يُشْبه معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات "دَولة" صغيرة يتعايش فيها أفراد من جنسيات مختلفة. داخل هذا المعهد الواقع وسط العاصمة الرباط يجري تكوين الأئمة والمرشدين الدينيين المغاربة الذين تعوّل عليهم السلطات لمحاربة التطرّف في المجتمع المغربي، كما يتم تكوين مرشدين وأئمة قادمين من دول أجنبية. غداةَ التفجيرات الإرهابية التي استهدفتْ مدينة الدارالبيضاء يوم 16 مايو 2003، عمَدت الدولة إلى إعادة ترتيب أوراق الحقل الديني بالمملكة، باجتثاث الأوراق التي يتسلّل منها الفكر المتطرّف إلى عقول خرّيجي التعليم العتيق المؤطّرين للناس في المساجد. وكان معهد محمد السادس لتكوين الأئمة لمرشدين والمرشدات من ثمرات إعادة ترتيب أوراق الحقل الديني. ثمار أنشئ معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات سنة 2005، بتعليمات من الملك محمد السادس (أمير المؤمنين)، وكان الهدف الأساسي من إنشائه هو تكوين الأئمة المغاربة تكوينا مؤسّساتيا، بعدما كانَ التكوين في السابق يتمُّ على يد الشيوخ. "بعد مُضيّ أزيد من عشر سنوات على إنشاء المعهد، وتخرُّج أفواج من الأئمة والمرشدين والمرشدات منه، ظهرتْ ثمار المشروع، خاصّة أنَّ التحولات المجتمعية أضحتْ تُحتمّ تقديم إجابات على أسئلة لم تكُنْ تُطرح سابقا، وهو ما يتطلب تكوينا خاصا"، يقول مدير معهد محمد السادس للمرشدين والمرشدات، عبد السلام الأزعر، في لقاء احتضنه المعهد مساء أمس الأربعاء، في إطار الأنشطة الثقافية التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية موازاة مع الدروس الحسنية الرمضانية. إضافة إلى الأئمة المرشدين والمرشدات المغاربة، يتمّ تكوين مرشدين وأئمة من عدد من الدول الأجنبية، وخاصة الإفريقية. وكان أوّل فوج أجنبي التحق بالمعهد من دولة مالي، سنة 2013، بعدما قدّم رئيسها طلبا إلى الملك محمد السادس لتكوين أئمّة ماليّين. ولاحقا تقاطرت طلبات كثيرة من مسؤولي بلدان أخرى، لتكوين أئمّتها في المغرب، فالتحقت أفواج من غينيا كوناكري وساحل العاج وتونس وفرنسا والسنغال.. وغيرها. تكوين أساسي وتكوين مستمر يزيد عدد الأئمة والمرشدين الذين يتقلون تكوينهم في معهد محمد السادس للمرشدين والمرشدات عن 1000 طالب وطالبة. ويستغرق التكوين الذي يتلقّاه الطلاب المغاربة سنة واحدة، ويُشترط فيهم أن يكونوا حاملي إجازة جامعية، فضلا عن حفظ القرآن حفظا تاما بالنسبة للذكور، ثم يجتازون مقابلات القبول. أمّا الطلاب الأجانب فيستغرق تكوينهم مدّة أطول، إذ تمتدّ مدّة تكوين الطلاب القادمين من البلدان الإفريقية إلى سنتيْن، بيْنما يستغرق تكوين الطلاب القادمين من فرنسا ثلاث سنوات، بحيث تُخصّص السنة الثالثة لتلقّي دروس مكثفة في اللغة العربية، حتّى يكون الخرّيج مُتمكّنا منها. وفضلا عن التكوين الأساسي الذي يتلقاه المرشدون والمرشدات والأئمة الأجانب داخل معهد محمد السادس للمرشدين والمرشدات، هناك أيضا تكوين مستمر يستفيد منه الأئمة المزاولون في بلدانهم، "الذين يحتاجون فقط إلى تصحيح بعض الأمور"، حسب مدير المعهد. ويستغرق هذا التكوين ما بين 3 إلى 6 شهور. توحيد الخطاب الديني يتمثل الهدف الأساسي الذي أنشئ من أجله معهد محمد السادس للمرشدين والمرشدات، حسب مديره، في توحيد الخطاب الديني، موضحا: "هدفنا هو أن يكون الواعظ والمُرشد في الدول الإسلامية ذَا منهج موحَّد. كل مجتمع له خصوصياته، ولكنَّ الإطار العام المؤطر للخطاب الديني يجب أن يقوم على فهم سليم للدين وتبنِّي الوسطية والاعتدال". ويبْدو أنّ الطفرة الهائلة التي يعرفها مجال التواصل، وبروز وسائط جديدة سهّلت انتشار الأفكار وجعلتْها عابرة للقارات، مع استغلالها من طرف المتطرفين لبثّ أفكارهم، ضاعفتْ من الأعباء المُلقاة على عاتق المسؤولين عن الشأن الديني وكذا الأئمة المرشدين. وقال عبد السلام الأزعر في هذا الإطار: "يجب أن يكون الإمام قادرًا على الإجابة عن تساؤلات للمواطنين تتعقدّ يوما بعد يوم. هناك من يأخذ الفتاوى من وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الإمام أن يُصحّح الخطأ ويثبِّت الثابت". وأضاف الأزعر: "بعضنا، نحن المسلمين، للأسف ضيَّع وشوَّهَ صورة الإسلام، ومن الواجب على الأئمة والعلماء والوعاظ أن يعيدوا الصورة الحقيقية.. ولتحقيق هذه الغاية فإننا نربّي على أن يكون الإمام نموذجا صالحا وقدوة، سواء كان يعيش في مجتمع مسلم أو غير مسلم". سدُّ منافذ "المالي الإرهابي" وإذا كان التكوين الذي يتلقّاه الأئمة المرشدون والمشردات في المغرب كفيلا بتحصينهم من الفكر المتطرّف، فإنَّ القائمين على الشأن الديني في المملكة وضعوا نُصب أعينهم احتمال نفاذ "وباء" التطرف إلى أدمغة المتخرجين من معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، من نافذة "الحاجة إلى المال". فإذا كان خرّيجو المعهد من المغاربة يُبرمون عقودَ عمل مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للعمل في مساجد المملكة كمُرشدين، ويتلقوّن لقاء عملهم راتبا شهريا، فإنّ خرّيجي المعهد الوافدين من الخارج قد لا يتأتّى لهم الاشتغال في بلدانهم بعد التخرج؛ ولإكسابهم مِهنا تُمكنّهم من اكتساب قُوت يومهم، في حال عدم الاشتغال في مجال التأطير الديني، اقترح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إبرام اتفاقية مع معهد التكوين المهني لتحقيق هذه الغاية. ويستفيد الطلاب الأجانب، خاصة القادمون من البلدان الإفريقية، من دروس تطبيقية داخل المعهد على يد أساتذة التكوين المهني، في التكوين المهني، مثل الخياطة، والمعلوميات، وكهرباء البناء، وغيرها. "وهكذا إذا عاد الإمام إلى بلده فلديه حرفة يمكنه أن يعيش بها، حتى نقطع الطريق على المال الإرهابي. فقد يصبر الإمام ولكن قد ينهار، وبالتالي يسهُل تغيير توجُّهه إلى توجه متطرف ببعض المال"، يقول عبد السلام الأزعر. شروط الولوج قبُول الطلاب للالتحاق بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين يمرّ عبر مساطر خاصة؛ فإذا كان الشرط الأساس بالنسبة للطلاب المغاربة هو التوفر على شهادة الإجازة، بالنسبة للذكور والإناث على حد سواء، واجتياز مباراة القبول، فإنَّ الأجانب يتحتم عليهم أن يكونوا مُوفدين إما من طرف الجهات الرسمية في بلدانهم، أو من طرف الجمعيات الإسلامية التي تربطها اتفاقيات رسمية مع المغرب. الجهة التي تُوفد الطلاب القادمين من فرنسا، مثلا، هي "اتحاد مساجد فرنسا". ولا تملك إدارة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات صلاحية استقبال طلبات التكوين من الدول الأجنبية. الجهة التي لها هذه الصلاحية هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، غير أنَّ القرار النهائي بخصوص قبول أو رفض الطلبات التي تتوصل بها الوزارة إمّا من الجهات الرسمية الأجنبية أو الجمعيات الإسلامية، يعود إلى الملك. "وبعد موافقة أمير المؤمنين تكون أبواب المعهد مُشرعة أمام الجميع"، يقول عبد السلام الأزعر.