بقلم: ذ. محمد المعاشي* إذا تناولنا في كل من الجزء الأول ولو بإيجاز إلى نشأة الحركة النقابية في البلدان الأجنبية وفي المغرب (أولا)، ثم أهداف النقابات المهنية، ووقوفا على شروط المشرع في من يتولى إدارة النقابات (ثانيا)، وفي الجزء الثاني تطرقنا إلى الحريات النقابية ومظاهر الإعتراف على الصعيدي الدولي والمغربي (ثالثا)، وكذا الإكراهات التي تواجه الحريات النقابية بالمغرب (رابعا)، فإننا سنتطرق في هذا الجزء لحرية الانخراط في المنظمات النقابية، مع الوقوف على شروط الانخراط ثم دور الممثل النقابي، وكذلك ماهي المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا (خامسا)؟ خامسا: حرية الانخراط في المنظمات النقابية نصت الفقرة الأخيرة من مقتضيات المادة 398 من مدونة الشغل المغربي على أنه ((يمكن للمشغلين والأجراء أن ينخرطوا بحرية في النقابة المهنية التي وقع عليها اختيارهم))، ومقابل حق الانخراط، يحق للأجير عدم الإنخراط في أية نقابة، لكن الانخراط في المنظمة النقابية يقتضي حماية الأجراء النقابيين و الأجراء غير النقابيين. كما أن مضايقة الأجراء وحثهم على الإنخراط في النقابة رغما عن إرادتهم، تعتبر غير مشروعة، سواء صدرت عن الجهاز النقابي أو عن المشغل، لأن الحرية في الانتماء النقابي يعني الإخراط أو عدم الانخراط في المنظمة النقابية، سواء كان الراغب رجلا أو امرأة. وإذا كان مبدأ الحرية النقابية يشمل كل من حرية الانخراط أو عدم الانخراط في نقابة وحرية اختيار النقابة، فإن هذه الحرية عادة ما تصطدم بحاجزين اثنين، حاجز تنكر المشغل انحيازه إلى جانب نقابة معينة، وحاجز من جانب النقابات لاستعمالها وسائل الضغط ضد عمال غير منتمين إليها أو عمال منتسبين لنقابات أخرى. وما يلاحظ أمام التعددية النقابية، أن أغلب المشغلون يتجهون نحو طريق إنحياز وفرض النقابة الذي يود الحوار معها، ثم كذلك توجيه الأجراء عن طريق مصلحة الموارد البشرية بالمقاولة لانخراطهم في نقابة معينة، وذلك باتفاق مع النقابة، مما دفع بالسلطة بتقسيم بعض القطاعات على النقابات، وهذا بتعارض مع مبدأ استقلالية النقابة، الذي يتطلب استقلالية النقابة إزاء المشغلين، فالنقابة التي تكون تابعة للمشغل (Syndicat maison) لا يمكنها إطلاقا أن تخدم مصالح الأجراء خاصة في مجتمع تتناقض فيه مصالح المشغلين مع مصالح الأجراء، نفس الشيئ ينطبق على استقلالية النقابة مع السلطة، وكذلك استقلالية النقابة إزاء الأحزاب السياسية. تبقى الميزة الأساسية للعمل النقابي في المغرب، بصفة عامة، هي أن نسبة الانخراط ضعيفة والتي يمكن إعتبارها من أضعف النسب في العالم، ويزداد الانخراط النقابي ضعفا عند النساء وذلك بفعل مسؤوليات البيت والمنزل، كما أن نسبة كبيرة من المغاربة يشتغلون في قطاعات ما يسمى باقتصاد الظل، حيث لا تعرف أي نوع من الانخراط النقابي، إضافة إلى ذلك أن ثلث السكان النشيطين يشتغلون في الفلاحة وهم أقل أهتمام بالعمل النقابي[1]،كل هذه المعطيات تجعل العمل النقابي مركزا بالخصوص في القطاع العمومي وشيه العمومي، حيث يعتبر قطاعات التعليم والصحة والبريد والفوسفاط أهم القطاعات في المغرب. وأيضا غياب استقلال العمل النقابي عن الأحزاب السياسية، وغير خاف على أن أغلب المركزيات النقابية غير مستقلة في قرارتها. وفضلا عن ذلك ذهب المشرع المغربي بمنع المنظمات المهنية للمشغلين وللأجراء التدخل في شؤون بعضها البعض، في كل إجراء يرمي إلى إنشاء نقابات للأجراء يهيمن عليها المشغل أو من ينوب عنه، أو منظمة من منظمات المشغلين، أو يهدف إلى تقديم دعم مالي أو غيره لهذه النقابات، قصد وضعها تحت مراقبة المشغل أو منظمة من منظمات المشغلين[2]،كما مكن المشرع النقابات المهنية من جهة، أن تتكتل وتتشاور فيما بينها بكل حرية، لتدارس مصالحها المشتركة والدفاع عنها[3]، ومن جهة أخرى، من أن تنخرط في منظمات نقابية دولية للأجراء أو المشغلين[4]. إذا كانت حرية الانخراط في العمل النقابي يقابلها حرية الانسحاب منها ، يحيث سمح المشرع المغربي للمنخرط من الانسحاب من النقابة المهنية متى شاء، وقد نصت المادة 402 من مدونة الشغل على أنه (( يمكن لكل عضو في نقابة مهنية، أن ينسحب منها في أي وقت شاء، رغم كل شرط مخالف، مع مراعاة حق النقابة المهنية، في مطالبة المعني بالأمر، بأداء واجب الإشتراك عن ستة أشهر الموالية لقرار انسحابه))، فهل الانخراط في العمل النقابي لا يخضع لأي شرط و لا قيد من حيث السن؟ 1- شروط الانخراط في العمل النقابي قراءة لنصوص مدونة الشغل بصفة عامة، تفيد عدم اشتراط سن معينة من أجل الانخراط في المنظمة النقابية، مما يعني أن كل من يشتغل يحق له الانخراط في النقابة كعضو، وهكذا ضمن المشرع المغربي الأجير الحدث الحق في أن يكون عضوا في النقابة وهو في سنه الخامس عشرة[5] (15 سنة) كسن أدنى للتشغيل، بحيث نصت المادة 143 من مدونة الشغل على أنه (( لا يمكن تشغيل الأحداث، ولاقبولهم في المقاولات، أو لدى المشغلين، قبل بلوغهم سن خمس عشرة سنة كاملة))، لكن، لا يجوز أن يكون مسؤولا في إطار الأجهزة النقابية إلا إذا اكتملت أهليته، وذلك استنادا لمقتضيات المادة 416 من مدونة الشغل التي نصت على أنه (( يجب أن يكون الأعضاء المكلفون بادارة النقابة المهنية وتسييرها من جنسة مغربية، متمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية..))، ومن ضمن الحقوق المدنية، الأهلية الكاملة في تولي مهام التسيير و التى لا تكتسب إلا ببلوغ 18 سنة كاملة، في الوقت الذي اشترط المشرع المغربي في الأجير المرشح لمهمة مندوب الأجراء بلوغه 20 سنة كاملة، وأن يكون قد سبق أن إشتغل في المؤسسة، لمدة متصلة لا تقل عن سنة حسب مقتضيات المادة 439 من مدونة الشغل، إلا أن المشرع المغربي لم يتخذ نفس الموقف بخصوص الممثل النقابي باعتباره جهاز جديد قررته مدونة الشغل وخولته صلاحيات قانونية هامة، إذا من هو دور الممثل النقابي؟ 2- دور الممثل النقابي يعتبر الممثل النقابي داخل المقاولة من المستجدات التي أقرته مدونة الشغل في الكتاب الثالث، والذي خوله صلاحيات قانونية هامة وواسعة، إلا أن المشرع قد ضيق من حظوظ امكانية إعمال بنظام الممثل النقابي، بعد أن اشترط في تعيين الممثل النقابي توافر المقاولة أو المؤسسة على الأقل 100 أجير بالنسبة لممثل نقابي واحد، حسب مقتضيات الواردة في المادة 470 من مدونة الشغل، والتي نصت على أنه يحق للنقابة الأكثر تمثيلا والتي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المهنية الأخيرة داخل المقاولة أو المؤسسة أن تعين، من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة ممثلا أو ممثلين نقابيين لها، لكن حسب عدد الأجراء العاملين بالمقاولة أو المؤسسة وهي على الشكل الاتي: · ممثل نقابي واحد، من 100 إلى 250 أجيرا؛ · ممثلان نقابيان إثنين، من 251 إلى 500 أجيرا؛ · 3 ممثلين نقابيين، من 501 إلى 2000 أجيرا؛ · 4 ممثلين نقابيين، من 2001 إلى 3500 أجبرا؛ · 5 ممثلين نقابيين، من 3501 إلى 6000 أجيرا؛ · 6 ممثلين نقابيين، من 6001 فما فوق. ومن أبرز مهام الممثل النقابي[6] داحل المقاولة أو المؤسسة، هو التفاوض عن الملف المطلبي الذي هو خطة الطريق لأي مكتب نقابي، والدفاع عن المطالب الفردية والجماعية والتفاوض في شأنها ثم كذلك المساهمة في إبرام كل من الاتفاقية الجماعية[7] و صياغة النظام الداخلي[8]. هذا فضلا عن صلاحيات أخرى يمارسها الممثل النقابي إلى جانب مندوب الأجراء التي تدخل في إطار الاستشارة التي يقع على عاتق المشغل إجراءها معهما معا، كحالة الفصل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجيا أو هيكلية أو اقتصادية وإغلاق المقاولات[9]، أو لجنة المقاولة[10] أو لجان الصحة والسلامة[11]. إذا يبقى الممثل النقابي الذي تعينه النقابة الأكثر تمثيلا، هو المحرك الاساسي والنشيط في المفاوضات، وهو أداة التواصل بين المكتب النقابي وإدارة المقاولة أو المؤسسة، مما يتطلب تحسين الاختيار من طرف المكتب النقابي خاصة وأنه لا يخضع لعملية الإنتخابات، كما هو الشأن بالنسبة لمندوب الأجراء الذي ينتخب لولوج لجنة المقاولة أو لجنة السلامة وحفظ الصحة، إلا أن التساؤل الوارد يتجلى في كيفية تحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا؟ 3- المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا لقد تدخل المشرع المغربي من خلال مادة فريدة 425 من مدونة الشغل لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا، التي تضمنت معايير تحددها على الصعيد الوطني أو على مستوى المقاولة أو المؤسسة والتي جاء فيها على أنه (( لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني، يتعين الأخذ بعين الإعتبار مايلي: · الحصول على 6 بالمائة من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي والخاص؛ · الاستقلال الفعلي للنقابة؛ · القدرة التعاقدية للنقابة؛ لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة، يتعين الأخذ بعين الاعتبار مايلي: · الحصول على نسبة 35 بالمائة على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو المؤسسة؛ · القدرة التعاقدبة للنقابة)). وتعتبر هذه المادة من المواد الستة[12] التي لم يحصل اتفاق حولها بين الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين أثناء صياغة مشروع مدونة الشغل، التي تصب حول تحديد مقياس موحد، حيث كانت تطرح هذه المادة صعوبات كبرى، لأنه لم يسبق لأي نص تشريعي في المغرب أن عالج مسألة النقابة الأكثر تمثيلا، أمام وجود عدة مقاييس ومعايير معتمدة في مختلف الدول. إلا أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب قبل النص المقترح، بينما المركزيات النقابية اختلفت حول تحديد مقياس موحد، نظرا لوجود مركزية نقابية ترى على أن يكون المقياس المعتمد له علاقة بالاشعاع الدولي، ومركزية نقابية أخرى ترى على أن يكون المقياس المعتمد له علاقة بالمشاركة في الحركة الوطنية. لقد استمر النقاش حولها حتى بعد صدور مدونة الشغل، لأن مفهوم النقابة الأكثر تمثيلا يتداول كثيرا كلما تعلق الأمر بالمفاوضة الجماعية[13]على مستوى المقاولة أو على مستوى القطاع أو على المستوى الوطني، أو اتفاقية الشغل الجماعية[14]. كما أن المشرع المغربي عمل على تحديد النقابة الأكثر تمثيلا على القطاع الخاص الذي يسري عليه مدونة الشغل[15]، دون قطاع الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية الذي لا يسري عليه تطبيق أحكام المدونة. مما اعتبرت بعض النقابات غير الممثلة في الحوار الاجتماعي، على أن عدم مشاركتها في المفاوضات الجماعية مع الحكومة أو داخل المقاولات هو إقصاء وتهميش في حقها، نظرا لإقصاء القطاع العام من النص القانوني المحدد للمنظمة النقابية الأكثر تمثيلا. كما أن مفهوم النقابة الأكثر تمثيلا أثار عدة نقاشات لدى المنظمات النقابية، أمام غياب نص صريح حول تعريف المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا. وفضلا عن ذلك هل يحق للنقابات المهنية من التقاضي أمام المحاكم، أمام الأضرار الذي تلحق بالمصالح الفردية والجماعية للمهنة، أو الحرفة التي تمثلها النقابات؟ ثم اية حماية قانونية خولها المشرع للأجراء أثناء ممارستهم للعمل النقابي، هذا ما سنتناوله في الجزء الرابع في موضوع: باحث مختص في القانون الاجتماعي [email protected] ***************** مراجع [1] حسن قرنفل، الشغل بين النظرية الاقتصادية والحركة النقابية، مطبعة أفريقيا للشرق، سنة 2006، ص 300. [2] المادة 397 من مدون الشغل. [3] المادة 399 من مدونة الشغل. [4] المادة 400 من مدونة الشغل. [5] نص الفصل 242 من مجلة الشغل التونسية على أنه يمكن للأحداث الذين تجاوز سنهم 16 عاما أن ينخرطوا في النقابات ما لم بعارض في ذلك أبوهم أو المقدم عليهم [6] راجع المادة 471 من مدونة الشغل. [7] راجع محمد المعاشي، اتفاقيات الشغل الجماعية والآليات القانونية، المنشور في المواقع الالكترونية. [8] راجع محمد المعاشي، المقاولة...والزامية وضع النظام الداخلي، المنشور في المواقع الالكترونية. [9] المادة 66 من مدونة الشغل.