يُعتبر الفصل 288 من القانون الجنائي نقيضا للفصل الرابع عشر من الدستور. هذا الفصل ينص على الأتي :”حق الإضراب مضمون. وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق “. أما الأول فينص على ما يلي : « يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من 200 إلى 5000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل . وإذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطأ عليها، جاز الحكم على مرتكب الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات». هذا الفصل في القانون الجنائي إنما هو حق يُراد به باطل . فالمُشرع كان ذكيا حينما أعد مخرجا بموجبه يحد من أهمية الفصل 14 من الدستور, إن لم نقل يلغيه , مستغلا الفقرة الثانية فيه ” و سيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق”. في نفس الوقت غُيب المشرع في القانون الجنائي أي نص قانوني يُنصف العمال في حالة مطالبتهم بحقوقهم . متى يُستغل الفصل 288 من القانون الجنائي بشكل “جيد” ؟. سؤال الجواب عنه سهل جدا , إذا طرحنا سؤالا أخرا . و هو متى تكون “العرقلة” التي ينص عليها هذا الفصل؟. “العرقلة” تكون عندما تريد مجموعة من العمال مزاولة عملها و يتم منعها من طرف مجموعة أخرى , سواء بشكل مباشر أو غير مباشر , و هذه الحالة نجدها عندما تتعدد التمثيليات النقابية في قطاع إنتاجي أو خدماتي واحد , خصوصا إذا كان هذا التعدد غير منسجم فالمجموعة الثانية التي لا تلتحق بعملها لا يُطبق عليها الفصل 288 , بل يتم طردها لعدم الالتحاق بالعمل بحجة الغياب بدون سبب , ما لم يكن هناك “تحريض أو إتلاف أو تكسير”, و “يغيب ” هذا الفصل بطبيعة الحال إذا كان العمال مُمثلون تحت لواء مركزية واحدة , هنا من الصعب إثبات” العرقلة ” لأن المقاطعة غالبا ما تكون مائة في مائة أو تقريبا . ما لم يحدث ما سبق ذكره “تحريض أو إتلاف أو تكسير”. فهذا الفصل و جب إلغاؤه برمته مادام لا يوجد فصل مثله يُدين المشغل إذا لم يوفي بالتزاماته نحو العمال كما سبق و أن ذكرنا. فمعظم الفصول التي تدين المشغل جنائيا نجدها في علاقاته الخارجية و ليس في علاقته مع العمال , سواء مع الممولين ( شيكات بدون رصيد و ما شبه ذلك , عدم الوفاء بالالتزامات , التهرُب الضريبي ... إلخ.) و دون ذلك تكون المتابعات مدنية ( كتصفية الشركة و إعلان الإفلاس و الحكم بالتعويضات) . إذا لم يكن ما ذكرناه سالفا , فيجب إصلاح الدستور و تحويل الفصل 14 من “حق الإضراب مضمون. وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق.” و حصره فقط في ” حق الإضراب مضمون” و هنا يلغى الفصل 288 بشكل تلقائي, لأن الدستور هو أسمى قوانين الدولة. يبقى للعمال طرق التحايل على الفصل 288 من القانون الجنائي بأشكال كثيرة خصوصا في صياغة البيانات النقابية التي تسبق الإضرابات كالإشارة لوقفة احتجاجية بدل ذكر كلمة إضراب و محاولة تنفيذ هذه الوقفات الاحتجاجية بتسجيل مشاركة عالية مما يُخدع المشغل لفتح حوار مع التمثيلية العمالية , ولا ننسى أن هذه الأخيرة بدورها يؤول إليها تنظيم الطبقة العامل و تأطيرها حسب الدستور مما يتناقض و محتويات الفصل 288. أمام هذا التناقض بين الفصل 288 من القانون الجنائي و الفصل 14 من الدستور المغربي , لعبت مدونة الشغل دورا مهما بما جاءت به من حلول للنزاعات بين التمثيلية العمالية و المشغل حيث جاء في ببابها السادس : تسوية نزاعات الشغل الجماعية . الكتاب السادس. تسوية نزاعات الشغل الجماعية. الباب الأول. مقتضيات عامة. المادة 549 “نزاعات الشغل الجماعية”، هي كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل، والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية أو جماعية من الأجراء،ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية، مهنية لهؤلاء الأجراء. كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد، أو عدة مشغلين، أو منظمة مهنية للمشغلين، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين. المادة 550 تسوى نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها في هذا الشأن. الباب الثاني التصالح الفرع الأول محاولة التصالح على مستوى مفتشية الشغل المادة 551 يكون كل خلاف بسبب الشغل، من شأنه أن يؤدي إلى نزاع جماعي، موضوع محاولة للتصالح، تتم أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو العون المكلف بتفتيش الشغل أو أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، وذلك بناء على نوعية الخلاف الجماعي، طبقا للمواد 552 و556 و565 أدناه. المادة 552 إذا كان الخلاف الجماعي يهم أكثر من مقاولة، فان محاولة التصالح تجرى أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم. إذا كان الخلاف الجماعي يهم مقاولة واحدة، فان محاولة التصالح تجرى أمام العون المكلف بتفتيش الشغل. المادة 553 يتم الشروع فورا في محالة التصالح، سواء بمبادرة من الطرف الراغب في التعجيل وذلك بمقال يحدد فيه نقط الخلاف، أو بمبادرة من المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو من العون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة. المادة 554 تتبع أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم والعون المكلف بتفتيش الشغل المسطرة المنصوص عليها في المواد 558 و559 و560 أدناه. المادة 555 يحرر، حسب الأحوال، المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو العون المكلف بتفتيش الشغل فورا، في ختام جلسات الصلح، محضرا يثبت فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام،أو جزئي، أو عدم التصالح، وكذا عدم حضورهم عند غيابهم. يوقع المحضر، حسب الأحوال، من طرف المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو العون المكلف بتفتيش الشغل، والأطراف، وتسلم نسخة منه إلى الأطراف المعنية، أو تبلغ إليهم عند الاقتضاء. المادة 556 إذا لم تسفر محاولة التصالح عن أي اتفاق، فان المندوب الإقليمي المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم أو العون المكلف بتفتيش الشغل، أو أحد الأطراف، يبادر داخل اجل ثلاثة أيام، برفع نزاع الشغل الجماعي إمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة. المادة 557. تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى “اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة”، يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا. المادة 396 تهدف النقابات المهنية، بالإضافة إلى ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثالث من الدستور، إلى الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها، وإلى دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها. كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي. وتستشار في جميع الخلافات، والقضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها. المادة 404 تتمتع النقابات المهنية، بالأهلية المدنية، وبالحق في التقاضي. ويمكن لها أن تمارس، ضمن الشروط والإجراءات المنصوص عليها قانونا، جميع الحقوق التي يتمتع بها المطالب بالحق المدني لدى المحاكم، في كل ما له علاقة بالأعمال التي تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصالح الفردية أو الجماعية للأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم، أو بالمصلحة الجماعية للمهنة، أو للحرفة التي تتولى تمثيلها. وهكذا تكون مدونة الشغل أقرب لإيجاد الحلول بين التمثيلية العمالية و المشغل , بدل إعطاء الحق للمشغل بالمطالبة باستعمال الفصل 288 من القانون الجنائي .و أبعد من ذلك فإن الفصلين 396 و404 من مدونة الشغل أعلاه , وضحا الدور الحقيقي للتمثيلية العمالية و بات ضروريا المطالبة بإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي المشؤوم لأنه يخدم جهة ويتجاهل حقوق جهة أخرى.