شركات المناولة في مجال التشغيل تم اللجوء إليها بحسب المتتبعين لإخراج المقاولات من الأزمات، بحيث انتشرت في أوربا سنوات السبعينيات، وفي السنوات الأخيرة ازداد وقع تأثيرها نتيجة آثار العولمة على علاقات الشغل وطبيعة الاستثمار الذي فرض اللجوء إلى «المرونة» كوسيلة لمقاومة المنافسة الشرسة التي أصبحت تميز نظم الإنتاج الجديدة، خاصة لدى المقاولات التي تقوم بالنشاط الصناعي، والتي تمتنع عن ترسيم أجرائها للتفرغ للتصنيع، لذا فوتت قطاعات كالنقل والحفر وغير ذلك لشركات المناولة التي تتكلف بذلك من الألف إلى الياء. وتوفر شركات المناولة في المغرب – التي لم يحدد لها المشرع المغربي تعريفا واضحا يميز بينها وبين التشغيل المؤقت والوساطة في التشغيل- فرص عمل لآلاف المستخدمين، وفق إفادات مدافعين عنها، وساهمت إلى حد كبير في امتصاص نسبة البطالة على الصعيد الوطني بناء على الخبرة التي يكتسبها هؤلاء المستخدمون في عدة قطاعات منها الخاص والعام، غير أن ما يعاب على هذه الشركات التي يصطلح عليها في مدونة الشغل ب«مقاولات من الباطن» هو أن بعضها «يخرق» القانون، مستفيدا من «الغموض» الذي يكتنف بعض مواد المدونة المنظمة لهذا النوع من المقاولات في المغرب، وهو ما شجع على هدر حقوق عمال المناولة بمثل هذه الشركات التي تُضارب على الأجير، لأن هدفها الأساسي هو هدف ربحي، حيث تأخذ حصة جد مهمة من أجره الشهري. غير أن السؤال المطروح هو لماذا تلجأ بعض الشركات الكبرى والمتوسطة إلى التعامل مع هذه الشركات رغم كونها تتكبد خسارة مالية جراء ذلك. السبب، بحسب ذوي الاختصاص، هو «تهرب هذه الشركات من الالتزام قانونيا بحقوق اليد العاملة». وغالبا ما يتم تحديد الأجر الممنوح للمقاولة المناولة عن كل أجير في 6000 درهم، يقول مصدر نقابي، فيما يكون نصيب المستخدم من هذا المبلغ 2000 درهم فقط في أحسن الأحوال، وقد لا يتجاوز 1000 درهم. مصادر «المساء» أكدت أن بعض هذه الشركات أصبحت لها خيوط متشعبة وأضحت تبحث عن مستخدمين يقبعون في الفقر بدواوير ومناطق نائية، لا يدركون أدنى حقوقهم القانونية و«يرضون بأي شيء»، حيث يتم استغلالهم بأبشع الطرق. وأضاف المصدر ذاته أن بعض الشركات المشغلة يكون همها الشاغل «عدم توفير الاستقرار لليد العاملة على جميع المستويات»، وهو ما توفره شركات المناولة المذكورة، حيث تلعب دور من «يكوي ويبخ»، وهي تستنزف من أجورهم حوالي الثلثين رغم المهام الشاقة التي تسند إليهم وخطورتها الصحية أحيانا. صمت «غير مفهوم» حتى من الجهات الرسمية تجاه هذا النوع من الشركات التي تتسبب في معاناة اجتماعية لفئة عريضة من المجتمع و«تخرق القانون»، فيما البعض يحمل المسؤولية لمفتشي الشغل متهمين إياهم ب«التقصير» في مراقبة هذا النوع من الشركات، فيما يؤكد مفتشو الشغل أن مهمتهم جد صعبة، لأن بعض هذه الشركات غير مرخص لها من طرف وزارة التشغيل. وتساءل بعض مفتشي الشغل -الذين لا يتجاوز عددهم 400 مفتش على الصعيد الوطني ومن 2011 لم ينضاف إليهم أي مفتش شغل جديد، مما يصعب من مهامهم-(تساءلوا) عن مصير بعض المحاضر التي يتم إنجازها من طرفهم، بحيث تظل رهينة دهاليز المحاكم وغالبا ما لا يتم إنصاف هؤلاء الأجراء الذين يطردون من عملهم، وإذا تم تعويضهم فإن التعويض لا يتجاوز ال10 آلاف درهم. وحسب مختصين فإن المغرب يضم حوالي 960 شركة للمناولة من بينها من تمزج ما بين المناولة والتشغيل المؤقت، غير أن حوالي 32 في المائة فقط من هذه الشركات هي التي تلتزم بأداء مستحقات وواجبات مستخدميها بالشكل المطلوب، وتحترم حقوقهم القانونية والاجتماعية، وتؤدي اشتراكاتهم في الصناديق الاجتماعية، فيما باقي الشركات، حسب مصادر جد مطلعة، لا يهمها سوى الربح المادي ومراكمة الأرباح باستغلال «سواعد هذه الفئة وكدها وعرقها»، إذ يتم استغلال هؤلاء المتعاقدين عبرها بشكل «بشع» وهم غالبا من الطبقات المسحوقة اجتماعيا. أجور هؤلاء العمال الذين يجري إدماجهم في شركات خاصة «مؤقتا» مثلما قد تكون مؤسسات عمومية هي «جد مخجلة» ولا يمكنها بأي حال أن توفر عيشا كريما لصاحبها، فهم يتلقفون فقط «فتات» ما تجود به بعض هذه الشركات. ويتحول الأجير إلى مجرد «دمية» يتم تحريكها كيف ومتى شاء الطرفان ودون التأمين على حوادث الشغل، ودون تعويضات لا عن ساعات العمل الإضافية ولا عن العطل الدينية، فهو لا يتذوق طعم الراحة إلا يوما واحدا في الأسبوع فيما فئة أخرى محرومة تماما من أي يوم راحة وتعمل 7 أيام على 7 أيام في الأسبوع في مظهر شبيه بمظاهر «نظام السخرة» حيث يتم استغلالهم بأجر أقل من «السميك» وفي ظروف اشتغال قاسية لا تليق بكرامة الإنسان، وفي بعض الأحيان قد يشتغلون بدون عقد شغل. لكن، إذا كنا اليوم ومن خلال هذا الملف نحاول لفت الانتباه إلى موضوع هو إنساني بالدرجة الأولى، لارتباطه بأرزاق آلاف وربما ملايين المغاربة التي «تسرق» منهم بشكل أو بآخر، من خلال بعض هذه الشركات التي تناست أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال منذ قرون «أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه» في الوقت الذي «تقتات هذه الشركات على عرق هؤلاء الفقراء» ويتجاهل فيه المسؤولون دورهم بهذا الخصوص وحماية هذه الفئة. وللإشارة ف«المساء» اتصلت بوزارة التشغيل عدة مرات من أجل أخذ وجهة نظرها في هذا الموضوع، إلا أن كل جهة كانت تحيلها على جهة ثانية دون أن نتمكن من إمساك رأس الخيط بهذا الخصوص. هل تتوفر على نسخة من عقد العمل مع الشركة؟ لا أتوفر على شيء. هل تستفيد من الصناديق الاجتماعية؟ لا. لا استفيد من أي شيء؟ كم تتقاضى شهريا؟ 1800 درهم. كم ساعة تعمل في اليوم؟ 12 ساعة يوميا (ابتداء من الساعة السابعة صباحا وحتى السابعة مساء) وأحيانا أكثر من ذلك. وهل تستفيد من عطلة نهاية الأسبوع ومن العطل السنوية؟ لا فقط يوم واحد في الأسبوع، وإذا تغيبت حتى لو كنت في حالة مرض فإن اليوم يقتطع من أجري الشهري..أجوبة شبه متطابقة استقتها «المساء» من مجموعة من عمال شركات للمناولة بعضهم حراس أمن، عمال نظافة، وآخرون يعملون في شركات خاصة أو في مؤسسات عمومية.. والغريب أنه بالإضافة إلى جهلهم لحقوقهم الكثير منهم لا يسأل عنها ولا يهتم سوى بالمبلغ الشهري الهزيل. حراس الأمن الخاص.. من يؤمنهم «ما كاين لا تأمين لا تغطية صحية لا سيدي قدور نجيك من الأخير».. إلى وقعت لك شي حاجة الله يرحمك..» يقول عبد المنعم (رجل أمن خاص 30 سنة) وهو يلوح بقبعته التي كتب عليها بلغة أجنبية «sécurité». كان يبدو ناقما عن الوضع بسبب المجهود الكبير الذي يقوم به بمقابل جد هزيل قال إنه لا يتجاوز 1500 درهم في الشهر أي 50 درهما في اليوم. «لا أملك من الشركة المشغلة سوى «قميجة وكاسكيطة» وعندما يطلبون مني الرحيل متى وكيف شاءت الشركة، فحينها سأسلمها «القميجة والكاسكيطة» وسأرحل «وليس هناك من يحميني ويمنعهم من اتخاذ هذا القرار». يضيف عبد المنعم وهو يحكي واقعا مريرا يتقاسمه مع آلاف وربما ملايين المستخدمين عبر شركات المناولة في التشغيل أو التشغيل المؤقت، التي تستقطب أشخاصا من طينة خاصة، هم فقراء تحت الصفر وعدد كبير منهم لا يتوفرون على مستوى ثقافي جيد، على الرغم من أن بعض هذه الشركات تكون وجهة لحاملي شهادات عليا معطلين أيضا، وجدوا أنفسهم بين خيارين إما البطالة والجوع والتبعية أو «لميزيرية بجوج فرانك» وتحقيق الاكتفاء..يقول مراد(مجاز في القانون). خياران أحلاهما مر لكن «الصبر في انتظار فرج قريب» يضيف مراد الذي تعاقب على عدة شركات فلا يكاد يتمم شهرين أو ثلاثة بإحدى الشركات الخاصة حتى يطلب منه الالتحاق بمقر شركة أخرى بمقابل لا يزيد عن 1800 درهم في الشهر. قال إنه بحكم مستواه الدراسي العالي فهو يعلم أن هذه الشركات هي «الرابح الأكبر» وأنه الخاسر الأكبر حيث يقضي اليوم كاملا في العمل مقابل «جوج دريال» لا تكفيه حتى لضروريات يومه وهو الذي يعيل والدته الأرملة وأشقاءه الذين يصغرونه سنا. كان البؤس يملأ وجه عادل الشاب المتطلع للحياة، فهو يعتبر عمله كحارس أمن مجرد مرحلة مؤقتة ستكون من الذكريات. فيما يختلف حال حراس أمن متقدمون في السن اختاروا الاشتغال كحراس أمن بعدما طردوا من شركات أخرى قضوا بها عشرات السنين. «المساء» التقت حراس أمن ببعض الشركات الخاصة وأكدوا أنهم يعملون ليلا، 7 أيام في الأسبوع، وحتى يوم الأعياد الوطنية والدينية، وظروفهم الاجتماعية «جد مزرية». «حكرة» و«فوضى» حراس الأمن الخاص مطالبون بالعمل في أي ظروف ودون تحديد توقيت العمل، فقد يطلب منهم العمل طيلة اليوم.. وإن رفضوا فسيكون الطرد مصيرهم ب«لا شفقة أو رحمة» والأكثر من ذلك دون تعويض ولو بفلس واحد. والأمَر من ذلك أن يلزم حارس الأمن باقتناء كلب من النوع الجيد «كلب حراسة» على أن تضاف إلى أجرته الشهرية ورقة من فئة 200 درهم كمصاريف تعويض عن هذا الكلب ومصاريفه الخاصة، علما أن الكلب يكلف صاحبه أضعاف مضاعفة وتنضاف إعالته إلى أعبائه الاجتماعية والتزاماته العائلية.. المتعاقدون الجدد مع بعض شركات المناولة يحاصرون بالكثير من الشروط التي يجدون أنفسهم مجبرين على الموافقة عليها لحاجتهم الملحة للشغل، وأهم هذه الشروط العمل عن طريق عقد شغل مؤقت مدته ثلاث سنوات، يكون فيه للشركة كامل الحق في تجديده لمدة أخرى قد لا تتجاوز ثلاثة أشهر، والهدف التملص من كل الحقوق والواجبات القانونية للمستخدم. ثلاث سنوات من العمل بتفاني بإحدى شركات الأمن الخاص لم تشفع لبوشعيب (ذو ال42 سنة) بعدما تمت مطالبته بالرحيل وبأن الشركة تستغني عن خدماته. غادر دون أن يعوض عن هذا الطرد التعسفي، غادر وفي قلبه غصة ألم و«حكرة» تمزق أوصاله. يقول بوشعيب «كيحفروا بيك بحال طراكس ومن بعد يلوحوك بلا ريال بلا جوج»، فالعمل يبدأ من الساعات الأولى للصباح حتى السادسة مساء، وفي بعض الأحيان، تتم مطالبته بالعمل طيلة اليوم أو حتى ساعات متأخرة، لكن كل هذا لم يشفع له في شيء وبمقابل مخجل لا يتعدى 1800 درهم. عزيز بويا عمي، رئيس لجنة التكوين بجمعية شركات الأمن الخاص، أكد ل«المساء» أن قطاع الحراسة الخاصة على وجه التحديد يعرف فوضى وعشوائية على الرغم من صدور القانون 27.06 المنظم لمهنة الحراسة الخاصة وذلك منذ 2007 ، وأن تطبيقه من شأنه أن ينهي جميع معاناة حراس الأمن الخاص. وأضاف «نظمنا عددا من الاجتماعات واللقاءات ضمت عددا كبيرا من أرباب الشركات العاملة بالقطاع في مختلف ربوع المملكة، وكانت غايتنا المساهمة في إيجاد حلول تساهم في تنظيم القطاع والحد من الاختلالات التي يعرفها، لكن للأسف صدمنا بأن العديد من المقاولات المعنية صارت تقاطع أنشطتنا، واكتشفنا أن عينة كبيرة ممن كنا نستهدفهم لا يهمها خطاب الإصلاح وتطبيق القانون وضمان حقوق المستخدمين، وهذا وضع دفعنا، و«لله الحمد»! إلى أن نغلق أبواب الجمعية لأننا عجزنا عن إيجاد مخاطبين لديهم الهم نفسه الذي نحمل وهو تنظيم المهنة، واكتشفنا أن الكثير ممن يمارسونها لديهم مصلحة في أن تستمر الفوضى وألا يطبق القانون الذي دافعنا كثيرا من أجل إخراجه إلى الوجود، لأن هذا يمكنهم من الاستفادة بشكل كبير طبعا «ماديا» للأرباح الطائلة والسريعة التي يجنيها بعض «مالين الشكارة» الذين لا يهمهم الجانب الاجتماعي بقدر ما يهمهم «جمع الأموال». وأضاف أن خروج هذا القانون كان يفترض أن تعقبه متابعة والوقوف على الالتزام به وتطبيق مقتضياته، خاصة بعد أن تجاوزت الشركات العاملة في مجال الحراسة الخاصة 3000 شركة اليوم، بل هناك من يتحدث عن رقم يفوق ذلك بكثير، وهو رقم يفرض طرح عدد من الأسئلة حول ضريبة هذا التفريخ، ومدى احترام الشركات التي تم إنشاؤها لفصول القانون المنظم، وحقيقة ما يتحدث عنه المهنيون من أن القطاع ازداد عشوائية وطغت عليه مظاهر الفوضى. نهاية في السجن بالدارالبيضاء وبالضبط بأحد الأسواق الممتازة كان عبد الإله(اسم مستعار) يقوم بعمله اليومي كرجل أمن خاص، غير أنه لم يكن يدري بأن يومه هذا سينتهي في السجن. كان واقفا أمام الباب الرئيسي للسوق لتنظيم حركة مرور الزوار، فإذا برجل يحاول الدخول إلى السوق وهو في حالة غير طبيعة، كان الرجل ثملا لا يدرك ما يفعل، طالبه عبد الإله بالرحيل، لكنه كان مصرا على الدخول. استشاط بعض المسؤولين بالسوق غضبا وطالبوه بالتصرف وتحمل مسؤوليته لمنع الرجل من اقتحام السوق. أحس عبد الإله بالمسؤولية الملقاة عليه وحاول إقناع الرجل بالرحيل، لكن أمام إصراره دفعه إلى الخلف. سقط الرجل أرضا مغمى عليه. لفت الأرض بحارس الأمن وحاول أن يساعد الرجل على النهوض لكنه عجز عن ذلك حيث تسببت السقطة في موته. ما أغضب زملاء عبد الإله أن لا الشركة المشغلة ولا السوق الممتاز اهتم لأمره، بل إنه أصبح في مواجهة تهمة ثقيلة لوحده دون أن يكترث لأمره أي أحد، علما أنه كان يؤدي مهمته ولم تكن له نية قتل الرجل ولا حتى الاعتداء عليه. «يتعاملون معنا كحشرات لا قيمة لها»، يقول نبيل(حارس أمن). تذكر نبيل العديد من الحوادث التي حصلت معه ومع عدد كبير من الأصدقاء الذين يعملون حراس أمن خاص، وكيف أنهم يتحولون إلى أكباش فداء. ندخل في صراعات، خاصة في المستشفيات العمومية، مع مواطنين يرغبون في الدخول بالقوة إلى المستشفى، فيما نكون نحن ملزمين بالحفاظ على التوقيت الداخلي للمؤسسة والامتثال لساعات الزيارة، لكن بعض المواطنين يكونون أكثر عنفا وعدوانية، حيث يصل الخلاف إلى إدارة المستشفى التي تحاول إخلاء مسؤوليتها وتطالب بتحرير محضر أمني في الموضوع، وغالبا ما يتراجع رجل الأمن حتى لو أشبع ضربا ورفسا لأن وصول الشكاية إلى يدي القضاء يعني فقدان فرصة العمل بالنسبة لرجل الأمن الخاص الذي لا تتوانى الشركة في طرده، يضيف المصدر ذاته. لا تأمين ولا تغطية صحية وكأنهم يعملون في قطاع عشوائي لا تحكمه ضوابط قانونية، حيث لا تحترم حقوق العاملين، فعدد كبير ممن صادفتهم «المساء» هم غير محميين قانونيا ولا يتوفرون على نسخة مصادق عليها من عقد عملهم تؤكد أنهم مستخدمون بهذه الشركة أو تلك. هم عمال فقد وكأنهم «مياومون» فلا تأمين صحي، ولا ضمان اجتماعي ولا تعويض عن الأطفال ولا أي شيء.. ومستخدمون آخرون يتم «إيهامهم» بأنهم مشمولون بجميع الحقوق الاجتماعية المذكورة إلى أن يتفاجؤوا بأنهم كانوا ضحايا «احتيال» للشركات المشغلة لتضيع حقوقهم بين شركة المناولة والشركة المشغلة.. نعيم(رجل أمن خاص 32 سنة) تعرض لحادث بداخل الشركة التي كان يعمل بها عن طريق المناولة، سقط من المصعد عندما كان يقوم بمهمة خارجة عن اختصاصه كحارس، لكن صدمته ستكون كبيرة عندما سيتلقى أمرا من الشركة التي يعمل بها بالاتصال بشركة المناولة على اعتبار أنها هي من توفر له تأمينا معينا، تم ربط الاتصال بالشركة فعلا لكنه سيفاجأ بأن ممثل الشركة سيصطحبه خارجا وسيسلمه مبلغ 300 درهم ويطالبه بالرحيل عوض الاطمئنان على وضعه الصحي ونقله إلى أحد المستشفيات حتى لو كانت عمومية. حادث مماثل لسعيد الذي أصيب بكسر في مؤخرة قدمه عندما كان في طريقه إلى العمل، والسبب حادثة سير، لكن الغريب في الأمر أن لا الشركة المشغلة ولا شركة المناولة أيضا اهتمتا به؟، ولم تسأل أي منهما عن وضعه، بل تنكرت الشركة المشغلة وكأنه لم يسبق أن كان عاملا لديها، وأن زوجته هي التي تحملت عبء المسؤولية مدة مرضه واضطرت للعمل كمساعدة في البيوت إلى أن استعاد عافيته حيث لم يجد أي سبيل آخر سوى شركات المناولة من جديد، لكنه يشتغل الآن كحارس أمن خاص، ويقول إن الوضع مازال على حاله ولم يتغير أي شيء، وربما يسير نحو الأسوأ، مؤكدا أن بعض هذه الشركات تستغل ارتفاع البطالة في صفوف الشباب و»تربح على ظهورهم أموالا جد طائلة» ودليل ذلك أن الكثير من «مالين الشكارة» دخلوا هذا المجال على الرغم من أنهم لا يفقهون فيه شيئا. استغلال بشع لشباب مغاربة وهدر لحقوقهم بشكل «مقزز» في وقت يراكم فيه بعض أصحاب شركات المناولة الملايير مقابل مستقبل يكتنفه الغموض ويهدد آلاف الشباب المغربي، لأن «الجانب الاجتماعي» لهؤلاء المستخدمين هو «آخر ما تفكر فيه الشركات المعنية»، يقول أحد عمال المناولة في تصريح ل«المساء» فهي تنظر لهذا المستخدم على أنه «آلة حديدية» يجب استغلالها ب«قسوة» لمراكمة الثروة ودون حتى أن يتم تمتيعه بحقوقه التي يفترض أن تكون الدولة أكبر حريص عليها..يضيف المصدر ذاته. «لا شك أن جميع المسؤولين الحكوميين على علم بالاستغلال البشع الذي نتعرض له، لكن لا أحد منهم يحرك ساكنا بخصوصه لإنصافنا، ومئات الحوادث سجلت في هذا المجال وخلفت أيتام وأرامل وخطفت أرواحا بريئة، ويظل الضحية الأول هو أسرة شاب دفعه الفقر للجوء إلى هذه الشركات معتقدا أنه سيتجاوز أزمته الاجتماعية، لكن على حساب حقوق يجب أن تكون الدولة حريصة على تطبيقها». وأضاف «ليس لدينا أي امتياز أو منح إنتاج أو عطل سنويّة ولا حتى أيّام العطل الرسميّة غير مدفوعة الأجر. نعمل في مناسبات دينية ووطنية ولا نعوض فالتعويض «يكون من نصيب شركة المناولة»، يقول المصدر ذاته. ليس من حقنا الاحتجاج أو الإضراب أو الانخراط في النّقابات المهنيّة، فهذا ببساطة يعني طردنا من العمل. بويا عمي أكد ل»المساء» أن هذه الفئة يجب أن تعي حقوقها أولا، وأن تدافع عنها بنفسها، وأن تنتظم في إطار نقابة موحدة للدفاع عن مطالبها كأي فئة منتجة، ويجب ألا تظل في موضع ضعف واستغلال، يضيف المصدر ذاته، لأن بعض شركات المناولة «تتلاعب بخصوص التأمين على المرض أو الانخراط في الصناديق الاجتماعيّة خاصّة بالنسبة للمتعاقدين الجدد، وقد يكتشف البعض منهم حتى قبل بلوغه سنّ التقاعد أنّه ضحيّة تحايل من شركة المُناولة». عاملات نظافة ب700 درهم الاستغلال يطال حتى عاملات النظافة، وربما هن الأكثر استغلالا، فأن تعمل المنظفة لعدة ساعات في اليوم بمقابل لا يتعدى 700 درهم في الشهر أ] أي حوالي 24 درهما في اليوم فهذا «أبشع استغلال على الإطلاق»، يقول مصدر نقابي. يقول سعيد(اسم مستعار) عامل نظافة عبر المناولة بإحدى المؤسسات، إنه ليس مجرد عامل نظافة للزجاج بل إنه يقوم كذلك بالسخرة ويستجيب لطلبات الموظفين بالشركة وينظف كذلك المراحيض. وأضاف أنه التزم الصمت بعدما وجد أنه ليس الوحيد ضحية هذا الاستغلال، بل هناك من يستغل بشكل أكثر مضاضة منه، بعدما وجد أن عاملات نظافة يشتغلن في إطار المناولة أيضا وبمؤسسات عمومية مقابل 700 درهم في الشهر لثمان ساعات من العمل، حيث يتم استغلالهن بذريعة عدم العمل طيلة ساعات اليوم، يضيف المصدر ذاته. تقول حليمة(47 سنة) وهي أم لأربعة أبناء «أنا مجبرة على العمل بهذا المبلغ الهزيل جدا، فعلى الأقل هو يساعدني نسبيا في تغطية ضروريات الحياة لأطفالي وتمدرسهم، لأن زوجي مجرد مياوم وقد لا يجد عملا لعدة أيام متتالية، حتى أننا كنا نموت قهرا وعوزا». وأضافت «على الرغم من ضعف الأجر الذي أتقاضاه إلا أن ما يدعمني أكثر هو المساعدات التي أتلقاها من بعض المحسنين بالمستشفى ممن يشفقون على وضعي». حال حليمة هو وضع آلاف المستخدمين عن طريق المناولة ممن يعيشون على صدقات المحسنين، وهو أيضا ما يفسح المجال أمام بعض حراس الأمن الخاص خاصة بمؤسسات عمومية لنهج سلوكات «غير سوية» للرفع من مدخولهم اليومي... لا أحد يجادل في أن وضع عمال النظافة في المغرب عموما، خاصة عمال شركات المناولة، هو الأسوأ على الإطلاق، فبالإضافة إلى الأجر الهزيل الذي لا يتسلمه أغلبهم في الوقت المحدد بشكل قد يطول لشهرين أو أكثر مثلما وقفت «المساء» على وضع بعض عمال النظافة بسوق الجملة بالدارالبيضاء، حيث ليس الأجر وحده المشكل، بل إن الغريب أيضا هو أن بعض العمال ابتكروا وسائل تقليدية لتوفير النظافة بهذا السوق، حيث لا يتوفرون على أدوات العمل ولا تتوفر لهم أدنى الشروط الصحية للقيام بذلك، بل إنهم تحولوا إلى أشبه ب»متسولين» حيث يجمعون فتات ما تجود به أيادي تجار الخضر والفواكه بسوق الجملة بالبيضاء. هشاشة ومعاناة اجتماعية «لا تعد ولا تحصى» تبلغ أحيانا حد الجوع هي قاسم مشترك بين هؤلاء العمال على اختلاف المهن التي يزاولونها. وغالبا ما يكون الهدف في تأخر تسلم الأجور هو دفع الأجير إلى الاستسلام ومغادرة الشركة دون أي تعويض . حمالة المطار.. طرد «غير مبرر» يواصل «حمالة» مطار محمد الخامس الدولي بإقليم النواصر احتجاجهم تنديدا بقرار طرد 156 مستخدما «دون وجه حق» وتشريد أسرهم علما أنهم «لم يرتكبوا أي مخالفة يعاقب عليها القانون وتلزم بفصلهم عن العمل»، حسب قولهم . وهدد الحمالة بشل حركة المطار في حال أهمل ملفهم المطلبي ولم يتدخل كبار المسؤولين بالدولة لحل هذا النزاع. وأكد المستخدمون أنه تم تهديدهم بتوقيف ما تبقى من العمال بهذه الشركة، في الوقت الذي يتشبث جميع العمال بإرجاع المطرودين منهم والاستجابة لملفهم المطلبي، مؤكدين أنهم حملوا تساؤلهم عن الخطأ المهني الذي ارتكبه الموقوفون، غير أنهم تلقوا إجابة صادمة تتمثل في أن القرار كان «مزاجيا وأنه يمكن أن ينسحب على الجميع في حال لم يتوقف باقي المستخدمين عن الاحتجاج والإلحاح على معرفة سبب التوقيف». ويواصل ما يزيد عن 500 مستخدم بالشركة المذكورة وقفاتهم الاحتجاجية « ضد هذه التوقيفات التي أكد يونس الرافعي، الكاتب العام ل»حمالة» البضائع بمطار محمد الخامس الدولي بشركة إريمو، أنها «غير مبررة» وليس هناك أي مخالفة للقانون ارتكبها أحد الموظفين وإلا وجب مجابهتنا بها. وأضاف القانون «» فوقنا جميعا وليس لدينا أي مشكل في حال ارتكبنا أي مخالفة قانونية فحينها يمكن توقيفنا، أما أن نطرد مجانا هكذا فهذا لا يمكننا أن نقبله إطلاقا»، يؤكد الرافعي. وأضاف الرافعي أنه لا تراجع على الاحتجاج. « نحن لن نتنازل عن حقنا ولا نقبل بالطرد التعسفي ضد أي مستخدم إلا في حال ارتكابه لمخالفة». وطالب المستخدمون بالتراجع عن طرد 156 مستخدما وإرجاعهم إلى العمل من جديد، ووقف كل الاختلالات التي يعانيها المستخدمون خاصة التهديدات التي يتعرضون لها، يقول الرافعي، خاصة تلك التي تتعلق بتنفيذ طرد جماعي في حق المستخدمين والسب والشتم. «يتم التعامل معنا بقسوة وكأننا لسنا من بني البشر. عندما تتم مخاطبتنا بشكل فض نحس أننا مواطنون من درجة ثالثة وعبيد في زمن الديمقراطية والحقوق». اختلالات بالجملة «المناولة في المغرب تحتاج إلى قانون يحترم حقوق العمال الذين يجب أن يتحملوا جزءا من المسؤولية في صياغته» هكذا تحدث أحد النقابيين المدافعين عن العمال الذين يشتغلون في إطار المناولة بقطاع الموانئ، والذي رصد مجموعة من الاختلالات القانونية التي تقع على حساب مجهود العمال، فالمشرع –يقول- عندما تحدث عن شركات التشغيل المؤقت التي تضع الأجير رهن إشارة الشركة المستعملة، ألزمها بأن تقوم بعقد عمل لا يتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتجديد 6 أشهر أخرى غير قابلة للتجديد، وذلك لأن المشرع في نظره أخذ بعين الاعتبار مستقبل العامل وحياته حتى لا يقضي عمره يشتغل في شركة مدة طويلة ليجد نفسه في الأخير في الشارع. لكن المفارقة الغريبة التي يتحدث عنها النقابي هي أن أغلب العمال اليوم يشتغلون مع مجموعة من شركات المناولة، ولكن لمدة فاقت العشر سنوات بدون ترسيم وبدون حقوق، فغالبيتهم لا يتوفرون على ضمان اجتماعي ويشتغلون في ظروف حاطة من الكرامة، فضلا على أنهم يعانون من مضايقات وتعسفات، بحيث يتم استغلالهم أكثر من المدة القانونية المحددة في ثماني ساعات وبدون أدنى تعويض، الشيء الذي يزكي بحسب تعبيره «الإحساس بالقهر والظلم» ويؤجج في نفوس هؤلاء الأجراء مرارة « التهميش والإقصاء». لهذا فقد أضاف المتحدث بأن أغلب العمال المتأزمين والمتضررين قد خاضوا احتجاجات في مجموعة من القطاعات تنديدا ب»التعسفات» التي تطالهم من قبل هذه الشركات. وبحسب المتحدث فإن بعض شركات المناولة التي تتعاقد معها الشركات سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص تتماطل في بعض الأحيان في تأدية أجور العمال كما تحرمهم من الحد الأدنى للأجر، الذي قد يصل في أحسن الظروف إلى 2500 درهما، هذا فضلا عن أنها لا تعوضهم عن العمل أثناء العطل والأعياد ولا تصرح ببعضهم في مؤسسات الضمان الاجتماعي، مضيفا أن حوادث شغل وقعت بسبب ظروف اشتغال العمال التي تغيب عنها شروط حفظ الصحة والسلامة، موضحا أن ملف شركات المناولة يعتبر ملفا معقدا يحتاج إلى الصرامة مع المشغلين المتعاقدين مع هذا النوع من الشركات، الذين وصفهم بالسماسرة ومصاصي الدماء، إذ ينحصر هدفهم الأساسي في تحقيق الربح المادي دون مراعاة شروط العمل، فهي تشتغل في بعض الأحيان بدون عقد عمل قانوني وفي ظروف قاهرة لا تتوفر على أدنى شروط حفظ الصحة مقابل رواتب هزيلة. العنصرية في التعامل بعض الشركات تقوم بتخصيص وسائل لنقل العاملين بها تسهيلا لوصولهم في الوقت المحدد من جهة، ودرءا لتأخرهم عنه من جهة أخرى، غير أن العمال الذين يشتغلون في إطار المناولة هم خارج هذا الإطار، فبعضهم محرومون من النقل رغم أجرتهم الشهرية الهزيلة، وفي إحدى الصور التي يرسمها أحد العمال بإحدى الشركات بالقطاع الخاص والتي لن تمحى من مخيلته يوم قررت الشركة نقلهم كعمال مناولة كباقي الآدميين. في ذلك اليوم صادف موعد صعودهم للحافلة موعد خروج الموظفين التابعين للشركة المستعملة، فإذا بسائق الحافلة يطلب من العمال المناولين الهبوط لأن الأولوية لهؤلاء الموظفين وليست لهم. ومن مظاهر «التمييز» أيضا نجد أن العمال في إطار المناولة ورغم استمرارهم في أداء العمل مدة طويلة لا يحضون بنفس التقدير والامتياز فهم يؤكدون على أن لا نصيب لهم في جل التعويضات والامتيازات، فهم لا يحصلون على التعويض عن عمل العطل والأعياد ولا نصيب لهم في منح الأعياد التي تقدم من طرف الشركة كمساعدة مثلا خلال عيد الأضحى، الأمر الذي يضيف أحد الموظفين يعزز الفرق الاجتماعي ويعمق الإحساس ب»الحكرة» و يجعلهم يفكرون في التضامن بينهم، والحرص على مساعدة زملائهم المنتمين إلى شركات المناولة درءا لشعورهم بذلك الإحساس»المقيت» الذي يشعر المرء بدونيته من جهة ويحد من قدراته على العطاء من جهة أخرى. مشيرا إلى أنه في الحالة التي يرفض فيها عامل بإحدى الشركات القيام بعمل ما نظرا لخطورته على الصحة مثلا، فإن البديل هو ذلك العامل المؤقت لدى مقاولات المناولة الذي يقبل أي عمل حتى وإن كان خطيرا على صحته، كما أنه في بعض الأحيان تجد عمالا لهم الكفاءة نفسها والمهارة نفسها يشتغلون في الشركة نفسها، ولكن بتفاوتات اجتماعية واضحة. أما في الجانب المتعلق بحوادث الشغل فحدث ولا حرج، فإصابة عامل تابع للمناولة لا تعني شيئا للشركة التي يشتغل فيها مؤقتا، فهي في نظرها غير معنية بحياته أو مماته أو حتى إعاقته، لهذا – يضيف- هناك العديد من القضايا التي مازالت عالقة في ردهات المحاكم بسبب أن كل طرف يتملص من مسؤوليته، خاصة وأن الكثير من شركات المناولة لا تصرح بالأجراء التابعين لها. الطريق السيار نموذجا توالت في السنوات الأخيرة صرخات مستخدمي شركة الطرق السيارة العاملين في إطار المناولة بسبب «المضايقات» التي كانوا يتعرضون لها والتي كانت تختلف مظاهرها باختلاف نوعية العمل الذي يقومون به. وبحسب مصدر من العمال فإن أربع شركات للمناولة فقط هي التي يتم تفويت الصفقات لها لتسيير المرفق العمومي بالرغم من الدعاوى المرفوعة ضدها والشكايات المحررة في حقها لدى مناديب الشغل. وهذه الشركات المختصة في النظافة والحراسة – يضيف- لا علاقة لها ب»الأتوروت» وهو ما يفسر بحسب وجهة نظره سوء التسيير والتدبير الذي تعيش على إيقاعه مراكز الاستغلال. وفي ظل وجود هذه الشركات فإن المستخدمين يشتغلون في ظروف صعبة تحسنت نسبيا بسبب الاحتجاجات التي خاضوها السنوات الماضية، إذ بسببها تغير التعامل معهم، لكن دون تحقيق ما كانوا يصبون إليه، فالوضعية القانونية يضيف المتحدث مازالت غامضة وغير مفهومة «إذ أننا نشتغل بعقد غير محدد المدة ولكن مع شركة مناولة لها صفقة مع الشركة الأم لن تتجاوز الثلاث سنوات وبعدها ستأتي شركة أخرى وسنمضي معها عقدا جديدا وسيسمى عقدا غير محدد المدة». مؤكدا « مازلنا نشتغل في ظروف صعبة لا تعويض عن الاشتغال ليلا ولا القفة ولا الأخطار، خصوصا وأن كثيرا من المستخدمين وحدها الألطاف الإلهية تدخلت لتنجيهم من موت محقق، كما أن بعض المستخدمين مازالوا يعانون من مشكل التنقل للوصول إلى مكان العمل». وأعطى المستخدم مثالا على الأخطار التي قد يتعرض لها المستخدمون بحالة المستخدم الذي صدمه «رموك» في مدينة القنيطرة وحالة مشابهة لها في كل من بوسكورة وبوزنيقة ومراكش، موضحا أنه «لا يمكن أن يكون هناك عمل مؤقت بمراكز عمل دائم، لابد من إعداد قانون يحمينا من جشع المشغلين بهذه الشركات»، مضيفا «تلقينا وعودا من قبل وزير النقل والتجهيز ولكن بدون جدوى حكم القوي على الضعيف، فشركة المناولة تجني من ورائنا مبالغ كبيرة وتعطينا الفتات» متسائلا « كيف يعقل أن يعمل مستخدم في شركة 10 سنوات مؤقتا « مستغربا من» أن الشركات التي تستعين بالمناولة تتكبد خسائر كبيرة ورغم ذلك تتعاقد معها «. المقاولات ذات عقلية الربح تتهرب من تطبيق القانون ومن الالتزام ببنود مدونة المشغل - ما مدى احترام مقاولات المناولة لمقتضيات مدونة الشغل؟ بشكل عام، جاءت مدونة الشغل بمجموعة من الالتزامات ومجموعة من الحقوق التي تجمع طرفي علاقة الشغل، غير أن الأرقام التي تقدمها الوزارة الوصية تكشف أن المقاولات ذات عقلية الربح تتهرب في الغالب من تطبيق القانون والالتزام ببنود مدونة المشغل لأن المدونة، أصلا، ليست واضحة فيما يخص التعامل مع المقاولات من الباطن، وتضم مواد يشوبها الغموض، كالمادة التي تهم كيفية التعامل مع المقاولة في حالة إعسار المشغل. وأتساءل كيف يمكن أجرأة هذه القوانين وتفعيلها حتى تطال جميع المقاولات ويتم تسهيل العمل على مفتشي الشغل الذين تكال لهم الاتهامات، علما أنهم أيضا يطالبون بتسهيل مهمتهم، فمثلا في مجال المراقبة نجد أن المدونة تنص على توقيع عقد مكتوب بين الأجير والمشغل في ظل المقاولة من الباطن، يجب الاطلاع عليه، مع ضرورة التصريح بعدد الأجراء. لكن هذا الإجراء للأسف لا يتم احترامه من طرف بعض المقاولات، فضلا عن أن هناك نقصا كبيرا في مفتشي الشغل على الصعيد الوطني، حيث إن حوالي 400 مفتش فقط من يمارسون عملهم بين المصالح الخارجية والمركزية، خاصة أن عددا من المفتشين في طريقهم إلى التقاعد. ومن هذا المنبر نطالب الوزارة بتخصيص مناصب مالية التزاما باتفاق 26 أبريل سنة 2011. كما يجب أن يكون هناك تنسيق بين وزارة التشغيل ووزارة العدل فيما يخص محاضر المخالفات والمنازعات حتى يتمكن المفتش من القيام بعمله على أحسن وجه. - كيف تتم مراقبة هذا النوع من المقاولات من طرف مفتشي الشغل؟ مراقبة هذا النوع من الشركات لا تختلف عن باقي المقاولات. إذ يجب على المفتش الاطلاع على الوثائق ووثائق الأداء والتصريح بالأجور لدى الضمان الاجتماعي والاطلاع على ظروف عمل الأجراء وطرح أسئلة عليهم فيما يخص تمتعهم بالعطل والراحة الأسبوعية والوقوف على مدى تطبيق المقاولة للقانون. ومن خلال هذه المراقبة يمكن القول إن هناك قانونا. - ماهي الإجراءات المتخذة في حالة عدم تطبيق المقاولة لقانون الشغل؟ عند زيارة المقاولة يتم إعداد تقرير يتضمن ملاحظات قانونية بناء عليه يتم إعادة الزيارة مرة ثانية على أساس ملاحظة مدى تطبيق القانون، وفي حالة عدم الالتزام يتم تحرير محضر. لكن السؤال هنا هو: ماذا بعد المحضر؟ إذ أن هذه المحاضر التي توجه إلى النيابة العامة بغرض فتح تحقيق يظل مصيرها مجهولا، فيما تظل تلك المقاولات تواصل عملها ضدا على تقرير المفتش. * كاتب النقابة الوطنية لمفتشي وزارة التشغيل التابع للاتحاد المغربي للشغل فؤاد رفيه *: مقاولات التشغيل المؤقت والمقاولات من الباطن وجهان لعملة واحدة - هناك خلط بين التشغيل المؤقت والتشغيل عن طريق المناولة، فهل مدونة الشغل جاءت بتعريف واضح لكليهما؟ التشغيل المؤقت وسيلة جديدة لتلبية حاجيات المقاولات من اليد العاملة. وهذه الأخيرة إما أن تقوم بأعمال يدوية أو بأعمال تقنية متخصصة تتطلب جودة عالية، من أجل سد خصاص مؤقت. و التشغيل المؤقت عمل تقوم به مقاولات متخصصة تسمى وكالات التشغيل الخصوصية، وهي متخصصة في تقديم اليد العاملة بجميع فئاتها ومستوياتها الفنية والتقنية والفكرية لمقاولات أخرى من أجل سد خصاص مؤقت وغير دائم. وقد عرف المشرع المغربي مقاولات التشغيل المؤقت من خلال المادة 495 من مدونة الشغل بأنها «كل شخص اعتباري مستقل عن السلطة العمومية يقتصر عمله على ممارسة النشاط المشار إليه في الفقرة ج من المادة 477». وتنص الفقرة «ج» من هذه المادة على أنه يقصد بوكالات التشغيل الخصوصية كل شخص اعتباري يقوم بتشغيل أجراء بهدف وضعهم، مؤقتا، رهن إشارة شخص ثالث يسمى «المستعمل» يحدد مهامهم ويراقب تنفيذها. وتضيف الفقرة 2 من المادة 495 أن هذه المقاولات تشغل هؤلاء الأجراء، مع أداء أجورهم، والوفاء بكل الالتزامات القانونية الناشئة عن عقد الشغل. أما بخصوص المقاولات من الباطن (شركات المناولة)، فعادة ما تلجأ المقاولات المتوسطة والكبيرة إلى مقاولات أخرى لتخفيف العبء والضغط اللذين يولدهما الارتباط بالزبناء، والجزاءات المترتبة عن التأخير في مواعيد التسليم، إضافة إلى أن الاقتصاد الحالي يرتكز على التخصصات التقنية، فالبناء والأشغال العمومية، مثلا، تضم عدة تخصصات كالترصيص، الكهرباء، الصباغة، الديكور، الأليمنيوم، وغيرها. وبالتالي يصعب على مقاولة واحدة القيام بكل هذه الأنشطة. لذا تجد نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى مقاولات أخرى لمساعدتها على ذلك، وكذا لضرورة احترام الآجال المحددة بالعقد. وعقد المقاولة من الباطن عقد مكتوب يكلف بمقتضاه مقاول أصلي مقاولا من الباطن بأن يقوم له بشغل من الأشغال أو ينجز له خدمة من الخدمات . وهذا التعريف يؤكد حرص المشرع على جعل العمل من الباطن جزءا من عمل المقاول الأصلي وليس العمل بمجمله بدليل أحكام المادة 86 من مدونة الشغل التي جاء فيها «بأن يقوم له بشغل من الأشغال، أو ينجز له خدمة من الخدمات». فالأصل أن تقوم المقاولات المتعاقدة مع زبنائها، أو المسؤولة عن القيام بتنفيذ صفقات، بتنفيذ العمل بأجرائها، ولا يمكن اللجوء إلى مقاولات من الباطن إلا لتخفيف الضغط أو ربح الوقت أو الاستعانة بمقاولات متخصصة في بعض الأنشطة و الخدمات كلما كان ذلك في صالح المقاولة الأصلية، ولم يكن مخلا بحقوق أجرائها كاللجوء إلى هذه المقاولات لضرب العمل النقابي أو ضرب ممارسة حق الإضراب أو إظهار عدم وجود طلبيات من أجل اللجوء إلى تقليص ساعات العمل وغيرها من الحالات. - ماهو الفرق بين عقد التشغيل المؤقت وعقد التشغيل عن طريق المناولة؟ غالبا ما يتم الخلط بين عقد المقاولة من الباطن وعقد مقاولات التشغيل المؤقت، وسنقوم بإعطاء مقارنة بين العقدين، خصوصا أن مقاولات التشغيل المؤقت، التي لم تحصل على ترخيص من الوزارة المكلفة بالشغل، تتحايل على هذا القانون باعتماد تعاقد جديد مع أجرائها يطلقون عليه عقد «تقديم الخدمات» بدل «التشغيل المؤقت». وتقديم أو إنجاز الخدمات منصوص عليه بمقتضى المادة 86 وما بعدها، والتي تتحدث عن «المقاولة من الباطن». أضف إلى ذلك أن المشغل في عقد المقاولة من الباطن يقوم بالتوجيه والرقابة والإشراف على أجرائه بشكل مباشر، عكس «عقد الوضع رهن الإشارة»، الذي تكون فيه التبعية غير مباشرة، حيث تقوم مقاولة التشغيل المؤقت بوضع عمالها رهن إشارة المستعمل الذي يراقب مهامهم داخل مقاولته. والمقاولة من الباطن يمكن أن تكون شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا عكس مقاولة التشغيل المؤقت التي لا يمكن الترخيص لها إلا إذا كانت شخصا اعتباريا خاصا. وتمارس المقاولة من الباطن عادة نفس النشاط الذي تقوم به المقاولة الأصلية عكس مقاولة التشغيل المؤقت، التي لا يتعدى نشاطها مجرد وضع أجراء مؤقتين رهن إشارة «المستعمل» الذي يقوم بتحديد عملهم والإشراف والرقابة والتوجيه أثناء قيامهم بتلك الأعمال. ويشغل المقاول من الباطن عادة عمالا قارين ومتخصصين في النشاط الذي يحترفه. لذا يمكنه الاستعانة بعمال في إطار عقود شغل محددة المدة. كما يمكنه الاستعانة بعمال مؤقتين، وفق الأحكام القانونية الجاري بها العمل في التشغيل المؤقت، عكس مقاولة التشغيل المؤقت، التي لا يتعدى اختصاصها العمل المؤقت (المهام). وأهم ما تتميز به المقاولة من الباطن هو أداؤها للعمل المتفق عليه بعمالها ووسائلها الخاصة عكس مقاولة التشغيل المؤقت، التي تقوم بتوريد اليد العاملة المؤقتة ليس إلا. أما في حالة إعسار المقاول من الباطن ولم يكن مقيدا بالسجل التجاري ولا منخرطا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن المقاول الأصلي يصبح مسؤولا عن الوفاء بالالتزامات الناتجة عن المقاول من الباطن تجاه أجرائه، عكس مقاولات التشغيل المؤقت، التي يمكن للمحكمة وحدها في حالة إعسارها، أو عند سحب الترخيص منها دون الوفاء بالتزاماتها إزاء أجرائها، أن تأمر باستعمال الكفالة، المودعة لدى صندوق الإيداع والتدبير، لأداء ما ترتب في ذمتها من مستحقات، سواء لفائدة الأجراء أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويشترط المشرع في «عقد المقاولة من الباطن» الكتابة. إذ يكلف بمقتضاه المقاول الأصلي المقاول من الباطن بالقيام بشغل من الأشغال، أو إنجاز خدمة من الخدمات، ولا دخل للأول في الثاني فيما يتعلق باليد العاملة التي يشغلها، وإنما يتعلق الأمر فقط بإنجاز العمل أو بالخدمة المتفق عليها كما وكيفا، وفي الموعد المتفق عليه، في حين تتعاقد مقاولة التشغيل المؤقت كتابة مع المقاولة المستعملة من جهة، ومع الأجير المؤقت من جهة أخرى. ويتعلق موضوع التعاقد بتوريد اليد العاملة،غير أنه لا يمكن اللجوء إلى عقد المقاولة من الباطن إذا كان ذلك مخلا بحقوق أجرائها، في حين لا يتم اللجوء إلى العمل المؤقت إلا بعد استشارة الهيئات التمثيلية للأجراء داخل المقاولة. - هل مدونة الشغل أعفت المقاولات من الباطن من تطبيق بعض بنودها تسهيلا لعملها؟ مدونة الشغل لا تعفي المقاولات من الباطن من تطبيق جميع مقتضيات تشريع الشغل من ضمان اجتماعي وتأمين ضد حوادث الشغل وكذا مقتضيات مدونة الشغل. أما فيما يخص الحالة التي لا يكون فيها المقاول من الباطن مقيدا في السجل التجاري ولا صاحب أصل تجاري فإن المقاول الأصلي يحل محله في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالشغل. فإذا أعسر المقاول من الباطن، ولم يكن مقيدا بالسجل التجاري ولا منخرطا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن المقاول الأصلي يصبح مسؤولا عن الوفاء بالالتزامات التالية في جميع الحالات، وفي حدود المبالغ الموجودة بذمته لصالح المقاول من الباطن تجاه الأجراء الذين يشتغلون لحساب هذا الأخير، سواء أنجزت الأشغال أو الخدمات في مؤسسات المقاول الأصلي أو ملحقاتها، أو في مؤسسات أو ملحقات ليست ملكا له، أو إذا أنجزها أجراء يشتغلون بمنازلهم: حالة أداء أجورهم، وهذه الحالة مشروطة بتوجيه أجراء المقاول من الباطن، أو السلطة الإدارية المحلية، أو العون المكلف بتفتيش الشغل، خلال الستين يوما الموالية لتاريخ استحقاق الأجور، التي لم تؤد عن الشهر الأخير أو الخمسة عشر يوما الأخيرة، إشعارا يخطره بعدم أداء المقاول من الباطن أجور أجرائه . و إذا كان المشرع لم يعر اهتماما بخصوص مكان أداء العمل، فإنه لم يوضح ما إذا كان التزام المقاول الأصلي في حدود أجر شهر أو خمسة عشر يوما أو أن الأجل المحدد في 60 يوما يبتدئ من تاريخ استحقاقها. كما أنه لم يحدد نوع هذا الأجل وهل هو أجل إسقاط ؟. حالة التعويض عن العطلة السنوية المؤدى عنها؛ حالة التعويضات عن الفصل من الشغل؛ حالة دفع الاشتراكات الواجب أداؤها إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ و حالة دفع الرسم الخاص بالتكوين المهني. وهنا يجب إضافة التزام آخر يتعلق بالتأمين الإجباري عن المرض. وإذا كان المشرع قد حدد أجل ومسطرة المطالبة بالأجر فإنه سكت عن ذلك بالنسبة لباقي الالتزامات . و المقاول الأصلي لا يكون ملزما كذلك بتأمين أجراء المقاول من الباطن ضد حوادث الشغل إلا إذا كانت الأشغال أو الخدمات منجزة في مؤسساته أو ملحقاتها، حيث حمله المشرّع مسؤولية المراقبة القبلية، وكذا أثناء تنفيذ الأشغال أو تقديم الخدمات وحتى نهايتها قصد الوقوف على مدى احترام القانون الاجتماعي. و تجدر الإشارة إلى أنه يحق للأجراء المتضررين وكذا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عند إعسار المقاول من الباطن، إقامة دعوى على المقاول الأصلي، الذي أنجز الشغل لحسابه . و قد أثبت الواقع لجوء أغلب المقاولين الأصليين إلى مقاولين فرعيين من أجل البحث عن تكلفة أقل، رغم علمهم بمخالفة هؤلاء الأخيرين لمقتضيات تشريع الشغل، وهو ما يكرس تشجيع القطاع غير المهيكل، حيث تتكاثر هذه المقاولات بالأحياء السكنية والأحياء الصناعية العشوائية بشكل مخيف، وتهدد بالتالي صحة وسلامة الأجراء، وتساعد على تكريس الهشاشة وضرب العمل اللائق ومبدأ الاستقرار في العمل. أما في بعض القطاعات كالبناء والأشغال العمومية فإن المقاول الأصلي يتعاقد مع عمال متخصصين على أداء بعض الأشغال على أساس العمل من الباطن، في حين أن تكييفها القانوني هو العمل بالقطعة، والبون شاسع بينهما. ففي هذه الأخيرة لا فرق بين عمال القطعة (العطاشة) و باقي العمال إلا في طريقة أداء الأجر. - وما رأيك في هذا النوع من المقاولات؟ إذا كانت ضرورة العمل والسير بوتيرة سريعة للإنتاج أو تقديم الخدمات إرضاء للزبناء هي الدافع للجوء إلى عمال المناولة (المقاولات من الباطن) فإن السواعد والأدمغة التي تساهم في ذلك يجب أن تحظى بأولويات في برامج المشغلين. فالمقاولة المواطنة عليها أن تراعي مصلحة عمالها ومستخدميها لتحفيزهم على المزيد من العطاء خدمة لها ولمصالحها وخدمة للمصالح العليا للوطن الذي يحتضنهما معا. والأجراء بدورهم عليهم مسؤولية العمل بكل جدية ونزاهة وكأنهم يقومون بالعمل للوطن أكثر من التفكير في مقاولة بعينها. وإذا كان تهرب المشغلين من استقرار الأجراء مرده ضعف في القانون فإن تخوفهم من تمثيلية نقابية يزيد من حدة اللجوء إلى هذا النوع من العقود. وهذا يعني أن العمل النقابي، رغم دستوريته، يبقى عدو المشغلين، حيث يرددون باستمرار عبارة «إذا نقبت خربت». وقد يكون الدافع هو السيطرة والتملك من جانبهم، وقد يكون أيضا ضعف في التأطير الذي من المفترض أن تقوم به بعض النقابات تجاه عمالها، وفي أحيان كثيرة يكون الانتماء السياسي لهذه الأخيرة هو السبب في التأطير على هذه الشاكلة، وقد يكون البحث عن كسب بعض الأصوات الانتخابية أو استراتيجية سياسية هو السبب في إغلاق العديد من المقاولات وضياع مناصب التشغيل وفقدان ثقة العديد من المستثمرين المغاربة والأجانب. فهل استطعنا أن نكون مشغلين أو أجراء مواطنين؟ وهل استطعنا إعطاء الأسبقية للمصلحة العليا للوطن على حساب المصلحة الخاصة أم العكس؟ هذا هو السؤال؟. * باحث في قانون الشغل والعلاقات المهنية عضو مجلس طب الشغل(إ م ش) ثغرات قانونية بحسب المختصين في قانون الشغل فإن الضوء الأخضر لهذا النوع من الشركات جاء بعدما دخلت مدونة الشغل حيز التنفيذ سنة 2003، بحيث تناسلت شركات المناولة وشركات التشغيل المؤقت كالفطر، دون أن يحترم بعضها البنود القانونية المنصوص عليها في المدونة. هذه المقاولات «المناولة» تشغل حراس أمن وعمال نظافة وبستنة لفائدة إدارات قد تكون عمومية، وقد تكون شركات كبري أو مقاولات متوسطة وصغرى، غير أن المتتبعين يعتبرون أن دفاتر التحملات المنجزة بين هذه المقاولات وبين المشغلين الأصليين لا تتضمن الشروط المطلوبة والمفروضة قانونيا من قبيل احترام الحد الأدنى للأجر والتصريح بالأجير لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، معتبرة أن اللجوء إلى هذا النوع من المقاولات يؤدي إلى هضم الحقوق الاجتماعية للشغيلة. ذوي الاختصاص في هذا الإطار يميزون بين التشغيل المؤقت الذي يتم في إطار المادة 16 من مدونة الشغل أي في إطار عقد محدد المدة يبرم في بعض الحالات بسبب الطبيعة الموسمية للعمل أو بسبب ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة، غير أن الخلط الحاصل والذي زكاه أستاذ في مادة قانون الشغل طلب عدم الكشف عن اسمه، هو أن بعض الشركات المناولة أصبحت بدورها شركات للتشغيل المؤقت، فاختلط الأمر على اليد العاملة التي تكون في الأخير ضحية هذا الالتباس، لأن التشغيل المؤقت أفرد له المشرع في المدونة أحكاما على شكل قانون شغل خاص بالتشغيل المؤقت، وذلك حماية لحقوق الأجراء وتفاديا للهشاشة ولاستغلال اليد العاملة المؤقتة، إذ يتم فرض إيداع كفالة مالية تبلغ 1.300.000 درهم لدى صندوق الإيداع والتدبير. غير أن مجموعة من المقتضيات في المدونة يضيف أستاذ قانون الشغل لا يتم احترامها، بحيث في بعض الأحيان تتحايل شركات على القانون وتقوم بحل شركة وفتح شركة أخرى باسم آخر هروبا من الدعاوى التي تقام ضدها في المحاكم، لهذا فمعظم الأساتذة والباحثين في هذا المجال في المغرب أصبحوا يطالبون بتجديد مقتضيات مدونة الشغل التي مازالت في نظرهم لم ترقى إلى مستوى الطموح الذي يحمي الأجراء من الاستغلال. وأضاف بأن المشرع أسند لوزارة التشغيل والتكوين المهني مهمة السهر على تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل، والتي يجب عليها من خلال الآليات التي تتوفر عليها إخضاع جميع المقاولات والشركات ومن ضمنها شركات المناولة لاحترام القانون، وتوقيع الجزاءات المنصوص عليها في حق المقاولات المخالفة لمقتضيات القانون، من خلال تقارير الزيارات التي يقوم بها المفتشون للوحدات الإنتاجية الخاضعة لقانون مقاولات التشغيل. وبحسب مفتش شغل طلب عدم ذكر اسمه أكد ل»المساء» بأن 32 شركة تشتغل في إطار المناولة هي التي تحترم القانون أما ما تبقى فلا، مشيرا إلى أنه من خلال الحوارات التي يتم إجراؤها مع الأجراء والمشغلين تبين بأن هناك خروقات خطيرة، مؤكدا معطى ظاهرة العبودية في القرن الواحد والعشرين، فالأغلبية العظمى لا تحترم الأوقات المحددة في المدونة وهي ثماني ساعات، ولا تقوم بالتصريح بالعمال في صندوق الضمان الاجتماعي زيادة على أن الأجراء يتقاضون أجرا شهريا أقل من «السميك»، ويضيف أنه في الحالة التي لا تحترم فيها المقاولة بنود المدونة يجب عليها إغلاق أبوابها، مؤكدا أن أغلب الشركات التي تشتغل في إطار المناولة قد تكون غير معروفة، بحيث أن المكتب تجد به فقط السكرتيرة، أما العمال فهم يشتغلون في جهات أخرى، مما يصعب العمل على المفتش الذي يؤكد بأن عليه في حالة إيجاد خروقات وضع محضر، غير أنه يقول إن المفتش بدوره غير محمي فبشهادة الشهود يمكن سجنه لمدة 10 سنوات، واستغرب كيف أن المفتش أصبح اليوم يلعب دور المصلح، بحيث يعمل على التدخل لرأب الصدع بين الأجير والمشغل . كما أن سهام الانتقاد طالت حتى المشرع لأنه في نظر بعض المتخصصين في مجال قانون الشغل قد جانب الصواب، إذ لم يقم بتحديد نسبة أقصى لعمال المناولة (المقاولة من الباطن) كما أنه أخفق عندما أبعد المساواة بين عمال هذه المقاولات وعمال المقاولات المستعملة، أو المقاولة الأصلية، خصوصا من حيث الامتيازات، كالمساواة في الأجر، النقل، المكافآت ..الخ، سواء المنصوص عليها في عقود الشغل، القانون الداخلي، أو الاتفاقية الجماعية. حسن هروش *: المناولة = الوساطة = التشغيل المؤقت هناك تحايل على النصوص المنظمة فعقود الشغل المؤقتة يتم تجديدها مباشرة بعد انتهاء مدتها - كثرت في السنوات الأخيرة احتجاجات العمال في عدة قطاعات بسبب مطالبتهم بالإدماج في الشركة الأم، فبمن يرتبط الأجير في عقد الشغل؟ هل بالوسيط في التشغيل، أم بالمستعمل الذي يستفيد من خدماته؟ هذا السؤال وجيه، وأثار جدلا كبيرا لدى الفقه والاجتهاد القضائي، الأمر الذي اضطر المشرع إلى التدخل وحسم الجدال. إذ نص في الفقرة الثانية من المادة 495 من مدونة الشغل على أن مقاولات التشغيل المؤقت تتولى تشغيل الأجراء وأداء أجورهم والوفاء بجميع التزاماتهم، ومن ثم فإن علاقة التبعية، بما تعنيه من رقابة وتوجيه وإشراف، تربط بين الأجير والوسيط في التشغيل، وليس المستعمل. وهذا أكده قرار محكمة النقض عدد 1617 الصادر بتاريخ 23 غشت 2012 في الملف الاجتماعي عدد 582/5/1/2011، الذي جاء في قاعدته: «علاقة التبعية بمفهومها القانوني من إشراف وتوجيه ورقابة تربط الأجير بمقاولة التشغيل المؤقت وليس بالمستعمل. وإذا ما أنهت المقاولة المستعملة علاقتها بالأجير، فإن مقاولة التشغيل المؤقت هي من يقع عليها إيجاد عمل بديل له أو التعويض». (نشرة قرارات محكمة النقض، الجزء الثالث عشر، سنة 2014، الصفحة 137) وكذا قرار محكمة النقض عدد 981 الصادر بتاريخ 18 غشت 2011 في الملف الاجتماعي عدد 1691/5/1/2010، الذي جاء في أحد حيثياته: «حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أنه من الثابت من وثائق الملف كما هي معروضة على محكمة الاستئناف مصدرته دفعت بمقتضى جوابها أن نشاطها المرتبط باستيراد وتسويق الأسمدة الزراعية يكتسي طابعا موسميا وتحتاج إلى يد عاملة غير دائمة فتحتم عليها اللجوء إلى مقاولات التشغيل المؤقت لتمد هذه الأخيرة بأجرائها وتضعهم رهن إشارتها لمدة معينة من موسم لآخر، وأنها منذ 1/9/2001 لجأت إلى الوساطة في التشغيل من وكالات خصوصية متعددة، فأبرمت مع شركة «ترياد»، وهي وكالة مختصة في التشغيل المؤقت، ب1/1/2005، عقدا كتابيا لإدارة الأجراء، وأنه بطلب من الطاعنة وضعت المطلوب رهن إشارتها وقد عززت ذلك بصدده لعقد يربط بين الطرفين والتمست إدخالها في الدعوى. وأدلت المدخلة بمذكرة أقرت فيها بعلاقة الشغل المؤقت مع المطلوب وأدلت بعقد وشهادة وورقة أداء أجر، إلا أن المحكمة استبعدت الوثائق المدلى بها، واعتبرت علاقة الشغل قائمة بين الطالبة والمطلوبة استنادا إلى شهادة الشهود المستمع إليهم خلال المرحلتين الابتدائية والاستئنافية ودون أن تلتفت إلى باقي الوثائق الكتابية، مع أن هذه الأخيرة تغني عن شهادة الشهود. كما أنه طبقا لمقتضيات المادة 477 من مدونة الشغل الفقرة «ج» فإنه يمكن «تشغيل أجراء هدف وضعهم مؤقتا رهن إشارة شخص ثالث يسمى المستعمل يحدد مهامهم ويراقب تنفيذها». كما أن المادة 495 من نفس القانون تحيل على الفقرة «ج» من نفس المادة، حيث جاء فيها بأنه «يقصد بمقاولات التشغيل المؤقت كل شخص اعتباري مستقل عن السلطة العمومية يقتصر عمله على ممارسة النشاط المشار إليه في الفقرة «ج» من المادة 477. وبذلك فإن دور الطالبة قد انحصر في صفة المستعمل وتبقى علاقة الشغل قائمة مع شركة «ترياد»، مما تكون معه المحكمة قد بنت قرارها على تعليل فاسد، وخرقت المقتضيات المستدل بها وعرضت قرارها للنقض». (مجلة قضاء محكمة النقض، العدد 74، سنة 2012، الصفحة 302) وكذا قرار محكمة النقض عدد 1058 الصادر بتاريخ 12 نونبر 2008 في الملف الاجتماعي عدد 823/2007 الذي جاء في أحد حيثياته: «حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أنه من الثابت من وثائق الملف أن شركة «سيليكتيم» تقدمت بمقال تدخلي في المرحلة الاستئنافية وأقرت من خلاله بارتباطها مع المطلوب بعلاقة شغل في إطار عقود الشغل، وقد عززت ذلك بورقة أداء أجر عن شهر غشت 2004 صادرة عنها وتحمل اسم المطلوب، ونسخة العقد الرابط بينها وبين الطالبة، وأوراق التعويضات العائلية عن شهور يونيو إلى دجنبر 2004 صادرة عنها وتحمل اسم المطلوب. كما أدلت بصور لعقود عمل مذيلة ببصمة، إلا أن المحكمة المطعون في قرارها استبعدت العقود المدلى بها بعلة إنكار البصمة من قبل المطلوب، واعتبرت علاقة الشغل قائمة بين الطالبة والمطلوب استنادا إلى شهادة الشهود المستمع إليهم خلال المرحلتين الابتدائية والاستئنافية، دون أن تلتفت إلى باقي الوثائق الكتابية المشار إليها، مع أن هذا الأخيرة تغني عن شهادة الشهود. كما أنه طبقا لمقتضيات الفقرة «ج» من المادة 477 من مدونة الشغل فإنه يمكن «تشغيل أجراء بهدف وضعهم، مؤقتا، رهن إشارة شخص ثالث يسمى «المستعمل»...» وأن المادة 495 من نفس القانون تحيل على الفقرة «ج» من نفس المادة. وبذلك فإن دور الطالبة قد انحصر في صفة مستعمل، وتبقى علاقة الشغل قائمة مع شركة «سيليكتيم»، مما تكون معه المحكمة قد بنت قرارها على تعليل فاسد، وخرقت المقتضيات المستدل بها وعرضت قرارها للنقض وأن حسن سير العدالة يقتضي إحالة القضية على نفس المحكمة». (قضاء المجلس الأعلى، العدد 71، سنة 2009، ص 394) - ما هو تقييمك لطبيعة النزاعات التي عرضت على القضاء في شأن مقاولات التشغيل المؤقت؟ ما يلاحظ أن المستعملين أصبحوا يلجؤون إلى تشغيل أجراء مؤسسة الوساطة في التشغيل بشكل دائم، وليس كحل استثنائي لوضعيات خاصة، في تحايل على النصوص المنظمة، حيث يتم إبرام عقود شغل مؤقتة يتم تجديدها مباشرة بعد انتهاء مدتها، ومن ثم انقلب الاستثناء أصلا، الأمر الذي أدى إلى انتفاء فكرة الاستقرار الاجتماعي لدى الأجراء، وزعزعة السلم الاجتماعي، الذي يعكسه حجم النزاعات والقضايا الاجتماعية من هذا النوع المعروضة على المحاكم، وهو ما حذا بالقضاء إلى ابتداع حلول تواكب تطور علاقات الشغل في هذا الصدد، وتلاحق ما يمكن أن يقع من تحايل من قبيل اعتبار هذه العقود دائمة في حالة إبرامها خارج نطاق الحالات المذكورة في المادة 496 من مدونة الشغل، خاصة إذا تتالت من حيث التاريخ. وفي نظرنا، فإن القضاء ينبغي، في حالة تخلف مبررات اللجوء إلى إبرام عقد شغل في إطار مؤسسات الوساطة في التشغيل، أن يعتبر العقد في حالة إبرامه قائما مباشرة بين المقاولة المستعملة والأجير، من جهة حتى يقطع الطريق على المشغل الذي يتحايل على النصوص بغية التهرب من تبعات عقد الشغل المباشر، ومن جهة أخرى حتى يضفي صبغة الاستمرارية على هذه العقود، بما يزكي الشعور بالاستقرار والأمان لدى الأجير، الذي يكون له ذلك حافزا على العطاء والتفاني في العمل. ما هي المسؤولية القانونية للمقاولة المستعملة تجاه أجراء مقاولات الوساطة في التشغيل؟ ينبغي التمييز في هذا الصدد بين المسؤولية المترتبة عن تنفيذ عقد الشغل أو إنهائه، وبين المسؤولية عن ضمان شروط العمل وتأمينه ضد المخاطر المحدقة بالأجير. فبالنسبة للآثار المترتبة عن تنفيذ عقد العمل أو عن إنهائه، فإن المقاولة المستعملة لا تتحمل أي مسؤولية تجاه الأجير، بالنظر إلى انتفاء علاقة التبعية بين الأجير والمقاولة المستعملة كما تقدم الحديث سابقا.في حين أنه بخصوص إجراءات الصحة والسلامة والتأمين عن المخاطر، فإن المقاولة المستعملة تتحمل المسؤولية عن كافة الأضرار التي تكون ناتجة عن العمل، بما في ذلك حوادث الطريق التي يمكن أن تقع للأجير أثناء مسافة الذهاب والإياب من مكان السكن إلى مكان العمل، أو من المكان الاعتيادي لتناول الوجبات إلى مكان العمل، المنصوص عليها في الفصل 6 من ظهير 6 فبراير 1963 المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية، عملا بمقتضيات المادة 504 من مدونة الشغل، التي تلزم المقاولة المستعملة باتخاذ كل التدابير الوقائية والحمائية الكفيلة بضمان حماية وسلامة الأجراء المؤقتين العاملين لديها. كما يقع عليها واجب تأمينهم ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية. * محام بهيئة الدار البيضاء