تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بيت الشعر في المغرب والمقهى الثقافي لسينما النهضة    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص    النقابة المستقلة للأطباء تمدد الاحتجاج        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الإيليزي يستعد لإعلان حكومة بايرو    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآليات القانونية لفض نزاعات الشغل الجماعية
نشر في خريبكة أون لاين يوم 18 - 05 - 2013

تعتبر نزاعات الشغل إحدى المظاهر المميزة للمجتمعات المعاصرة، حيث أن علاقة الشغل هي علاقة قانونية تحمل بين ثناياها بوادر الخلاف، وهذا أمر طبيعي باعتبار المصالح المختلفة والمتضاربة بين أطراف العلاقة، المشغل من جهة والأجير من جهة أخرى، مما ترتب عليه تدخل المشرع لتنظيم هذه العلاقة وخلق آليات قانونية للحوار لفض مختلف النزاعات القابلة للاندلاع في أية لحظة، وبالتالي خلق فضاء توافقي في إطار تقنيات المفاوضة الجماعية بين أطراف العلاقة، سواء على المستوى القانوني والتنظيمي أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
تعتبر نزاعات الشغل إحدى المظاهر المميزة للمجتمعات المعاصرة، حيث أن علاقة الشغل هي علاقة قانونية تحمل بين ثناياها بوادر الخلاف، وهذا أمر طبيعي باعتبار المصالح المختلفة والمتضاربة بين أطراف العلاقة، المشغل من جهة والأجير من جهة أخرى، مما ترتب عليه تدخل المشرع لتنظيم هذه العلاقة وخلق آليات قانونية للحوار لفض مختلف النزاعات القابلة للاندلاع في أية لحظة، وبالتالي خلق فضاء توافقي في إطار تقنيات المفاوضة الجماعية بين أطراف العلاقة، سواء على المستوى القانوني والتنظيمي أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
و نتيجة لذلك، دخلت إلى حيز التطبيق المدونة الجديدة للشغل (قانون رقم 65.99 صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 في 11 سبتمبر 2003 والمنشور بالجريدة الرسيمية عدد 5167 بتاريخ 8 دجنبر 2003) ابتداء من 8 مايو 2004، كأهم حدث طبع هذه المرحلة ضمن سلسلة من الإصلاحات القانونية والقضائية التي عرفها المغرب في بداية الألفية الثالثة. يمكن إذن القول بأن مسار صدور مدونة الشغل يعتبر مساراً تاريخيا، ساهمت فيه ظروف سياسية واقتصادية تسعى لتفتح أكثر على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية [1] .
وإذا كانت علاقة الشغل في الماضي، علاقة فردية، بحيث يكون فيها الأجير تحت سلطة مشغله، فإن هذه العلاقة قد عرفت تطورا كبيرا في اتجاه علاقات جماعية تحكمها روابط قانونية في إطار مصلحة جماعية ترتكز على عنصر الإنتاج - العمل ورأس المال- كل ذلك بندرج في إطار تنظيمات مهنية ونقابية تنظم العلاقة بين الطرفين بدل العلاقة التسلطية من طرف واحد أو ما يسمى بالعقد الفردي.
وقد عرفت علاقة الشغل بالمغرب تطورا مهما، بحيث كانت مختلف النصوص القانونية مدونة في قانون التزامات والعقود الصادرة سنة 1913 [2]، إضافة إلى القوانين القديمة الأخرى في شكل ظهائر أو مراسيم، تم نسخها في مدونة الشغل الجديدة من خلال الكتاب السابع كمقتضيات ختامية في المادة 586.
ومن التشريعات التي عملت على إيجاد هيئات تنظيمية رسمية لحل منازعات الشغل الجماعية، نجد التشريع الفرنسي (من خلال قانون 27 دجنبر 1892 والقوانين التي أعقبته وهي قانون 31 دجنبر 1936 وقانون 4 مارس 1938 وقانون 11 فبراير 1950 وقانون 13 نوفمبر 1982) الذي يعتبر من التشريعات الأولى التي أخذت بأسلوب الهيئات الرسمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، وفي نفس الإتجاه يسير التشريع المصري (قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 المعدل بمقتضى القانون رقم 33 لسنة 1982) الذي عمل بدوره على إيجاد وتنظيم هيئات رسمية أنيط بها نظر النزاعات الجماعية التي لا يتوقف حلها عن طريق المفاوضات الجماعية، وهذه الهيئات هي اللجن المحلية، المجلس المركزي لتسوية المنازعات، بالإضافة إلى هيئات التحكيم.
وإذا كان كل من التشريعين الفرنسي والمصري قد نصا على هيئات تنظيمية رسمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، فإن التشريع المغربي سار في نفس الإتجاه عند تحريك الإجراءات من طرف الهيئات التنظيمية وأن ذلك لا يتم إلا عند عدم وجود الهيئات الاتفاقية أو في حالة فشل طرفي النزاع الجماعي، فالأسبقية إذا حسب التشريع المغربي (ظهير 19 يناير 1946 الملغى بموجب قانون 65.99) تعطى للهيئات الاتفاقية على حساب الهيئات الرسمية[3].
قبل الحديث عن الآيات القانونية لفض نزاعات الشغل أود التطرق إلى مفهوم نزاعات الشغل وآثارها.
مفهوم نزاعات الشغل وآثارها
إن نزاعات الشغل هي الخلافات التي تنشب في علاقات الشغل بشأن تطبيق القانون أو الاتفاقية الجماعية أي في إطار تنفيذ عقود الشغل الفردية أو عقود الشغل الجماعية، اعتباراً للطبيعة الخاصة لهذه النزاعات وتأثيراتها السلبية إقتصاديا و إجتماعيا. فخلافات الشغل الفردية هي التي تنشأ بين الأجير والمشغل وأما النزاعات الشغل الجماعية فتتخذ تارة مظاهر العنف كالاضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية وإحتلال أماكن العمل والإغلاقات اثناء الإضرابات، وتارة أخرى تبقى سلمية، وقدتدخل المشرع لوضع إجراءات وآليات خاصة لتدبيرها، ثم إن معالجة وتسوية نزاعات الشغل تتطلب توفر شروط وتقنيات ومناهج للمفاوضة تكون ملائمة لطبيعة نزاعات الشغل، بالإضافة إلى آليات نابعة من خصوصيات وواقع البلدان وكفيلة لاستيعاب هذه النزاعات[4].
لاستقرائنا لنزاعات الشغل فردية كانت أم جماعية في مختلف التشريعات المقارنة نلاحظ أن العديد من هذه التشريعات قد أغفلت تحديد مفهوم النزاع الجماعي تاركةً ذلك إلى قرارات التحكيم وكذلك إلى الفقه[5]، وبذلك تعد نزاعات الشغل الجماعية من أصعب وأخطر النزاعات التي يعرفها قانون الشغل إلى درجة أن هذا القانون نفسه يضع حلولا أو طرقاً غير مألوفة لفض مثل هذه النزاعات بحيث يلاحظ أن قانون الشغل نفسه لا ينص على إحالة هذه النزاعات على المحاكم بل ينص على إحالتها على آليات وأجهزة مهنية وإدارية لحلها. وهذا ما يلاحظ سواء في القانون المغربي أو في غيره من القوانين[6] بحيث ينص الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية المغربي على أن اختصاص المحاكم الإبتدائية هو النظر والبت في النزاعات الفردية- ليس الجماعية - المتعلقة بعقود الشغل والتدريب المهني والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل أو التدريب المهني.
ولكن هذا لا يعني أن نزاعات الشغل الجماعية ليس لها أي إطار قانوني، بل نلاحظ أن ظهير 19 يناير 1946 الملغى بموجب قانون 99/65 ينص على أن تسوية نزاعات الشغل الجماعية تتم عن طريق آليات التصالح والتحكيم، إلا أن هذه الأخيرة لا تشتغل في الواقع العملي، الشيء الذي جعل نزاعات الشغل الجماعية ظلت تحال عن طريق تدخل السلطات المختصة (وزارة التشغيل، الوزارة الأولى، وأحيانا وزارة الداخلية عبر العمالة أو الإقليم)، كما يلاحظ أن الأطراف المعنية تتجه لإنهاء نزاعات الشغل الجماعية بأسلوب وآليات خاصة تكمن في الاتفاقية الجماعية التي تبرمها.
هكذا نتساءل عن نزاعات الشغل الجماعية من خلال المقتضيات التي تحكمها، وماهي الآثار القانونية التي تميز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي.
نزاعات الشغل الجماعية من خلال المقتضيات التي تحكمها
يكتسي تعريف نزاعات الشغل الجماعية أهمية كبرى، لأنه مرتبط بأنماط وآليات فض النزاعات ولا يكفي النزاع كونه جماعيا، إلا إذا استجمع شرطين أساسين، ويتعلق الأمر بموضوع النزاع وأطرافه، فإذا كان الفقه في مجموعه يتفق على أن النزاع الجماعي هو ذلك الذي يجمع بين مشغل واحد أو مجموعة من المشغلين من جهة، وبين أجراء أو فريق منهم من جهة ثانية، فإن هذا الإجماع لا يحسم الجدل حول ما إذا كان جانب الأجراء يجب أن يكون منظماً قانوناً أم يكفي أن يكون منظماً تنظيماً فعلياً فقط، وبمعنى آخر اختلف الفقه حول ما إذا كان يجب انضمام الأجراء إلى نقابة مهنية حتى يكونوا طرفا في النزاع الجماعي، أو أن هذا الشرط غير ضروري لإضفاء صفة " الجماعي" على ما قد يثار بينهم وبين مشغليهم من نزاعات. وهكذا، إذا كان أطراف النزاع الجماعي لا يثير إشكالا بالنسبة لعنصر المشغل، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لعنصر الأجراء الذي يثير صعوبة ويعتمد الفقه في تحديده على معيارين(الميار العضوي والمعيار العددي):
أولا- المعيار العضوي والذي يرتبط بالانتماء النقابي دون النظر إلى جانب المشغل أو المشغلين سواء كانوا منظمين أو غير منظمين إلى نقابة معينة. هذا الإتجاه من الفقه يستثني عن نطاق النزاع الجماعي الأجراء غير المنضوين إلى نقابة ما حتى ولو كان هؤلاء الأجراء يمثلون نسبة كبيرة من مجموع أجراء المؤسسة، ولم يقتصر هذا الإتجاه على ذلك أي الانتماء النقابي بل إستوجب أن تكون هذه النقابة هي الأكثر تمثيلا، إذا كانت هناك أكثر من نقابة. حتى هذا الجانب من الفقه بدأ يتراجع عن موقفه هذا المتشدد، واعتبر أن عنصر الانتماء النقابي كشرط أساسي للنزاع الجماعي من شأنه أن يمس بمضمون الحق في الإضراب كحق دستوري وبالتالي لا يمكن ممارسة هذا الحق إلا في إطار تنظيمي نقابي، لذلك فإن ما قد يثار من نزاعات بين الأجراء وبين مشغليهم يعترف لها بالطابع الجماعي بصرف النظر عن كون هؤلاء منظمين إلى نقابة أو مجرد مجموعة فعلية[7]، في هذا الإطار أن الإجتهاد القضائي المغربي ((قرار المجلس الأعلى في الملحق عدد 88/8075 بتاريخ 17 فبراير 1992)) أخذ بهذا المعيار واعتبر النزاع الجماعي واكتسابه مرهونا بانتماء الأجراء لمنظمة نقابية وهذا يتعارض مع مقتضيات ظهير 19 يناير 1946 المتعلق بالنزاعات الجماعية الذي لا يشترط على الإطلاق أن يكون الأجراء منضوين لأية نقابة أو جمعية مهنية، ناهيك عن تعارضه ومساسه بمبدأ الحرية النقابية كما أرساها ظهير 16 يوليوز 1957. وأمام عجز هذا المعيار عن تقديم تحديد دقيق لأطراف النزاع الجماعي هناك معيار أخر اتجه إليه الفقهاء هو المعيار العددي.
من خلال ما سبق نتساءل عن موقف المشرع المغربي على ضوء مدونة الشغل الجديدة بخصوص المقصود بنزاعات الشغل الجماعية. لقد خصت مدونة الشغل بابا خاصا عن تسوية نزاعات الشغل الجماعية وهو الكتاب السادس الذي شمل المواد من 549 إلى 585، وهكذا أعطت المدونة تعريفا لنزاعات الشغل الجماعية من خلال المادة 549 التي نصت على أن (("نزاعات الشغل الجماعية"، هي كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء .كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين)). ويتضح من خلال مقتضيات المادة 549 السالفة الذكر أن المشرع المغربي يعتمد على عنصرين أساسين قي تعريفه لنزاعات الشغل الجماعية وهما:
· أن يكون أحد أطراف النزاع مجموعة من الأجراء مؤطرين تأطيراً قانونيا في شكل نقابة أو تأطيراً واقعياً فقط في إطار مجموعة من الأجراء.
· أن يكون هدف هؤلاء الأجراء الدفاع عن مصلحتهم الجماعية.
ففي غياب نص صريح يحدد عدد الأجراء في النزاع الجماعي، هل نعتبر أجيرين في نزاع مع المشغل يندرج في إطار المسطرة الخاصة بتسوية نزاعات الشغل الجماعية، أم أن هذا التحديد يترك تقديره للسلطة التي يمنحها القانون صلاحية التدخل في حل مثل هذه النزاعات، مع العلم أن هذه الأخيرة لا تعرض أمام المحاكم العادية في مرحلتها الأولى بل تعرض على السلطة المختصة للنظر في النزاع أي الحكم الذي أحيل عليه نزاع الشغل الجماعي وأن قرار الحكم لا يمكن الطعن فيه إلا أمام الغرفة الإجتماعية بالمجلس الأعلى (المادة 575 من المدونة)، بحيث تتولى هذه الأخيرة مهام غرفة تحكيمية، وتبت بهذه الصفة في الطعون، بسبب الشطط في الستعمال السلطة، أو بسبب خرق القانون، التي تقدمها الأطراف ضد القرارات التحكيمية (المادة 576 من المدونة). وهكذا يمكن القول بأن نزاعات الشغل الجماعية تخضع لمسطرة خاصة في تسويتها، وذلك من خلال المقتضيات الواردة في الكتاب السادس من المدونة من المواد 549 إلى 585 [9]، عكس النزاعات الفردية التي تعرض على المحاكم الابتدائية طبقا للمادة 20 من قانون المسطرة المدنية.
الآثار القانونية للتمييز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي
يترتب على التفرقة بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي آثارا مهمة، تتمثل أساساً في تحديد الجهة المختصة للنظر في النزاع، وكما أشرنا سابقا فالنزاعات الفردية يختص بها القضاء العادي في حين أن النزاعات الجماعية - والتي تنعكس آثارها على العديد من العمال والأجراء – تناط مهمة النظر فيها لهيئات التصالح والتحكيم [10] . إن المشرع المغربي ميز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي من خلال المادة 550 من مدونة الشغل التي نصت على أنه (( تسوى تزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها في هذا الشأن)). كما أن مقتضيات الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 الصادر بتاريخ 28 شتنبر 1974، تحدد اختصاص المحكمة الابتدائية في القضايا الاجتماعية بالنظر فقط في النزاعات الفردية دون الاشارة الى النزاعات الجماعية، بحبث تنص هذه المادة على أنه ((تختص المحاكم الابتدائية في القضايا الاجتماعية بالنظر في : أ- النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل والتدريب المهني والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل أو التدريب المهني...الخ)). و تتجلى الآثار السلبية في نزاعات الشغل الجماعية خاصة في الميدان الإجتماعي، حيث يكون الأجراء عرضة للبطالة وكذلك في الميدان الإقتصادي لما تخلفه هذه النزاعات من أضرار مالية بالنسبة للمقاولات نتيجة لتوقفها عن دفع ديونها، أضف إلى ذلك تهديد السلم الاجتماعي نتيجة لإضراب الأجراء ولاسيما إذا شمل هذا الإضراب مدنا اقتصادية أو إستراتيجية، مما يشكل خطراً على الإستقرار الإقتصادي والأمن الإجتماعي والسياسي [11].
لا يكفي أن يكون سبب نزاع الشغل الجماعي هو ظروف العمل مثل الزيادة في الأجور أو ترسيم العمال، أو المطالبة ببعض التعويضات أو الإحتجاج على تأديب بعض العمال أو طردهم، وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون هدف الأجراء من وراء هذا النزاع الذي يؤدي إلى إضرابات، هو تحقيق مصلحة جماعية مهنية للأجراء المضربين، وإلا فإن هذا النزاع لا يكون نزاعا جماعيا و لا يجب أن يخضع من الناحية القانونية لحل نزاعات الشغل الجماعية، لا بد قبل ذلك وبصفة إلزامية اللجوء إلى المفاوضة الجماعية أي إلى حوار أولي بين أرباب العمل أو ممثليهم والأجراء عبر نقابتهم الأكثر تمثيلية أو الاتحادات النقابية الأكثر تمثيلية، بحيث تنص المادة 92 من مدونة الشغل على أن (("المفاوضة ألجماعية" هي الحوار الذي يجري بين المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيل أو الاتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة، وبين المشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى بهدف: -تحديد وتحسين ظروف الشغل والتشغيل؛ - تنظيم العلاقات بيم المشغلين والأجراء؛ - تنظيم العلاقات بين المشغلين أو منظماتهم من جهة وبين منظمة أو عدة منظمات نقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة أخرى)). وبذلك تكون المفاوضة الجماعية التي تنظمها المواد 92 إلى 103 من مدونةالشغل، أداة للحوار والتشاور وليس أداة لحل النزاعات الجماعية.
إن تنظيم الاضراب وحده لا يكفي لتفادي أو لحل النزاعات الشغل الجماعية، مما تبين أنه من الضروري خلق وإحداث آليات قانونية كفيلة لفض هذه النزاعات الجماعية.
الآليات القانونية لفض نزاعات الشغل
تفاديا للآثار السلبية على المستويين الإقتصادي والإجتماعي من جهة، واللجوء إلى الأساليب العنيفة من جهة أخرى، تم إحداث آليات ووسائل للحل السلمي للخلافات التي تنشأ بين الأجراء وأرباب العمل. قبل صدور مدونة الشغل الجديدة كان النظام المغربي يتوفر على آليات إسوة بالقانون الفرنسي لسنة 1936، ونخص بالذكر مسطرة التصالح ومسطرة التحكيم كوسيلتين لحل نزاعات الشغل الجماعية، أما فيما يخص مسطرة الوساطة التي أدخلها المشرع الفرنسي سنة 1950 فليس لها وجود في النظام المغربي[12]. ومن مميزات مسطرة التصالح ومسطرة التحكيم أنهما إلزاميتان ويسبقان كل إضراب من طرف الأجراء،بحيث تنص المادة 550 من مدونة الشغل على أنه ((تسوى نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها في هذا الشأن)).
أولا : التصالح
تعتبر مسطرة التصالح كوسيلة من وسائل فض نزاعات الشغل الجماعية، وتعتبر كذلك من المراحل الأولى في التسوية السلمية لنزاعات الشغل الجماعية، فلا يلجأ إلى غيرها إلا بعد استنفاذ إجراءاتها في فض النزاع، فهي أداة لتفادي النزاعات أكثر ما هي أداة لحلها، فأهميتها تظهر بالخصوص عند بروز البوادر الأولى للنزاع الجماعي[13]وقبل اللجوء إلى وسائل الإضراب والإغلاق، بحيث تسعى الجهة المنوط بها إجراءات التصالح التقريب بين وجهتي نظر طرفي النزاع الجماعي، وتبديد الخلاف بينهما، للتوصل إلى اتفاق وحل تصالحي ينهي النزاع. ومسطرة التصالح التي نص عليها الباب الثاني من الكتاب السادس من مدونة الشغل، تجري أمام عدة هيئات وهي 1- مفتشية الشغل و2- اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة و3- اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.
1. التصالح على مستوى مفتشية الشغل
قبل إقرار مدونة الشغل، كان يحصر الاختصاص الرئيسي لمفتشية الشغل في وظيفة مراقبة تطبيق مقتضيات قانون الشغل وكل مخالفة لهذه المقتضيات يقوم مفتش الشغل بانجاز محاضر بالمخالفات، إلا أن جهاز تفتيش الشغل حسب المدونة الجديدة هو المدخل الأول في عملية تسوية النزاعات، لأن هذا الجهاز هو الأقرب إلى العمال وأرباب العمل بالاضافة إلى مؤهلاتهم وخبرتهم بالوسط المهني لكونهم الأكثر إطلاعاً على ظروف المؤسسة أو المقاولة المشغلة، وعلى ظروف الأجراء، بل وأكثر إلماما بأسباب النزاع ووضعية المقاولة. لقد نصت المادة 551 من مدونة الشغل على أنه (( يكون كل خلاف بسبب الشغل، من شأنه أن يؤدي إلى نزاع جماعي، موضوع محاولة التصالح، تتم أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم أو العون المكلف بتفتيش الشغل أو أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، وذلك بناء على نوعية الخلاف الجماعي، طبقاً للمواد 552، 556، 565...))، ومن منطلق هذه المادة فإن مهمة مفتش الشغل لا تنحصر فقط في النزاعات الفردية بل تشمل كذلك النزاعات الجماعية التي تكتسي طابعا إقليميا أو قطاعيا[14]. وانطلاقا من مقتضيات 552 من مدونة الشغل ، فإن الخلاف إذا كان جماعياً ويهم أكثر من مقاولة واحدة، فإن محاولة التصالح تمر عبر المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أما إذا كان الخلاف الجماعي يهم مقاولة واحدة فإن محاولة التصالح تمر عبر العون المكلف بتفتيش الشغل. ومن هنا يلاحظ أن المعيار الذي يضبط مفتش الشغل هو عدد المقاولات التي يعنيها النزاع. كما يشارك مفتش الشغل في فض الخلافات الجماعية التي قد تندلع تطبيقا للمادة 553 من مدونة الشغل التي تنص على أنه ((يتم الشروع فورا في محاولة التصالح، سواء بمبادرة من الطرف الراغب في التعجيل وذلك بمقال يحدد فيه نقط الخلاف، أو بمبادرة من المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو العون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة)). وطبقاً للمادة 554 التي تحيلنا على المقتضيات الواردة في المواد 558 و 559 و 560 من المدونة، يقوم مفتش الشغل أو مندوب الشغل حسب الحالات، باستدعاء أطراف النزاع بواسطة برقية في أجل لا يزيد عن 48 ساعة، إبتداء من تاريخ توصله بالطلب، ويجب على الأطراف أن يحضروا شخصياً لدى المندوب أو مفتش الشغل أو من ينوب عنهم، كما يجوز لأي طرف أن يكون مؤازرا بعضو من النقابة أو المنظمة المهنية التي ينتمي إليها أو بواسطة مندوب الأجراء(المادة 558 من المدونة). كما يجب على المفتش أو المندوب أن يقوم بتبليغ نسخة من المذكرة الكتابية المقدمة لديه إلى الطرف الآخر للجواب( المادة 559 من المدونة) كما يتعين على المفتش أو المندوب أن يبذل قصار جهده لتسوية النزاع الجماعي المعروض عليه في أجل لا يتعدى ستة أيام إبتداء من تاريخ توصله بالطلب (المادة 560 من المدونة). في ختام كل هذه الإجراءات يحرر مفتش الشغل أو المندوب محضراً يثبت فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام أو جزئي أو عدم التصالح أو عدم حضور الأطراف ويتم بعد ذلك التوقيع على المحضر من قبل المندوب أو مفتش الشغل ومن قبل الأطراف الذين تسلم لهم نسخة من المحضر أو تبلغ إليهم عند الإقتضاء (المادة 555 من المدونة). أما إذا لم تسفر محاولات التصالح أمام مندوب الشغل أو مفتش الشغل فإن النزاع يرفع كدرجة ثانية أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
2. التصالح على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة
تتولى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة بالنظر في النزاعات الشغل الجماعي المعروضة عليها والتي لم تسفر محاولة التصالح أمام العون المكلف بتفتيش الشغل أو أمام المندوب الإقليمي المكلف بالشغل لدى العملة أو الإقليم، والتي لم يحصل فيها أي اتفاق مسبق يضع حدا للنزاع الجماعي، وذلك في أجل ثلاثة أيام (المادة 556 من المدونة ). وحسب مقتضيات المادة 557 من المدونة تنص هلى أنه ((تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى "اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة" يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الادارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا. يتولى كتابة اللجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل)). إذا فرئاسة اللجنة التي أسندت لعامل العمالة أو الإقليم يتوفر على صلاحيات واسعة لتقصي أوضاع المقاولات وأوضاع العاملين بها المعنيين بالنزاع الجماعي، كما يمكنه الإستعانة بخبراء وبأي شخص يرى فيه الكفاءة بالإستعانة به لإجراء التحريات لتكوين رؤية واضحة عن وضعية النزاع( المادة 561 من المدونة)، لكن من الملاحظ أن تخويل رئاسة اللجنة إلى عامل العمالة أو الإقليم قد تتأخر مسطرة التسوية أمام كثرة إنشغالته ومهامه التي لا تسمح له بالتفرغ لفض نزاعات الشغل الجماعية التي تتطلب السرعة في مواجهتها لتفادي صعوبة حلها، وأمام كذلك غياب إشارة المدونة إلى نائب لرئيس اللجنة الذي يمكن أن يحل محله اثناء غيابه، فكان من الأجدر أن تناط مهمة الرئاسة للمندوب المكلف بتفتيش الشغل لدى العملة أو الإقليم[15]، ومن الملاحظ كذلك من جهة حول مكونات اللجنة بالنسبة لتحديد الجهة الادارية المتمثلة في اللجنة هل هي الوزارة الوصية على قطاع الشغل؟ أم الوزارة المعنية بالنزاع؟ ام هي العمالة؟ ومن جهة أخرى حول عدد كل فريق الممثل في اللجنة. كما أن الإجراءات المسطربة لأمم جهات المصالحة تخضع لمقتضيات المواد 558 و 559 و 560 من مدونة الشغل.
وفي ختام جلسات الصلح يجب أن يحرر المندوب الإقليمي المكلف بالشغل بصفته كاتباً محضراً يثبت ما توصل إليه الأطراف من إتفاق تام أو جزئي أو عدم التصالح وحضور الأطراف أو غيابهم. كما يوقع على المحضر كل من رئيس اللجنة والأطراف المعنية، وإذا لم يحصل إتفاق على مستوى هذه اللجنة يرفع النزاع أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة داخل أجل ثلاثة أيام (المادة 563 من مدونة الشغل).
3. التصالح على مستوى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة
بعد استنفاذ محاولة المصالحة على مستوى اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة (المادة 566 من المدونة)، يتولى رئيس هذه اللجنة الأخيرة من عرض النزاع على أنظار اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، التي تحدث لدى السلطات الحكومية المكلفة بالشغلتطبيقا للمقتضيات المادة 564 من مدونة الشغل، إذ تباشر هذه اللجنة أشغالها وفق المسطرة المقرر لعمل اللجنة الاقليمية للبحث والمصالخة في المواد 558و 559و 560و 561، وتتولى اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة حسب المادة 565 من مدونة الشغل النظر في الحالتين التاليتين:
· كل نزاع شغل جماعي شمل عدة عمالات أو أقاليم أو إمتد إلى مجموع التراب الوطني.
· كل نزاع لم يحصل أي اتفاق بصدده بين الأطراف أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
و تتكون هذه اللجنة حسب مقتضيات المادة 564 من مدونة الشغل، من وزير الشغل كرئيس أومن ينوب عنه، ومن أعضاء يتكونون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ويمكن لرئيس اللجنة أن يستدعي لحضور أشغالها الكفاءات في مجال اختصاصات اللجنة، كما ويتولى رئيس مصلحة تفتيش الشغل كتابة اللجنة الوطنة للبحث والمصالحة. أما فيما يتعلق بالإجراءات المسطرية المتبعة أمام هذه اللجنة فتتم مباشرتها وفق المسطرة والمقتضيات المنصوص عليها في المواد 558، 559، 560، 561 من المدونة.
من خلال إستقرائنا لآليات التصالح من خلال المدونة الجديدة نلاحظ أن المشرع أراد من خلالها تذويب النزاع الجماعي للشغل في مرحلته الأولى عن طريق التصالح أمام مفتش الشغل أو مندوب الشغل وكذا أمام لجنتي الإقليمية والوطنية للبحث والمصالحة.
إذا لم يحصل أي اتفاق أمام اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة، وأمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، أو إذا بقي الخلاف بشأن بعض النقط، أو إذا تخلف الأطراف أو أحدهم عن الحضور، فإنه يمكن للجنة المعنية، إما إقليمية أو وطنية، إحالة النزاع الجماعي للشغل إلى مسطرة التحكيم، وذلك بعد موافقة أطراف النزاع الجماعي، حيث يحيل رئيس اللجنة الاقليمية أو الوطنية عند الاقتضاء، إلى الحكم خلال الثماني والأربعين ساعة الموالية لتحرير المحضر، الملف المتعلق بموضوع النزاع الجماعي للشغل، مرفقا بالمحضر المحرر من قبل اللجنة المعنية، حسب مقتضيات المادة 567 من مدونة الشغل.
لكن من الملاحظ أن تحريك إجراءات التحكيم في ظل مدونة الشغل لم يعد واجبا و ملزما على جهة المصالحة كما كان الشأن في ظل ظهير 19 يناير 1946 الملغى بقانون 65.99 الصادر بتنفيذه الظهير الشريق 1.03.194 في 11 سبتمبر 2003 ، وانما أصبح احالة النزاع الجماعي مجرد امكانية، بحيث أن المشرع استعمل مصطلح "يمكن" وليس "يجب"، بل وحتى هذه الامكانية رهينة بموافقة أطراف النزاع، لأنه لا يمكن احالة الملف المتعلق بموضوع النزاع الجماعي إلى التحكيم بدون موافقة الأطراف حسب المادة 567 من المدونة، مما كان من الأجدر أن ينص المشرع على وجوب إحالة نزاع الشغل الجماعي مباشرة على التحكيم يمجرد فشل مسطرة التصالح دون أن يتوقف ذلك على موافقة أطراف النزاع.
لكن، هل من مخرج من أجل فض نزاعات الشغل الجماعية العالقة؟ أم سيبقى الحال على حاله وترتفع وتيرة الاحتقان الاجتماعي.
لجنة فض نزاعات الشغل الجماعية على مستوى رئاسة الحكومة
أمام نزاعات الشغل الجماعية التي لم تجد طريقا لحلها من طرف آليات المصالحة، بحيث أن الطبقة العاملة المغربية تجتاز في الآونة الأخيرة مرحلة يمكن وصفها بالدقيقة والخطيرة في ذات الوقت، ولربما تحمل في ثناياها فسخ عقد النكاح مع ما أصطلح عليه "بالسلم الإجتماعي" الذي يبدو أن الأجراء عملوا كل ما في وسعهم على احترام مضامين ابعاده والتزموا ولبوا نداء السلم، بينما الطرف الموازي في عملية الإنتاج – أرباب العمل- يظل في منأى ومعزل إن لم نقل غير معني بهذا الإلتزام في كافة مضامين أبعاده القانونية والاقتصادية والإجتماعية، حيث مازالت قيم المقاولة العائلية هي السائدة وعدم تنفيذ مقتضيات وتدابير مدونة الشغل الجديدة، واعتبار العامل أو الأجير عملة رخيصة في حلقة الإنتاج، مقوماً أساسيا في بنية التفكير التدبيري للمقاولة، عملت الحكومة الحالية على ايجاد مخرج لتسوية نزاعات الشغل الجماعية العالقة، أمام إشكالية عدم إحالة ملفات النزاعات الجماعية على التحكيم من طرف لجن المصالحة وخاصة اللجنة الوطنية للبحث و المصالحة لعدم موافقة أطراف النزاع وخاصة المشغلين،بحيث لم تستطيع آليات المصالحة من تسوية نزاعات الشغل الجماعية، مما إنعكس ذلك سلبا على السلم الاجتماعي والاقتصادي داخل المقاولة، وفتح المجال أمام الأطراف لسلوك وسائل العنف المتمثلة في إضراب الأجراء والإغلاق من جهة المشغلين، وما نتج وينتج عنه من خسارة للطرفين وللإقتصاد الوطني، مما دفع الحكومة حاليا أمام اللجنة العليا للتشاور بين رئبس الحكومة و الامناء العامين للاحزاب السياسية وزعماء النقابات الاكثر تمثيلية، اللجوء إلى إحداث لجنة خاصة تسمى " لجنة فض النزاعات الشغل الجماعية" على مستوى رئاسة الحكومة تتولى النظر ومدارسة أهم النزاعات الشغل الجماعية العالقة قصد ايجاد الحلول المناسبة لها.
ثانياً : التحكيم
ان التحكيم وسيلة من وسائل تسوية نزاعات الشغل الجماعية، قد تنتهي اجراءته بحصول اتفاق بين طرفي النزاع لوضع حد لجالة النزاع بينهما، أو قد يضطر الحكم إلى إصدار قرار الفصل في موضوع النزاع على ضوء الأبحاث والتحريات التي قام بها، وكذلك على ضوء السندات المتوفرة لديه والمقدمة من طرف أطراف النزاع، كما يمكن الطعن في قرارت التحيكيمية.
1 .مسطرة التحيكم
إذا وصل النزاع إلى مرحلة التحكيم فإن أطراف النزاع تقوم باتفاق فيما بينها باختيار حكم من ضمن لائحة الحكام التي تصدر بموجب قرار يتخذه وزير الشغل وباقتراح من المنظمة المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، مع مرعاة عند وضع لائحة الحكام الكفاءات والاختصاصات في المجال الاقتصادي والاجتماعي (المادة 568 )، وإذا تعذر توصل الأطراف إلى اتفاق حول إختيار الحكم لأي سبب كان، فإن الوزير المكلف بالشغل يعين حكما من نفس القائمة المذكورة في المادة 568 وذلك في أجل لا يتعدى 48 ساعة (المادة 569).
ما هي إذاً الإجراءات المتبعة من طرف الحكم ؟
ان من الأسباب التي تساهم في ضمان تسوية نزاعات الشغل الجماعية، بالاضافة الى ثقة الأطراف في الجهة المخولة لها التسوية، هي السرعة في تحريك الاجراءات، سواء تعلق الأمر يمسطرة التصالح أو بمسطرة التحكيم بحيث أن هذه السرعة تعمل على تطويق النزاع وأسبابه والحد من تعقده. طبقاً للمادة 570 من المدونة، ي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.