على بُعد بضع خطوات من الثانوية الإعدادية "الإمام علي"، في مقاطعة أكدال بمدينة فاس، يوجد مقهيان لتدخين الشيشة. تلاميذ المؤسسة التعليمية يشاهدون كلّ يوم الوالجين إلى هذين المقهيين، "ولا شكّ أنهم سيصيرون بدورهم من زبنائهما ذات يوم"، يقول أحد أبناء مدينة فاس. في "العاصمة العلمية" للملكة أضحى انتشار مقاهي الشيشة، التي تشتغل ليلا ونهارا، ظاهرة مُلفتة للانتباه. ففي مقاطعة أكدال وحدها، يوجد أكثر من 60 مقهى لتدخين الشيشة، بحسب مصدر مسؤول من المقاطعة، أمّا عددها في أحياء باقي مقاطعات مدينة فاس فلا يُعدّ ولا يُحصى. ثمّة قاسم مشترك يوحّد جميع مقاهي تدخين الشيشة في العاصمة العلمية، وهو أنّ أبوابها الزجاجية تظل مُوصدة ولا تنفتح إلا عندما يلجُ زبون أو يخرج، لكنّها، وإن كانت زجاجية، إلا أنّها من النوع الذي يمنع الرؤية من الخارج. أوَّل سؤال يطرحه الوالج إلى مقاهي الشيشة بفاس هو مدى التزام أصحابها بالقانون المؤطر لإنشاء المقاهي. الجوّ في هذه الأمكنة فاسد وملوث بسبب الأدخنة التي تنفثها الأفواه وغياب التهوية، وهذا ما عاينتْه هسبريس في زيارتها إلى عدد من مقاهي الشيشة بفاس. لكنّ السؤال حول مدى توفّر هذه المقاهي على الشروط الكفيلة بضمان السلامة الصحية لزبائنها يظلّ أهون من سؤال أكبر يطرحه الفاسيون ويقضّ مضجعهم، ويتعلّق بكون مقاهي الشيشة بمدينتهم تشكّل خطرا متربصا بالليل والنهار بأخلاق فلذات أكبادهم؛ ذلك أنها تشهد ممارسات مخلّة بالآداب. لا تختلف الأجواء داخل المقاهي التي زُرناها... موسيقى غربية أو شرقية تتفاوت قوّتها حسب رغبة الزبناء.. شباب في مقتبل العمر متحلّقون حول طاولات ينفثون سُحبا من الأدخنة في الهواء، وشابّات شبه عاريات يجلسن مثنى وفرادى، في انتظار "إشارة" من مكان ما... وفق تصريحات متطابقة استقيناها من عدد من أبناء مدينة فاس، ثمّة إجماع على أنّ مقاهي الشيشة التي تتناسل في مدينتهم كالفطر، ليست مخصصة لتدخين الشيشة وحدها، بل تُدخّن فيها المخدرات، وتُمارَس فيها سلوكات منحرفة؛ والمثير أنّ كثيرا منها يوجد تحت عمارات سكنية. "إنها بُؤَرُ فساد"، يقول الحاج العبدلاوي، رئيس مقاطعة أكدال بفاس، في تصريح لهسبريس، مضيفا أنّ أصحاب مقاهي الشيشة يواجهون أيّ لجنة تُرسل إلى معاينة هذه المقاهي "بما يشبه العنف، بل إنهم يتحدّوننا ويُعيدون فتْح المقاهي التي تصدر قراراتُ بإغلاقها". قبل صدور قرار الإغلاق، يتم إنذار صاحب مقهى الشيشة، مرة أولى وثانية وثالثة، وفي حال رفض الامتثال للإنذارات الموجهة إليه، تتولّى لجنة خاصة تفعيل قرار إغلاق المقهى وتشميعه، بحضور السلطات، "لكنّ بعض أصحاب المقاهي يتحدّوننا ويُعيدون فتح محلاتهم"، يقول رئيس مقاطعة أكدال. في فاس يتساءل الناس عن الجهة، أو الجهات، التي تحمي أصحاب مقاهي الشيشة في مدينتهم، وتجعلهم يتصدّون للقرارات الصادرة عن المقاطعات الواقعة محلاتهم في نفوذها الترابي، بل إن منهم من يُعيد فتحها بعد تشميع أبوابها، رغم أن هذا الفعل، بحسب العبدلاوي، يُعدّ جنحة يعاقب عليها القانون. المقاومة التي يُبديها أصحاب مقاهي الشيشة إزاء قرارات الإغلاق التي تصدر في حقهم مردّها إلى أنّ هذه المقاهي توفر لأصحابها أرباحا طائلة؛ ذلك أنّ جلسة واحدة لتدخين الشيشة تكلّف الزبون 100 درهم على الأقل، أما إذا تناول مشروبا فالكلفة ترتفع أكثر، وترتفع معها أرباح أصحاب المقاهي بالتالي. وتُعدّ مقاطعة أكدال، إضافة إلى مقاطعة سايس ومقاطعة المرينيين، من أكثر المقاطعات التي تنتشر فيها مقاهي الشيشة بفاس، ويمكن أن يصل عدد المقاهي في شارع واحد إلى سبعة مقاهي، كما هو الحال في شارع الشفشاوني. وفيما تتوالى دعوات ساكنة العاصمة العلمية إلى السلطات لمحاربة ظاهرة انتشار مقاهي الشيشة في مدينتهم، يظهر أنّ جهات "تتواطؤ" معهم. وفي هذا الإطار، يطرح رئيس مقاطعة حسان علامة استفهام بقوله: "لا أدري لماذا حين نشكّل لجنة لمعاينة مقاهي الشيشة، ونُخبر السلطات، نتفاجأ بأنّ خبَر المعاينة سبقنا إلى آذان أصحاب المقاهي، فيعمدون إلى إغلاق محلاتهم؟" مضيفا: "فاس لا تستحقّ هذه الوضعية".