كشفت مأساة المدينة القديمة بالدار البيضاء، حيث لقي 5 أشخاص مصرعهم حينما انهارت 3 منازل بدرب سيدي فاتح الأسبوع الماضي، (كشفت) مرة أخرى عن الأوضاع الصعبة التي تعيشها المدينة العتيقة، وما تشكله البيوت والمنشآت الآيلة للسقوط بالعاصمة الاقتصادية من خطورة تخلفها انهيارات المباني التي تعرف تصدعات، بسبب عوامل متشابكة، لها علاقة بالوضعية العمرانية. والحالة هذه، لا ينبغي استبعاد الأسوأ، ثم ترديد كلام يحيل أسباب الفاجعة للسكان الذين رفضوا إخلاء الدور المهددة بالانهيار، بل إن جزءا من المشكل يعود إلى عدم حزم السلطة المحلية في الاستقرار على معايير واضحة في الاستفادة من السكن، كما أن المتابع لقصة البيوت «الآيلة للسقوط» بالدار البيضاء، يمكن أن يتبين أن المشكلة كلها تكمن في أن الموازنة المحددة لإعادة إسكان قاطني هذه البيوت أو إخضاعها للصيانة والترميم قصرت، فتباطأ التنفيذ وتوقف وبات المشروع برمته آيلا للفشل، ليبقى السؤال المقلق: ما هي آلية التدخل لطي صفحة الدورالآيلة للسقوط بالدارالبيضاء بشكل نهائي؟. الصورة بلغة الأرقام يواجه مدينة الدار البيضاء امتحان معالجة مشكل الدور الآيلة للسقوط، التي تضاربت الأرقام بشأن عددها. وصلت 7000 بحسب ما أورده علال السكروحي العامل السابق ومدير الوكالة الحضرية للدار البيضاء في عرض بمجلس المدينة في الولاية السابقة. وقال وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة نبيل بنعبد الله، في معرض رده على سؤال شفوي بمجلس النواب حول «الدور الآيلة للسقوط»، أن مدينة الدار البيضاء يوجد بها 4000 مسكن مهدد بالانهيار بدرجات متفاوتة، مشيرا إلى أن هذا الرقم قابل للارتفاع. فيما كشفت دراسة تم إنجازها من طرف لجن مختصة بدار الخدمات بالدار البيضاء، حول «إشكالية الدور المتداعية والآيلة للسقوط في مدينة الدار البيضاء» بناء على معاينات اللجن وشكايات الملاكين وشكايات القاطنين، أن عدد الدور الآيلة للسقوط بتراب مدينة الدار البيضاء يبلغ حوالي 2870 بناية، ويبلغ عدد الأسر القاطنة بها، حوالي 72 ألف أسرة، 90 في المائة منها تقطن في عمالات مقاطعات الدار البيضاء -آنفا، والفداء -مرس السلطان وعين السبع -الحي المحمدي. 1874 بناية بمقاطعات الفداء - مرس السلطان الدور الآيلة للسقوط بالدار البيضاء توجد بشكل كبير، في عمالات مقاطعات الفداء -مرس السلطان ب 1874 بناية، بنسبة 65 في المائة. وتشير الإحصائيات حول البنايات الآيلة للسقوط، على مستوى العمالة، إلا أن قرارات الدور الآيلة للسقوط المصادَق عليها في مقاطعة مرس السلطان تصل إلى 551 قرارا، فيما يصل عدد البنايات التي هي في حاجة للترميم والتقوية إلى 636 بناية، أما البنايات التي تحتاج إلى إجراء خبرة فيصل عددها إلى 224 بناية. وعلى صعيد مقاطعة الفداء، فإن الدور الآيلة للسقوط، التي صدرت في حقها قرارات، يصل عددها إلى 593، فيما توجد حوالي 828 بناية في مقاطعة الفداء في حاجة إلى الترميم أو التقوية.وصنفت الدراسة حوالي 10 أحياء بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان ضمن الأحياء المتلاشية، توجد 7 منها في مقاطعة مرس السلطان و3 في مقاطعة الفداء، وتضم 38 ألف أسرة، أي ما يناهز 50 في المائة من السكان. 905 مسكنا بمقاطعات الدار البيضاء –آنفا على صعيد عمالة مقاطعات الدار البيضاء –آنفا، فيوجد 905 مسكنا مهددا بالانهيار، بنسبة 32 في المائة. وتخص قرارات الدور الآيلة للسقوط والمصادَق عليها 492 بناية، منها 480 في مقاطعة سيدي بليوط و3 في آنفا و9 في المعاريف، إذ تتصدر ملحقة مولاي يوسف القائمة ب177 بناية، تليها ملحقة للاياقوت ب 133 ثم ملحقة موسى بن نصير، فيما سجلت اللجنة أن البنايات التي هي في حاجة إلى الترميم أو التقوية، تناهز 100 في سيدي بليوط و16 في آنفا و35 في المعاريف... 91 منزلا بقاطعات عين السبع -الحي المحمدي وتهم البنايات الآيلة للسقوط على صعيد عمالة مقاطعات عين السبع -الحي المحمدي 91 مسكنا، موزعة بين 13 بناية في مقاطعة الصخور السوداء و12 في عين السبع و66 في الحي المحمدي. عمر البنايات يتجاوز 50 سنة سجلت اللجنة التي تشرف على هذا الملف بالدار البيضاء، صعوبة تنفيذ القرارات الخاصة بهدم الدور الآيلة للسقوط، إما بسبب رفض صاحب الملك أو رفض السكان (المكترين) أو عدم توفر الإمكانيات المالية والتقنية اللازمة لتنفيذ تلك العمليات. ومن بين الملاحظات المسجلة حول إشكالية المنازل المهدَّدة بالسقوط، وجود كثافة سكانية كبيرة تصل في بعض الأحيان إلى 2000 نسمة في كل هكتار، حيث يتم استعمال منزل مخصص لأسرة أو أسرتين من طرف أكثر من 5 أسر، إضافة إلى مشكل الوعاء العقاري (بقع أرضية جد صغيرة، ملك خاص أو ملك جماعي). وأرجعت الدراسة أسباب ارتفاع وتيرة الانهيارات إلى تآكل دعامات تلك البنايات وتسرب المياه العادمة ومياه الشرب والمياه الشتوية داخل الجدران وتأثير العوامل المناخية وضعف مواد البناء المستعمَلة سابقا، إضافة إلى تغييرات عشوائية، دون مراعاة ضوابط البناء وانعدام تصاميم الخرسانة المسلَّحة والصيانة. هذا، وقد كشفت دراسة تشخيصية للوكالة الحضرية بمدينة الدار البيضاء، لوضعية المدينة القديمة (تأوي 55.852 من الساكنة)، وأن 79 بالمائة من الساكنة، يقطنون بمنازلهم لأكثر من 50 سنة، و19 في المائة منهم ما بين 20 إلى 49 سنة، و1 في المائة ما بين 10 إلى 19 سنة. مشيرة إلى أن وضعية المنازل التي أنشأت ما قبل القرن 19 في حالة مزرية جدا. المحج الملكي المشروع الذي لم يكتمل.. أعاد حادث انهيار 3 منازل بالمدينة القديمة، إلى الواجهة مشكل ما أصبح يعرف «بإيواء ساكنة المحج الملكي»، الذي لم يبارح مكانه منذ 22 سنة، في غياب مقاربة محلية لإيجاد مخرج للمشكل. واليوم، بعد فاجعة 17 ماي الأخيرة، والتي شكلت امتدادا لفواجع سابقة، لا زال ضحاياها مشردون تزدحم بهم خيام الإيواء بمحاذاة مكتب معارض الدارالبيضاء، وأخرى تقضي لياليها في العراء. يطرح ملف تهييئ مشروع شارع «المحج الملكي»، (الذي سيربط مسجد الحسن الثاني بساحة الأممالمتحدة والبنيات التحتية المقرر إحداثها والتي تشمل عدة أحياء شعبية بالمدينة القديمة) من جديد على طاولة النقاش، وهوالملف الذي واجهت به الشركة الوطنية للتهيئة الجماعية (صونداك)، عراقيل في عملية إعادة إسكان قاطني هذه المناطق على شكل أشطرمن جهة، وإحصائيات المستفيدين المتضاربة من جهة أخرى. الشركة تعتمد على إحصائيات سنة 1989، والساكنة تتمسك بعدد أعلى. وإزاء هذا الوضع تباعدت الهوة واستعصى إيجاد حل يرضي الطرفين، ومع إعلان إفلاس الشركة ازداد المشكل تعقيدا. عندما تم تحويل الملف إلى الشركة العامة العقارية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، وجدت أمامها إرثا معقدا، بنت دراستها على إحصاء مرت عليه عشرون سنة، بعد أن ازداد عدد السكان، ومع طرحها لمقاربة التعويض المادي مقابل الاستفادة من السكن، كان الاقتراح مثار سخط شعبي لساكنة المنطقة، ومنذ ذاك الحين لم يبارح الملف مكانه. فيما الموت تحت ركام المنازل المنهارة بين الفينة والأخرى، «يترصد» سكان أراضي المشروع، الذي لن يكتمل إنجازه إلا بحلول سنة 2018، بعد أن أخلفت الشركة الموعد سنة 2010 الذي سبق وأن تعهدت به. تماطل في ترحيل السكان أكد النائب البرلماني ونائب رئيس مقاطعة سيدي بليوط عبد الحق الناجحي بمجلس النواب الاثنين الماضي، حصول تماطل كبير في ترحيل القاطنين في المحج أو الحي السكني منذ سنة 1994. واعتبر بأن الشركة التي كلفت بإعادة النظر في المحج الملكي الذي هو عبارة عن سكن آيل للسقوط تعيش مأزقا حقيقيا بسبب تناسل عائلات كثيرة بالمدينة مما صعُب معه إيجاد حل للمحج الملكي بما يضمن استفادة الجميع من الحل بخصوص الدور الآيلة للسقوط، مضيفا أن السلطة المحلية بدورها تعيش مأزقا بهذا الخصوص، مما يتطلب البحث عن حل لهذه المعضلة. وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله بالبرلمان، قال بأن الأبحاث التقنية جارية لتحديد الأسباب الدقيقة وراء الحادث المؤلم، وكذا وراء الحالات الأخرى في المدينة القديمة والفداء و مرس السلطان، مضيفا أنه تم إحداث لجنتين على صعيد المدينة القديمة والفداء تتكون من القطاعات المعنية ومختبر ومكتب دراسات وهيئة المهندسين المعماريين لوضع تشخيص دقيق ومحين لكل البنايات المهددة بالانهيار.وذكر وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة ببعض الإجراءات التي يتم اتخاذها لمعالجة معضلة انهيار المباني منها الدعم المادي للأسر المعنية لإيجاد سكن بديل، وإعطاء الأولوية لهذه الأسر للاستفادة من برامج السكن الاجتماعي، إلا أنه شدد على أن هذه المجهودات تبقى غير كافية نظرا للصعوبات الاجتماعية والمالية للأسر المعنية، وصعوبة التدخل في هذه المباني على اعتبار أن الأمر يتعلق بالملك الخاص وكذا لتشتت الحالات المعنية بالتدخل. . عقبة الإشكالية القانونية يرى عدد من المتدخلين في قطاع السكن بالمدينة أن حل مشكل البيوت المهددة بالسقوط، من الإشكاليات المعقدة على الإطلاق، خاصة وأنها مرتبطة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي لغالبية الأسر التي تسكنها من جهة، وبالإكراهات التي يواجهها قطاع العقار على العموم من جهة ثانية. إزاء ذلك، تجد وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة نفسها مطوقة بهدفين متكاملين، في إطار مواجهة المشاكل المطروحة في مجال السكن، الأول يتمثل في تقليص العجز على مستوى إنتاج السكن، والثاني يتجسد في ضرورة الحد من مدن الصفيح ومعالجة مشكل المنازل الآيلة للسقوط ، المرتبط على وجه الخصوص بتفتيت الملكية بين سكان ومستأجرين أو مالكي هذه المنازل، وهي الوضعية التي تعقد عمليات ترحيل وإسكان أو إفراغ قاطني هذه الدور وما تخلفه من صعوبات ومشاكل، في الوقت الذي أصبحت هذه المباني تشكل عبئا حقيقيا على النسيج الحضري، وخطرا يلازم ساكنيها والبنايات المحيطة بها، إنها معادلة صعبة جدا. والمفارقة أن تنامي حوادث سقوط وتهاوي البنايات القديمة في السنوات الأخيرة، تزامن مع ترسانة قانونية تراوح مكانها. هذا المعطى أكده وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة بالبرلمان، مشددا على أن التدخلات لمعالجة هذه الإشكالية لا تزال إلى حدود اليوم، ترتكز على مرجعية قانونية وتنظيمية محدودة وقاصرة. وإلى ذلك، أوضح وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله،أن القضايا المرتبطة بالمدن العتيقة تستلزم اعتماد مقاربة حكومية تحدد المسؤوليات لمعالجة مشكل الدور الآيلة للسقوط المعقد، نظرا لارتباطه بالإشكالية القانونية لملكية هذه الدور وبإعادة إسكان الأسر المتواجدة فيها. وفي هذا الصدد أكد بنعبد الله أن الوزارة بصدد وضع مشروع قانون يؤطر الدور الآيلة للسقوط بعدد من المدن، مضيفا أن المشروع في طور المسطرة التشريعية العادية. وكشف الوزير أن الحكومة ستقوم بعدة إجراءات في موضوع الدور الآيلة للسقوط من بينها التفكير في إحداث صندوق خاص لدعم وتمويل الدور الآيلة للسقوط، كما خصصت الحكومة قيمة مالية تبلغ 90 مليون درهم، ساهم فيه صندوق التضامن للسكن ب 30 مليون درهم من أجل إيجاد حل عاجل لمجموعة من الدور الآيلة للسقوط والتي لها أولوية.