الاتحاد العام لمقاولات المغرب: بين الانفتاح والتحفظ على مقتضيات مدونة الشغل (3/5) هل الدولة في خدمة المقاولة أم المقاولة في خدمة الدولة؟ فكل منهما ترى في الأخرى سر خلودها؛ المقاولة تبحث عن حضانة الدولة، وهذه الأخيرة تراهن على الأخرى اقتصاديا واجتماعيا. إلا أنهما في الحقيقة ليستا في حاجة معا، لا إلى حضانة ولا إلى رهان، بل إلى تعايش، تعايش ثلاثي الأضلاع، يربط الدولة بالمقاولة، ويربط هذه الأخيرة بالنقابة.. تعايش لا يجب أن يكون على مضض، بل على اختيار وحرية، قوامه التوازن والاتزان، يحيا على إكسير الحق، ونبض القانون، تناولنا من قبل تطور أشكال عقد الشغل منذ 1913 إلى الآن، وكيف وضع المشرع سابقا حدا لإبرام عقود الشغل لمدد غير معينة، وبطلان كل التزام من شخص يقدم خدماته طوال حياته، باعتبارها – آنذاك – صورا من صور "الرق". وكيف أصبح – حاليا - عقد الشغل غير المحدد المدة هو الأصل، والمحدد المدة هو الاستثناء، تحت تأثيرات حقوقية. بعده تطرقنا لموضوع السلطة التأديبية التي يمنحها المشرع للمشغل، والإكراهات التي تعرفها تطبيقات القوانين المنظمة لها. هذا إضافة إلى مطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بإعادة النظر في النصوص المحددة للتعويضات عن الفصل، وموقفه من الجمع بين التعويض عن الفصل والتعويض عن الضرر الناتج عن الطرد التعسفي، وموقف القضاء في ذلك. 2 – المرونة في التشغيل: خلال السنوات السابقة لصدور مدونة الشغل، كنا نسمع بما اصطلح عليه ب"المرونة في الشغل"، مروجا لها من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب، على لسان رئيسه آنذاك السيد عبد الرحيم لحجوجي، مشبها عقد الشغل بالمغرب ب"عقد زواج كاثوليكي"، لا يفرق بين طرفيه إلا من هو في السماء – حسب تعبيره -. ولهذا كان من المواضيع الأساسية المطروحة على طاولة المفاوضات مع المنظمات النقابية للتوافق في شانها أثناء تهييء مسودة مدونة الشغل، إذ استطاعت ممثلة المشغلين انتزاع مكتسبات هامة في هذا المضمار، على ثلاثة مستويات، وهي: إمكانية إبرام عقود شغل محددة المدة، وإن كانت على سبيل الاستثناء، كما أصبح للمشغل أن يقلص مدة العمل العادية - في حدود معينة - بسبب أزمة اقتصادية عابرة بمقاولته، أو لظروف طارئة خارجة عن إرادته، إضافة إلى حقه في اللجوء إلى "الاستعمال المؤقت" للأجراء، في إطار ما أصبح يعرف ب"التشغيل المؤقت". ا – الوساطة في الاستخدام والتشغيل المؤقت: قبل الخوض في مفهوم "التشغيل المؤقت" بتفكيك المقتضيات القانونية المنظمة له، وإعادة تركيبها، نظرا للصياغة المركبة التي جاءت بها هذه المقتضيات، لا بأس من إثارة اللبس الذي أصبح شائعا في الخلط بين ما يعرف ب"الوساطة في الاستخدام"، التي جاءت في الباب الأول من الكتاب الرابع من المدونة وبين "التشغيل المؤقت" الذي جاءت مقتضياته في الباب الثاني من الكتاب نفسه، إذ أصبحنا نسمع "الوساطة في التشغيل" "travail par intérim" ويقصد به "التشغيل المؤقت". وقد نلاحظ هذا الخلط واردا حتى في بعض التقارير الرسمية وغير الرسمية، الصادرة عن هيئات ومنظمات وطنية. وهو ما جاء مثلا في مشروع تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يتعلق ب: "الوقاية من نزاعات الشغل وحلها وديا"؛ بتاريخ 20 يوليوز 2012: Parmi les causes recensées des conflits collectifs et de leur faible maitrise dans le secteur privé :-………- application non conforme : sous traitance, interim. ويقصد هنا بمصطلح "interim": "التشغيل المؤقت"، الذي يعرف تجاوزات متعددة في تطبيق المقتضيات القانونية المنظمة له. عرف المشرع "الوساطة في الاستخدام" «l'intermédiation en matière de recrutement » بالمادة 475 من مدونة الشغل ب"تسهيل التقاء العرض والطلب في مجال التشغيل"، أي إنه تنفيذ لالتزام بين ثلاثة أطراف، أجير ومؤاجر ووسيط لإبرام عقد شغل بين الأولين، بحيث ينتهي دور الوسيط في هذه العلاقة بمجرد إبرام العقد، أي إن مهمته فورية، وعلى أبعد تقدير، تنتهي بعد انتهاء فترة التجربة بين الأجير والمؤاجر، إن تم الاتفاق على ذلك. فهي إذن "وساطة في الاستخدام" (recrutement) وليست "وساطة في التشغيل" ( l'embauche)، كما هو شائع أيضا، فالاستخدام هو تصرف فوري، أما التشغيل فهو علاقة مستمرة مدتها مدة عقد الشغل. "الوساطة في الاستخدام" بالمغرب هي مهمة احتكرتها الدولة مند فترة الحماية بناء على مجموعة من النصوص القانونية، أهمها ظهير 7 ماي 1940 المتعلق بتشغيل المأجورين وفسخ عقودهم؛ والذي من شأنه يسمح للمستعمر بتدبير وتتبع سوق العمل دون غيره، كآلية من آليات التحكم في تسيير شؤون البلاد، بحيث لا يجوز من حيث المبدأ لمؤاجر يمارس مهنة صناعة، أو تجارة أو حرة أو من طرف موثق أو نقابة أو شركة تعاونية أو شركة مدنية أو جمعية استخدام أجراء من أي نوع كان، إلا بواسطة مكاتب التشغيل. وبقى هذا القانون ساري المفعول حتى بعد الاستقلال، إذ أصدر وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية قرارا بتاريخ 3 يوليوز 1959، تحدد بموجبه شروط تطبيق الظهير الشريف السالف الذكر، ناسخا قرار 14 فبراير 1944. إذن فالتحكم في سوق الشغل، على مستوى العرض والطلب، كان ويبقى من اختصاص الدولة، عن طريق وزارة التشغيل، في إطار مساهمتها في إعداد إستراتيجية الحكومة في ميادين الشغل، والتشغيل، والحماية الاجتماعية، والسهر على تنفيذها كما جاء في مرسوم 18 يونيو 2014 المحدد لاختصاصاتها، الأمر الذي سيسهل عليها مراقبة ومعرفة السياسة الواجب إتباعها في المجال. ويتم ذلك بسبل متعددة، من بينها التشريع، كإحدى آليات التحكم الأساسية في سوق الشغل، إذ خصص لها قانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل الساري المفعول منذ 8 يونيو 2004، الكتاب الرابع من ثمانية أبواب، و55 مادة، ما يعكس أهمية موضوع الاستخدام وتأثيره على إحداث مناصب الشغل، والحد من البطالة؛ ومن بين أهم مقتضياته المادة 526، التي لا تسمح باستمرار الأجير في الشغل بعد سن الستين، وإكماله لمدة التأمين، إلا بناء على قرار تتخذه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل. الأمر الذي يراه السيد عبد الوحيد خوجة، المسؤول السابق بكل من وزارة التشغيل، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تطاولا تشريعيا على إرادتي طرفي عقد الشغل المراد تمديده، مستفسرا السيد وزير التشغيل في الموضوع، خلال برنامج "قضايا وآراء"، حلقة 16 دجنبر 2014 الذي بثته القناة التلفزية المغربية الأولى؛ ومجانبا برأيه هذا غاية المشرع التي تسعى بذلك إلى فتح فرص جديدة للشغل أمام الطاقات الشابة، ومنع احتكارها. إذ لا يسمح بتمديد هذا العقد، إلا إذا تعذر على المشغل إيجاد خلف للأجير المحال إلى التقاعد، وعليه إثبات ذلك؛ الأمر الذي يعتبر قاعدة من قواعد ضبط سوق الشغل، ومبدأ من مبادئ فلسفة التشغيل. وهي الغاية نفسها التي يصبو إليها المرسوم رقم 2.04.570 بتاريخ 29 دجنبر 2004، بتحديد شروط تشغيل الأجراء خارج مدة الشغل العادية، الذي يحددها فقط في 80 ساعة سنويا لكل أجير قابلة للتمديد إلى 100 ساعة، بعد استشارة ممثلي الأجراء أو لجنة المقاولة عند وجودها. وغاية المشرع من وضع سقف لاعتماد ساعات الشغل الإضافية هي حث المشغل على خلق مناصب شغل جديدة. وبالرجوع إلى مقتضيات مدونة الشغل يمكن القول إن هذه الأخيرة حدت نسبيا من احتكار الدولة لقطاع "الوساطة في الاستخدام"، بسماحها بإحداث "وكالات تشغيل خصوصية" للمساهمة في المجال، إلى جانب المصالح العمومية المحدثة لهذه الغاية. ونسبية تحرير القطاع تتجلى في ضرورة حصول هذه المقاولات على تصريح من السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل، لممارسة هذا النشاط، والتزامها بأن تبعث لهذه الأخيرة في متم كل ستة أشهر كشفا مفصلا عن الخدمات التي قدمتها، يتضمن بالخصوص هوية أطراف عقود الشغل التي توسطت في إبرامها، ما يسمح للإدارة بالتتبع لكل ما يتعلق بسوق الشغل؛ الأمر الذي لا تلتزم به عمليا معظم هذه الوكالات مع الأسف، ما يفوت على الوزارة الوصية على القطاع التوفر على المعطيات والأرقام الدقيقة التي على أساسها تبني سياستها في مجال التشغيل. هذا إضافة إلى الكفالة المالية المطلوبة، ورأسمال المقاولة الذي لا يجب أن يقل100.000,00 درهم، وهي قيود تسد الطريق أمام المقاولات الصغيرة، نظرا لحساسية النشاط وحيويته، ما يسهل على الإدارة مواكبة سوق الشغل. أما "التشغيل المؤقت" l'emploi temporaire فهو حسب المادة 495 من مدونة الشغل وما يليها: النشاط الذي تمارسه "مقاولات التشغيل المؤقت" و"وكالات التشغيل الخصوصية"، ويتم إثره تشغيل أجراء بهدف وضعهم، مؤقتا، رهن إشارة شخص ثالث يسمى "المستعمل"، يحدد مهامهم، ويراقب تنفيذها. فهو إذن التزام مستمر ثلاثي الأطراف: الأجير والمؤاجر و"المستعمل". المؤاجر هو "مقاولة التشغيل المؤقت" أو "وكالة التشغيل الخصوصية"، والتي يقتصر دورها على وضع الأجير تحت تبعية "المستعمل"، الذي يحدد له مهامه، من دون أن تربطه به علاقة شغل، باستثناء مسؤوليته في مجال صحته وسلامته المهنية، الصادرة عن ركن تبعيته المهنية له. أما العلاقة التي تربط المقاولة "المستعملة" بمقاولة التشغيل المؤقت فهي علاقة تجارية محضة. ولا بأس من التساؤل هنا عن الظروف التي سمحت لكل من المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا، والاتحاد العام للمقاولات بالمغرب، باستعمال مصطلح "المقاولة المستعملة" أثناء سنهما بالتراضي لهذا القانون؛ الأمر الذي من شأنه "تشييء" الأجير، والمس بكرامته، إذ إننا نستعمل الأشياء لا الأشخاص. كان من الأولى للمشرع البحث عن مصطلح يصف به "الأجير المؤقت" في هذه العلاقة، يفي بالمعنى وفي الوقت نفسه يحفظ له كرامته، تناغما مع ديباجة مدونة الشغل التي لا تجعل من العامل أداة من أدوات الإنتاج. ولا يجوز، في أي حال من الأحوال، أن يمارس العمل في ظروف تنقص من كرامة العامل. إذن فهناك فرق بين "الوساطة في الاستخدام" l'intermédiation en matière recrutement de و"التشغيل المؤقت" l'emploi temporaire ". فمنظومة هذا الأخير لم يعرفها المغرب قبل صدور مدونة الشغل، فهي صورة من صور المرونة في التشغيل، يسمح باللجوء إليها في حالات مذكورة على سبيل الحصر: إحلال أجير محل أجير آخر في حالة غيابه، أو توقف عقد الشغل هذا الأخير، ما لم يكن ناتجا عن إضراب. والتزايد المؤقت في نشاط المقاولة. أو إنجاز أشغال ذات طابع موسمي، مع إضافة إمكانية اللجوء إلى هذا النوع من التشغيل، إذا استقر العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد شغل غير محدد المدة بسبب طبيعة الشغل. وبذلك نلاحظ أن هذا الصنف من العقود هو بمثابة امتداد طبيعي – حسب إرادة المشغل – وشبيهة، لعقود الشغل المحددة المدة المسموح بها، المنصوص عليها في المادة 16 من مدونة الشغل من حيث الدوافع. إن أهم ما يثير الانتباه في هذا النوع من التشغيل هو الطابع المؤقت التي يلح عليه المشرع. موجها خطابه "للمستعمل" بألا يلجأ له إلا في حالات محددة. ويضيف المشرع شرط إجبارية إبرام عقدين كتابيين، الأول بين مقاولة "التشغيل المؤقت" و"المستعمل"، والثاني بين "مقاولة التشغيل المؤقت" والأجير، يتضمنان السبب الموجب للجوء إلى أجير مؤقت؛ والذي يجب أن يكون ضمن إحدى الحالات السالفة الذكر؛ ومدة المهمة، التي يجب أن تكون بالضرورة محددة، لكونه أجيرا مؤقتا حسب النص، ومن دون أن تتجاوز: - مدة توقيف عقد الأجير الذي حل محله الأجير المؤقت. - ثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، في حالة التزايد المؤقت في نشاط المقاولة. - 6 أشهر غير قابلة للتجديد في حالة الأشغال الموسمية أو على ما استقر عليه العرف بسبب طبيعة الشغل. يستنبط من هذا أن المدة القصوى المسموح بها "للمستعمل" للجوء إلى "التشغيل المؤقت"، هي ستة أشهر. اللهم إذا تعلق الأمر بإحلال أجير محل أجير آخر، إلا أن الطبيعة المؤقتة ل"استعمال" الأجير تبقى ثابتة. من المواضيع التي تناولها الاتحاد العام لمقاولات المغرب ب"نشرة اتصال" في موضوع: مدونة الشغل، في خدمة التنمية والمسؤولية الاجتماعية، الكفالة المالية المفروضة على "وكالات التشغيل الخصوصية"، المنصوص عليها في المادة 482 من مدونة الشغل، التي يراها تعجيزية، ومبالغا فيها. كما أنها لا تقتصر على "مقاولات التشغيل المؤقت" التي يتطلب نشاطها ضمانات لأجرائها، عكس الوساطة في الاستخدام. إلا أنه وبقراءة لروح النص القانوني المنظم لهذه الوكالات، فإن المشرع المغربي يعتبر الخدمة التي تقدمها هذه الوكالات، بالخدمة العمومية، تم تفويتها – استثناء - للخواص، فهي خدمة حيوية، لارتباطها بالسياسة العامة للتشغيل، وإحدى المهام الأساسية للدولة في شخص وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، وبالتالي لا يمكن فتح باب الاستثمار فيها على مصراعيه. فقد كان من المستحب تنظيم هذا القطاع في إطار قانوني آخر، كقانون رقم 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض، أو قانون 12-86 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص مثلا. إذن فاقتراح الاتحاد العام لمقاولات المغرب التخفيض من مبلغ الكفالة المالية واقتصارها على "مقاولات التشغيل المؤقت" دون "وكالات التشغيل الخصوصية" يجانب الصواب لسببين: * أن وكالات التشغيل الخصوصية تناط بها الوساطة في الاستخدام، أي التقريب بين طلبات وعروض الشغل؛ وكذا تشغيل أجراء بهدف وضعهم مؤقتا رهن إشارة "المستعمل " كأجراء مؤقتين. وبالتالي، فلهؤلاء حقوق ناتجة عن عقود الشغل التي تربطهم بالوكالة، في حاجة إلى حماية عن طريق كفالة مالية نظرا للعدد الكبير من الأجراء الذين يمكن لها تشغيلهم مقابل حجم الاستثمار الذي قد يكون بسيطا. فلحماية هذه الحقوق يمكن للمحكمة طبقا للمادة 488 من مدونة الشغل استعمال هذه الكفالة المودعة بصندوق الإيداع والتدبير، لأداء ما قد يترتب في ذمة الوكالة في حالة إعسارها، من مستحقات، سواء لفائدة الأجراء أو للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وربما الأغيار في إطار القواعد العامة. * إن قطاع "الوساطة في الاستخدام" و"التشغيل المؤقت"، هو الآخر في حاجة إلى من يحميه من القطاع غير المنظم؛ الذي قد يجتاحه، نظرا لقلة تكاليف الاستثمار فيه. أما في ما يخص تغيير الكفالة التي تودع بصندوق الإيداع والتدبير، بكفالة بنكية يقترحها الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛ فإننا نرى أن تغيير المؤسسة المودع لديها الكفالة، من مؤسسة عمومية تشرف عليها الدولة، إلى مؤسسة بنكية خصوصية، قد يهدد الغاية المرجوة؛ عن طريق تسهيلات بنكية قد تمنحها له المؤسسة البنكية، فيسمح له بصرفها كليا أو جزئيا، مما قد يفرغ المادة 488 من مدونة الشغل من محتواها. ب - المقاولة من الباطن ومسؤوليتها عن صحة وسلامة الأجراء: يثير الاتحاد العام لمقاولات المغرب عدم كفاية مواد مدونة الشغل المنظمة ل"عقد المقاولة من الباطن"؛ من أجل ضمان التطبيق السليم لمقتضياتها؛ ويتعلق الأمر بالمادة 86 وما يليها، مضيفا عدم وضوح تحديد المسؤولية الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، بين طرفي العقد، في الحالات العادية، وحالة إعسار المقاول من الباطن. إن كانت المسؤولية عن حوادث الشغل والأمراض المهنية افتراضية، لكونها لا تشترط بالضرورة خطأ المؤاجر في حماية الأجير، وخير مثال على ذلك الحادث الذي يصيب الأخير وهو في طريقه إلى العمل أو بعد مغادرته له. وان كانت حوادث الشغل في السابق مبنية على المسؤولية التقصيرية، التي يفترض فيها، الخطأ والضرر، والعلاقة السببية بينهما. يفهم من هذا أن المسؤولية حاليا تنبني على الضرر الصادر عن شغل الأجير، بخطأ أو بدون خطأ من المؤاجر؛ أي إن محور المسؤولية يرتكز أساسا على الشغل كمصدر للضرر، وسبب له، والأجير كمتضرر. لكن حين يكلف مقاول أصلي مقاولا من الباطن بأن يقوم له بشغل من الأشغال أو ينجز له خدمة من الخدمات، فمن المسؤول عن الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل، والأمراض المهنية، التي تصيب الأجراء المشتغلين بهذه الأشغال، أو الخدمات؛ أهو المقاول الأصلي أم المقاول من الباطن؟ إن مسؤولية المقاول الأصلي ثابتة مادامت الأشغال أنجزت في مؤسسته، أو في ملحقاتها، الذي هو مسؤول عن تجهيزاتها، وعن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأجراء بهذه المنشآت، سواء أنجز الشغل بنفسه، أو قام بتفويته للغير كمقاول من الباطن. لذا يبقى على عاتق المقاول الأصلي تتبع الأشغال، والقيام بالتدابير اللازمة لحماية الأجراء؛ مع الحرص على التأمين لهم ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية من طرف المقاول من الباطن أثناء التعاقد معه؛ لأن هذا الأخير لن يصبح مسؤولا إلا إذا أنجز هذه الأشغال أو قدم هذه الخدمات في مؤسساته أو ملحقاتها، وهو ما جاء بصريح العبارة بالفقرة الأخيرة من المادة 89 من مدونة الشغل. يتبع... *ممارس وباحث في القانون الشغل [email protected]