كثيرة هي القصص والحكايات التي نسجت خيوطها بين الناس حول هذا المسجد الذي شُيد في أوائل الثلاثينيات؛ فهناك من يسميه جامع "بوعَصافير"، نسبة إلى ضريح مفترض كان يحمل هذا الاسم وبُني عليه..وهناك من يسميه جامع "النّصارى"..وغيرهما من التسميات. المسجد الذي يطل على مدينة شفشاون من جهة الشرق، والذي تنغرس في جنباته ظلال الحقول، صار منذ سنوات بعيدة محجاً لمئات السياح من الداخل والخارج لتواجده بتلة مرتفعة تسمح بمشاهد بانورامية متعددة الدلالات للمدينة، أو لأخذ بعض الصور لتوثيق المكان والإنسان وملامسة لحظات الغروب.. وفي لقاء بمؤرخ المدينة والباحث في التراث ذ. علي الريسوني، أكد في ما جرى عبر امتدادات التاريخ، مستحضراً ذاكرة الزمان والمكان، أن المسجد بُني بأمر من ضابط إسباني استعماري رفيع الرتبة، كان حاكماً عسكرياً لشفشاون وإقليمها (والمسماة آنذاك منطقة غمارة) يدعى فرناندو كاباث، وكان يجيد التحدث بالعربية، وكان سمعه ضعيفاً؛ وأتته فكرة بناء المسجد من أجل إظهار تقربه إلى سكان المدينة والضواحي من المسلمين الذين بيّنوا نفورا من الاستعمار الإسباني. أمْرُهُ ببناء المسجد، يضيف المتحدث، هو شطارة، بل خدعة من كاباث للسكان، ليأخذوا نظرة حسنة عنه، وكذا لكسب ودهم وثقتهم. وتم وضع أسّ المسجد في مكان مرتفع، لم يكن فيه من قبل أي مسجد أو ضريح، بل كان مكاناً خالياً؛ وما تسميته "بوزْعافَرْ" إلاّ نسبة إلى رجل إسباني آخر كانت له شوارب طويلة، وكان مقاولا تكفل ببنائه، يزيد المصدر ذاته. واستطرد المؤرخ بالقول - وكما تشير المصادر - إن نظارة الأوقاف آنذاك كانت تؤدي للفقيه (الزنان) مكافأة عن قيامه برفع الآذان بالمسجد، لكن السكان قاطعوا الصلاة به، متهمين العسكري كاباث باتخاذه كنيسة وليس مسجداً... إذ منذ الثلاثينيات إلى الآن والمسجد مغلق لا يُصلى به؛ وقد تم ترميمه من قبل الجماعة الحضرية سنة 2007 بعدما بقي الأثر يقرأ صور الذاكرة..ذلك الأثر القريب من ضفاف وادي "رأس الماء"، وصار بالتالي موقعاً سياحياً يرمز إلى تحفة معمارية تطل على المدينة في مداها المتّسع.. وكان المسجد في فترات متباعدة أحد المسارات الأساسية ل"الهيبيز" الأجانب وغيرهم، إذ اختلطت فيه الأحلام والأجناس والأديان والحضارات، وجالت عوالمه بين مخيلة الجميع وسِير العشاق..