فقدت اشريفة العروسي، العجوز البالغة من العمر 87 سنة، القدرة على الحركة والنطق بعد أن بلغ إلى علمها أن سلطات الدارالبيضاء تستعد لطردها من بيتها الكائن بحي "درب جران" بالمدينة القديمة، والذي قضت به 70 سنة من عمرها رفقة زوجها الراحل وأبنائها الأربعة، وترحيلها إلى مركز الرعاية بتيط مليل، وحرمانها من حقها في الحصول على بقعة أرضية الذي انتظرته لأزيد من 25 سنة، في إطار برنامج ترحيل وإعادة إسكان قاطني المدينة القديمة بالدارالبيضاء. لم تعد "مي اشريفة" تملك سوى البكاء ليل نهار وتمني نفسها بمعانقة الموت قبل أن تغادر بيتها، الذي قضت به عمرها وربت فيه أبناءها الأربعة، ذليلة صوب مركز تيط مليل، وأصبحت تتوجس شرا كلما سمعت طرق الباب، بعد صدور حكم قضائي بإفراغها من بيتها المسجل في سجلات البيوت الآيلة للسقوط بعمالة آنفا، ورفض سلطات المنطقة تسليمها بقعتها الأرضية وتأخير مشاركتها في عملية القرعة، رغم إدراج اسمها ضمن قائمة المستفيدين. وتشعر "مي اشريفة"، التي يتذكر أبناؤها حكاياتها التي تفتخر فيها بقصص المقاومة ضد الحماية الفرنسية التي كانت تشهدها المدينة القديمة بمشاركة ساكنتها البيضاوية، بالكثير من الغبن وهي ترى أنها حرمت من حقها في الوقت الذي تجبر فيه على مغادرة منزلها وهي في حالة صحية يرثى لها، مع أبنائها واحدة منهم مصابة بإعاقة عقلية. قامت ابنتها نادية، التي تعيل هذه الأسرة المعوزة، بتقديم الماء لوالدتها المسنة، قبل أن تعيدها إلى فراشها لتسترخي قليلا، قبل أن تقول لهسبريس: "أمي قضت شبابها وشيخوختها في هذا البيت، الذي يحتضن ذكرياتها منذ اليوم الأول من زواجها بوالدي رحمه الله، وقبل سنوات حلت لجنة من عمالة أنفا وصنفت هذا المنزل ضمن البيوت الآيلة للسقوط، وتم تسجيل اسم والدتي في لائحة المستفيدين؛ لكن منذ سنتين أو ثلاث سنوات رفع ورثة صاحب البيت دعوى قضائية لإفراغ أسرتي، بالرغم من أن البيت متداع للسقوط، وقدمنا جميع الوثائق التي تثبت هذا الأمر؛ لكن لا حياة لمن تنادي". وتضيف نادية: "نحن نريد فقط أن يتم إنصاف والدتي المسنة، وأن يمتثل قائد المنطقة للقانون، وأن ينفذ أوامر عامل آنفا الذي طلب منه إنصاف والدتي العجوز منذ أزيد من أربعة أشهر". ويأتي ترحيل الأسر المقيمة في المدينة القديمة في إطار مواصلة تنفيذ مشروع "المحج الملكي" المطلق من طرف الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1992؛ وهو مشروع يهدف إلى ربط مسجد الحسن الثاني بساحة الأممالمتحدة وسط المدينة، مع إنجاز مراكز للأعمال ومشاريع عقارية. وفي إطار برنامج ترحيل سكان المدينة القديمة المعنية بالمشروع، جرى في سنة 1996 ترحيل ما يناهز 350 عائلة إلى حي النسيم من لدن شركة صوناداك، ليصل عدد الأسر المرحّلة إلى هذا الحي حوالي 2500 أسرة من أصل 12 ألف أسرة جرى الاتفاق على ترحيلها.