مؤسستا مندوب الأجراء والممثل النقابي آلية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والنهوض بتنافسية المقاولة جزء الثالث/ 3 بقلم الأستاذ محمد المعاشي II. مجال تدخل مؤسسة الممثل النقابي قبل التطرق للدور الذي قوم به مؤسسة الممثل النقابي، لابد من الوقوف على ماهي المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا؟، حيث نيل المركزيات النقابية لهذه الصفة، تعتبر أساس في تعيين الممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة، وقد خول مشرع المدونة صلاحيات قانونية هامة وواسعة للمثل النقابي، تفوق تلك المخولة لمؤسسة مندوب الأجراء. أولا: المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا لقد عمل المشرع المغربي على تحديد النقابة الأكثر تمثيلا على القطاع الخاص الذي يسري عليه مدونة الشغل[1]، دون قطاع الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية التي لا يسري عليها تطبيق أحكام المدونة، حيث اعتبره البعض هو إقصاء للقطاع العام من النص القانوني المحدد للمنظمة النقابية الأكثر تمثيلا. وقد أثار مفهوم النقابة الأكثر تمثيلا عدة نقاشات لدى المنظمات النقابية، لغياب نص صريح حول تعريف المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا، أمام اختلاف المركزيات النقابية في تحديد مقياس موحد، لمفهوم المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا([2]). وتعتبر المقتضيات القانونية الوارة في المادة 425 من مدونة الشغل، الفريدة، التي تعمل على تحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا، حيث نصت هذه المادة على أنه (( لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني، يتعين الأخذ بعين الإعتبار مايلي: · الحصول على 6 بالمائة من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي والخاص؛ · الاستقلال الفعلي للنقابة؛ · القدرة التعاقدية للنقابة؛ لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة، يتعين الأخذ بعين الاعتبار مايلي: · الحصول على نسبة 35 بالمائة على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو المؤسسة؛ · القدرة التعاقدبة للنقابة)). ثانيا: أحقية النقابة الأكثر تمثيلا في تعيين الممثل النقابي من المستجدات التي أقرتها مدونة الشغل في القسم الرابع من الكتاب الثالث، هو تعيين الممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة. كما أن كيفية تعيين الممثل النقابي بالمقاولة أو المؤسسة يظهر واضحا من خلال نص مقتضيات المادة 470 من المدونة على أنه ((يحق للنقابة الأكثر تمثيلا والتي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المهنية الأخيرة داخل المقاولة أو المؤسسة أن تعين، من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة ممثلا أو ممثلين نقابيين لها، لكن حسب عدد الأجراء العاملين بالمقاولة أو المؤسسة وهي على الشكل الاتي: · ممثل نقابي واحد، من 100 إلى 250 أجيرا؛ · ممثلان نقابيان إثنين، من 251 إلى 500 أجيرا؛ · 3 ممثلين نقابيين، من 501 إلى 2000 أجيرا؛ · 4 ممثلين نقابيين، من 2001 إلى 3500 أجبرا؛ · 5 ممثلين نقابيين، من 3501 إلى 6000 أجيرا؛ · 6 ممثلين نقابيين، من 6001 فما فوق)). ثالثا: مهام مؤسسة الممثل النقابي بعد أن تطرقنا لمهام مؤسسة مندوب الأجراء، لاحظنا أن مشرع المدونة من خلال المقتضيات القانونية السالفة الذكر والواردة في المواد المدونة 37، 62،66، 138، 141، 184، 185، 186، 189، 196، 211، 212، 214، 227، 245، 307، 337، 465، هي نفس الإختصاصات المخولة لمؤسسة الممثل النقابي داخل المقاولة، حيث كلما كانت هناك استشارة مع مندوب الاجراء وإلا كانت الاستشارة كذلك مع الممثل النقابي عند وجوده بالمقاولة في آن واحد، مما يفترض أن تعمل المؤسستين سويا خلال مدة إنتدابهم، وذلك بالعمل على تشجيع التعاون بين هاتين المؤسستين الممثلتين للأجراء، طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 473 من مدونة الشغل. إذا كان مشرع المدونة من خلال مقتضيات المادة 432 من قانون 65.99 قد تراجع واستثنى مؤسسة مندوب الاجراء من المطالب الجماعية[3] المخولة إليه سابقا طبقا للفصل الثاني من ظهير 29 أكتوبر 1962[4] والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 2612 بتاريخ 16 نونمبر 1962، -ما العمل عند عدم وجود مؤسسة الممثل النقابي داخل المقاولة([5])-،فإنه في نفس الوقت حافظ للممثل النقابي على اختصاصاته السابقة، التي كان يمارسها قبل صياغة المدونة، وهذا ما تؤكده مقتضيات المادة 471 من مدونة الشغل التي نصت على أنه (( يعهد إلى الممثل النقابي داخل المقاولة، تطبيقا لأحكام المادة 396 من هذا القانون بالمهام التالية: - تقديم الملف المطلبي للمشغل أو من ينوب عنه؛ - الدفاع عن المطالب الجماعية وإجراء المفاوضات حولها؛ - المساهمة في إبرام الاتفاقيات الجماعية)). ومضمون نص المادة 471 واضح والذي يعتبر من أبرز المهام المسندة لممثل النقابة، حيث يتولي تقديم للمشغل الملف المطلبي الذي يحتوي على مطالب الأجراء، والذي نعتبره ورقة الطريق لأي مكتب نقابي داخل المقاولة، كما لا يعتبر نهائيا بقدر ما هو قابل لتحينه كلما داعت الضرورة لذلك، ثم كذلك الدفاع عن المطالب الجماعية التي تهم عموم الأجراء بالمقاولة، وعادة هذه المطالب يتم التفاوض عليها مع المشغل في اطار مفاوضة جماعية. و "المفاوضة الجماعية"، لم يكن يوجد إطار قانوني ينظمها إلى حين صدور مدونة الشغل سنة 2003، التي عملت على تشجيع المفاوضات الجماعية بين المقاولات، وتعتبر من أهم المستجدات التي استحدثتها المدونة، بعد إدراجها لأول مرة لمقتضيات قانونية تتعلق بالمفاوضة الجماعية بين عنصري الإنتاج، حيث عرفتها المادة 92 على أن (("المفاوضة الجماعية" هي الحوار الذي يجري بين ممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو الاتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة، وبين المشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى، بهدف تحديد وتحسين ظروف الشغل والتشغيل، وتنظيم العلاقات بين المشغلين والأجراء، وتنظيم العلاقات بين المشغلين أو منظماتهم من جهة وبين منظمة أو عدة منظمات نقابية للأجراء أكثر تمثيلا من جهة أخرى)). كما أن "المفاوضة الجماعية" تختلف عن اتفاقية الشغل الجماعية من الناحية القانونية، بحيث تعتبر حقا للعمال وأرباب العمل من خلال دراسة قضايا مهنية وتسويتها، خلافا لاتفاقية الشغل الجماعي التي تعتبر عقدا أو اتفاقا مبرما بين النقابات وأرباب العمل بهدف تنظيم علاقات الشغل. واتفاقية الشغل الجماعية تحتل مكانة أساسية في نظام العلاقات المهنية التي تجمع بين المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية، باعتبارها الوسيلة الفعالة التي تنظم وتحكم العلاقة الشغلية التي تجعلها تعكس واقعها وتعمل على تحقيق شروط عمل ومطالب الأجراء وفق إمكانيات المقاولة. ويعود التنظيم القانوني لإتفاقية الشغل الجماعية بموجب ظهير 13 يوليوز 1938، لكن أمام محدودية نطاق تطبيقه تدخل المشرع المغربي لإعادة تنظيمها بموجب ظهير 17 أبريل 1957. ومع إعداد مشروع مدونة الشغل تم تجميع النصوص المتفرقة ومن بينها نصوص اتفاقية الشغل الجماعية، حيث لم يطرأ أي تغيير كبير وجوهري على أحكام ظهير 17 أبريل 1957 عند إعداد مدونة الشغل([6]) ، لكون المقتضيات القانونية الخاصة باتفاقية الشغل الجماعية جاءت شبه مطابقة لظهير 17 أبريل 1957. كما أن مدونة الشغل خصصت بابا خاصا في القسم الرابع من الكتاب الأول لإتفاقية الشغل الجماعية والذي يشمل ثلاثين مادة من 104 إلى 134. وقد عرفتها مقتضيات المادة 104 من المدونة على أن (( "اتفاقية الشغل الجماعية”، هي عقد جماعي ينظم علاقات الشغل، ويبرم بين ممثلي منظمة نقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، أو عدة منظمات نقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، أو اتحاداتها، من جهة، وبين مشغل واحد، أو عدة مشغلين يتعاقدون بصفة شخصية، أو ممثلي منظمة للمشغلين أو عدة منظمات مهنية للمشغلين من جهة أخرى. يجب، تحت طائلة البطلان، أن تكون اتفاقية الشغل الجماعية مكتوبة)). واتفاقية الشغل الجماعية في البداية تكون اختيارية ولكن بمجرد التوقيع عليها تصبح ملزمة داخل المقاولة أو المؤسسة ما لم يكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء، وهذا ما نصت عليه مقتضيات المادة 113 من المدونة التي تنصت على أنه ((تسري مقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية التي التزم بها المشغل، على عقود الشغل المبرمة من طرفه. تكون أحكام اتفاقية الشغل الجماعية ملزمة في كل مقاولة أو مؤسسة يشملها مجال تطبيقها، ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء في عقود شغلهم)). وعليه، يبقى الممثل النقابي الذي تعينه النقابة الأكثر تمثيلا، هو المحرك الاساسي والنشيط في المفاوضات، وهو أداة التواصل بين المكتب النقابي وإدارة المقاولة و المؤسسة. رابعا: الحماية القانونية المخولة للمثل النقابي تبرز الحماية القانونية للممثل النقابي([7]) من خلال المقتضيات القانونية الواردة في مدونة الشغل، حيث تنص المادة، 36 على أنه ((لاتعد الأمور التالية من المبررات المقبولة لاتخاذ العقوقبات التأديبية أو للفصل من الشغل: 1. الانتماء النقابي أو ممارسة مهمة الممثل النقابي؛ 2. المساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات الشغل، أو أثناء تلك الأوقات، برضى المشغل أو عملا بمقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي؛ 3. طلب ترشيح لممارسة مهمة مندوب الأجراء، أو ممارسة هذه المهمة، أو ممارستها سابقا؛ 4. تقديم شكوى ضد المشغل، أو المشاركة في دعاوي ضده، في نطاق تطبيق مقتضيات هذا القانون...الخ)). لقد إعتبر مشرع المدونة الممثل النقابي في نفس النازلة والمرتبة مع مندوب الأجراء بالنسبة للتسهيلات والحماية القانونية، كما يمكن لمندوب الأجراء أن يزاول في نفس الوقت مهمة لكنه يسيتفيد من نفس الحماية، حيث نصت المادة 472 من مدونة الشغل على أنه ((يستفيد الممثلون النقابيون من نفس التسهيلات و الحماية التي يستفيد منها مندوبو الأجراء بمقتضى هذا القانون. إذا كان مندوب الأجراء يزاول في نفس الوقت مهمة الممثل النقابي، فإنه يستفيد من التسهيلات والحماية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة برسم ممارسة إحدى المهمتين فقط)). وعليه تبقى المقتضيات القانونية الواردة في المواد 459.458.457.58 والسالفة الذكر، نفسها تسري على مؤسسة الممثل النقابي. وتشجيعا لهاتين المؤسستين، مؤسسة مندوب الأجراء ومؤسسة الممثل النقابي، تدخل مشرع المدونة، في حالة تواجد المؤسستين الممثلتين للأجراء داخل نفس المؤسسة، ليحذر المشغل من إستعمال مؤسسة مندوب الاجراء كأداة لإضعاف مؤسسة الممثل النقابي، حيث نصت المادة 473 على أنه ((في حالة تواجد ممثلين نقابيين ومندوبين منتخبين داخل نفس المؤسسة، يتعين على المشغل، كلما اقتضى الحال ذلك، اتخاذ الإجراءات الملائمة حتى لا يستعمل تواجد المندوبين المنتخبين كوسيلة لإضعاف دور الممثلين النقابيين من جهة، وحتى يتم تشجيع التعاون بين هاتين المؤسستين الممثلتين للأجراء من جهة أخرى)) ([8]). خلاصة تلعب مؤسسة مندوب الأجراء ومؤسسة الممثل النقابي دورا كبيرا في استقرار وتحديث وتطور وتنمية المقاولة المغربية، وذلك نتيجة مساهمتها في تأطير أجراء المقاولة، باعتبارها آلية من آليات التواصل بين الأجراء والمشغل والعكس صحيح عند الضرورة. كما أن المؤسستين الممثلتين للأجراء ضابط من ضوابط السلم الاجتماعي، الذي هو أساس لأي حوار وتفاوض لتحقيق المزيد من المكتسبات للأجراء، مع الحفاظ على توازنات المقاولة. لكن هذا يتطلب من جهة إختيار الأجراء لكفاءات في مستوى التمثيلية، التي ستعبر عن حقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي بموضوعية بالمقاولة، وعند رفع المطالب للمشغل فردية كانت أم جماعية، يجب مراعاة التوازنات بين تطلعات الأجراء وإكراهات وامكانيات المقاولة، ومن جهة أخرى، إلزام المشغل وإدارته الحياد في انتخابات مندوبي الأجراء، لكي تنبثق مؤسسة مندوب الأجراء من انتخابات ديمقراطية، تحتفظ على استقلاليتها - بمعناها الإيجابي- ومصداقيتها، وهذا لن يكون إلا في صالح الطرفين المشغل ومؤسسة مندوب الأجراء. الرباط في 4 ماي 2015 بقلم الأستاذ محمد المعاشي: باحث في قانون الشغل وخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية البريد الالكتروني:elmaachi .[email protected] **************************