا في آن واحد، في إطار تنظيم اتحادي بينهما. وهو ليس بالأمر الهين، حيث يتطلب مستوي عال من الوعي، والبصيرة، تتمتع بهما المنظمتين النقابيتين، بعيدا عن الحسابات الضيقة، بتغليب مصلحة الأجير فوق كل اعتبار، وهي من الندرة بمكان. والخيار الثاني هو التفاوض مع كل نقابة على حدة. وإن كانت هذه الأخيرة لا تخلو من مخاطر وصعوبات، حيث قد تبقى إحدى المنظمتين في حل مما التزمت به النقابة الأخرى مع مشغلهما؛ وهو ما يجعل هذا الأخير في وضع حرج، فقد يقدم تنازلات وتحفيزات لأجرائه من دون أن يحصل بالمقابل على سلم اجتماعي. كل هذا يفرز لنا تساؤلا عريضا عما موضوعية شرط الحصول فقط على 35 % للتوفر على صفة النقابة "الأكثر تمثيلية" على مستوى المقاولة، أما كان من الأجدر تحديد هذه النسبة في 51 % مع إمكانية التحالف بين المنظمات النقابية للتوفر على هذه النسبة، وذلك في انتظار توفرنا على عمل نقابي بالمعايير الدولية. فالحوار مع كل نقابة على حدة، هو النهج الذي تسلكه الحكومة للتحاور مع المنظمات النقابية أكثر تمثيلا على المستوى الوطني، في إطار ما يعرف ب"الحوار الاجتماعي"، بسبب العلاقة المتدبدبة بين النقابات، ظاهرها ليس كباطنها. وعلى ذكر "الحوار الاجتماعي" لا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا يجب الخلط بينه وبين "المفاوضة الجماعية". فما يسمى ب"الحوار الاجتماعي"، هو حوار غير ممأسس وبدون سند قانوني، بحيث ليست له مواعيد معينة، ولا مواضيع محددة، بل يخضع فتحه، لما يعرف بالضغط، والضغط المضاد بين الحكومة والمنظمات النقابية، وهذه الوضعية جعلت من "الحوار الاجتماعي" حوارا سياسيا أكثر منه مهنيا. كما أن هذا الأخير يعني كل من القطاع الخاص والعام. أما "المفاوضة الجماعية" فهي حوار ممأسس عن طريق نصوص قانونية، ولا يعني إلا القطاع الخاص. وبذلك يمكن القول إن "المفاوضة الجماعية" على المستوى الوطني لم يسبق لها أن رأت النور، بغض طرف أطرافها. إن "المفاوضة الجماعية" على مستوى المقاولة في حاجة إلى مواكبة ومصاحبة من لدن جهاز مختص في المجال، في إطار برنامج ما يعرف بوزارة التشغيل والإدماج المهني ب"اليقظة الاجتماعية"، ينبني على مقاربة الاستباقية لتحاشي نزاعات الشغل الجماعية. إضافة إلى الحاجة إلى إصدار دليل عملي يساعد على هذه المأمورية، وعلى تشجيع إبرام اتفاقيات شغل جماعية كما تطالب بذلك الاتحاد العام لمقاولات المغرب.. بالعودة إلى المنظمات النقابية أكثر تمثيلا على الصعيدين الوطني والمقاولاتي، والشروط التي تمنح هذه الصفة، لا بأس من إثارة الملاحظتين التاليتين: * إن نسبة 6% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي والخاص، اللازمة لحصول المنظمة النقابية على صفة الأكثر التمثيلية على المستوى الوطني، تطرح إشكالية صدور هذا المقتضى بمدونة الشغل، فهو مقتضى صدر خارج مجال تطبيق النص، بالشق المتعلق بتمثيلية الموظفين العموميين، فكيف للمدونة التي تطبق فقط على القطاع الخاص أن تحدد شروط ممثلي القطاع العام للحصول على هذه الصفة، فقد كان من المستحب صدور نص تنظيمي مستقل في الموضوع وليس قانون، نظرا للطبيعة التنظيمية للمقتضى. * جاء في المادة 425 من مدونة الشغل أنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار لتحديد المنظمة النقابية أكثر تمثيلا، على الصعيدين الوطني، أو المقاولاتي، القدرة التعاقدية للنقابة. من دون أن يوضح لنا المشرع أين تتجلى هذه القدرة؟ فهل المقصود بها النقابات التي أبرمت أكبر عدد من اتفاقيات الشغل الجماعية؟ وإن كان كذلك، فهل تؤخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات التي انتهت مددها؟ هل يقصد بها البروتوكولات التي تبرمها النقابات مع المشغلين أمام مفتشية الشغل، واللجنتين الإقليمية والوطنية للبحث والمصالحة؟ إن المشرع جانب الموضوع، وهو يحدد شروط النقابة الأكثر تمثيلا؛ إلا أنه تدارك الأمر – على ما يبدو - حين أثار القدرة التعاقدية للمنظمة النقابية، كشرط للحصول على الإعانات التي تقدمها الدولة للنقابات، بالمرسوم رقم 2.04.467 الصادر في 29 دجنبر 2004 بتحديد العناصر التي تمنح على أساسها الإعانات التي تقدمها الدولة لاتحادات النقابات المهنية؛ فحصرها في عدد اتفاقيات الشغل الجماعية الجاري بها العمل. فهل يمكن إسقاط هذا المفهوم على النقابة الأكثر تمثيلا؟ علما أن هذا المرسوم لا ينظم المادة سالفة الذكر. 2. حل نزاعات الشغل الجماعية: نزاع الشغل الجماعي حسب مدونة الشغل هو خلاف ناشئ بسبب الشغل، والذي يكون أحد أطرافه منظمة نقابية أو جماعة من الأجراء، يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء، أو يكون أحد أطرافه مشغل واحد أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين. ولتسوية هذه النزاعات، يتعين سلك مسطرتي التصالح والتحكيم. تتم الأولى على ثلاثة مستويات وهي: مفتشية الشغل، واللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، ثم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة. وإذا لم يحصل اتفاق على هذه المستويات يمكن للجنة المعنية إحالة النزاع إلى التحكيم بعد موافقة الأطراف. وقد حرصت مدونة الشغل على أن تسوى هذه النزاعات داخل آجال محددة في مجموعها 43 يوما كحد أقصى، منذ وضع مقال المحدد لنقط الخلاف بمفتشية الشغل إلى غاية تبليغ الحكم الناتج عن المسطرة التحكيم، وهذه الآجال موزعة كالتالي: - محاولة التصالح على مستوى مفتشية الشغل: 11 يوما - محاولة التصالح على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة: 11 يوما - محاولة التصالح على مستوى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة: 10 أيام مسطرة التحكيم: 11 يوما إن المشرع المغربي كان موضوعيا - حسب تقديرنا - في تحديد هذه الآجال؛ فنزاع الشغل الجماعي إذا لم يسو في مهده، استعصى حله كلما طال أمده، فمع مرور الأيام تتفرع عنه مضاعفات، وتتسع الهوة بين الطرفين، مما قد يحوله إلى نزاع كيدي أكثر منه نزاع شغل، ونزاع مزمن يطول أمده. ومن هذا المنطلق، يطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتبسيط مسطرة حل النزاعات، مع إعطاء صلاحيات أكثر للمتدخلين في حلها، لما يعانيه من تفاقمات للنزاعات الناتجة عن طول مددها، وانعكاسات ذلك على الإنتاج عموما والمردودية خصوصا. إن مسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية الواردة بالكتاب السادس من مدونة الشغل جاءت مقتضياتها محكمة ودقيقة، ومطابقة للمواثيق الدولية؛ غير أن أسباب عدم نجاعتها وتدني مردوديتها تتجلى فيما يلي: عدم الالتزام بالآجال سالفة الذكر لعدم الوعي بأهميتها، وأهمية عامل الزمن في حل النزاعات، سواء على مستوى مفتشية الشغل أو على مستوى اللجنتين الإقليمية والوطنية. فكثرة المهام المناط بجهاز التفتيش من مراقبة كمهمة أساسية، ومهام إدارية، وغيرها، وفي غياب جهاز خاص مكلف بحل نزاعات الشغل، فإن الالتزام بهذه الآجال يبقى بعيد المنال، وحل نزاعات الشغل ليس من أولوياته. * طبقا للمادة 557 من المدونة تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى "اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة"، يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ويتولى كتابة اللجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل. من خلال هذه التركيبة، نلاحظ أن هناك نوعا من التوازن في تشكيل هذه اللجنة، ثلاثية التمثيل، وبالتساوي؛ وهو ما يمنحها مصداقية نابعة من توازنها، وما يجعل منها فعلا درجة ثانية للحوار والتفاوض، وهي لجنة قارة تتكون من ممثلين للإدارة والمنظمات المهنية والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ويترأسها عامل العمالة أو الإقليم من دون أن ينيب عنه أحد، كما هو مسموح به باللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، التي يرأسها الوزير المكلف بالتشغيل أو من ينوب عنه. وعدم الإنابة باللجنة الإقليمية له ما يبرره وهو الحفاظ على هبة اللجنة التي تحضر إلى جانب أطراف النزاع لمساعدتهم والدفع بهم. إلا أنه وللأسف قل ما يتم تشكيل هذه اللجنة بالشكل سالف الذكر، فغالب الأمر يتكفل بالنزاع رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق بالعمالة، الذي هو الآخر لديه العديد من المهام ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، على مستوى العمالة تثقل كاهله، لتبقى نزاعات الشغل قليلة الأهمية مقارنة معها، اللهم إذا تعلق الأمر بنزاعات قائمة بقطاعات حيوية كقطاع النقل الحضري، أو النظافة وغيرها. إضافة إلى عدم توفره على الخبرة الكافية في المجال؛ وهو ما يجعل الحوار على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، مجرد امتداد لمحاولة التصالح على مستوى الدرجة الأولى، التي لم تسفر عن أي اتفاق. أما النزاعات التي تحال على اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، فهي قليلة العدد، لتعثرها على المستويين الأولين، أو لطول عمرها؛ الأمر الذي يجعل من احتمال حلها ضئيلا. * إن الإشراف على محاولة التصالح يتطلب تقنيات عالية، وإلمام كبير بتدبير النزاعات. ويتم ذلك من لدن مختصين ذوي تكوين عال في المجال، ومتفرغين له. إلا أنه في واقع الأمر، غير ذلك، فالمكلفون بالإشراف على حل نزاعات الشغل على المستويات الثلاثة سالفة الذكر، يعتمدون على اجتهاداتهم الشخصية، وبتقنيات بدائية، بمثابة خليط بين المصالحة، والوساطة، والمساعي الحميدة، وأشياء أخرى، وأحيانا متأثرين بنزعات شخصية، إضافة إلى عدم حرصهم بدقة على تطبيق المبادئ الأولية للإشراف على الحوار، من حياد أثناء التدخلات، ومصداقية في تبني المواقف؛ وهو ما يقلل من حظهم في التوفق في مهمتهم. 3 - تسريح الأجراء لأسباب اقتصادية آو هيكلية أو تكنولوجية: يعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن مسطرة فصل الأجراء من العمل، كلا أو بعضا، لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها أو لأسباب اقتصادية المنصوص عليها في المادة 66 من مدونة الشغل وما يليها هو إجراء صعب التطبيق، في غياب تام لتفهم السلطات المعنية وتحملها عبء هذه الصعوبات التي تعرفها المقاولة؛ فتمكين الأجراء المسرحين من التعويضات الكاملة عن الفصل ومهلة الإخطار والضرر في حالة عدم الترخيص بهذا التسريح من لدن السلطات المعنية يعمق جرح المقاولة؛ وبالخصوص حين تكون في حالة تسوية قضائية بعد تسريح جزئي للأجراء، فآثار هذه التعويضات يكون سلبيا على التزامات المقاولة اتجاه باقي الأجراء المحتفظ بهم بالمقاولة كأجور وغيرها. إن مقتضيات المادة 66 وما يليها من مدونة الشغل يعود مصدرها من حيث المبدأ إلى المرسوم الملكي رقم 66-314 بتاريخ 14 غشت 1967 بمثابة قانون المتعلق بالإبقاء على نشاط المؤسسات الصناعية والتجارية، وإعفاء مستخدميها الملغى، والذي بموجبه يتوقف إغلاق كل مؤسسة تجارية كانت أو صناعية أو إعفاء مستخدميها كلا أو بعضا، دون تعويضهم بغيرهم في أجل ثمانية أيام، على إذن عامل العمالة أو الإقليم. ويتضح من خلال القراءة المتأنية لهذا المرسوم من حيث المضمون، والظروف السياسية الداعية إلى صدوره، وهي حالة الاستثناء التي عرفها المغرب آنذاك، خلال الفترة المتراوحة ما بين 7 يونيو 1965 و8 يوليو 1970 طبقا للفصل 35 من دستور 1962؛ فإن الغاية من صدوره هي إبقاء المقاولة على نشاطها لأسباب أمنية آنذاك، لأن المشرع يسمح من خلال هذا المرسوم بتسريح جميع الأجراء شرط تعويضهم داخل 8 أيام، وبذلك يكون المشغل في وضعية سليمة أمام النظام العام؛ بالإبقاء على نشاط المؤسسة، وما شرط تعويض المسرحين بغيرهم، إلا لضمان استمرارية نشاطها. وبصدور قانون رقم 99-65، تم توسيع مفهوم النظام العام في هذا المجال، وهو ما أصبح يصطلح عليه بالنظام العام الاجتماعي، ليشمل حماية المقاولة من الإغلاق، والأجراء من التسريح الكلي أو الجزئي على السواء، ويعني ذلك الأجراء المشتغلين بالمقاولات التجارية، أو الصناعية، أو في الاستغلاليات الفلاحية أو الغابوية وتوابعها، أو في مقاولات الصناعة التقليدية؛ التي تشغل اعتياديا عشرة أجراء أو أكثر. تبتدئ إجراءات تقليص عدد الأجراء بتبليغ الأمر لمندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم، أو لجنة المقاولة عند وجودها قبل شهر على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل؛ وبتزويدهم بالمعلومات الضرورية، ثم استشارتهم، والتفاوض معهم من أجل تدارس الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون الفصل أو تخفف من آثاره السلبية؛ أي البحث عن حلول بديلة للإجراء المزمع اتخاذه، وذلك باعتبار أن الأجراء شركاء في عملية الإنتاج وليسوا أداة من أدواته، كما هو وارد بديباجة مدونة الشغل. أما في الحالات التي لا تجدي فيها الاستشارات والاقتراحات للوصول لحلول عملية، فإن فصل الأجراء الكلي أو الجزئي يتوقف على إذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم. إذن، فهاجس الأمن الاجتماعي حاضر بين سطور المادة 66 وما يليها من المدونة، حفاظا على النظام العام، وترسيخا لمبدأ المقاولة المواطنة، وحماية لمتطلبات الأجير المعيشية حتى خلال الفترات الحرجة التي قد تعرفها المقاولة، إضافة إلى حمايته من الصعوبات الاقتصادية الصورية التي قد يتقمصها بعض المستثمرين، للتنصل من التزاماتهم اتجاه أجرائهم، مشغلون يتصرفون في ملكية المقاولة، كملكية مطلقة، لا يترتب عن معاملاتها أية التزامات مع الغير، سواء تعاقدية كانت أم نظامية.. يتبع... *ممارس وباحث في القانون الاجتماعي [email protected]