اختتمت المناظرة الإقليمية حول التنمية في إقليم آسا الزاك، مساء أمس، بمدينة أسا، بعد ثلاثة أيام من النقاش العمومي بقاعة الندوات بمقر العمالة، والذي كان يمتد إلى ساعة متأخرة من الليل؛ وذلك بمشاركة مسؤولين حكوميين من مختلف المستويات، من قبيل أساتذة جامعيين وخبراء وطنيين ودوليين، ومديري معاهد متخصصة، وأطر الوكالات، والمركز الجهوي للاستثمار، والمرصد الوطني للتنمية البشرية، وممثلي القطاع الخاص، وهيئات المجتمع المدني. كما شهدت المدينة، على هامش المناظرة، إقامة معرض التراث الثقافي اللامادي، نظمته مديرية التراث بوزارة الثقافة والاتصال، ومعرض الصور الفوتوغرافية بعنوان: "في الطبيعة تكمُن الأسرار"، قدم المؤهلات الطبيعية للإقليم، ونظمه المجلس الإقليمي لأسا الزاك، بالإضافة إلى معرض المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الذي قدم حصيلة منجزات المبادرة بالإقليم؛ فضلا عن معرض القافلة الوطنية للتربية على البيئة، الذي نظمته كتابة الدولة للتنمية المستدامة، على هامش الدورة الجهوية لتكوين المكونين على التربية البيئية. وحيث إن الاستثمار في العنصر البشري المحلي بات يشكل عنصرا أساسيا من عناصر التنمية، نظمت على هامش المناظرة ثلاثة تكوينات متخصصة، نشطها خبراء ومدربون مغاربة من مستوى عالٍ، شملت تقنيات جرد وتصنيف التراث المادي واللامادي، والتدريب على الحكامة المجالية، واكتساب مهارات التكوين بالتدرج. وبعد الاستماع إلى ما يُقارب أربعين مداخلة، وُزعت على أربع جلسات، شملت العروض والمحاضرات والتعقيبات؛ فضلا عن تسع كلمات رسمية أثثت مشهد اليوم الأول، إلى جانب عشرات المشاركات المُهمة التي ميزت الورشات التكوينية، وتناولت جميعها بالنقاش والتحليل محاور المناظرة، أكد المشاركون على أهمية عقد المناظرة، لكونها شكلت فضاء مناسبا للحوار والنقاش والتفاعل البناء مع قضايا التنمية، كما هي على أرض الواقع، وكما تعكسها الأرقام والمؤشرات ونقلتها شهادات كافة المتدخلين من أبناء الإقليم. وثمن المشاركون التوجه الذي اختارته السلطات الإقليمية والمنتخبة لإقرار مخطط التنمية الإقليمي لآسا الزاك وفق أولويات مُحدَّدة، وما يطبعه من روح الالتزام بأهداف المخططات التنموية العامة للمملكة المغربية، في ما يتعلق على الخصوص باحترام البيئة وحماية النُّظم الطبيعية والحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي للإقليم ضمن النسيج الحضاري الوطني. وأعلن المشاركون جعل مدينة آسا حاضرة مستدامة خلال العام 2018، وذلك رغبة في مصالحة المنطقة مع محيطها الحيوي، وجعل النظم البيئية والطبيعية رافعة للتنمية تتطلب انخراط القطاعات المعنية لأجرأة البرامج الخاصة بهذا الإعلان، في ضوء مضامين الميثاق الإقليمي للبيئة والتنمية المستدامة الذي وقعه بآسا رؤساء الجماعات الترابية يوم 03 مارس 2017. كما أكد المشاركون في المناظرة على سلامة التوجه المُعلن بإحداث نواة قطب جامعي يقدم لطلبة الإقليم تكوينات متخصصة في المجالات ذات الأولوية للتنمية، كالسياحة الإيكولوجية وتثمين التراث الثقافي المادي واللامادي، والنظم البيئية وتشجيع الاستثمار في تقنيات التبريد، والطاقات المتجددة وصناعة السينما، وهي كلها مجالات يمكن أن تشكل حافزا للاستثمار الذي يراعي خصوصيات الإقليم في إطار برامج التنمية الجهوية والوطنية. وحث المشاركون في المناظرة على أن يكون مخطط العمل الخماسي للتنمية في إقليم آسا الزاك 2017-2022 نابعا من البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ينتمي إليها، ويُراعي خصوصيات ويستجيب لحاجيات سكانها، بجدية وواقعية، ويضع لنفسه أسبقيات تفرضها تدفقات التمويل التي يمكن تعبئته لتنفيذ البرامج والمشاريع التي يجري وضعها في القطاعات التي تم حصرها وتشكل أولوية بالنسبة للإقليم. آسا .. مدينة تحاول أن تنهض من سباتها تحاول النخب المحلية في إقليم آسا الزاك أن تجعل لنفسها دينامية خاصة، وذلك في سبيل المساهمة في الرفع من وتيرة النمو والحد من معدلات الفقر والبطالة التي تقارب نسبة 40 في المائة من السكان البالغ عددهم حوالي 44 مليون نسمة. وللحد من البطالة والظروف الاجتماعية والبيئة القاسية، تراهن سلطات الإقليم على ما يُمكن أن تُدره برامج التنمية المستدامة في إطار المخطط التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، وهو المخطط الذي أعلنه الملك محمد السادس من العيون بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، من فرص تساعد على تحسين عيش السكان في هذه الربوع التي تشهد عزلة خاصة، فرضتها عوامل الطبيعة والمناخ شبه الصحراوي. واستبشر السكان خيرا بإعلان وزارة الثقافة في فاتح مارس الماضي قبول تسجيل زاوية آسا وموسمها "ملكَى الصالحين" في الموقع الرسمي لمواقع التراث للامادي الوطني، ما سيفسح المجال أمام فريق العمل الذي شكله المجلس الإقليمي لآسا الزاك بالتعاون مع مصالح مديرية التراث لتحضير ملف الاعتراف بهذا التراث عالميا لدى "اليونيسكو". وفتحت موافقة المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر على اتفاقية إنشاء منتزه "درعة – واركزيز – لبطانة" أملا كبيرا أمام السكان، الذين يعيش غالبيتهم على أنشطة الرعي، لتطوير أنشطة أخرى في مجالات السياحة الإيكولوجية وسياحة البادية وغيرها. واستقطب الإقليم في الآونة الأخيرة العديد من البعثات العلمية التابعة لجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، التي ساهمت في إنجاز بعض الدراسات التقنية لفائدة مشروع القرية الإيكولوجية البيرات، والمعهد العلمي التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي يحاول بعث مشروع مركز الدراسات شبه الصحراوية لعوينة توركز من رماده. أما جامعة ابن زهر بأكادير فقد وافقت على المساهمة في إحداث مركز للبحث الجامعي في تخصصات مختلفة يفتح المجال فيما بعد لخلق قطب جامعي في تكوينات من مستوى الإجازة المهنية والماستر في مجالات السياحة والطاقات المتجددة، والنظم الطبيعية والبيئية الصحراوية، ومهن السينما. ويأتي الإعلان مؤخرا بمناسبة انعقاد المناظرة الإقليمية للتنمية البشرية عن جعل آسا مدينة مستدامة في العام 2018 ليطرح فرصة أمام السلطات المنتخبين لجلب الاستثمارات الموجهة لهذا القطاع، تنخرط فيها المؤسسات الحكومية والخاصة، لتطوير منتج يساهم في خلق الثروات على المستوى المحلي. من جهة أخرى يسعى مسؤولو المدينة إلى استقطاب أكبر عدد من الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية، التي ستشكل مجالا مشغلا لعدد من الكفاءات المحلية في التخصصات المرتبطة بهذه الصناعة، وذلك بعد نجاح تصوير مسلسل "غزي إنيمش" الذي سيُعرض على شاشة تلفزيون العيون في شهر رمضان المقبل. ويتطلب هذا الأمر، حسب رأي أستاذ جامعي ينحدر من المدينة، بذل الجهود الكافية لتأهيل بنيات استقبال الضيوف والسياح، والرفع من عدد الأسرة في الوحدات الفندقية ودور الضيافة، وتحسين سبل الولوج إلى أماكن التصوير التي تتواجد عادة في مناطق بعيدة عن المسالك الطرقية التقليدية.