- برلمان بلا أفق! ما زال على نهج من كانوا فيه، منذ عقود.. هم نظروا لفساد البرلمان.. نظروا لإبقائه ديكورا للعبة الديمقراطية.. وإلى الآن، هو على نفس الحالات السابقة.. مجرد ملتقى للأثرياء والأعيان والعائلات التي تصنع القوانين وتحمي ثرواتها... لو كان البرلمان يقوم بالواجب المنوط به، بجد وحزم، لكانت الرؤية مشرقة.. ولكانت الحالة الاجتماعية في البلاد قد استقامت.. ولكان الفساد قد زال.. لكن هذا البرلمان ضعيف، بلا رؤية واضحة، وبلا مواقف جادة، حازمة، صارمة.. وهو لا يراقب، ولا يصحح، ولا يضغط... - "يشتغل" على هوى الحكومة.. وما تريده الحكومة هو ما يفعل.. وهنا أيضا يلتقي هزيل بهزيل.. وخلفهما أصابع تحرك الخيوط، لمراقبة انتصار الهزل على الجد.. وهكذا تنتصر ارتجالية القرارات.. ولا أحد منهما يلتزم التزاما بالدستور.. والدستور، في مادته 70، يحدد دور البرلمان في سن القوانين، والتصويت على تطبيقها، وأيضا مراقبة عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية.. - ولا انسجام، من حيث المراقبة، في العلاقات بين البرلمان والحكومة، ولا ثقة.. ولا مسؤولية في مستوى المسؤولية.. الحكومة تفعل ما تشاء.. والبرلمان يصوت.. وخلفهما من يحركون الخيوط.. وهذا ما أدى إلى انتفاضات الشارع.. وحراكات شعبية تندلع هنا وهناك، ترفع العلم الوطني، وتضرب "الطر" للبرلمان والحكومة والجماعات والأحزاب.. ويزداد الوضع تعقيدا مع ما نحن فيه من غياب شبه تام لتواصل وحوار في مستوى نباهة الشارع المغربي.. وهذه الحال أدت لميلاد نبضات مشتركة يمكن تسميتها "برلمان الشارع".. وهذا الشارع واقف حاضر في كل مكان.. لا يكل ولا يمل.. وما زال "برلمان الشارع" في حالة "كر وفر"، دفاعا عن مظلومين ومقهورين.. وكثيرا ما يؤدي ثمن الجهر بالحقيقة.. ليست له مطالب ذاتية.. مطالبه عمومية مشروعة.. - وأصبح هو القلب النابض للمجتمع.. نشطاؤه يلتقون في شوارع البلد، وينطلقون في تسخين "الطرح".. ثم يرفعون وتيرة التسخين.. ويضربون "الطر" من جديد لأغلبية قابعة في "برلمان الأثرياء": "مجلس النوام".. وهذا معروف بإنجاز بارز: "مراحيض فخمة" من فئة 5 نجوم! ويواصل الشباب ضرب "الطر" على إيقاع أسرع وأدق وأسخن، و"بنظام وانتظام"، من أجل "عدالة اجتماعية" حقيقية.. ويرددون كلاما موزونا، مقفى، عميقا، هادفا.. أمام الطالعين والهابطين، وأنظار "الأجهزة" الحاملة للهراوات، والأخرى المتسلحة بالهواتف، والأوراق، والأقلام، و"التعليمات".. شباب "برلمان الشارع" يواصلون الاحتجاجات، وعيونهم أيضا على السيارات الرسمية الواقفة على الرصيف، ويتساءلون بمنطق حسابي: "كم هي الميزانية التي تصرفها الدولة على قمع الحقوق؟ ألم يكن أجدر أن تذهب هذه الميزانية إلى التعليم والصحة؟".. وترتفع الأصوات رافضة للظلم الاجتماعي، وغلاء المعيشة، وانسداد آفاق الصحة، والتعليم، والشغل، وكل ما هو عدالة اجتماعية.. "برلمان الشارع" أصبح هو الناطق باسم فئات عريضة من المجتمع.. يركز في "مرافعاته"، على هموم الوطن والمواطنين.. والجموع الشعبية على الرصيف، تسمع وتشاهد "ممثلي الأمة" الحقيقيين، وهم في وقفاتهم السلمية المتحضرة، يطالبون بالحقوق الاجتماعية المشروعة.. ووقفات "برلمان الشارع" ليست موسمية، وليست مقابل رواتب وعلاوات وصفقات... هي تطوعية.. ومن أجل الصالح العام.. صارخة تنبع من القلب، وتدخل إلى القلوب.. ويخطىء من يحسب أن "برلمان الشارع" لن يحقق مطالب للفئات الاجتماعية المقهورة.. قوة "برلمان الشارع"، بكل تنويعاته، تكمن في نفسه الطويل.. وقدرته على الاستمرارية.. ومواصلة الكفاح من أجل "عدالة اجتماعية" كاملة، غير منقوصة.. - دخلت المظاهرات الاجتماعية في "إصرار استنزافي"! والاستنزاف حالة اضرارية قصوى، بسبب "الأبواب المسدودة"! والمطالب ليست وحدها قوية بخطابات "ممثلي الأمة"، في الشارع العمومي.. القوة الخلفية تكمن أيضا في الصدق، وفي اللاطمع، وعدم انتظار شيء من جيوب أحد.. هم يكافحون من أجل "عدالة اجتماعية" لكل فسيفساء البلد.. الجميع بدون استثناء.. وبدون أي ثمن.. - لا ريع ولا هم يحزنون! ولا يمكن لهذه الصرخات الاجتماعية، الصاعدة من الأعماق، في "برلمان الشارع"، إلا أن تنتزع الحقوق كاملة ممن لا يريدون لبلدنا إلا مزيدا من التفقير والتهميش.. شبابنا لا يفقدون الأمل.. كل يوم جلسات ووقفات، بشارع محمد الخامس، أمام تلك البناية الشاهقة التي بناها "ليوطي" والتي يحلو للبعض أن يسميها: "برلمان المخزن".. هل ماتت أحلامنا في برلمان حقيقي؟ وحكومة حقيقية؟ ومؤسسات وإدارات...؟ هل دخلنا في عصر لن تحكمه إلا الأبناك، عن طريق برلمانات مصطنعة، وحكومات مفبركة، وأحزاب ونقابات ما هي إلا تكتلات "عائلية"، وشبكات وعصابات؟ لا ثقة ولا أمل في "برلمان" هذه هي حاله.. ولا في "حكومة تتاجر في دين الله".. المحتاجون يقال لهم: "حقكم في الجنة، وسوف تحصلون عليه بعد أن يزوركم عزرائيل!".. كل الأحزاب تتكلم بنفس المعادلة: "الآخرة للفقراء.. والدنيا للأغنياء"! وإلى هذه الشعارات الإيديوجية التضليلية، ينضم كشكول من الطبالة والغياطة، لتعليم الفقراء كيف يقبلون واقعهم المزري، وكيف يكونون خدمة طيعين لمالكي الشركات العملاقة، وكيف يحصلون على "متاع الدنيا" بمزيد من الخنوع والانبطاح.. وواضح إذن، أن "الحكومة المتأسلمة الثانية" لن تفك التعقيدات الاجتماعية في بلدنا.. وأنها سائرة في اتجاه رمي "الكرة الملتهبة" إلى أطراف أخرى.. الحكومة الحالية كالسابقة.. كلتاهما تتشابهان تماما.. - ولا مجال لحل مشاكل البلد.. وتبقى الحكومة الجديدة مجرد "مناصب عليا"، مفبركة لتضييع الوقت، والإسراع بتمكين مواقع الهيمنة الاقتصادية لشبكة من لصوص البلد.. إنها صورة "طبق الأصل" من "الظاهرة البنكيرانية".. وهذا ما تعيه شوارع الاحتجاجات.. وهذه الشوارع تنطلق كل يوم في "مسلسلات احتجاجية"، وكالعادة سلمية مسالمة، للمطالبة بحقوق المواطنين في عيش كريم، والحقوق التعليمية والصحية، ومحاسبة مسؤولين حكوميين سابقين، وكذا كبار لصوص البلد، بدل التواطؤ معهم بشكل أو بآخر.. ولا يجوز الاستمرار في طريق غير سالكة: البلد يتطلع إلى أعلى، بينما حكومة "الانتهازية" تدفع إلى أسفل.. - ألم ينته زمن العبث بالمسؤوليات!؟ على الأحزاب "المتسللة" إلى الحكومة الجديدة أن تعي أن وقتها قد مضى.. ولا جدوى من النفخ فيها.. ووقت "الحياة المصطنعة" انتهى.. واليوم نحن بمفترق طرق.. إننا في زمن "نهاية الأحزاب" في بلدنا.. ماتت الأحزاب! والشوارع تشكل، بحراكها السلمي التصحيحي البناء، أكبر حزب، وهو "حزب الشارع" الذي سيتمخض عنه برلمان وحكومة ومجالس.. حزب الشارع يتحرك في اتجاه التصحيح.. يتحرك بأمن وأمان، محافظا على المكتسبات الوطنية، سائرا في شوارع البلاد، منتقدا ما يجب انتقاده، ومبتكرا لأفكار حضارية، من أجل المشاركة في بناء بلدنا الغالي، ومن خلاله بناء المؤسسات، للوصول إلى "حكومة النزاهة"! والطريق يا إخوتي ليست يسيرة.. الطريق تتطلب كثيرا من الحكمة في أسلوب التواصل مع حساسيات البلد.. وعندنا حساسيات.. وأيضا عقلاء كثيرون.. وحكماء لا يريدون لبلدنا إلا كل خير.. الخير في الأفكار، والتفاعل، والسلوك المسالم، في اتجاه بناء "دولة المؤسسات".. إن الأحزاب عندنا كثيرة، وفي نفس الوقت تفسد ولا تصلح.. ومن يأخذ زمام الإنتاج الفكري، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، هو حزب واحد لا شريك له.. إنه حزب الشارع.. والشارع عندنا به نعتز.. ونعتز بشبابنا الذين يقودون هذه المسيرات التوعوية بروح الانضباط والاحترام، ووطنية، وبحماية لكل ما على جنبات شوارع الاحتجاجات.. شباب ناضج، وطني، لا يريد لبلدنا إلا الاستقرار الإيجابي الفعال.. ولا يريد لإداراتنا إلا أن تقوم بدورها الأساسي وهو خدمة المواطن.. ولا يمكن الاعتماد على أحزاب فاسدة، لبناء مؤسسات نزيهة.. الفساد لا ينتج إلا فسادا.. و"أحزاب الريع" ما زالت متمسكة بجاه وثروات، على أساس نهب ثروات البلد، والاستيلاء على أراضي الفقراء.. ولا تعي أن مغرب اليوم ليس نسخة من مغرب الأمس.. مغرب اليوم لا يقبل بغير الحداثة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. مغرب اليوم لا يقبل "تجار الدين" ولا أيا من المهربين، وأباطرة العقار والمخدرات.. - وأباطرة الرشوة! إنه "المغرب الجديد" شامخ في شرايين بنات وأبناء "برلمان الشارع".. الشارع المغربي متحضر.. مسالم.. لا يقبل من يدمرون ويخربون ويعبثون.. الشارع المغربي مصر على مناهضة الفساد المتستر في شرايين أحزاب فاسدة.. أحزاب تصنع برلمانا من النوع الذي نرى.. وحكومة من الشكل الذي نرى.. وجماعات محلية وجهوية من النوع الذي نرى.. شوارع "المغرب الجديد" لا تقبل بغير "سياسة القرب" من المواطن.. - لا للقرب الشكلي! بل القرب الحقيقي الذي يجب أن يكون ملموسا في كل الإدارات، وبدون استثناء.. وهذا القرب المطلوب تطبعه روح المسؤولية والنزاهة والعمل.. ثم العمل.. بلدنا بحاجة إلى عمل.. وكثير من العمل الجاد.. وحكومة لا تعمل، ولا تنتج أعمالا، هي حكومة لفظية، ولا علاقة لها بالواقع.. ولا تتنبه لما هو آت لا محالة، إذا استمرت هذه السلوكات السلبية.. والبديل موجود في شوارع السلام.. والاحترام.. والوطنية.. والصدق.. "برلمان الشارع" فيه كفاءات.. تتسم بروح المسؤولية.. والصدق.. وحب الوطن.. وحب المواطن.. والمصلحة العامة.. - في ربوع "المملكة المغربية"! [email protected]